أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 49 - صـ 1456

جلسة 15 من ديسمبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ فتحي خليفة نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وأمين عبد العليم وعمر بريك نواب رئيس المحكمة. وفؤاد نبوي.

(207)
الطعن رقم 18753 لسنة 65 القضائية

(1) دستور. إثبات "اعتراف". تفتيش "التفتيش بغير إذن". تلبس.
الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بعيدة المحقق أو كفالة الحرية أو الكرامة الشخصية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع. ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون.
الحرية الشخصية حق كفله الدستور. مؤدى ذلك وأساسه؟
وجوب معاملة كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته معاملة تحفظ كرامة الإنسان. إيذائه بدنياً أو معنوياً أو حجزه في غير الأماكن الخاصة بالقوانين الصادرة بتنظيم السجون. غير جائز. إهدار كل قول صدر منه تحت وطأة ذلك. المادتان 42 من الدستور، 302 إجراءات.
(2) قبض. إثبات "اعتراف". نقض "الطعن للمرة الثانية". "نظر الطعن والحكم فيه". محكمة النقض "نظرها موضوع الطعن".
بطلان القبض لعدم مشروعيته أو بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه. لازمه. عدم التعويل عليه في الإدانة ولو كان الدليل الناتج عنهما صادقاً. لا يغني عنه إثبات بجلسة المعارضة في حبس المتهمين اعترافهما لدى سؤالهما. علة ذلك؟
خلو الأوراق من دليل صحيح لإسناد تهمة القتل العمد إلى المتهمين غير الاعتراف الذي تم إهداره. أثره: وجوب القضاء ببراءة المتهمين.
مثال لحكم صادر بالبراءة من محكمة النقض لدى نظرها موضوع الدعوى في جريمة قتل عمد.
1 - إن الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها في المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل في حماية قرينة البراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء من أجل ذلك نص الدستور في المادة 41 منه على أن الحرية الشخصية طبيعي وهي مصونة لا تمس. وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع - ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون. كما نص الدستور أيضاً في المادة 42 منه على أن كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، كما لا تجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون، وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يهدر ولا يعول عليه، وهو ذات ما أوردته المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية.
2 - جرى قضاء محكمة النقض على أن بطلان القبض لعدم مشروعيته أو بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه لازمه عدم التعويل في الإدانة على أيهما ولو كان الدليل الناتج عنهما صادقاً بمعنى أن الغلبة للشرعية الإجرائية حتى ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات اسمى تغياها الدستور والقانون. لما كان ما تقدم. وكان إسناد الاتهام في الدعوى قائم على الدليل القولي وهو اعتراف المتهمين أمام الشرطة وبتحقيقات النيابة وقد تغى الدفاع ببطلان هذا الاعتراف لصدوره وليد قبض باطل وإكراه مادي ومعنوي وإذ تطمئن المحكمة إلى هذا البطلان لما أوردته عن مسار التحقيق بدأ بالقبض على المتهمين وحجزهما بغير أمر من السلطات ما يزيد على العشرة أيام ومن الإكراه الذي لا تجد المحكمة بدأ من التسليم به بعد قعود المحقق عن تحقيقه هذا إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى أن ما دون من عبارات