مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 445

جلسة 3 إبريل سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(325)
القضية رقم 412 سنة 14 القضائية

( أ ) دعوى مدنية. رفعها إلى المحاكم الجنائية بطريق التبعية للدعوى العمومية. متى يصح؟ إذا كان الحق فيها ناشئاً عن ضرر حاصل من الجريمة. ضرر حاصل من ظرف متصل بالواقعة. لا يكفي. مثال. تزوير المتهم إيصال خطاب مسجل مرسل من بنك مصر إلى أحد عملائه واستلامه الخطاب بموجبه وتزويره الشيكات التي كانت به وصرف قيمتها. رفع الدعوى العمومية عليه بهذه الجرائم. تدخل صاحب الشيكات في الدعوى طالباً الحكم له على بنك مصر بالتضامن مع المتهم بقيمة الشيكات. القضاء له بطلبه على أساس الخطأ الذي نسبته المحكمة إلى البنك. خطأ.
(ب) اختصاص. عدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى مدنية عن تعويض ضرر ليس ناشئاً عن الجريمة. من النظام العام. جواز الدفع به لأوّل مرة أمام محكمة النقض.
1 - الأصل في رفع الدعاوى المدنية أن يكون أمام المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية بطريق التبعية للدعوى العمومية متى كان الحق فيها ناشئاً عن ضرر حاصل من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية، جناية كانت أو جنحة أو مخالفة. فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن الجريمة بل كان نتيجة ظرف آخر، ولو متصلاً بالواقعة موضوع المحاكمة، انتفت علة الاستثناء وانتفى هذا الاختصاص. وإذن فإذا كانت الدعوى العمومية قد رفعت على المتهم عن جريمة اشتراكه مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في ورقة رسمية هي وصول تسلم خطاب مسجل مرسل من بنك مصر إلى أحد عملائه، وعن جريمة استعماله الوصول المزوّر بأن قدمه مع علمه بتزويره لموزع البريد وتسلم بمقتضاه الخطاب المسجل، وعن جريمة ارتكابه تزويراً في أوراق عرفية هي الشيكات المسحوبة على بنك مصر التي كانت مع هذا الخطاب بأن جعلها صادرة لأمره - إذا كان ذلك وتدخل صاحب الخطاب المسجل في الدعوى مدعياً بحقوق مدنية طالباً الحكم له على البنك بالتضامن مع المتهم بقيمة الشيكات، وطلب البنك رفض الدعوى، ثم طلب أخيراً إخراجه منها، فحكمت المحكمة بالعقوبة على المتهم وبإلزامه مع البنك بأن يدفعا متضامنين المبلغ المطلوب والمصاريف المدنية، وبنت قضاءها بذلك على خطأ البنك في عدم التحقق من صحة الإمضاءات الموقع بها على الشيكات قبل صرف قيمتها، فهذا الحكم يكون خاطئاً. لأن الضرر الذي قضى بتعويضه ليس ناشئاً عن الجرائم المرفوعة بها الدعوى بل منشؤه الخطأ الذي وقع من البنك، وهذا الخطأ وإن كان متصلاً بالوقائع المرفوعة بها الدعوى إلا أنه لا يدخل فيها. وإذا كان ذلك كذلك، وكان البنك غير مسئول بمقتضى أي نص عما وقع من المتهم فإن المحكمة إذ حكمت عليه تكون قد تجاوزت اختصاصها.
2 - إن عدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية عن تعويض ضرر ليس ناشئاً عن الجريمة هو مما يتعلق بولايتها القضائية. فهو إذن من صميم النظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به ولو من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام محكمة النقض.


