مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 410

جلسة 28 فبراير سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك ومحمود فؤاد بك المستشارين.

(308)
القضية رقم 369 سنة 14 القضائية

حكم غيابي. حضور المتهم. اختلاف أثره بالنسبة للحكم إن كان صادراً في جناية أو في جنحة. في جناية يسقط الحكم حتماً. في جنحة لا يسقط. لا يجوز للمتهم أن يتمسك به عند إعادة محاكمته. لا يجوز قياس سقوط الأحكام الغيابية في مواد الجنايات على المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح.
إن المادة 224 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتماً الحكم السابق صدروه إلخ" قد أفادت صراحة أنه يترتب على حضور المتهم سقوط الحكم الغيابي حتماً بقوّة القانون. ولكن في ذلك يختلف الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات عن الحكم الغيابي الصادر من محاكم الجنح والمخالفات. فالحكم الأخير لا يسقط بحضور المتهم بل للمتهم، كما يشاء، أن يعارض فيه أو أن يقبله ويترك ميعاد المعارضة ينقضي دون أن يرفعها. أما الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات فلا يتوقف أمره على إرادة المتهم، إن شاء قبله أو شاء طعن فيه أو إذ هو يسقط حتماً بحضوره. ومتى كان المقرر أن الحكم الغيابي في مواد الجنايات يسقط حتماً بقوّة القانون، فإن المتهم لا يجوز له، عند إعادة محاكمته، أن يتمسك بالعقوبة المقضي بها فيه، بل إن المحكمة تفصل في الدعوى بكامل حريتها غير مقيدة بشيء مما جاء في الحكم المذكور. لأن إعادة الإجراءات لم تشرع لمصلحة المحكوم عليه فقط بل لتحقيق مصلحة عامة. ومن الخطأ قياس سقوط الأحكام الغيابية في مواد الجنايات على حالة المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات، لأنه وإن كان صحيحاً أن المتهم لا يجوز أن يضار بمعارضته إلا أن هذا محله أن يكون هناك تظلم مرفوع منه، أما والأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الجنايات لا معارضة فيها فإن القياس بين الحالتين يكون قياساً مع الفارق.