الاعتراف قد صدرت ممن نسبت إليه دون تدخل من المحقق في صياغتها بما يخرجها عن حقيقة فحواها مما ينبني عليه إهدار الدليل المستمد من هذا الاعتراف. ولا يغنى عنه ما ورد بجلسة نظر المعارضة في حبس المتهمين يوم 14 من أغسطس سنة 1988 وما أثبت في محضر هذه الجلسة من أنه بسؤال المتهمين اعترفا - لأن تلك العبارة القاصرة لم تأت نصاً في اقتراف الجريمة ولم تكشف عن كيفية وظروف ارتكاب الحادث حتى يمكن الموائمة بينها وبين الدليل الفني في الدعوى بما يطمئن إلى ارتكاب المتهمين للحادث. كما أن العبارة جاءت في غيبة الدفاع وفي ظروف تقطع بتعمد الحيلولة دون حضوره تلك الجلسة، وأخيراً فإن المحكمة لا تطمئن إلى ورود عبارة الاعتراف مستقلة عما سبقها من إجراءات باطلة، لما كان ذلك، وكان لا أثر في إسناد الاتهام لضبط الكرسي وقالب الطوب المقال باستعمالهما في الاعتداء ولا للمفروشات أو السجاد المقال بأنها ملوثة بدماء المجني عليه ما دام التحقيق لم يغن البتة بتحليل آثار الدماء التي وجدت عليها أو يقم في الأوراق - من غير الاعتراف - دليل على صلة المتهمين بها - كما لا تفلح تحريات الشرطة أو أقوال من أجراها بعد ما سلف ذكره على السياق المتقدم من أن مصدرها الاعتراف الذي تم إهداره. وإذ خلت الأوراق من دليل صحيح على إسناد تهمة القتل العمد إلى المتهمين فإنه يتعين القضاء ببراءتهما مما أسند إليهما عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة نظراً لأن إعلانها والفصل فيها سوف يؤخر القضاء في الدعوى الجنائية.
3 - لما كان مجريات الإبلاغ والتحقيق في الدعوى حسبما استقر في يقين المحكمة من واقع أوراقها أنه بعد إبلاغ الشاهد الأول لنيابة وسؤاله يوم 3 من أغسطس سنة 1988 عن شواهد شكه في وفاة المجني عليه طلب وكيل النيابة المحقق تحريات المباحث لكنه في اليوم التالي 4 من أغسطس تقدم محامي المتهمة الثانية ببلاغ إلى النيابة العامة التي تتولى التحقيق يشكو فيه من قبض الشرطة على التهمة دون أمر من السلطات واحتجازها بغير مسوغ قانوني من يوم 2 من أغسطس فأشر المحقق على الشكوى بعرضها على مأمور قسم الشرطة للفحص والإفادة - دون أن يثبت 9 من أغسطس أثبت وكيل النيابة بالتحقيق أنه نبه على المتهمة بالتواجد باكر لاستخراج جثة المجني عليه وخلت محاضر التحقيق السابقة أو اللاحقة مما يفيد سابقة استدعائها لسراي النيابة أو الأمر بإحضارها أو القبض عليها ولم يشر إلى مناسبة توجداه بسراي النيابة وقت التنبيه عليها، ثم أثبت المحقق في يوم 10 من أغسطس سنة 1988 أن المتهمة وضابط المباحث رافقاه في عملية استخراج جثة المجني عليه حيث أكد الطبيب الشرعي أن وفاة المجني عليه جنائية، وفي يوم 12 من أغسطس أثبت المحقق أن ضابط المباحث أخطره باعتراف المتهمين تفصيلاً بارتكابها الحادث، مما يكشف بجلاء متبادر على أن المتهمين كانا تحت قبضة رجال الشرطة ما يزيد على عشرة أيام قبل اعترافهما بارتكاب الحادث وقبل سؤالهما في النيابة العامة وبغير أم بالقبض عليهما هذا. من جهة ومن جهة أخرى فإن محامي المتهمة - على ما هو ثابت بالأوراق قد تقدم في يوم 15 من أغسطس بطلب مكتوب إلى رئيس نيابة شبرا الخيمة بطلب عرضها على الطبيب لإثبات ما بها من إصابات بيد أن رئيس النيابة أسر على الطلب بالنظر والإرفاق دون أن يثبت مضمونه في التحقيق فكان أن لجأ مدافع المتهمة في ذات اليوم إلى المستشار المحامي العام لنيابة بنها الكلية بشكاية أشار فيها إلى الطلب السابق تقديمه لوكيل النيابة في شأن القبض على المتهمة من يوم 2 أغسطس سنة 1988 وأنه من يوم 10 من أغسطس عقب ما أفاد به الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليه جنائية والشرطة تقوم بتعذيب المتهمة وقد ترك التعذيب آثاراً بجسمها وأنه في يوم 11 من أغسطس انتقل وكيل النيابة إلى قسم ثان شبرا ومكث به حتى الثالثة والنصف من صباح اليوم التالي 12 من أغسطس حيث بدأ وكيل النيابة في الساعة 8.45 صباحاً التحقيق مع المتهمة أثر إرهاقها وتعذيبها هي والمتهم الأول طوال الليل وأنه في غيبة أي مدافع عنهما تم إثبات ما أملى عليهما داخل ديوان الشرطة وأن المتهمة هددتها الشرطة أيضاً بأن ابنتها تم حبسها ولن يخلى سبيل الابنة إلا بعد اعتراف المتهمة في النيابة بأنها قامت بقتل زوجها واختتم المدافع شكواه بطلب توقيع الكشف الطبي على المتهمة فأشر المحامي العام على الشكوى في يوم توقيع الكشف الطبي على المتهمة فأشر المحامي العام على الشكوى في يوم تقديمها بتكليف وكيل نيابة قسم ثان شبرا الخيمة بتوقيع الكشف الطبي على المتهمة واتخاذ اللازم قانوناً بيد أن وكيل النيابة وعلى ما هو ثابت بالتحقيق يوم 10 من أكتوبر لم يطلب من مأمور سجن بنها توقيع الكشف الطبي على المتهمة إلا في هذا اليوم وبعد ذلك لم يكشف طبياً عليها إلا في يوم 27 من أكتوبر - بعد قرابة شهرين ونصف من تأشيرة المحامي العام بتوقيع الكشف الطبي عليها - وعندئذ أثبت الطبيب بعد وجود إصابات بها. ثم كان أن قدم مدافعاً آخر عن المتهمة بلاغاً ثانياً إلى المحامي العامة في 24 من سبتمبر سنة 1988 نسب فيه إلى وكيل النيابة المحقق حضوره تعذيب المتهمة في القسم ومشاركته في إهانتها بتوجيه أفزع ألفاظ السب إليها وأنه لم يكتف بإجراء التحقيق معها في القسم خلافاً لما أثبته أنه بسراي النيابة ولا بامتناعه عن تحقيق البلاغ بتعذيبها لإكراهها على الاعتراف بل إنه صاغ بأسلوبه عبارات الاعتراف بما ينطوي على تزوير، كذلك وبتاريخ 29 من سبتمبر سنة 1988 تقدم الدفاع مرة ثالثة للمحامي العام بطلب إعادة التحقيق من جديد لسماع شهود الواقعة وإثبات التعذيب وفي تاريخ تقديم الشكوى أشر المحامي العام بطلب القضية الخاصة ثم في 17 من أكتوبر أشر كتابة على الشكوى باستعجال إرفاق الكشف الطبي الموقع على المتهمة والمشار إليه بكتاب مصلحة السجون المؤرخ 10 من أكتوبر سنة 1988. ومؤدى هذا الثابت بالأوراق أن وكيل النيابة المحقق لم ينهض لتحقيق ما أثاره الدفاع عن بطلان القبض على المتهمين وحجزهما بغير وجه حق وتراخي في تحقيق التعذيب المعزو إليه صدور الاعتراف رغم أمر رئيسه له بوجوب ذلك مما يكشف عن عدم حيدته التي يرشح لها أيضاً قعوده عن سماع شهود النفي المبينة أسماؤهم في الطلب المقدم إليه من الدفاع بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1988 والمؤشر عليه بالإفادة بالمعلومات ثم امتناعه عن إعطاء صورة من التحقيقات للدفاع رغم تأشيرة المحامي العام له في 14 من سبتمبر بوجوب إعطائها، وعدم انصياعه بإعطاء الصورة إلا بعد أمره من رئيسه المباشر في 19 من سبتمبر، هذا إلى وجود ظلال كثيفة لصحة ما نسبه إليه الدفاع - وسطره مكتوباً بجلسة المرافعة - من أنه تدخل بأسلوبه في صياغة عبارات الاعتراف. وهو ما تراه المحكمة مستفاداً من ورود عبارات الاعتراف في أحكام وإيجاز ببيان يفوق ثقافة كل من المتهمين (بائع وبائعة كشري) وخاصة عندما تتجاوز عبارات الاعتراف نطاق السؤال إلى التطوع بوقائع خارجة عن حدوده لإحكام الاتهام ثم ورودها في بعض الأمور وبالنسبة لكل متهم في نمط واحد مما يشكك في أن الإجابات المثبتة للاعتراف لم تصدر ممن نسبت إليه على الوجه الذي أثبتت به، وهو ما دعى الدفاع في مرافعته المدونة ببعض الجلسات إلى نسبة