أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1050

جلسة 10 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة؛ وبحضور السادة المستشارين: إميل جبران، وأحمد حسن هيكل، والسيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا.

(142)
الطعن رقم 303 لسنة 31 القضائية

( أ ) تنازع قوانين "تنازع القوانين من حيث المكان". معاهدة دولية "شروط تطبيقها". نقل بحرى "القانون الواجب التطبيق".
معاهدة بروكسل بتوحيد قواعد سندات الشحن. أصبحت تشريعا نافذ المفعول فى مصر. نطاق سريانها. أن يكون سند الشحن صادرا فى دولة موقعة عليها أو منضمة إليها. شروط تطبيقها. أن تكون العلاقة بين الناقل والشاحن ذات عنصر أجنبى ينتمى طرفاها بجنسيتهما لدولة موقعة عليها أو منضمة إليها.
(ب) قانون. "إلغاؤه". "نقل". "نقل بحرى".
التعارض الذى يستتبع إلغاء نص تشريعى بنص تشريعى لاحق. شرطه. أن يرد النصان على محل واحد يستحيل إعمالهما فيه معا. مثال.
1 - لما كانت معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن والتى وافقت عليها مصر بالقانون رقم 18 لسنة 1940 وانضمت إليها وأصدرت مرسوما بقانون فى 31 من يناير سنة 1944 يقضى بالعمل بها من 29 من مايو سنة 1944 تنص فى مادتها العاشرة على أن "تسرى أحكام هذه المعاهدة على كل سند شحن يعمل فى إحدى الدول المتعاقدة" فإن مفاد هذا النص - وقد ورد فى المعاهدة التى أصبحت تشريعا نافذ المفعول فى مصر - أن أحكام هذه المعاهدة لا تسرى على العلاقة القانونية المترتبة على النقل البحرى بين الناقل والشاحن إلا إذا كان سند الشحن صادرا فى دولة موقعة عليها أو منضمة إليها. وإذ لا تعدو هذه المعاهدة أن تكون معاهدة دولية فى الملاحة البحرية لتنظيم بعض علاقات القانون الخاص بين رعايا طائفة من الدول، فإن مؤدى ذلك أنه يشترط لتطبيقها أن تكون العلاقة بين الناقل والشاحن ذات عنصر أجنبى وأن ينتمى طرفاها بجنسيتهما لإحدى الدول الموقعة عليها أو المنضمة إليها.
2 - إذا كانت معاهدة بروكسل لا تنطبق فى صدد النقل البحرى الدولى إلا فى نطاق محدود، فإنه لا يكون من شأن هذه المعاهدة أن تؤثر خارج هذا النطاق فى أحكام قانون التجارة البحرى السابقة عليها بما يعد نسخا لها لأن التعارض الذى يستتبع إلغاء نص تشريعى بنص فى تشريع لاحق لا يكون، فى حكم المادة الثانية من القانون المدنى، إلا إذا ورد النصان على محل واحد يكون من المحال إعمالهما فيه معا. أما إذا اختلف المحل فإنه يتعين العمل بكل قانون فى محله بصرف النظر عما بينهما من مغايرة طالما أن لكل منهما مجاله الخاص فى التطبيق. ولا يمنع من ذلك ازدواج التشريع فى قانون البلد الواحد، لأن الشارع هو الذى يقدر الحكمة من هذا الازدواج وليس للقاضى إلا أن يطبق التشريع على ما هو عليه.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 413 لسنة 1955 تجارى كلى بور سعيد ضد الشركات الثلاث المطعون عليها بصحيفة معلنة فى 5/ 11/ 1955 طالبا الحكم بإلزام هذه الشركات بالتضامن بأن تدفع له مبلغ 969 ج و508 م - وقال فى بيان دعواه أنه بموجب ثلاثة سندات شحن لحاملها صادرة من شركة الملاحة المطعون عليها الأولى فى ميناء البصرة بالعراق شحن له السيد محمد الناصر الصالح وأخوته رسالة بلح "زاهدى" زنتها 820 طنا من ميناء البصرة إلى ميناء بور سعيد على باخرة تابعة لشركة الملاحة المذكورة وأبرم الشاحنون وثيقة تأمين مع الشركة المطعون عليها الثانية لصالحه عن هذه الرسالة ووصلت الباخرة إلى ميناء بور سعيد فى 20/ 11/ 1954 وفى اليوم التالى تم تفريغ البضاعة