المحكمة

وحيث إن هذا الطاعن ينعى فيما ينعاه على الحكم المطعون فيه أنه قضى بإلزامه بالتعويض بطريق التضامن مع الطاعن الأوّل المتهم بالتزوير والاستعمال مع أنه لا شأن له في الجريمة ولا علاقة بينه وبين المتهم تجعله مسئولاً معه بالتضامن. وقد طلب الطاعن في دفاعه أمام محكمة الجنايات إخراجه من الدعوى على اعتبار أنه لا شأن له فيها وأنه لا محل لتوجيهها عليه أمام المحكمة الجنائية ولكنها أغفلت هذا الدفع ولم تردّ عليه. على أنه لما كان عدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية التي لم تنشأ عن الجريمة هو من النظام العام فقد كان من واجب المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، ومن حق الطاعن أن يدفع به أمام محكمة النقض حتى ولو لم يكن قد سبق له الدفع به أمام محكمة الموضوع.
وحيث إن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية جناية كانت أو جنحة أو مخالفة. فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان نتيجة لظرف آخر ولو كان متصلاً بالجريمة، سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر دعوى الحق المدني.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن الأوّل عن الجرائم الآتية: وهي (أوّلاً) اشتراكه بطريقي الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في ورقة رسمية هي إيصال استلام الخطاب المسجل رقم 3515 المرسل من بنك مصر إلى مصطفى الجمال بأن اتفق مع المتهم المجهول على وضع إمضاء مزوّر على هذا الإيصال فوقع المتهم المجهول بإمضاء مزوّر نسب صدوره كذباً إلى مصطفى الجمال أفندي المذكور. وقد تمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (وثانياً) استعمل هذا الإيصال المزوّر مع علمه بتزويره بأن قدّمه لموزع البريد كمال الدين حسن أفندي واستلم الخطاب المسجل السالف الذكر. (وثالثاً) ارتكابه تزويراً في أوراق عرفية هي الشيكات رقم 524276 و524280 و524281 و524282 و524283 و524287 و524288 المسحوبة على بنك مصر بأن اصطنعها وجعلها صادرة لأمره من المجني عليه ما عدا رقم 524288 فقد جعله لأمر حنفي علي عبد العال الذي قضى بانقضاء الدعوى العمومية بالنسبة له لوفاته". وقد دخل المجني عليه مصطفى الجمال أفندي مدعياً بحقوق مدنية وطلب الحكم له على بنك مصر (الطاعن الثاني) بالتضامن مع المتهم الأول بمبلغ 506 جنيهات و500 مليم قيمة الشيكات المزوّرة. والحاضر عن بنك مصر طلب في أوّل الأمر رفض الدعوى المدنية الموجهة عليه ثم طلب أخيراً إخراجه من هذه الدعوى. والمحكمة حكمت بالعقوبة على الطاعن الأوّل وبإلزامه مع بنك مصر الطاعن الثاني بأن يدفعا للمدعي بالحقوق المدنية متضامنين مبلغ 506 جنيهات و500 مليم على سبيل التعويض والمصاريف المدنية وبنت قضاءها في الدعوى بالمدنية "على أن التعويض المطلوب في محله لأنه ثابت أن المبلغ الذي ضاع على المجني عليه من جراء هذا التزوير هو مبلغ 506 جنيهات و500 مليم فيتعين الحكم به على بنك مصر بالتضامن مع المتهم مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة ولا محل للقول بعدم مسئولية البنك لأنه ظاهر من مجرّد مشاهدة توقيعات المجني عليه وما تبين من تقرير الخبير أن هذه التوقيعات تخالف إمضاء المجني عليه التي على الفيشة التي بالبنك كل المخالفة حتى ذكر في التقرير أن بعض الإمضاءات بها إعادة كالشيك رقم 524288 أو تشويه في كتابة حروفها كالشيك رقم 524280 أو وقفات قلم وهذا جميعه يدل على أن اليد الكاتبة لها يد غير طبيعية... إلخ. ولا عذر للبنك مع هذا الاختلاف البين في عدم تحققه من الإمضاء قبل الصرف وهي كل مأموريته. ولا يهم كون المجني عليه اعتمد كشفاً ورد به مبلغ بإمضاء مزوّر، لأن هذا لا يمنع من مسئولية البنك لصرفه قيمة هذا الشيك بإمضاء ظاهر بوضوح أنه مزور إذ يعتبر البنك مخطئاً خطأ جسيماً".
وحيث إن الضرر الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه وجعله أساساً للقضاء على بنك مصر بالتعويض لم يكن ناشئاً عن جرائم التزوير والاستعمال المرفوعة بها الدعوى على الطاعن الأوّل بل كان أساسه خطأ البنك في عدم التحقق من صحة الإمضاءات الموقع بها على الشيكات المزوّرة قبل صرف قيمتها، وهذا الخطأ - مهما يكن اتصاله بالجرائم المرفوعة بها الدعوى - خارج عن موضوع الاتهام. ولما كان الأمر كذلك وكان البنك لا تربطه بالطاعن الأوّل أية علاقة تجعله مسئولاً عن أعماله مدنياً، فإن محكمة الجنايات إذ قضت بإلزامه بتعويض عن الضرر الناشئ عن هذا الخطأ بطريق التضامن معه تكون قد حكمت فيما ليس داخلاً في حدود اختصاصها.
وحيث إنه فضلاً عن أن طلب البنك إخراجه من الدعوى الموجهة عليه أمام محكمة الجنايات قد يتضمن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى أمام تلك المحكمة فإنه لما كان عدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية التي لم تنشأ عن الجريمة متعلقاً بتحديد ولايتها القضائية فهو إذن من النظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حال كانت عليها الدعوى ولأوّل مرّة أمام محكمة النقض.