التزوير صراحة إلى المحقق والقطع بأن جميع عبارات الاعتراف مملاة. لما كان ذلك، وكانت الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها في المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل في حماية قرينة بالبراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء من أجل ذلك نص الدستور في المادة 41 منه على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حسبه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع - ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون. كما نص الدستور أيضاً في المادة 42 منه على أن كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان. ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً. كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون. وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يعدو ولا يعول عليه. وهو ذات ما أوردته المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية. كذلك جرى قضاء محكمة النقض على أن بطلان القبض لعدم مشروعيته أو بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه لازمه عدم التعويل في الإدانة على أيهما ولو كان الدليل الناتج عنهما صادقاً بمعنى أن الغلبة للشرعية الإجرائية حتى ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون. لما كان ما تقدم. وكان إسناد الاتهام في الدعوى قائم على الدليل القولي وهو اعتراف المتهمين أمام الشرطة وبتحقيقات النيابة وقد تغي الدفاع ببطلان هذا الاعتراف لصدوره وليد قبض باطل وإكراه مادي ومعنوي وإذ تطمئن المحكمة إلى هذا البطلان لما أوردته عن مسار التحقيق بدأ بالقبض على المتهمين وحجزهما بغير أمر من السلطات ما يزيد على العشرة أيام ومن الإكراه الذي لا تجد المحكمة بدأ من التسليم به بعد قعود المحقق عن تحقيقه هذا إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى أن ما دون من عبارات الاعتراف قد صدرت ممن نسبت إليه دون تدخل من المحقق في صياغتها بما يخرجها عن حقيقة فحواها مما ينبني عليه إهدار الدليل المستمد من هذا الاعتراف. ولا يغنى عنه ما ورد بجلسة نظر المعارضة في حبس المتهمين يوم 14 من أغسطس سنة 1988 وما أثبت من محضر هذه الجلسة من أنه بسؤال المتهمين اعترفا - لأن تلك العبارة القاصرة لم تأت نصاً في اقتراف الجريمة ولم تكشف عن كيفية وظروف ارتكاب الحادث حتى يمكن الموائمة بينها وبين الدليل الفني في الدعوى بما يطمئن إلى ارتكاب المتهمين للحادث. كما أن العبارة جاءت في غيبة الدفاع وفي ظروف تقطع بتعمد الحيلولة دون حضوره تلك الجلسة، وأخيراً فإن المحكمة لا تطمئن إلى ورود عبارة الاعتراف مستقلة عما سبقها من إجراءات باطلة، لما كان ذلك، وكان لا أثر في إسناد الاتهام لضبط الكرسي وقالب المقال باستعمالهما في الاعتداء ولا للمفروشات أو السجاد المقال بأنها ملوثة بدماء المجني عليه ما دام التحقيق لم يغن البتة بتحليل آثار الدماء التي وجدت عليها أو يقم في الأوراق - من غير الاعتراف - دليل على صلة المتهمين بها - كما لا تفلح تحريات الشرطة أو أقوال من أجراها بعد ما سلف ذكره على السياق المتقدم من أن مصدرها الاعتراف الذي تم إهداره. وإذ خلت الأوراق من دليل صحيح على إسناد تهمة القتل العمد إلى المتهمين فإنه يتعين القضاء ببراءتهما مما أسند إليهما عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة نظراً لأن إعلانها والفصل فيها سوف يؤخر القضاء في الدعوى الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما قتلا عمداً مع سبق