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتحصل في أن دفاع الطاعن أمام محكمة الجنايات كان يقوم على أن اتهام العمدة المجني عليه له ناشئ عن الضغائن التي بينهما، واستدل على ذلك بقضية الجناية رقم 121 سنة 1941 كلي المنصورة وطلب إلى المحكمة ضمها والاطلاع عليها قبل أن تفصل في الدعوى، ولكنها رفضت طلبه، وفي هذا إخلال بحقه في الدفاع.
وحيث إن المحكمة قد ردت على طلب ضم القضية المشار إليها في هذا الوجه بقولها "إن المحكمة لا ترى محلاً لإجابة الدفاع إلى ما طلب بخصوص ضم قضية الجناية رقم 121 سنة 1941 كلي المنصورة الذي كان متهماً فيها محمد إبراهيم حجازي بإتلاف زراعة العمدة المجني عليه وتبرأ منها لأنه مع التسليم بصحة ما قرّره الدفاع من أنه جاء بأسباب الحكم القاضي ببراءة المتهم أن القول بأن المتهم هو مرتكب الحادثة إنما كان من خيال المجني عليه فإن أمره لا ينفي أن اتهام المجني عليه للمتهم في القضية الحالية كان من نسيج الخيال أيضاً إذ لكل قضية ظروفها ولكل محكمة تقديرها". وما دامت المحكمة قد عنيت ببحث الطلب المقدّم إليها من الطاعن، ولما أن استبانت أن القضية المطلوب ضمها غير متعلقة بالدعوى ولا منتجة فيها رفضت هذا الطلب، معللة رفضها بأسباب منطقية، فلا محل لما ينعاه الطاعن عليها في هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني أن محكمة الجنايات كانت قد قضت في غيبة الطاعن بمعاقبته بالسجن خمس سنوات، ولما أن قدّم إليها وأعيدت محاكمته قضت بمعاقبته بالأشغال الشاقة خمس سنين. ويقول إن المبادئ المقررة قانوناً أن المتهم لا يضار بمعارضته في الحكم الغيابي الصادر ضدّه، وقياساً على هذا لا يصح بأن يحكم عليه بعقوبة أشدّ عند إعادة إجراءات المحاكمة أمام محكمة الجنايات، ولذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون بتشديده العقوبة المقضي بها عليه.
وحيث إن المادة 224 من قانون تحقيق الجنايات إذ نصت على أنه "إذا حضر المحكوم عليه في غيبته أو قبض عليه قبل سقوط العقوبة بمضي المدة يبطل حتماً الحكم السابق صدروه" قد أفادت صراحة أنه يترتب على حضور المتهم سقوط الحكم الغيابي حتماً بقوّة القانون. وبذلك يختلف الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات عن الحكم الغيابي الصادر من محاكم الجنح والمخالفات. فإن الحكم الأخير لا يسقط بحضور المتهم، بل للمتهم أن يعارض فيه إذا شاء، أو يقبله ويترك ميعاد المعارضة ينقضي دون أن يرفعها. أما الحكم الصادر في الغيبة من محكمة الجنايات فلا يتوقف أمره على إرادة المتهم، إن شاء قبله أو طعن فيه، بل يسقط حتماً بحضوره. ومتى تقرر ذلك، وبأن الحكم الغيابي في مواد الجنايات يسقط حتماً بقوّة القانون، فإن المتهم لا يجوز له أن يتمسك به، بل إن المحكمة تفصل في الدعوى - عند نظرها من جديد - بكامل حريتها، غير مقيدة بالحكم المذكور، لأن إعادة إجراءات المحاكمة لم تشرع لمصلحة المحكوم عليه، بل لتحقيق مصلحة عامة. ومن الخطأ قياس سقوط الأحكام الغيابية في مواد الجنايات بالمعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح والمخالفات، لأنه وإن كان صحيحاً أن المتهم لا يجوز أن يضار بمعارضته، إلا أن هذا محله أن يكون هناك تظلم مرفوع منه، أما والأحكام الغيابية الصادرة من محاكم الجنايات تسقط من تلقاء نفسها ولا تقبل فيها أية معارضة، فإن القياس بين الحالتين يكون قياساً مع الفارق.
وحيث إن مؤدّى الوجه الثالث أن الأسباب التي ذكرتها محكمة الموضوع للاستدلال بها على توفر ظرف الإصرار لدى الطاعن لا تؤدي إلى توافر هذا الركن.
وحيث عن الحكم المطعون فيه قد ذكر: "أن سبق إصرار المتهم وزملائه الآخرين على ضرب العمدة المجني عليه ثابت: (أوّلاً) من الباعث الذي دفع المتهم وزملاءه إلى العدوان وهو حقدهم على العمدة بسبب تشديده في مراقبتهم وتضييقه الخناق عليهم مما أوغر صدورهم عليه وحملهم على الكيد له بإحراق ساقيته تارة وإتلاف زراعته تارة أخرى واتهام العمدة للمتهمين بإتلاف هذه الزراعة. (ثانياً) من رفض المتهمين للصلح الذي سعى فيه محمد حجازي سالم خال العمدة مما يدل على أن نيتهم كانت منصرفة إلى إيذائه والإضرار به وقد اعترف المتهم في التحقيق بأن محمد حجازي حضر إليه بعد إتلاف الزراعة وخاطبه في الصلح مع العمدة فطلب أن يبقي موضوع الصلح حتى يرى ما يتم في قضية الإتلاف التي اتهم فيها. (ثالثاً) من وجود المتهمين مجتمعين في القهوة المجاورة للمحطة ومعهم العصي التي أعدّوها لضرب المجني عليه عند حضوره إلى المحطة للسفر ويظهر أنهم كانوا يعلمون من قبل بعزم المجني عليه على السفر في ذلك اليوم بدليل قول المتهم الرابع عبد المحسن عبد الجوّاد إنه ذهب إلى المحطة لمقابلة العمدة وهو مسافر في القطار. (رابعاً) من حضور المتهمين إلى المحطة يحملون العصي وهجومهم على المجني عليه وهو يهم بركوب القطار على حين فجأة ومن غير سبق استفزاز. وعلى فرض أن المتهمين كانوا مجتمعين في القهوة من قبل حضور المجني عليه إلى المحطة وأن فكرة الاعتداء عليه لم تختمر عندهم إلا عند رؤيته وهو داخل في المحطة فإنه قد مضى من وقت دخوله إلى وقت ركوبه القطار نحو ثلث ساعة أمكن للمتهمين فيها أن يتفقوا ويتدبروا ويعدّوا للأمر عدّته. وهذا يكفي لتوفر ظرف سبق الإصرار بغض النظر عن مقدار الوقت الذي انقضى من وقت التصميم على ارتكاب الجريمة إلى وقت تنفيذها".
وحيث إنه يتضح من ذلك أن محكمة الموضوع قد اقتنعت عند الحكم في الدعوى بأن الطاعن وزملاءه لم يعتدوا على المجني عليه إلا بعد تدبر وتروّ في أمر ما اجترأوا على مقارفته. ومتى كان ذلك كذلك فلا يقبل من الطاعن الجدل الذي أثاره حول توافر ظرف سبق الإصرار، ما دامت المحكمة لم تخطئ في تقدير هذا الظرف كما عرفه القانون، وما دامت الأدلة التي استخلصت منها ثبوته من شأنها أن تؤدّي إلى ما رتبته عليها.