مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 405

جلسة 28 فبراير سنة 1944

برياسة حضرة صاحب السعادة أمين أنيس باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات: منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة وجندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.

(306)
القضية رقم 1449 سنة 13 القضائية

( أ ) قانون. الشريعة الإسلامية وسائر قوانين الأحوال الشخصية. من القوانين الواجب على المحاكم تطبيقها فيما يعرض لها من مسائل الأحوال الشخصية التي لا ترى موجباً لانتظار الفصل فيها من جهة الأحوال الشخصية المختصة أصلاً بالفصل فيها. خضوعهاً في ذلك لرقابة محكمة النقض.
(ب) إسلام شخص. ثبوته أو عدم ثبوته. من مسائل الأحوال الشخصية. خضوعه لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة.
(جـ) مسيحي. نطقه أمام المأذون بالشهادتين وتسميه بغير اسمه الأصلي وتقريره بأنه لا يوجد ثمة مانع من زواجه بالمسلمة التي كان زواجها موضوع العقد. اعتبار ذلك منه تزويراً في وثيقة الزواج. لا خطأ فيه.
(المواد 179 و180 و181 ع = 211 و212 و213)
1 - إن الشريعة الإسلامية وسائر قوانين الأحوال الشخصية تعتبر من القوانين الواجب على المحاكم تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية في مسائل الأحوال الشخصية التي تعرض لها ولا يكون فيها ما يستدعي أن توقف الدعوى حتى تفصل فيها جهة الأحوال الشخصية المختصة أصلاً بنظرها. وفي هذه الحالة يكون على المحكمة أن تتثبت من النص الواجب تطبيقه في الدعوى وأن تطبقه على وجهه الصحيح، كما تفعل جهة الأحوال الشخصية، وقضاؤها في ذلك يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض.
2 - إنه لما كان ثبوت إسلام الشخص أو عدم إسلامه هو من مسائل الأحوال الشخصية، ولما كان الشارع قد قرّر في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 أن الأحكام الشرعية تصدر طبقاً لما هو مدوّن بها ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وللقواعد الخاصة التي يصدر بها قانون، فإن المحكمة إذا ما عرضت لها مسألة من ذلك يكون عليها أن تأخذ فيها بالقاعدة الشرعية الواردة على واقعتها حسبما جاء باللائحة المذكورة. ولما كان أمر الدخول في الإسلام وثبوت الحكم به لم تعرض له لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ولم يصدر قانون في خصوصه، فإن القانون الواجب تطبيقه في الدعوى يكون هو أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة.
3 - إنه لما كان المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في إسلام أهل الكتاب أنه لا يحكم بإسلامهم بالنطق بالشهادتين لا غير بل لا بدّ مع ذلك من النطق بالتبري من كل دين يخالف دين الإسلام، وأن هذا التبري شرط لإجراء أحكام الإسلام عليهم، لا لثبوت الإيمان فيما بينهم وبين الله، ولما كان ذلك هو الجاري عليه العمل في المحاكم الشرعية في ضبط الإشهاد بالإسلام، فإنه إذا كان الثابت بالحكم أن المتهم لم ينطق أمام المأذون إلا بالشهادتين لا غير، فاعتبره الحكم غير مسلم، وبالتالي اعتبره كاذباً فيما قرّره للمأذون من عدم وجود مانع شرعي من زواجه بالمسلمة التي كان زواجها موضوع العقد، وفيما قرّره أيضاً من أن اسمه هو الاسم الذي تسمى به حالة كونه مسيحياً، مما يكون جريمة الاشتراك بطريق المساعدة مع موظف عمومي حسن النية هو المأذون في ارتكاب تزوير في وثيقة عقد زواج، وبناء على ذلك عاقبه بالمواد 211 و212 و213 و40 و41 من قانون العقوبات، فهذا الحكم لا يكون قد أخطأ.