الإصرار..... بأن بيتا النية على قتله وعقدا العزم على ذلك ما أن ظفرا به حتى قام المتهم الأول بضربه بقالاً من الطوب في مؤخرة رأسه ثم واصل الاعتداء عليه بمقعد خشبي ناولته إياه المتهمة الثانية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفحة التشريحية والتي أودت بحياته. وأحالتهما إلى محكمة جنايات بنها لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى..... (بصفته) مدنياً قبل المتهمين بأن يؤديا له متضامنين مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمادتين رقمي 220، 231 من قانون العقوبات. بمعاقبة كل من المتهمين بالإعدام شنقاً عما نسب إلى كل منهما وبإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعي بالحق المدني بصفته مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض. ومحكمة النقض قضت بجلسة...... بقبول الطعن شكلاً وبقبول عرض النيابة العامة للقضية وبنقض الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليهما وإعادة القضية إلى محكمة جنايات بنها لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة - بهيئة مغايرة - قضت حضورياً عملاً بالمادة 334/ 1 عقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة باعتبار أن المتهمة هي قتل مجرد من الظروف المشددة.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

حيث إن هذه المحكمة قضت بنقض الحكم المطعون فيه لثاني مرة وحددت جلسة لنظر الموضوع.
وحيث إن النيابة العامة اتهمت كلاً من 1)...... 2)...... بأنهما في ليلة..... من يوليه سنة 1988 بدائرة قسم ثاني شبرا الخيمة محافظة القليوبية قتلا عمداً مع سبق الإصرار..... بأن بيتا النية على قتله وعقدا العزم على ذلك وما أن ظفرا به حتى قام المتهم الأول بضربه بقالباً من الطوب الحراري في مؤخرة رأسه ثم واصل الاعتداء عليه بمقعد خشبي ناولته إياه المتهمة الثانية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وأرفقت النيابة العامة بالاتهام قائمة بأدلة الثبوت ركنت فيها إلى شهادة.... من أن الشاهد الثاني حضر إليه بمنزله وأبلغه بوفاة المجني عليه وأنه أثناء قيامه بغسل جثته وتجهيزها للدفن شاهد إصابة بمؤخرة رأسه وأثار دماء تنزل منه وأنه يشتبه في وفاته جنائياً أن تكون زوجته هي التي أحدثت به الإصابات نظراً لكونها على علاقة آثمة بالمتهم الأول فقام بالإبلاغ عن الواقعة. وما شهد به..... من أنه أثناء حضوره تجهيز جثة المجني عليه وإعدادها للدفن شاهد آثار دماء تنزل من مؤخرة رأسه وإذ استفسر الشاهد الثالث الذي كان يقوم بتجهيز الجثة عن سبب الإصابات ألغه أهلية المجني عليه بأنه سقط بالحمام وحدثت إصاباته التي شاهدوها وهو ما شهد بمضمونه....... وما شهد به...... مقدم شرطة ورئيس مباحث قسم...... من أن تحرياته السرية قد دلت على أن المتهمين هما اللذان قتلا المجني عليه وذلك نظراً لوجود علاقة آثمة بينهما وأنه بضبطه المتهمين ومواجهتهما بما أسفر عنه الضبط اعترفا بارتكابهما للحادث وأرشدا عن كرسي الحمام الذي استعملاه في الاعتداء. ومن اعتراف المتهمين وقيامهما بعمل عرض تمثيلي لكيفية ارتكاب الحادث بقالب طوب وكرسي الحمام، وما أوراه تقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه من وجود إصابات حيوية بيسار الرأس ويسار الجبهة وجميعها حيوية راضية وحدثت من ثلاث ضربات على يسار الرأس ويسار الجبهة بآلة أو آلات صلبه راضه بعضها ذو ثقل ووفاة المجني عليه ترجع إلى ما أحدثته الإصابات الراضية الشديدة بالرأس من كسر بعظام الجمجمة وما صاحبها من ارتجاج بالمخ.
