مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 483

جلسة 8 مايو سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(350)
القضية رقم 1024 سنة 14 القضائية

( أ ) قذف. القصد الجنائي في هذه الجريمة. متى يتحقق؟ اعتقاد القاذف صحة ما رمى به المجني عليه. لا تأثير له. متى يباح الطعن في حق الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة؟ طلب ردّ قاض تضمن قذفاً في حقه بأنه دس على المتهم اعترافاً مزوّراً في محضر الجلسة وأعان عليه خصومه. استظهار المحكمة من عبارات المتهم التي نقلتها في الحكم ومن صراحتها بحيث لا يخفي عليه مدلولها ومن عدم استطاعته إثبات ما ادعاه أنه قصد إلى القذف في محله. القصد الجنائي يكون مبيناً بالحكم.
(ب) العلانية في الكتابة والرسوم وغيرها من طرق التمثيل. متى تعتبر متحققة؟ وسائل العلانية الواردة بالمادة 171 ع. ليست واردة على سبيل الحصر. تقدير توافر العلانية. موضوعي. مثال. إرسال عرائض إلى القاضي المجني عليه وإلى المحكمة التي هو تابع لها وإلى الإدارة الأهلية بوزارة العدل وإلى الوزارة، سماها المتهم رداً للقاضي. استخلاص توافر العلانية من ذلك. سائغ.
(جـ) بلاغ كاذب. القصد الجنائي في هذه الجريمة. متى يتحقق؟ استخلاص توافر القصد الجنائي لدى المتهم المذكور من كيفية إرساله العرائض السابقة الإشارة إليها عدة جهات مع علمه بكذب ما فيها. سائغ.
1 - إن القانون لا يتطلب في جريمة القذف قصداً جنائياً خاصاً بل يكتفي بتوافر القصد الجنائي العام الذي يتحقق فيها متى نشر القاذف أو أذاع الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند أهل وطنه. ولا يؤثر في توافر هذا القصد أن يكون القاذف معتقداً صحة ما رمى المجني عليه به من وقائع القذف. غير أن القانون - في سبيل تحقيق مصلحة عامة - قد استثنى من جرائم القذف بنص صريح في المادة 302 من قانون العقوبات الطعن الذي يحصل في حق الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة إذ أباح هذا الطعن متى توافرت فيه ثلاثة شروط: (الأوّل) أن يكون حاصلاً بسلامة نية أي لمجرّد خدمة المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها. (والثاني) ألا يتعدّى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة. (والثالث) أن يقوم الطاعن بإثبات حقيقة كل أمر أسنده إلى المطعون فيه. فكلما اجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع ونجا الطاعن من العقاب. أما إذا لم يتوافر ولو واحد منها فلا يتحقق الغرض ويتعين العقاب. فإذا كان الحكم قد بين أن عبارات القذف التي تضمنتها عرائض الطاعن هي من الصراحة والوضوح بحيث لا يخفى عليه مدلولها، كما أوضح أنه (أي المتهم) لم يستطيع أن يثبت ما ادعاه من أن القاضي دس عليه اعترافاً مزوّراً في محضر الجلسة أو أنه أعان عليه خصومه على صورة من الصور، بل قامت الأدلة على عكس ذلك، وكان واضحاً من مراجعة العبارات التي ذكرها الحكم نقلاً عن العرائض المذكورة أنه لا يمكن أن يكون قد قصد بها مجرّد ردّ القاضي بل أنها بطبيعتها عبارات قذف قصد بها النيل منه، فإن الحكم يكون قد تضمن بيان القصد الجنائي في جريمة القذف على وجهه الصحيح.
2 - إن القانون قد نص في المادة 171 من قانون العقوبات على أن العلانية في الكتابة والرسوم وغيرها من طرق التمثيل تتوافر متى وزعت بغير تمييز على عدد من الناس، أو متى عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق، أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان. ومقتضى هذا النص أن التوزيع يتحقق قانوناً بجعل المكاتيب ونحوها في متناول عدد من الجمهور بقصد النشر ونية الإذاعة. ووسائل العلانية الواردة بالمادة المذكورة ليست على سبيل الحصر والتعيين بل هي من قبيل التمثيل والبيان، مما مقتضاه أن تقديرها يكون من سلطة قاضي الموضوع. فإذا استخلص الحكم توافر ركن العلانية من الكيفية التي قدّم بها المشتكي شكواه ضدّ القاضي، وهي إرساله إلى المجني عليه، وإلى المحكمة الابتدائية الأهلية التي يشتغل فيها، وإلى الإدارة القضائية الأهلية بوزارة العدل، وإلى وزارة العدل، عدّة عرائض سماها ردّاً للقاضي المجني عليه، على اعتبار أن هذا منه يدل دلالة واضحة على أنه أراد إذاعة ما نسبه إليه إذ أنه لو لم يقصد الإذاعة لاقتصر على إرسال الشكوى للقاضي وحده دون الجهات الأخرى التي يعلم بالبداهة أن كل جهة منها تحوي عدداً من الموظفين من الضروري أن تقع الشكوى تحت حسهم وبصرهم، فإنه لا يكون قد أخطأ.
3 - إن القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب يتكوّن من عنصرين: هما علم المبلغ بكذب الوقائع التي بلغ عنها، وانتواؤه الإضرار بمن بلغ في حقه. فإذا كان الحكم قد استخلص توافر هذا القصد من إرسال المتهم العرائض السابقة الإشارة إليها إلى عدّة جهات قائلاً إنه لو لم تكن لديه نية الإضرار به لسلك الطريق التي رسمها بالقانون لرد القضاة، فإنه يكون قد استخلصه استخلاصاً سائغاً من وقائع مؤدّية إليه.