أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1430

جلسة 9 من ديسمبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمود عبد الباري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي الجندي ومحمد حسين مصطفى وعبد الفتاح حبيب نواب رئيس المحكمة. وحسن حسين الفزيري.

(203)
الطعن رقم 17891 لسنة 66 القضائية

(1) إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكامل أجزائه. لا يعيبه.
(2) اختلاس. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة الاختلاس. غير لازم. كفاية إيراده ما يدل على تحققه.
(3) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اطمئنان المحكمة إلى الدليل الفني المستمد من تقرير قسم الأدلة الجنائية وتعويلها عليه في إدانة الطاعن. إغفالها دفاع الطاعن في شأن طلب ندب قسم أبحاث التزييف والتزوير. لا إخلال بحق الدفاع.
(4) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الطلب الذي تلتزم المحكمة بإجابته. ماهيته.
مثال لما لا يعد طلباً جازماً.
(5) تزوير. اختلاس أموال أميرية. ارتباط. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن.
النعي على الحكم بالقصود لعدم إطلاع المحكمة على الأوراق المدعي بتزويرها غير مجد. ما دام قد أوقع على الطاعن العقوبة المقررة لجريمة الاختلاس باعتبارها الأشد عملاً بالمادة 32 عقوبات.
(6) دفوع "الدفع بنفي التهمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بنفي التهمة. موضوعي. لا يستأهل رداً. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أورها الحكم.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "المصلحة في الطعن". مسئولية جنائية.
تمسك الطاعن بوجود متهم آخر في الدعوى. غير مجد. طالما أنه لا يحول دون مساءلته عن الجريمتين اللتين دين بهما.
(8) اختلاس أموال أميرية. مسئولية جنائية.
السداد اللاحق لوقوع جريمة الاختلاس. لا يؤثر في قيامها.
1 - لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد مؤدى تقرير لجنة الجرد وقسم الأدلة الجنائية والتي عول عليهما في قضائه بالإدانة، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى.
2 - لما كان ما أورده الحكم في مدوناته كافياً وسائغاً في بيان نية الاختلاس، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
3 - لما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل الفني المستمد من تقرير قسم الأدلة الجنائية، وعولت عليه في إدانة الطاعن، بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر، فإنه لا تثريب عليها إن هي أغفلت دفاع الطاعن في شأن طلب ندب قسم أبحاث التزييف والتزوير، ويضحى النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع على غير أساس.
4 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن كل ما أثاره الطاعن في شأن تمسكه بطلب ضم كشوف صرف أرباب المعاشات ودفتر 29 هو قوله "أن الكشوف لم تكن موجودة وتم سرقتها لمصلحة المتهم الثاني" وكان هذا القول من المدافع عن الطاعن بهذه المثابة لا يكمن فيه معنى الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل.
5 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أنه أثبت بها أن المحكمة فضت المظروف "حرز الأوراق الخاص بالقضية" في حضور الطاعن والمدافع عنه وترافع بعد ذلك الحاضر معه ثم صدر الحكم المطعون فيه الذي ورد بين مدوناته ما تبين من الاطلاع على تلك الأوراق، وكان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى - على نحو ما سلف - القيام بهذا الإجراء، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، فضلاً عن أن الحكم قد دان الطاعن بجرائم الاختلاس والتزوير في محررات رسمية واستعمالها وأوقع عليها العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن عدم إطلاع المحكمة على الأوراق المدعى بتزويرها.
6 - لما كان الدفاع بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها شخص آخر هو المتهم الثاني مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم والتي من شأنها أن تؤدى إلى صحة ما رتبه عليها من إدانة.
7 - لا يجدي الطاعن ما يثيره من وجود متهم آخر في الدعوى طالما أن اتهام ذلك الشخص فيها لم يكن ليحول دون مساءلة الطاعن عن الجرائم التي دين بها، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
8 - من المقرر أن السداد اللاحق على تمام جريمة الاختلاس لا يؤثر على المسئولية الجنائية لهذه الجريمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1)..... (طاعن) (2)... بأنهما: أولاً: المتهم الأول: بصفته موظفاً عاماً معاون مكتب بريد..... التابع للهيئة القومية للبريد اختلس مبلغاً قدره ثلاثة وعشرون ألفاً وثمانمائة وخمسة وعشرون جنيهاً وخمسة عشر قرشاً والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته حال كونه من الصيارفة وسلم إليه بهذه الصفة وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمتي تزوير في محررات رسمية واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة هي أنه "في ذات الزمان والمكان سالفى الذكر ( أ ) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي كشوف الصرف الدورية ودفتر 29 من أمانات المعاشات بأن وقع عليها ونسبها زوراً لأصحاب المعاشات وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة هي إثبات صرف العملاء لمستحقاتهم على خلاف الحقيقة مع علمه بالتزوير (ب) استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر فيما زورت من أجله بأن قدمها للجهات المختصة للعمل بمقتضاها مع علمه بتزويرها. ثانياً: المتهم الثاني: بصفته موظفاً عاماً (وكيل مكتب بريد..... التابع للهيئة القومية للبريد) اختلس مبلغاً قدره ثلاثون ألفاً وخمسة وسبعون جنيهاً وخمسة وعشرون قرشاً والمملوكة لجهة عمله سالفة الذكر والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته حال كونه من الصيارفة وسلم إليه المال بهذه الصفة، وقد ارتبطت تلك الجريمة بجريمتي تزوير في محررات رسمية واستعمالها ارتباطاً لا يقبل التجزئة هي أنه في ذات الزمان والمكان سالفى الذكر ( أ ) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً في محررات رسمية هي كشوف الصرف الدورية ودفتر 29 من أمانات المعاشات بوضع إمضاء نسبها زوراً لأصحاب المعاشات وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة هي إثبات صرف العملاء لمستحقاتهم على خلاف الحقيقة مع علمه بتزويرها. (ب) استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر فيما زورت من أجله بأن قدمها للجهة المختصة للعمل بمقتضاها مع علمه بتزويرها. ثالثاً: المتهمان: بصفتهما سالفة الذكر أضرا عمداً بأموال ومصالح الهيئة القومية للبريد والمعهود بها إليهما بارتكابهما الجرائم سالفة الذكر. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بالمنصورة لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1، 2 أ، ب، 118، 118مكرر، 119، 119 مكرر/ هـ، 211، 213، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادتين 17، 32 من ذات القانون بمعاقبة الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبإلزامه برد مبلغ 23825.150 جنيه (ثلاثة وعشرون ألفاً وثمانمائة وخمسة وعشرون جنيهاً ومائه وخمسون مليماً وبتغريمه مبلغاً مماثلاً للمبلغ المذكور وبعزله من وظيفته عما أسند إليه وبمعاقبة الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه مبلغ 30075.250 جنيهاً (ثلاثين ألفاً وخمسة وسبعين جنيهاً وخمسة وعشرين قرشاً وبإلزامه برد مبلغ مماثل للمبلغ المذكور وبعزله من وظيفته عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الاختلاس والتزوير في محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك أنه استند إليه إلى تقريري لجنة الجرد وقسم الأدلة الجنائية دون أن يورد الأسانيد المؤدية إلى تلك النتيجة، ولم يستظهر نية الاختلاس، وطلب المدافع عن الطاعن ندب قسم أبحاث التزييف والتزوير بالطب الشرعي لإجراء مضاهاة كل من التوقيعين المنسوب صدورهما إلى كل من...... و..... وضم كشوف صرف أرباب المعاشات ودفتر 29 إلا أن الحكم لم يعرض لهذين الطلبين إيراداً ورداً، ولم تطلع المحكمة على الأوراق موضوع التزوير بشأن المذكورين المطلوب مضاهاة توقيعهما، هذا بالإضافة إلى أن الحكم أغفل دفاع الطاعن القائم على نفي صلته بالواقعة وأن مرتكبها هو المتهم الثاني، وأخيراً تساند الحكم في إدانة الطاعن إلى سداده بعض المبالغ رغم أن ذلك لا يصلح دليلاً، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وساق على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليه، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورى مؤدى تقرير لجنة الجرد وقسم الأدلة الجنائية والتي عول عليهما في قضائه بالإدانة، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه، ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراد نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم في مدوناته كافياً وسائغاً في بيان نية الاختلاس، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة بل يكفي أن يكون ما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الشأن في الدعوى - فإن ما يدعيه من قصور في التسبيب في هذا الخصوص غير سديد، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى الدليل الفني المستمد من تقرير قسم الأدلة الجنائية، وعولت عليه في إدانة الطاعن، بما يفصح عن أنها لم تكن بحاجة إلى ندب خبير آخر، فإنه لا تثريب عليها إن هي أغفلت دفاع الطاعن في شأن طلب ندب قسم أبحاث التزييف والتزوير، ويضحى النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع على غير أساس. لما كان ذلك وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن كل ما أثاره الطاعن في شأن تمسكه بطلب ضم كشوف صرف أرباب المعاشات ودفتر 29 هو قوله "أن الكشوف لم تكن موجودة وتم سرقتها لمصلحة المتهم الثاني" وكان هذا القول من المدافع عن الطاعن بهذه المثابة لا يكمن فيه معنى الطلب الجازم الذي تلتزم المحكمة بإجابته أو الرد عليه فإن منعى الطاعن في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أنه أثبت بها أن المحكمة فضت المظروف "حرز الأوراق الخاص بالقضية" في حضور الطاعن والمدافع عنه وترافع بعد ذلك الحاضر معه ثم صدر الحكم المطعون فيه الذي ورد بين مدوناته ما تبين من الاطلاع على تلك الأوراق، وكان لم يفت المحكمة في هذه الدعوى - على نحو ما سلف - القيام بهذا الإجراء، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، فضلاً عن أن الحكم قد دان الطاعن بجرائم الاختلاس والتزوير في محررات رسمية واستعمالها وأوقع عليها العقوبة المقررة في القانون للاختلاس باعتبارها عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات للارتباط فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن عدم إطلاع المحكمة على الأوراق المدعي بتزويرها. لما كان ذلك، وكان الدفاع بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها شخص آخر هو المتهم الثاني مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم والتي من شأنها أن تؤدى إلى صحة ما رتبه عليها من إدانة، هذا فضلاً عن أنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من وجود متهم آخر في الدعوى طالما أن اتهام ذلك الشخص فيها لم يكن ليحول دون مساءلة الطاعن عن الجرائم التي دين بها، ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان السداد اللاحق على تمام جريمة الاختلاس لا يؤثر على المسئولية الجنائية لهذه الجريمة فإن ما أثبته الحكم في معرض تدليله على ثبوت التهمة في حق الطاعن من سداده للمبلغ محل الاتهام لا يعيبه، لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.