وحيث إن مجريات الإبلاغ والتحقيق في الدعوى حسبما استقر في يقين المحكمة من واقع أوراقها أنه بعد إبلاغ الشاهد الأول لنيابة وسؤاله يوم 3 من أغسطس سنة 1988 عن شواهد شكه في وفاة المجني عليه طلب وكيل النيابة المحقق تحريات المباحث لكنه في اليوم التالي 4 من أغسطس تقدم محامي المتهمة الثانية ببلاغ إلى النيابة العامة التي تتولى التحقيق يشكو فيه من قبض الشرطة على التهمة دون أمر من السلطات واحتجازها بغير مسوغ قانوني من يوم 2 من أغسطس فأشر المحقق على الشكوى بعرضها على مأمور قسم الشرطة للفحص والإفادة - دون أن يثبت 9 من أغسطس أثبت وكيل النيابة بالتحقيق أنه نبه على المتهمة بالتواجد باكر لاستخراج جثة المجني عليه وخلت محاضر التحقيق السابقة أو اللاحقة مما يفيد سابقة استدعائها لسراي النيابة أو الأمر بإحضارها أو القبض عليها ولم يشر إلى مناسبة توجداه بسراي النيابة وقت التنبيه عليها، ثم أثبت المحقق في يوم 10 من أغسطس سنة 1988 أن المتهمة وضابط المباحث رافقاه في عملية استخراج جثة المجني عليه حيث أكد الطبيب الشرعي أن وفاة المجني عليه جنائية، وفي يوم 12 من أغسطس أثبت المحقق أن ضابط المباحث أخطره باعتراف المتهمين تفصيلاً بارتكابها الحادث، مما يكشف بجلاء متبادر على أن المتهمين كانا تحت قبضة رجال الشرطة ما يزيد على عشرة أيام قبل اعترافهما بارتكاب الحادث وقبل سؤالهما في النيابة العامة وبغير أم بالقبض عليهما هذا. من جهة ومن جهة أخرى فإن محامي المتهمة - على ما هو ثابت بالأوراق قد تقدم في يوم 15 من أغسطس بطلب مكتوب إلى رئيس نيابة شبرا الخيمة بطلب عرضها على الطبيب لإثبات ما بها من إصابات بيد أن رئيس النيابة أسر على الطلب بالنظر والإرفاق دون أن يثبت مضمونه في التحقيق فكان أن لجأ مدافع المتهمة في ذات اليوم إلى المستشار المحامي العام لنيابة بنها الكلية بشكاية أشار فيها إلى الطلب السابق تقديمه لوكيل النيابة في شأن القبض على المتهمة من يوم 2 أغسطس سنة 1988 وأنه من يوم 10 من أغسطس عقب ما أفاد به الطبيب الشرعي من أن وفاة المجني عليه جنائية والشرطة تقوم بتعذيب المتهمة وقد ترك التعذيب آثاراً بجسمها وأنه في يوم 11 من أغسطس انتقل وكيل النيابة إلى قسم ثان شبرا ومكث به حتى الثالثة والنصف من صباح اليوم التالي 12 من أغسطس حيث بدأ وكيل النيابة في الساعة 8.45 صباحاً التحقيق مع المتهمة أثر إرهاقها وتعذيبها هي والمتهم الأول طوال الليل وأنه في غيبة أي مدافع عنهما تم إثبات ما أملى عليهما داخل ديوان الشرطة وأن المتهمة هددتها الشرطة أيضاً بأن ابنتها تم حسبما ولن يخلى سبيل الابنة إلا بعد اعتراف المتهمة في النيابة بأنها قامت بقتل زوجها واختتم المدافع شكواه بطلب توقيع الكشف الطبي على المتهمة فأشر المحامي العام على الشكوى في يوم توقيع الكشف الطبي على المتهمة فأشر المحامي العام على الشكوى في يوم تقديمها بتكليف وكيل نيابة قسم ثان شبرا الخيمة بتوقيع الكشف الطبي على المتهمة واتخاذ اللازم قانوناً بيد أن وكيل النيابة وعلى ما هو ثابت بالتحقيق يوم 10 من أكتوبر لم يطلب من مأمور سجن بنها توقيع الكشف الطبي على المتهمة إلا في هذا