مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية
وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السادس (عن المدة من 2 نوفمبر سنة 1942 لغاية 29 أكتوبر سنة 1945) - صـ 527

جلسة 6 نوفمبر سنة 1944

برياسة حضرة صاحب العزة سيد مصطفى بك رئيس المحكمة، وبحضور حضرات: جندي عبد الملك بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك المستشارين.

(391)
القضية رقم 1560 سنة 14 القضائية

( أ ) غش. القانون رقم 48 لسنة 1941. الإجراءات الواردة به. الغرض منها. مخالفات أحكام هذا القانون لا تخضع لقواعد إثبات خاصة. عدد العينات التي تؤخذ من المواد المشتبه فيها. لا اعتبار لها ما دام القاضي قد اطمأن إلى صحة الدليل المستمدّ من التحليل ولم يساوره الشك فيه من جهة أخذ العينة أو من جهة عملية التحليل.
(ب) العلم بالغش. بيانه. وجوبه. الاكتفاء في بيانه بأن هذا العلم مستفاد من أن المتهم بغش اللبن بائع ألبان ومن زيادة كمية الماء المضافة ومن أنه صاحب المصلحة في الغش. يكفي.
1 - إن القانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بقمع التدليس والغش حين تحدّث في المادة 11 منه عن الموظفين الذين يعينون بقرار وزاري لإثبات مخالفات أحكامه، وإذ نص في المادة 12 التالية لها على أنه "إذا وجدت لدى الموظفين المشار إليهم في المادة السابقة أسباب قوية تحملهم على الاعتقاد أن هناك مخالفة لأحكام هذا القانون جاز لهم ضبط المواد المشتبه فيها بصفة وقتية، وفي هذه الحالة يدعي أصحاب الشأن للحضور وتؤخذ خمس عينات على الأقل بقصد تحليلها تسلم اثنتان منها لصاحب الشأن ويحرّر بهذه العملية محضر يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبيت من ذات العينات والمواد التي أخذت منها..." إذ نص على ذلك فإنه لم يقصد - جرياً على ما سار عليه القضاء في البلاد المأخوذ عنها هذا النص - أن يرتب أي بطلان على عدم اتباع إجراء بعينه من الإجراءات الواردة به. بل إن غرضه لم يكن إلا مجرّد تنظيم وتوحيد الإجراءات التي تتخذ بمعرفة موظفين ليسوا في الأصل، بمقتضى القانون العام، من رجال الضبطية القضائية ولا شأن لهم بإجراء التحقيقات الجنائية، ولم يكن من غرضه أن يخضع مخالفات أحكام هذا القانون إلى قواعد إثبات خاصة بها بل هو تركها خاضعة للقواعد العامة. فمتى اطمأن القاضي إلى صحة الدليل المستمد من التحليل، ولم يساوره الشك في أية ناحية من نواحيه، خصوصاً من جهة أخذ العينة أو من جهة عملية التحليل ذاتها، أصدر حكمه على هذا الأساس. بغض النظر عن عدد العينات التي أخذت، وبلا اعتبار لما يثيره الدفاع عن المتهم بشأن العينات. أما إذا وقع في نفسه أي شك فهو بطبيعة الحال لا يقيم في قضائه أي وزن للعينات ولا للتحليل.
2 - إذا كان الحكم قد ذكر، في صدد بيان ركن علم المتهم بغش اللبن الذي باعه، قوله: "إن علم المتهم بالغش مستفاد من أنه بائع ألبان، ومن زيادة كمية الماء المضاف، ومن أنه صاحب المصلحة في إجراء الغش للحصول من وراء ذلك على أكبر ربح ممكن، ومن سوابقه في هذا الشأن" فذلك يكفي.


