مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 489

جلسة 22 مايو سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة منصور إسماعيل بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد محمد حسن بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(356)
القضية رقم 726 سنة 14 القضائية

( أ ) الدفع بعدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية. متعلق بالنظام العام. يصح إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى. يجب على المحكمة أن تحكم بعدم الاختصاص من تلقاء نفسها. رفض هذا الدفع على اعتبار أنه طلب جديد لا يصح عرضه على المحكمة الاستئنافية لأول مرة. خطأ.
(ب) متى يصح رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية؟ إذا كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى. كون الضرر نتيجة لظرف آخر ولو كان متصلاً بالجريمة. لا يبيح نظر الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية. مثال. شراء شخص موتوراً مسروقاً من أحد المجالس البلدية. ادعاؤه مدنياً ضد المتهم بسرقته بالمبلغ الذي دفعه ثمناً لشرائه. لا يصح. يجب رفع هذه الدعوى إلى المحكمة المدنية.
1 - إن عدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعاوى المدنية من النظام العام لتعلقه بتحديد ولايتها القضائية، فيصح الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى، بل يجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها. فالحكم الذي يقضي برفض هذا الدفع بمقولة إن الحق في التمسك به سقط لعدم إبدائه قبل أي دفع آخر أمام محكمة الدرجة الأولى، أو لاعتباره من الطلبات الجديدة التي لا يصح عرضها على المحكمة الاستئنافية لأوّل مرة، هو حكم مخطئ في تطبيق القانون.
2 - إن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها أمام المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى. فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن الجريمة بل كان نتيجة لظرف آخر، ولو كان متصلاً بالجريمة، سقطت تلك الإباحة وامتنع اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى. فإذا كانت الجريمة المرفوعة بها الدعوى هي أن المتهم سرق موتوراً من البلدية فادّعى شخص مديناً ضد المتهم بالمبلغ الذي دفعه له ثمناً للموتور المسروق طالباً الحكم به عليه متضامناً مع المجلس البلدي، فإنه إذ كان الضرر الذي لحق المدعي بالحق المدني وأسس عليه دعواه لم ينشأ إلا عن واقعة شرائه للموتور، وإذ كانت هذه الواقعة مستقلة عن جريمة السرقة التي ما كانت تؤدّي بذاتها إلى هذا الضرر، إذ كان هذا وذاك لا تكون المحكمة الجنائية مختصة بنظر هذه الدعوى بل يكون واجباً رفعها إلى المحكمة المدنية.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون. وذلك لأنه دفع أمام المحكمة الاستئنافية بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية الموجهة إليه لأن الضرر الذي أسس المدعون دعواهم عليه لم ينشأ عن الجريمة وإنما نشأ عن شرائهم للآلة المسروقة وهي عملية مستقلة عنها وقد قاموا بها من تلقاء أنفسهم، ولذلك لا يجوز لهم أن يطالبوا برد الثمن بطريق التبعية للدعوى الجنائية. ولكن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع ارتكاناً إلى أن المجلس قد سقط حقه في التمسك به لعدم إبدائه قبل أي دفع آخر أمام محكمة أوّل درجة وان إبداءه أمام المحكمة الاستئنافية - وهو من الدفوع التي ليست من النظام العام - يعتبر من الطلبات الجديدة التي لم تعرض على محكمة أول درجة والتي لا يصح عرضها على المحكمة الاستئنافية لأوّل مرة لعدم حرمان الخصوم من درجة من درجات التقاضي؛ مع أن مسائل الاختصاص أمام المحاكم الجنائية من النظام العام، وللخصوم أن يتمسكوا بها في أية حالة كانت عليها الدعوى، بل للمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص الذي أبداه الطاعن قد قال في ذلك: "وحيث إن المستأنف (المجلس البلدي) دفع بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية استناداً على نص المادة 54 جنايات. وحيث إن هذا الدفع في غير محله لسببين: (الأوّل) أنه قد سقط حقه في التمسك به لأنه كان يجب عليه إبداؤه قبل أي دفع آخر أمام محكمة أوّل درجة طبقاً لنص المادة 134 مرافعات، وقد ظهر أنه لم يبد هذا الدفع إلا أمام هذه المحكمة لأوّل مرة. (والثاني) أن إبداء هذا الدفع لأوّل مرة أما المحكمة الاستئنافية - وهو من الدفوع التي ليست من النظام العام - يعتبر من الطلبات الجديدة التي لم تعرض على محكمة أوّل درجة والتي لا يصح عرضها على المحكمة الاستئنافية لأوّل مرة لعدم حرمان الخصوم من درجة من درجات التقاضي، وذلك طبقاً لنص المادة 368 مرافعات. وحيث إنه مما تقدّم يكون الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى المدنية في غير محله ويتعين رفضه". ولما كان عدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى من النظام العام لتعلقه بتحديد ولاياتها القضائية - وهذا مما يصح الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى بل يجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها - فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من رفض هذا الدفع لسقوط الحق في التمسك به لعدم إبدائه قبل أي دفع آخر أمام محكمة أوّل درجة، أو لاعتباره من الطلبات الجديدة التي لا يصح عرضها على المحكمة الاستئنافية لأوّل مرة.
وحيث إن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها أمام المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر حصل للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى. فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان نتيجة لظرف آخر ولو كان متصلاً بالجريمة، سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أن الجريمة التي رفعت عنها الدعوى العمومية ضدّ علي علي يحيي وأحمد محمد إسماعيل هي "أنهما في خلال المدّة بين 4 مارس سنة 1942 و8 مارس سنة 1942 ببندر طنطا سرقا "موتوراً" مبين الوصف والقيمة بالمحضر ومملوكاً للبلدية حالة كونهما مستخدمين لديها بالأجرة" وأن الششتاوى السيد الجمل ومحمد السيد الجمل ومجاهد محمد العربي ادعوا مدنياً بمبلغ خمسة وثلاثين جنيهاً ضدّ المتهمين بالتضامن مع مجلس بلدي طنطا لأن المجلس البلدي استولى على "الموتور" دون أن يردّ لهم الثمن الذي دفعوه. وقد قضى الحكم المطعون فيه بإدانة المتهمين بالتهمة المسندة إليهما وبإلزامهما متضامنين مع مجلس بلدي طنطا بأن يدفعا للمدعين بالحق المدني مبلغ 30 جنيهاً و500 مليم قيمة ثمن الآلة المسروقة. ولما كان الضرر الذي لحق المدعين بالحق المدني وأسسوا عليه دعواهم قد نشأ عن واقعة شرائهم للآلة المسروقة وهي واقعة مستقلة عن جريمة السرقة التي ما كانت لتؤدّي بذاتها إلى هذا الضرر، فإن المحاكم الجنائية لا تكون مختصة بنظر هذه الدعوى بل يجب رفعها أمام المحاكم المدنية.
وحيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص ولذا يتعين نقضه وتطبيق القانون دون حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.