اليوم وبعد ذلك لم يكشف طبياً عليها إلا في يوم 27 من أكتوبر - بعد قرابة شهرين ونصف من تأشيرة المحامي العام بتوقيع الكشف الطبي عليها - وعندئذ أثبت الطبيب بعد وجود إصابات بها. ثم كان أن قدم مدافعاً آخر عن المتهمة بلاغاً ثانياً إلى المحامي العامة في 24 من سبتمبر سنة 1988 نسب فيه إلى وكيل النيابة المحقق حضوره تعذيب المتهمة في القسم ومشاركته في إهانتها بتوجيه أفزع ألفاظ السب إليها وأنه لم يكتف بإجراء التحقيق معها في القسم خلافاً لما أثبته أنه بسراي النيابة ولا بامتناعه عن تحقيق البلاغ بتعذيبها لإكراهها على الاعتراف بل إنه صاغ بأسلوبه عبارات الاعتراف بما ينطوي على تزوير، كذلك وبتاريخ 29 من سبتمبر سنة 1988 تقدم الدفاع مرة ثالثة للمحامي العام بطلب إعادة التحقيق من جديد لسماع شهود الواقعة وإثبات التعذيب وفي تاريخ تقديم الشكوى أشر المحامي العام بطلب القضية الخاصة ثم في 17 من أكتوبر أشر كتابة على الشكوى باستعجال إرفاق الكشف الطبي الموقع على المتهمة والمشار إليه بكتاب مصلحة السجون المؤرخ 10 من أكتوبر سنة 1988. ومؤدى هذا الثابت بالأوراق أن وكيل النيابة المحقق لم ينهض لتحقيق ما أثاره الدفاع عن بطلان القبض على المتهمين وحجزهما بغير وجه حق وتراخي في تحقيق التعذيب المعزو إليه صدور الاعتراف رغم أمر رئيسه له بوجوب ذلك مما يكشف عن عدم حيدته التي يرشح لها أيضاً قعوده عن سماع شهود النفي المبينة أسماؤهم في الطلب المقدم إليه من الدفاع بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1988 والمؤشر عليه بالإفادة بالمعلومات ثم امتناعه عن إعطاء صورة من التحقيقات للدفاع رغم تأشيرة المحامي العام له في 14 من سبتمبر بوجوب إعطائها، وعدم انصياعه بإعطاء الصورة إلا بعد أمره من رئيسه المباشر في 19 من سبتمبر، هذا إلى وجود ظلال كثيفة لصحة ما نسبه إليه الدفاع - وسطره مكتوباً بجلسة المرافعة - من أنه تدخل بأسلوبه في صياغة عبارات الاعتراف. وهو ما تراه المحكمة مستفاداً من ورود عبارات الاعتراف في أحكام وإيجاز ببيان يفوق ثقافة كل من المتهمين (بائع وبائعة كشري) وخاصة عندما تتجاوز عبارات الاعتراف نطاق السؤال إلى التطوع بوقائع خارجة عن حدوده لإحكام الاتهام ثم ورودها في بعض الأمور وبالنسبة لكل متهم في نمط واحد مما يشكك في أن الإجابات المثبتة للاعتراف لم تصدر ممن نسبت إليه على الوجه الذي أثبتت به، وهو ما دعى الدفاع في مرافعته المدونة ببعض الجلسات إلى نسبة التزوير صراحة إلى المحقق والقطع بأن جميع عبارات الاعتراف مملاة. لما كان ذلك، وكانت الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوق الدفاع جميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون حرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها في المقام الأول تستهدف مصلحة عامة تتمثل في حماية قرينة بالبراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالة القضاء من أجل ذلك نص الدستور في المادة 41 منه على أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حسبه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع - ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون. كما نص الدستور أيضاً في المادة 42 منه على أن كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان. ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً. كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون. وكل قول يثبت أنه صدر من مواطن تحت وطأة شيء مما تقدم أو التهديد بشيء منه يُهدر ولا يعول عليه. وهو ذات ما أوردته المادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية. كذلك جرى قضاء محكمة النقض على أن بطلان القبض لعدم مشروعيته أو بطلان الاعتراف لصدوره وليد إكراه لازمه عدم التعويل في الإدانة على أيهما ولو كان الدليل الناتج عنهما صادقاً بمعنى أن الغلبة للشرعية الإجرائية حتى ولو أدى إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلك لاعتبارات أسمى تغياها الدستور والقانون. لما كان ما تقدم. وكان إسناد الاتهام في الدعوى قائم على الدليل القولي وهو اعتراف المتهمين أمام الشرطة وبتحقيقات النيابة وقد تغي الدفاع ببطلان هذا الاعتراف لصدوره وليد قبض باطل وإكراه مادي ومعنوي وإذ تطمئن المحكمة إلى هذا البطلان لما أوردته عن مسار التحقيق بدأ بالقبض على المتهمين وحجزهما بغير أمر من السلطات ما يزيد على العشرة أيام ومن الإكراه الذي لا تجد المحكمة بدأ من التسليم به بعد قعود المحقق عن تحقيقه هذا إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى أن ما دون من عبارات الاعتراف قد صدرت ممن نسبت إليه دون تدخل من المحقق في صياغتها بما يخرجها عن حقيقة فحواها مما ينبني عليه إهدار الدليل المستمد من هذا الاعتراف. ولا يغنى عنه ما ورد بجلسة نظر المعارضة في حبس المتهمين يوم 14 من أغسطس سنة 1988 وما أثبت من محضر هذه الجلسة من أنه بسؤال المتهمين اعترفا - لأن تلك العبارة القاصرة لم تأت نصاً في اقتراف الجريمة ولم تكشف عن كيفية وظروف ارتكاب الحادث حتى يمكن الموائمة بينها بين الدليل الفني في لدعوى بما يطمئن إلى ارتكاب المتهمين للحادث. كما أن العبارة جاءت في غيبة الدفاع وفي ظروف تقطع بتعمد الحيلولة دون حضوره تلك الجلسة، وأخيراً فإن المحكمة لا تطمئن إلى ورود عبارة الاعتراف مستقلة عما سبقها من إجراءات باطلة، لما كان ذلك، وكان لا أثر في إسناد الاتهام لضبط الكرسي وقالب المقال باستعمالهما في الاعتداء ولا للمفروشات أو السجاد المقال بأنها ملوثة بدماء المجني عليه ما دام التحقيق لم يغن البتة بتحليل آثار الدماء التي وجدت عليها أو يقم في الأوراق - من غير الاعتراف - دليل على صلة المتهمين بها - كما لا تفلح تحريات الشرطة أو أقوال من أجراها بعد ما سلف ذكره على السياق المتقدم من أن مصدرها الاعتراف الذي تم إهداره. وإذ خلت الأوراق من دليل صحيح على إسناد تهمة القتل العمد إلى المتهمين فإنه يتعين القضاء ببراءتهما مما أسند إليهما عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة نظراً لأن إعلانها والفصل فيها سوف يؤخر القضاء في الدعوى الجنائية مع إحالة الدعوى المدنية إلى الحكمة المختصة نظراً لأن إعلانها والفصل فيها سوف يؤخر القضاء في الدعوى الجنائية.