المحكمة

وحيث إن الوجه الأوّل من أوجه الطعن يتحصل في أن ما ضبط من اللبن عند الطاعن على زعم أنه مغشوش لم تؤخذ منه للتحليل سوى عينة واحدة مع أن المادة 12 من القانون رقم 48 لسنة 1941 الذي عوقب الطاعن بمقتضاها، تقضي بأخذ عينات خمس تبقى إحداها عند المتهم، وفي ذلك مخالفة مبطلة للإجراءات وللدليل الذي اعتمد الحكم عليه. أما ما ذهب إليه الحكم المطعون عليه من "أن أخذ عدة عينات لا يشترط إلا إذا رأى الموظف المختص ضبط المادة تمهيداً لمصادرتها" فمذهب خاطئ، لأن إيجاب إبقاء عينة عند المتهم يدل على أن غرض الشارع تمكينه من مراقبة عملية أخذ العينات ثم التحليل.
وحيث إن القانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بقمع التدليس والغش - حين تحدّث في المادة 11 منه عن الموظفين الذين يعينون بقرار وزاري لإثبات مخالفات أحكامه، وحين نص في المادة 12 التالية لها على أنه "إذا وجدت لدى الموظفين المشار إليهم في المادة السابقة أسباب قوية تحملهم على الاعتقاد أن هناك مخالفة لأحكام هذا القانون، جاز لهم ضبط المواد المشتبه فيها بصفة وقتية. وفي هذه الحالة يدعي أصحاب الشأن للحضور وتؤخذ خمس عينات على الأقل بقصد تحليلها تسلم اثنتان منها لصاحب الشأن ويحرر بهذه العملية محضر يحتوي على جميع البيانات اللازمة للتثبيت من ذات العينات والمواد التي أخذت منها.." لم يقصد - جرياً على ما سار عليه القضاء في البلاد المأخوذ عنها هذا النص - أن يرتب أي بطلان على عدم إتباع إجراء من الإجراءات الواردة به، فإن الغرض منه لم يكن إلا مجرّد تنظيم وتوحيد الإجراءات التي تتخذ بمعرفة موظفين ليس أصلهم من رجال الضبطية القضائية بمقتضى القانون العام ولا شأن لهم بإجراء التحقيقات الجنائية. فالشارع لم يرد في الواقع وحقيقة الأمر إخضاع مخالفات أحكام هذا القانون إلى قواعد إثبات خاصة بها، بل تركها خاضعة للقواعد العامة. فمتى اطمأن القاضي إلى صحة الدليل المستمد من التحليل ولم يساوره الشك في أي ناحية من نواحيه، خصوصاً من جهة أخذ العينة أو من جهة عملية التحليل ذاتها، أصدر حكمه على هذا الأساس بغض النظر عن عدد العينات التي أخذت وبلا اعتبار لما يثيره الدفاع عن المتهم بشأن العينات. أما إذا وقع في نفسه أي شك، فهو بطبيعة الحال لا يقيم في قضائه أي وزن للعينات ولا للتحليل.
وحيث إنه متى كان الأمر كذلك وكانت المحكمة قد صرحت في حكمها بأنها قد اطمأنت إلى صحة أخذ العينة والتحليل، واطمأنت إلى الدليل المستمد من التحليل وعاملت الطاعن على مقتضاه، فإن وجه الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الوجه الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون عليه قصر في بيان ركن العلم بالغش. ولا يكفي في بيانه قوله بوجود ماء في باللبن بنسبة كبيرة لأن الماء لم يكشفه إلا التحليل، كما لا يكفي القول بأن للطاعن سابقتين في غش اللبن لأن السوابق لا تساق كدليل لإثبات تهمة وإنما تساق فقط كظرف مشدّد لتهمة ثابتة.
وحيث إن الحكم المطعون عليه قال: "إن علم المتهم بالغش مستفاد من أنه بائع ألبان، ومن زيادة كمية الماء المضاف، ومن أنه صاحب المصلحة في إجراء هذا الغش للحصول من وراء ذلك على أكبر ربح ممكن، ومن سوابقه في هذا الشأن". وفي هذا ما يكفي لبيان ركن العلم بالغش. وإذن فمجادلة الطاعن في هذا الخصوص على الصورة الواردة بوجه الطعن لا تقبل منه لتعلقها بموضوع الدعوى وتقدير أدلة الثبوت فيها مما لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في أن الحكم المطعون عليه لم يرد على دفاع الطاعن بعدم علمه بالغش إذ قال الدفاع إنه يشتري اللبن من تجار قد يسقون الماشية ماء غزيراً قبل حلبها فتزيد كمية لبنها.
وحيث إن الحكم المطعون عليه حين أثبت علم الطاعن بالغش بأدلة من شأنها أن تؤدّي إلى ما انتهى إليه، يكون قد تولى الرد على دفاع الطاعن المشار إليه بوجه الطعن.