مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 478

جلسة 8 مايو سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(348)
القضية رقم 1009 سنة 14 القضائية

( أ ) تعذيب. الحدّ من حرية الشخص في التحرّك. معاقب عليه سواء كان قبضاً أو حبساً أو حجزاً. متى يعاقب عليه بعقوبة الجنحة ومتى يعاقب بعقوبة الجناية؟
(المادتان 242 و244 ع = 280 و282)
(ب) تعذيب. تقدير وقوعه. موضوعي. بيان الحكم ما استخلص منه وقوع التعذيب من أقوال الشهود والكشوف الطبية. لا معقب في ذلك لمحكمة النقض.
1 - إن المادة 280 من قانون العقوبات تنص على عقاب كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح. أما المادة 282 فتنص في الفقرة الأولى على أنه إذا حصل القبض في الحالة المبينة بالمادة 280 من شخص تزيا بدون وجه حق بزي مستخدمي الحكومة أو اتصف بصفة كاذبة أو أبرز أمراً مزوّراً مدّعياً صدوره من طرف الحكومة فإنه يعاقب بالسجن، كما تنص في الفقرة الثانية على أنه يحكم في جميع الأحوال بالأشغال الشاقة المؤقتة على من قبض على شخص بدون وجه حق وهدّده بالقتل أو عذبه بالتعذيبات البدنية. ولما كان القبض على شخص هو إمساكه من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية التجوّل، وكان حبس الشخص أو حجزه معناه حرمانه من حريته فترة من الزمن، وكانت هذه الأفعال تشترك في عنصر واحد هو حرمان الشخص من حريته وقتاً طال أو قصر، فإنه يتعين القول بأن الشارع يعتبر أن كل حدّ من حرية الشخص في التحرّك - سواء عدّ ذلك قبضاً أو حبساً أو حجزاً - معاقب عليه في كلتا المادتين 280 و282 فتوقع عقوبة الجنحة في الحالة المبينة في المادة الأولى وعقوبة الجناية في الأحوال المبينة في المادة الثانية بفقرتيها. والقول بغير ذلك يتجافى مع المنطق. فإنه ليس من المعقول أن يكون الشارع قد قصد بالمادة الثانية تغليظ العقوبة في حالة القبض فقط مع أنه اخف من الحجز والحبس.
2 - متى بيّن الحكم في مواضع متعدّدة منه، بناء على ما استخلصه من أقوال الشهود والكشوف الطبية، أن المتهم كان يعذب المجني عليه بالتعذيبات البدنية التي ذكرها، وكانت الأسباب التي اعتمد عليها من شأنها أن تؤدّي إلى النتيجة التي استخلصها منها، فلا معقب عليه في ذلك لمحكمة النقض. لأن تقدير التعذيبات البدينة من المسائل الموضوعية.


