مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 396

جلسة 14 فبراير سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(301)
القضيتان رقما 115 و492 سنة 14 القضائية

جنسية:
( أ ) الفصل في مسائل الجنسية. لم يعد بعد صدور قانون الجنسية في 27 فبراير سنة 1929 من اختصاص وزارة الخارجية. الشهادة الصادرة من وزارة الداخلية بثبوت الجنسية المصرية. ليست حجة قاطعة في ذلك. للمحاكم تقدير قيمتها فتأخذ بها أو تطرحها.
(ب) المادة 22 من قانون الجنسية. الغرض منها. وضع قرينة للمساعدة على الفصل في مسائل الجنسية. سقوط هذه القرينة بثبوت الجنسية الأجنبية على وجه قانوني ظاهر.
(جـ) حكم. تسبيبه. تمسك المتهم في إثبات رعويته الأجنبية بمستندات لم تأخذ بها المحكمة. ردّ المحكمة على هذه المستندات يفهم منه أنها كانت تحت تأثير فكرة أن الفصل في مسائل الجنسية من اختصاص وزارة الخارجية. قصور.
1 - إن المادة 21 من قانون الجنسية الصادر في 27 فبراير سنة 1929 إذ نصت على أن "يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية مقابل دفع الرسوم التي تفرض بمقتضى قرار منه وبعد تقديم جميع الأدلة التي يرى لزومها - وهذه الشهادة يؤخذ بها لدى القضاء حتى يثبت عكس ما فيها" - إذ نصت على ذلك قد أفادت أنه، بعد صدور هذا القانون، لم يعد لوزارة الخارجية اختصاص بالفصل في مسائل الجنسية، وأن الشهادة الصادرة من وزارة الداخلية ليست حجة قاطعة في ثبوت الجنسية المصرية وإنما هي دليل قابل لإثبات عكسه لدى القضاء، بحيث إن المحكمة هي التي لها في النهاية حق الفصل في قيمة هذه الشهادة فتأخذ بها إذا اقتنعت بصحتها وتطرحها إذا ثبت لها عكس ما فيها من الأدلة التي تراها مؤدّية لذلك.
2 - إن ما جاء بالمادة 22 من القانون المذكور من أن "كل شخص يسكن الأراضي المصرية يعتبر مصرياً ويعامل بهذه الصفة إلى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح" - ذلك إنما أراد به الشارع المصري وضع قرينة تساعد وزير الداخلية، ثم جهة القضاء، على الفصل في مسائل الجنسية، ولكنها قرينة قوامها مجرّد الافتراض، فتسقط بثبوت الجنسية الأجنبية على وجه قانوني ظاهر.
3 - إذا كانت محكمة الموضوع قد تحدّثت عن بعض المستندات التي تمسك بها المتهم في إثبات رعويته الأجنبية ولم تر الأخذ بها، ولكن كان ظاهراً من سياق حكمها أنها كانت متأثرة في ردّها عليها بالنظر الخاطئ الذي ذهبت إليه، وهو أن وزارة الخارجية هي وحدها صاحبة القول الفصل في مسائل الجنسية، فجاء بحثها للمستندات المذكورة بحثاً سطحياً، فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور في هذه الناحية.


المحكمة

وحيث إن أسباب الطعن على الحكم الصادر بتاريخ 27 إبريل سنة 1943 والقاضي برفض الدفع بعدم الاختصاص تتحصل في أنه قد أخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى لأنه يوناني الجنسية وقدّم الأوراق المثبتة لذلك، فقضت المحكمة برفض هذا الدفع بمقولة إن وزارة الخارجية المصرية هي صاحبة الاختصاص الأوّل والأخير بالفصل في الجنسية، مع أن هذا القول يتنافى مع قانون الجنسية الذي يخوّل المحاكم حق الفصل فيما يقوم من نزاع بشأن جنسية الخصوم. ويضيف الطاعن إلى ذلك أن أية شهادة تصدرها وزارة الخارجية أو الداخلية أو غيرها من الوزارات لا تزيد في قيمتها على كونها دليلاً من الأدلة المطروحة على المحكمة والخاضعة لتقديرها. وقد جاء في الحكم الصادر برفض الدفع ما يؤيد هذا النظر، إذ قالت المحكمة فيه أن الطاعن لم يقدّم دليلاً على رعويته الأجنبية، وقولها هذا يناقض ما قررته في القاعدة السابقة. على أن الطاعن قد قدم فعلاً الأدلة على جنسيته اليونانية، ولم تردّ المحكمة عليهاً ردّاً صحيحاً وافياً، بل جاء ردّها خاطئاً وقاصراً.