وخزنت لدى الشركة المطعون عليها الثالثة وقد تبين له أن جزءا من هذه البضاعة أصابه التلف لشحنه فوق سطح الباخرة، وثبت من تقارير الخبراء أن هذا التلف يرجع إلى مياه الأمطار وبنسبة 35% من البضاعة وتقدر قيمته بمبلغ 843 ج و58 م. وإذ رفضت الشركتان المطعون عليهما الأولى والثانية دفع هذه القيمة فقد أقام الدعوى الحالية بالمبلغ المطالب به ويمثل قيمة البضاعة التالفة مضافا إليها مبلغ 126ج و450 م قيمة ما ضاع عليه من كسب. دفعت الشركة المطعون عليها الأولى بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد طبقا لمادتين 274، 275 من قانون التجارة البحرى. ومحكمة أول درجة قضت فى 12/ 10/ 1958 برفض الدفع به، ثم قضت فى 30/ 5/ 1959 بإلزام المطعون عليها الأولى بأن تدفع للطاعن مبلغ 927 ج و364 م إستأنفت المطعون عليها الأولى هذين الحكمين بالإستئناف رقم 17 سنة 1 ق تجارى بور سعيد، ومحكمة الإستئناف قضت فى 7/ 5/ 1961 بإلغاء الحكمين المستأنفين وبعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المبين بالمادتين 274، 275 من قانون التجارة البحرى. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 13/ 2/ 1965 وفيها صممت النيابة على رأيها الذى أبدته فى مذكرتها بطلب رفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة التزمت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على سبب واحد ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله من وجهين - يقول فى بيان أولهما أن الحكم المطعون فيه قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المبين بالمادتين 274 و275 من قانون التجارة البحرى فى حين أن هاتين المادتين قد ألغيتا بالقانون رقم 18 لسنة 1940 بالتصديق على معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن، وقد صدر بهذه المعاهدة المرسوم بقانون المؤرخ 31 يناير سنة 1944 والذى قضى فى مادته الأولى بالعمل بالمعاهدة ابتداء من 29 سنة 1944 وفى مادته الثانية بتكليف الوزراء المختصين بتنفيذه - فأصبحت المعاهدة من تاريخ العمل بها قانونا داخليا تنسخ ما يتعارض معها من القوانين السابقة إعمالا لنص المادة الثانية من القانون المدنى - وإذ تنص الفقرة السادسة من المادة الثالثة من تلك المعاهدة بأنه فى جميع الأحوال ترتفع عن الناقل والسفينة كل مسئولية ناشئة عن الهلاك أو التلف إذا لم ترفع الدعوى خلال سنة من تسلم البضاعة أو من التاريخ الذى كان ينبغى تسلمها فيه. فإن هذا النص يكون قد نسخ ضمنا حكم المادتين 274، 275 من قانون التجارة البحرى والمنصوص فيهما على أن مدة السقوط واحد وثلاثون يوما بسبب التعارض بينهما - وحاصل الوجه الثانى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون إذ استبعد تطبيق حكم المادة 3/ 6 من معاهدة بروكسل بسبب عدم انضمام العراق التابع لها الشاحن بجنسيته إلى المعاهدة - وذلك استنادا إلى أن المادة العاشرة منها تقضى بسريان أحكام المعاهدة عل كل سند شحن يبرم فى إحدى الدول المتعاقدة، وإلى أن المعاهدة دولية فيجب لتطبيقها أن يكون النقل البحرى بين رعايا الدول التى وقعتها أو انضمت إليها - هذا فى حين أنها تعتبر قانونا داخليا واجب التطبيق عملا بقاعدة الإسناد المنصوص عليها فى المادة 22 من التقنين المدنى وقد نسخت المادة 3/ 6 من المعاهدة المادتين 274، 275 من قانون التجارة البحرى السابقتين عليها والمخالفتين لحكمها ومن شأن إعمال المادة العاشرة من المعاهدة على النحو الذى ذهب إليه الحكم ازدواج التشريع بصدد مسألة واحدة فى بلد واحد.