المحكمة

وحيث إن حاصل الوجه الأوّل من وجهي الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات، وكانت المادة الواجب تطبيقها على الواقعة التي شهد بها المجني عليهم هي بالمادة 280 من القانون المذكور وذلك لأن الباب الخامس من الكتاب الثالث من القانون ينص على ثلاث جرائم مختلفة هي القبض والحبس والحجز ولكل منها تعريف خاص. فالقبض معناه الإمساك بالشخص ومنعه من الحركة كما يريد. وهذا الفعل الذي يتضمن المفاجأة بالقوة لا يتوفر وجوده في حالتي الحبس والحجز. ولما كانت الفقرة الثانية من المادة 282 لم تنص إلا على حالة القبض فإنه يمكن أن يفهم من ذلك أنه إذا كانت التعذيبات البدنية مقترنة بحالتي الحبس والحجز دون القبض لم يكن هناك وجه لتطبيق الفقرة المذكورة. ولعل تغليظ العقاب في حالة القبض يرجع إلى طبيعة فعل القبض لما فيه من مفاجأة وتهجم. وقد سلمت النيابة العامة في الدعوى بأن الطاعنة لم تقبض على أحد من المجني عليهم. ويؤيد ذلك توجيه تهمة الخطف بالتحايل إليها فإن التحايل يتعارض مع القبض. على أن التعذيب وإن كان أمراً موضوعياً فإنه يظل تحت إشراف محكمة النقض من حيث تقديره، والمجني عليهم كانوا خدّاماً للطاعنة ولكل سيد حق تأديب خادمة مع ملاحظة درجة عقليته وتربيته وطباعه. والثابت في الدعوى أن الكشف الطبي أشار إلى آثار كيًّ لا تعتبر كثيرة إن صح وقوعها من الطاعنة على خادم مكث في خدمتها مدة ستة أشهر فهو لا يصيبه إلا إصابة واحدة في كل شهر. أما الحبس في المطبخ فهو إجراء سخيف ولكنه لا يدخل في عداد التعذيبات البدنية. وعدم إعطاء كمية أكل وافرة قد يكون متفقاً مع حالة فقر الطاعنة ولم تبحث المحكمة مدى مقدرتها أو عدم مقدرتها على غير ذلك، وخصوصاً في هذه الأيام التي اشتدّ فيها الغلاء.
وحيث إن المادة 280 من قانون العقوبات تنص على عقاب كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح. أما المادة 282 فهي تنص في الفقرة الأولى منها على أنه إذا حصل القبض في الحالة المبينة بالمادة 280 من شخص تزيا بدون وجه حق بزي مستخدمي الحكومة أو اتصف بصفة كاذبة أو أبرز أمراً مزوراً مدّعياً صدوره من طرف الحكومة يعاقب بالسجن. وتنص الفقرة الثانية منها على أنه يحكم في جميع الأحوال بالأشغال الشاقة المؤقتة على من قبض على شخص بدون وجه حق وهدّده بالقتل أو عذبه بالتعذيبات البدنية، ولما كان القبض على شخص هو إمساكه من جسمه وتقييد حركته وحرمانه من حرية التجوّل كما يريد، وكان حبس الشخص أو حجزه معناه حرمانه من حريته فترة من الزمن، ولما كانت كل هذه الأفعال تشترك في عنصر واحد هو حرمان الشخص من حريته وقتاً طال أو قصر، فإنه يتعين القول بأن الشارع يعتبر أن كل حدّ من حرية الشخص وحرمانه من الحركة كما يريد - سواء كان ذلك قبضاً أو حبساً أو حجزاً - معاقب عليه في كلتا المادتين 280 و282 فتوقع عقوبة الجنحة في المادة الأولى وعقوبة الجناية في المادة الأخرى بفقرتيها. والقول بغير ذلك يتجافى مع المنطق فإنه لا يعقل أن يكون الشارع قد قصد معاقبة التعذيب في حالة القبض فقط وهي حالة تقتضي بطبيعتها أن يكون الحد من الحرية فيها قصير المدى، ويهمل معاقبة التعذيب في حالتي الحبس والحجز وهما حالتان تفيدان معنى الاستمرار والمجني عليه فيهما يكون عرضه لتكرار وقوع التعذيبات عليه. أما ما تجادل فيه الطاعنة فيما يختص بأن ما وقع منها على المجني عليهم لا يعتبر تعذيباً بدنياً بالمعنى الوارد في الفقرة الثانية من المادة 282 فإن الحكم المطعون فيه بين في مواضع مختلفة منه ما استخلص منه أن الطاعنة كانت تعذب المجني عليهم بالتعذيبات البدنية من أقوال الشهود والكشوف الطبية فقال:.... إلخ.
وحيث إنه لما كان تقدير التعذيبات البدنية من المسائل الموضوعية التي يفصل فيها القاضي دون معقب عليه، ولما كانت الأسباب التي اعتمدت عليها المحكمة في القول باعتبار ما وقع من الطاعنة على المجني عليها تعذيباً بدنياً في حكم الفقرة الثانية من المادة 282 من قانون العقوبات وثبوت وقوع ذلك منها - لما كانت تلك الأسباب من شأنها أن تؤدّي إلى النتيجة التي انتهت إليها المحكمة فإنه لا يقبل من الطاعنة إثارة الجدل في هذا الشأن أمام محكمة النقض.