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة وعلى الحكمين المطعون فيهما أن الطاعن دفع أمام محكمة الموضوع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى وقدم عدة مستندات تأييداً لهذا الدفع فقضت بحكمها الصادر بتاريخ 27 إبريل سنة 1943 برفضه وردّت عليه بقولها: "إن الأصل في جميع المقيمين بالأراضي المصرية أنهم مصريو الجنسية حتى يقوم الدليل على العكس لذلك طبقاً للمادة 22 من المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 1929 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 92 لسنة 1931 وإن المتهم (الطاعن) ادّعى أثناء التحقيق الذي قامت به النيابة العمومية في هذه الدعوى أنه يوناني التبعية وقدّم تأييداً لذلك شهادة (ديموتيكو) باسم ديمتري يني كوكونيس، ولما عرضت هذه الشهادة على وزارة الخارجية المصرية أجابت بخطابها المؤرّخ 5 يناير سنة 1939 أن حقيقة اسم المتهم ديمتري جان أركاديو، وأنه من رعايا الحكومة المصرية لأنه من ليمونا بجزيرة قبرص ووفد إلى القطر المصري قبل سنة 1914 وإقامته دائمة، ولم يختر الجنسية البريطانية، وأنه ينتحل اسم ديمتري يني كوكونيس. وإن المتهم قدّم للتدليل على جنسيته اليونانية شهادة من القلم الجنائي بنيابة بورسعيد جاء بها أنه قدّمت ضدّه شكوى من الأستاذ فتيادس المحامي أمام المحاكم المختلطة يتهمه فيها بالتزوير في دفاتر قنصلية اليونان بالزقازيق ونسب نفسه إلى يني كوكوينس الذي كان يقيم ببلدة شبلنجة وانتهت النيابة العمومية إلى حفظ الأوراق كما قدّم شهادة رسمية عن حكم صادر من غرفة المشورة بقنصلية اليونان بإسكندرية بأن لا وجه لاتخاذ الإجراءات الجنائية ضدّه عن تهمة التزوير التي أسندت إليه والخاصة بتغيير اسمه إلى ديمتري يني كوكونيس بدلاً من ديمتري جان أركاديو. وقد صدر هذا الحكم بتاريخ 11 مارس سنة 1938 كما قدّم ثلاثة أوراق باللغة اليونانية يقول عنها إنها صورة حكم صادر من المحكمة المركزية بباقوس (جزيرة قبرص) جاء بها أن ديمتري يني كوكونيس وديمتري جان أركاديو أسماء لشخص واحد هو المتهم، ومع هذه الأوراق الثلاثة ورقة محررة باللغة الإنجليزية بمضمون هذا، وجميع هذه الأوراق محررة في 27 فبراير سنة 1943. وإن قرار النيابة العمومية بحفظ تهمة التزوير المسندة للمتهم وقرار غرفة المشورة بالقنصلية اليونانية بأن لا وجه لإقامة الدعوى ضدّه عن تهمة التزوير في دفاتر قنصلية الزقازيق لا يؤخذ منهما أي دليل على رعويته اليونانية، خصوصاً إذا لوحظ أن قرار غرفة المشورة كان في متناول يد المتهم منذ 11 مارس سنة 1938 أي قبل كتاب وزارة الخارجية المصرية التي تؤكد فيه رعويته المصرية قبلاً بتسعة شهور، وبراءة المتهم من تهمة التزوير في دفاتر القنصلية لا يمكن أن يكون فصلاً في جنسية المتهم إذ صاحبة الاختصاص الأوّل والأخير في الفصل في الجنسية هي وزارة الخارجية المصرية. وإنه عن الأوراق التي قدّمها المتهم على أنها صورة حكم من المحكمة المركزية ببانوس فليس هناك من دليل رسمي على صحة ما يدعيه المتهم من صدور مثل هذا الحكم وعلى فرض صحة هذه الأوراق فإنها لا تقدّم في الأمر ولا تؤخر، وكان في استطاعة المتهم أن يعرضها على وزارة الخارجية المصرية لتبت في أمر جنسيته، خصوصاً وقد مضى على صدروها شهران كاملان لم يتخذ فيها المتهم أي إجراء لعرض الأوراق على وزارة الخارجية، مما يدعو للقول بأنه يشك في نتيجة فحص وزارة الخارجية لهذه الأوراق. وإن هذه الأوراق بالغة ما بلغت قيمتها لا يمكن أن تقوم مقام الشهادة الرسمية من وزارة الخارجية المصرية وهذا ما حدا بالدفاع عن المتهم إلى أن يطلب مهلة لعرض هذه الأوراق على وزارة الخارجية وترى المحكمة أن لا محل لإجابة هذا الطلب. إذ أن تمسك المتهم بالجنسية اليونانية يرجع إلى مبدأ التحقيق في سنة 1937 وهو يعلم قرار وزارة الخارجية المصرية بشأن رعويته منذ شهر يناير سنة 1939 وقد مضى من ذلك الحين وقت كافٍ جداً ليتخذ المتهم ما يراه موصلاً إلى إثبات الجنسية التي يدعيها، ما دام أنه لم يفعل فإن ذلك يؤيد ما قالت به وزارة الخارجية المصرية من أن المتهم ينتحل اسم ديمتري يني كوكونيس كذباً تهرّباً من أحكام القانون. وإنه يخلص من كل هذا أن المتهم لم يقدّم دليلاً ولا شبه دليل على صحة ما يدعيه من تمتعه بالرعوية اليونانية ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى في غير محله ويتعين رفضه والقضاء باختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى". ثم صدر الحكم في الموضوع بناء على ما قضى به الحكم الصادر في الدفع بعدم الاختصاص.
