أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1064

جلسة 10 من مايو سنة 1966

برياسة السيد/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وإميل جبران، وأحمد حسن هيكل، والسيد عبد المنعم الصراف.

(144)
الطعن رقم 3 لسنة 32 القضائية

( أ ) استئناف. "إجراءات نظر الاستئناف". "تقرير التلخيص".
تقدير مضمون ما جاء بتقرير التلخيص من المسائل الخاضعة لاشراف القضاء لا لأقلام الكتاب.
(ب) التزام. "مصادر الالتزام". " الاثراء بلا سبب". إجارة. "المصروفات التى ينفقها المستأجر".
إنفاق المستأجر مصروفات على إصلاح البور وإحياء الموات بالأرض المؤجرة. مصروفات نافعة وليست ضرورية. لا محل لتطبيق قاعدة الاثراء بلا سبب لوجود عقد بين الطرفين، وانتفاء افتقار المستأجر.
(ج) إجارة. "التزامات المؤجر".
التزامات المؤجر فى القانون المدنى القديم سلبية عدم التزامه بالمصروفات النافعة إلا إذا وجد اتفاق بشأنها.
1 - الوقوف على ما تضمنه تقرير التلخيص، وما إذا كان شاملا للاستئنافين المنضمين أم كان قاصرا على استئناف واحد، إنما هو من المسائل الخاضعة لإشراف القضاء وتقديره لا لأقلام الكتاب التابعة له.
2 - إنفاق المستأجر مصروفات على إصلاح البور وإحياء الموات بالعين المؤجرة له، وهى من المصروفات النافعة - التى لم يثبت حصول الاتفاق عليها - وليست من المصروفات الضرورية لحفظ العين من الهلاك، فلا محل معه للرجوع بهذه المصروفات استنادا إلى قاعدة لإثراء بلا سبب ما دام هناك عقد يحكم علاقة الطرفين. إذ أن للإثراء والافتقار سببا مشروعا هو عقد الإيجار القائم بين الطرفين، ولأن هذه المصروفات قد أفاد منها المستأجر طوال مدة استغلاله للعين، فينعدم بذلك قانونا شرط افتقار المستأجر الذى هو شرط جوهرى لدعوى الرجوع.
3 - التزامات المؤجر فى القانون المدنى القديم - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - التزامات سلبية بترك المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة - ما لم ينص بالعقد على شرط مخالف - ومفاد ذلك ألا يلتزم المؤجر بمصروفات الأعمال النافعة إلا إذا وجد اتفاق بشأنها [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 79 سنة 1951 كلى بور سعيد ضد مصلحة الأملاك الأميرية التى تمثلها الطاعنة وضد المطعون عليهما الثانى والثالث طالبا بصفة أصلية الحكم بتثبيت ملكيته إلى قطعة الأرض البالغ مساحتها 30 ف و23 ط و8 س المبينة بصحيفة الدعوى وبطلان عقود البيع الصادرة من الطاعنة إلى المطعون عليهما الثانى والثالث ومحو التسجيلات الخاصة بهما وإلزامهما مع الطاعنة متضامنين برد مقابل الانتفاع من تاريخ الغصب حتى تاريخ تسليم الأرض، واحتياطيا الحكم بإلزام الطاعنة والمطعون عليهما الثانى والثالث بدفع مبلغ 9000 ج يمثل مقدار ما زاد فى قيمة هذه الأرض. وقال شرحا لدعواه أنه كان موظفا فى شركة قناة السويس وفى 3/ 1/ 1922 وضع يده على قطعة أرض بور لا مالك لها مساحتها 30 ف و23 ط و8 س كائنة بطريق المعاهدة وأقام عليها منزلا وأنفق على إصلاحها حتى صارت أرضا صالحة للزراعة، واستمر واضعا اليد عليها دون منازعة إلى أن اعتقل فى يونيو سنة 1940 لأنه من رعايا دولة إيطاليا ثم وضع المطعون عليه الثانى - الذى خلفه فى وظيفته - اليد على هذه لأرض، وفى أبريل سنة 1946 عرضتها مصلحة الأملاك للبيع بالمزاد واشتراها المطعون عليهما الثانى والثالث، وإذ كان هذا التصرف يعد غصبا لحقوقه وإثراء بغير سبب على حسابه وكان ما زاد فى قيمة الأرض يقدر بأكثر من 9000 ج، فقد أقام هذه الدعوى للحكم له بطلباته. وبتاريخ 