المحكمة

وحيث إن الطعن يتحصل في أن الثابت بالحكم أن الطاعن نطق أمام المأذون بالشهادتين فصار مسلماً بهذا النطق، وحق له أن يتزوّج مسلمة، كما حق له أن يغير اسمه فيتخذ اسماً جديداً يدل على إسلامه. فهو إذا كان صادقاً في إقراره أمام المأذون بأنه لا مانع من الزواج وأن اسمه توفيق عبد لله إبراهيم، وبالتالي لا يكون قد وقع منه أي تغيير للحقيقة. ولكن المحكمة دانته وأقامت حكمها على أنه لم يكن مسلماً بل إنه مسيحي باق على مسيحيته معتمدة على إقراره بعد ذلك في إحدى القضايا بأنه مسيحي وأن اسمه توفيق كيرلس جرجس، وبذلك تكون قد خالفت القانون. لأن الشريعة الإسلامية لا تتطلب للحكم بالإسلام إلا النطق بالشهادتين لا غير. أما الإقرار الذي أشارت إليه المحكمة فقد حصل بعد مرور أكثر من ستة أشهر على العقد ولذلك فإنه لا يتنافى مع إسلامه الثابت وقت الزواج ويعدّ منه ردّة ورجوعاً إلى ديانته واسمه السابقين.
وحيث إن الواقعة الثابتة بالحكم هي: "أن جليلة خليل إبراهيم تعرفت
بالمتهم توفيق كيرلس جرجس وعرفت منه أنه كان مسيحياً وأسلم وأنه يريد الزواج منها، فقبلت ذلك وتوجها معاً في يوم 17 يناير سنة 1941 الموافق 19 ذي الحجة سنة 1359 للشيخ عبد العظيم السيد المأذون بقسم الخليفة وهناك سأله المأذون عما إذا كانت هناك موانع شرعية تمنعه من الزواج بها فأجابه بعدم وجود موانع وفهم منه أنه مسلم لأنه نطق بالشهادتين أمامه وتسمى باسم توفيق عبد الله إبراهيم فأجرى لهما العقد وأثبت ذلك في وثيقة وقع عليها المتهم باسمه المنتحل ثم ظهر بعد ذلك أن المتهم كان كاذباً في إقراره للمأذون لوجود المانع الشرعي الذي يمنع من عقد الزواج لأنه مسيحي باق على دينه ولا يجوز العقد له على جليلة خليل إبراهيم لأنها مسلمة، وأنه كاذب فيما قرّره للمأذون أيضاً من أن اسمه توفيق عبد الله إبراهيم مع أن اسمه الحقيقي توفيق كيرلس جرجس". ويبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أقيم على أساس أن الطاعن لم يكن مسلماً وقت زواجه بالمسلمة جليلة وهو هو ما ينعاه الطاعن عليه ويقول إنه مخالف لحكم الشريعة الإسلامية.
وحيث إن الشريعة الإسلامية وسائر قوانين الأحوال الشخصية تعتبر من القوانين الواجب على المحاكم تطبيقها في مسائل الأحوال الشخصية التي تعرض لها ولا تجد فيها ما يستدعي التقرير بوقف الدعوى حتى تفصل فيها جهة الأحوال الشخصية المختصة بنظرها بصفة أصلية ويكون على المحكمة عندئذ أن تتثبت من النص الواجب تطبيقه في الدعوى وأن تأخذ به على وجهه الصحيح حسبما كانت تفعل جهة الأحوال الشخصية المختصة. ويكون حكمها في ذلك خاضعاً لرقابة محكمة النقض.
وحيث إن ثبوت إسلام الطاعن أو عدم ثبوته هو من مسائل الأحوال الشخصية. ولما كان الشارع قد قرّر في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 أن الأحكام الشرعية تصدر طبقاً للمدوّن فيها ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وللقواعد الخاصة التي يصدر بها قانون، فإن الواجب على المحكمة أن تأخذ في الدعوى المطروحة عليها بالقاعدة الشرعية المنطبقة على واقعتها حسبما جاء باللائحة المذكورة. ولما كان أمر الدخول في الإسلام وثبوت الحكم به لم تعرض له لائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ولم يصدر قانون في خصوصه، فإن أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة يكون هو القانون الواجب تطبيقه في الدعوى.
وحيث إن الطاعن يستدل على دعواه الإسلام وقت عقد الزواج بالثابت بالحكم من أن المأذون قرر أمام محكمة الجنايات أنه نطق أمامه بالشهادتين وبأن النطق بهما يكفي للحكم بالإسلام، مستنداً إلى الفتوى الصادرة له بهذا المعنى من أحد الطلبة بكلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية وإلى قول المأذون بذلك أمام محكمة الجنايات.
وحيث إن المستفاد من كتب الحنفية أن أرجح الأقوال في مسألة ثبوت إسلام أهل الكتاب أنه لا يحكم بإسلامهم بالنطق بالشهادتين لا غير، بل لابد معهما من النطق بالتبري من كل دين يخالف دين الإسلام، وأن هذا التبري شرط لإجراء أحكام الإسلام عليهم لا لثبوت الإيمان فيما بينهم وبين الله، وذلك هو الجاري عليه العمل بالمحاكم الشرعية في ضبط الإشهاد بالإسلام، لما كان الثابت بالحكم أن الطاعن لم ينطق أمام المأذون إلا بالشهادتين لا غير، فإن الحكم المطعون فيه وهو في صدد إجراء أحكام الإسلام عليه إذ قال بعدم إسلامه يكون قد صادف أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ولا محل للطعن عليه بأنه خالف القانون.
وحيث إنه لما تقدّم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن هذه المحكمة بعد الفصل في الطعن لا يسعها إلا أن تشير إلى أن محكمة الجنايات قد استخلصت من وقائع الدعوى أن ادّعاء الطاعن تغيير دينه واسمه إنما كان احتيالاً منه توصل به إلى الزواج ممن لا تحل له. ولما لكان تغيير الدين تترتب عليه آثار ذات خطر كبير فإن المصلحة العامة تقضي بأن لا يترك أمره فوضى بلا تنظيم قانوني احتراماً للشرائع وحفظاً للأعراض وصيانة للحقوق وحدّاً من تلاعب ذوي الأهواء باسم الدين. ولما كان تسمي الأشخاص بأسماء معينة هو من النظام العام ويجب محافظة على مصلحة الجماعة تنظيم كل تغيير يحصل فيها - لما كان ذلك فإن هذه المحكمة تهيب بالحكومة لوضع تشريع كفيل بهذا التنظيم.