وحيث إن ما بني عليه قضاء المحكمة في هذا الدفع من أن صاحبة الاختصاص الأوّل والأخير بالفصل في الجنسية هي وزارة الداخلية لا يتفق مع قانون الجنسية الصادر في 27 فبراير سنة 1929، فإن المادة 21 من هذا القانون تنص على ما يأتي: "يعطي وزير الداخلية كل ذي شأن شهادة بالجنسية المصرية مقابل دفع الرسوم التي تفرض بمقتضى قرار منه وبعد تقديم جميع الأدلة التي يرى لزومها. وهذه الشهادات يؤخذ بها لدى القضاء حتى يثبت عكس ما فيها". مما يستفاد منه أنه بعد صدور هذا القانون لم يعد لوزارة الخارجية اختصاص بالفصل في مسائل الجنسية، وأن الشهادة الصادرة من وزارة الداخلية ليست حجة قاطعة في ثبوت الجنسية المصرية بل هي دليل قابل لإثبات عكسه لدى القضاء، بحيث إن المحكمة هي التي لها في النهاية حق الفصل في قيمة هذه الشهادة، فتأخذ بها إذا اقتنعت بصحتها، وتطرحها إذا ثبت لها عكس ما فيها بالأدلة التي تراها مؤدية لذلك.
وحيث إن ما جاء بالمادة 22 من القانون المذكور من أن "كل شخص يسكن الأراضي المصرية يعتبر مصرياً ويعامل بهذه الصفة إلى أن تثبت جنسيته على الوجه الصحيح" - ما جاء بتلك المادة إنما أراد به الشارع المصري وضع قرينة تخفف على وزير الداخلية وبالتالي على القضاء مهمة الفصل في مسائل الجنسية، ولكنها قرينة تقوم على الافتراض، وتسقط متى ثبتت الجنسية الأجنبية على وجه قانوني ظاهر.
وحيث إن محكمة الموضوع وإن تحدّثت عن بعض المستندات التي تمسك بها الطاعن لإثبات رعويته اليونانية ولم تر الأخذ بها، إلا أنه ظاهر من سياق حكمها أنها كانت متأثرة في ردّها عليها بتلك القاعدة الخاطئة التي أسست عليها قضاءها برفض الدفع بعدم الاختصاص، حتى إنها قالت إن هذه المستندات بالغة ما بلغت قيمتها لا يمكن أن تقوم مقام الشهادة الرسمية الصادرة من وزارة الخارجية، وكان من أثر ذلك أن جاء بحثها بمستندات الطاعن بحثاً سطحياً غير وافٍ.
وحيث إنه فضلاً عن ذلك فقد قدّم الطاعن إلى هذه المحكمة صورة رسمية من الكتاب الصادر في 10 أكتوبر سنة 1942 من وكيل وزارة الخارجية إلى محافظ القنال، ويبين منها أن وزارة الخارجية لم تقطع برأي في جنسية الطاعن، إذ جاء بكتابها أنه "إذا ثبت من تحريات المحافظة الآن أن المدعو ديمتري جان كوكونيس هو ابن جان أ. كوكونيس الشرعي حقيقة. وبما أنه مقيد بالقنصلية اليونانية فيعرف بالصفة اليونانية. أما إذا دلت التحريات بالبرهان القاطع على أن صحة اسمه هو ديمتري يني أركاديو. وبما أنه لم يسبق الاعتراف لشخص بهذا الاسم بالصفة اليونانية فيعامل أسوة بالرعايا المصريين ويصادر الديموتيكو. أما التأكد من صحة الاسم الذي يدعيه صاحب الشأن لنفسه فليس من اختصاص الخارجية النظر فيه". مما يدل على أن اعتماد المحكمة على رأي وزارة الخارجية المصرية كان في غير محله.
وحيث إنه متى تقرر ذلك يكون الحكم الصادر برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم الأهلية بنظر الدعوى حكماً خاطئاً متعيناً نقضه، ويجب إعادة القضية إلى المحكمة الاستئنافية للفصل فيها من دائرة أخرى غير التي حكمت فيها أوّلاً بعد بحث المستندات التي قدّمت والتي تقدّم من الطاعن لإثبات جنسيته الأجنبية.
وحيث إن الحكم الثاني الصادر بتاريخ 4 يناير سنة 1944 في موضوع الدعوى قد بني على الحكم الأوّل، ويترتب على ذلك حتماً نقضه بغير حاجة إلى البحث فيما قدمه الطاعن من أسباب للطعن عليه.