30/ 5/ 1954 حكمت محكمة أول درجة بندب خبير زراعى لبيان الاصلاحات والتحسينات التى أدخلها المطعون عليه الأول على الأطيان محل النزاع والمنشآت التى أقامها فيها وقيمة كل ذلك، وقدم الخبير تقريره، وبتاريخ 19/ 6/ 1955 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أنه وضع يده على هذه الأرض المدة الطويلة المكسبة للملكية وبعد تنفيذ حكم التحقيق قضت المحكمة بتاريخ 26/ 1/ 1958 بإعادة المأمورية إلى الخبير لمعاينة العين موضوع النزاع مسترشدا فى ذلك بما قرره شهود الطرفين فى التحقيق وبيان حدود ومقدار الأرض المدعى بوضع يد المطعون عليه الأول عليها ومدة وضع يده وسببه. وقدم الخبير تقريره، وبتاريخ 10/ 5/ 1959 حكمت المحكمة برفض الطلب الأصلي، وقضت فى الطلب الاحتياطى بإلزام مصلحة الأملاك الأميرية بأن تدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 566 ج، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 147 لسنة 2 ق مدنى الزقازيق الذى قيد بجدول مأمورية استئناف بور سعيد برقم 55 سنة 1 ق مدنى طالبة إلغاءه فيما قضى به من إلزامها بأن تدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 566 ج وبرفض هذا الطلب، مع تأييده فى قضائه بالنسبة للطلب الأصلى الخاص بتثبيت الملكية، كما استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 156 سنة 2 ق مدنى الزقازيق الذى قيد بجدول مأمورية استئناف بور سعيد برقم 58 سنة 1 ق مدنى طالبا إلغاءه والحكم له بطلباته، وقررت المحكمة ضم الاستئناف الأول إلى الثانى، وبتاريخ 3/ 12/ 1961 قضت فى الاستئناف رقم 156 سنة 2 ق بسقوط حق المطعون عليه الأول فى هذا الاستئناف لرفعه بعد الميعاد القانونى، وفى الاستئناف رقم 147 سنة 2 ق المرفوع من الطاعنة برفضه وتأييد الحكم المستأنف. وفى 2/ 1/ 1962 طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 8/ 6/ 1965 وفيها صممت النيابة العامة على رأيها الذى ضمنته مذكرتها بطلب نقض الحكم، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين تنعى الطاعنة بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه أنه قد شابه بطلان جوهرى لمخالفته حكم المواد 116، 407 مكررا، 408 مكررا من قانون المرافعات بعدم تلاوة تقرير التلخيص فى جلسة المرافعة وقبل البدء فيها فى الاستئناف رقم 55 سنة 1 ق مدنى بور سعيد المرفوع من الطاعنة، واستندت الطاعنة فى ذلك إلى ما ورد بالشهادة الصادرة من قلم كتاب مأمورية استئناف بورسعيد المودعة ملف الطعن من أن هذا الاستئناف قد سحب من التحضير قبل إعداد تقرير التلخيص به لضمه إلى الاستئناف رقم 58 سنة 1 ق مدنى بور سعيد المرفوع من المطعون عليه الأول، وأضافت الطاعنة أن ما جاء بالحكم من حصول تلاوة التقرير إنما هو خاص بالاستئناف رقم 58 سنة 1 ق مدنى بور سعيد.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن الثابت من بيانات الحكم المطعون فيه والصور الرسمية لمحاضر الجلسات أن تقرير التلخيص قد تلى بجلسة المرافعة الأخيرة بعد ضم الاستئناف رقم 55 سنة 1 ق مدنى بور سعيد الذى رفعته الطاعنة إلى الاستئناف رقم 58 سنة 1 ق مدنى بور سعيد الذى رفعه المطعون عليه الأول؛ ولا محل للتحدى بما جاء بالشهادة الصادرة من قلم كتاب مأمورية استئناف بور سعيد من أن التقرير الذى تلى خاص بالاستئناف رقم 58 سنة 1 ق مدنى ذلك أن الوقوف على ما تضمنه تقرير التلخيص هو من المسائل الخاضعة لإشراف القضاء وتقديره لا لأقلام الكتاب التابعة له. ولما كانت الطاعنة لم تقدم صورة رسمية من تقرير التلخيص المشار