وحيث إن هذا النعى بوجهيه فى غير محله ذلك أن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه وهو فى صدد الفصل فى الدفع بعدم القبول عرض لأحكام معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن وحدد نطاق حكم الفقرة السادسة من المادة الثالثة منها وأقام قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد المبين بالمادتين 274 و275 من قانون التجارة البحرى على ما أورده من "أن القول بأن ميعاد رفع الدعوى وفق أحكام المعاهدة يختلف عنه وفق القانون التجارى البحرى المصرى وأنها وقد صدرت لاحقة على صدوره واندمجت فيه فإنها تنسخ من أحكامه ما يتعارض معها - فهذا قول صحيح حيث يتصل الأمر بنقل بحرى يخضع لأحكام المعاهدة المذكورة بالتطبيق للمادة 10 منها. إذ لا يتفق أن يكون النقل خاضعا لأحكامها ثم يجرى فى شأنه مواعيد رفع الدعوى عن مسئولية الناقل فى أحكام القانون التجارى البحرى المصرى المتعارضة مع أحكامها بل يجب أن تطبق بحذافيرها على كل ما يجرى فى فلكها من نقل بحرى - أما حيث لا يكون النقل خاضعا لأحكام المعاهدة المشار إليها كما هو الشأن فى الدعوى المطروحة لعدم انصمام العراق التابع لها الشاحن إلى أحكامها - فإن أحكامها ترتفع عن النزاع الحالى لترك المجال للقانون التجارى البحرى الذى يلتزم القاضى المصرى بإعمال حكمه طبقا لقواعد الإسناد". وهذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه صحيح فى القانون ذلك أنه لما كانت معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن والتى وافقت عليها مصر بالقانون رقم 18 لسنة 1940 وانضمت إليها وأصدرت مرسوما بقانون فى 31 من يناير سنة 1944 يقضى بالعمل بها من 29 من مايو سنة 1944 - تنص فى مادتها العاشرة على أن "تسرى أحكام هذه المعاهدة على كل سند شحن يعمل فى إحدى الدول المتعاقدة" فإن مفاد هذا النص - وقد ورد فى المعاهدة التى أصبحت تشريعا نافذ المفعول فى مصر - أن أحكام هذه المعاهدة لا تسرى على العلاقة القانونية المترتبة على النقل البحرى بين الناقل والشاحن إلا إذا كان سند الشحن صادرا فى دولة موقعة عليها أو منضمة إليها وإذ لا تعدو هذه المعاهدة أن تكون معاهدة دولية فى الملاحة البحرية لتنظيم بعض علاقات القانون الخاص بين رعايا طائفة من الدول فإن مؤدى ذلك أنه يشترط لتطبيقها أن تكون العلاقة بين الناقل والشاحن ذات عنصر أجنبى وأن ينتمى طرفاها بجنسيتهما لإحدى الدول الموقعة عليها أو المنضمة إليها. وإذ كانت هذه المعاهدة لا تنطبق فى صدد النقل البحرى الدولى إلا فى نطاق محدود - فإنه لا يكون من شأن هذه المعاهدة أن تؤثر خارج هذا النطاق فى أحكام قانون التجارة البحرى السابقة عليها بما بعد نسخا لها، لأن التعارض الذى يستتبع إلغاء نص تشريعى بنص لاحق لا يكون فى حكم المادة الثانية من القانون المدني إلا إذا ورد النصان على محل واحد يكون من المحال إعمالها فيه معا. أما إذا اختلف المحل فإنه يتعين العمل بكل قانون فى محله بصرف النظر عما بينهما من مغايرة طالما أن لكل منهما مجاله الخاص فى التطبيق. ولا يمنع من ذلك إزدواج التشريع فى قانون البلد الواحد - لأن الشارع هو الذى يقدر الحكمة من هذا الإزدواج وليس للقاضى إلا أن يطبق التشريع على ما هو عليه - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر بأن أخضع سندات الشحن موضوع الدعوى لأحكام قانون التجارة البحرى المصرى فى المادتين 274، 275 منه باعتباره قانون ميناء وصول البضاعة - واستبعد تطبيق أحكام معاهدة بروكسل تأسيسا على أن هذه السندات قد أبرمت بين شركة الملاحة المطعون عليها الأولى وبين شاحن عراقى من دولة العراق التى لم تنضم إلى هذه المعاهدة فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تأويله وتطبيقه.