إليه لتتبين هذه المحكمة ما إذا كان التقرير قاصرا على الاستئناف رقم 58 سنة 1 ق مدنى أم أنه تناول كذلك الاستئناف رقم 55 سنة 1 ق مدنى بعد ضمه، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثانى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، ذلك أنه أيد الحكم الابتدائى فى قضائه بالزام مصلحة الأملاك الأميرية بأن تدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 566 ج تعويضا عن الاصلاحات التى أحدثها فى الأرض التى كان يستأجرها من مصلحة الأملاك تأسيسا على أن المادة 592 من القانون المدنى الحالى تقضى بأن المؤجر ملزم بالمصروفات النافعة التى ينفقها المستأجر على العين المؤجرة ما لم يكن هناك اتفاق يقضى بغير ذلك وأن للمطعون عليه الأول أن يرجع بهذه المصروفات استنادا إلى قاعدة الاثراء بلا سبب لأن مصلحة الأملاك قد استفادت من هذه التحسينات، هذا فى حين أن المطعون عليه الأول وقد كان واضعا اليد بصفته مستأجرا فى الفترة من سنة 1922 حتى سنة 1940 فإن القانون المدنى القديم يكون هو الواجب التطبيق ومن المقرر فى ظل هذا القانون أنه ليس للمستأجر أن يرجع على المؤجر بالمصروفات النافعة إلا إذا اتفق على ذلك صراحة فى العقد، هذا فضلا عن عدم توافر شروط دعوى التعويض عن الإثراء بلا سبب لأن عقد الإيجار يعد فى ذاته سببا مشروعا لهذا الإثراء.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أنه لما كان الحكم الابتدائى الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه قد انتهى إلى أن المطعون عليه الأول كان يضع يده على الأرض محل النزاع بصفته مستأجرا لها من مصلحة الأملاك الأميرية خلال المدة من سنة 1922 حتى سنة 1940، وكان يبين من الأوراق أن التعويض المطالب به مبناه ادعاء المطعون عليه الأول قيامه بإنفاق مصروفات على إصلاح البور وإحياء الموات بالعين المؤجرة وهى من المصروفات النافعة - التى لم يثبت حصول الاتفاق عليها - وليست من المصروفات الضرورية لحفظ العين من الهلاك، فلا محل للرجوع بهذه المصروفات استنادا إلى قاعدة الإثراء بلا سبب ما دام هناك عقد يحكم علاقة الطرفين إذ أن للإثراء والافتقار سببا مشروعا هو عقد الايجار القائم بين الطرفين ولأن هذه المصروفات التى ادعاها المطعون عليه الأول قد أفاد منها طوال مدة استغلاله التى امتدت زهاء الثمانية عشر عاما فينعدم بذلك قانونا شرط افتقار المطعون عليه الأول الذى هو شرط جوهرى لدعوى الرجوع، لما كان ذلك وكانت التزامات المؤجر فى القانون المدنى القديم الذى يحكم واقعة الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - التزامات سلبية بترك المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة ما لم ينص بالعقد على شرط مخالف، وكان مفاد ذلك ألا يلتزم المؤجر بمصروفات الأعمال النافعة إلا إذا وجد اتفاق بشأنها، لما كان ما تقدم وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بالزام الطاعنة بهذه المصروفات مع أنه لم يثبت اتفاق الطرفين عليها واستند فى ذلك إلى المادة 593 من القانون المدنى الحالى وإلى أن للمطعون عليه الأول أن يرجع بها على الطاعنة تطبيقا لقاعدة الاثراء بلا سبب... فإن هذا الحكم يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه مما يستوجب نقضه فى هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به فى الطلب الاحتياطى من الزام مصلحة الأملاك الأميرية بأن تدفع للمطعون عليه الأول مبلغ 566 ج والحكم برفض هذا الطلب.


[(1)] راجع نقض 7/ 6/ 1956 مجموعة المكتب الفنى السنة 7 ص 672.