أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1129

جلسة 17 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إميل جبران، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.

(153)
الطعن رقم 272 لسنة 31 القضائية

(أ وب) نقل. "نقل بحرى". "القانون الواجب التطبيق". قانون. "تنازع القوانين من حيث المكان". نقض. "أسباب الطعن". "أسباب واقعية".
معاهدة بروكسل بتوحيد بعض قواعد سندات الشحن المعمول بها فى مصر. عدم إنطباق أحكامها إذا ما ذكر فى عقد النقل أن نقل البضاعة يكون على ظهر السفينة وكان نقلها قد تم فعلا بهذه الطريقة. استبعاد تطبيقها عند توافر هذه الشروط من مسائل القانون. استخلاص توافر الشروط وتقدير ثبوتها. من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع.
(ج) تقض. "أسباب الطعن". "أسباب جديدة".
عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بأن الشرط الوارد بالعقد هو من شروط الاذعان. تمسكه بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. عدم قبوله.
(د) نقل. "نقل بحرى". مسئولية. "مسئولية الناقل". عقد. "النقل البحرى".
شرط إعفاء الناقل من المسئولية عن التلف والهلاك بسبب مخاطر البحر. أثره. إعفاء الناقل من المسئولية عند وقوع هذه المخاطر ما لم يثبت صاحب البضاعة خطأ الناقل.
(هـ) قوة قاهرة. "ماهيتها". "أثرها". مسئولية. "الاعفاء منها".
المخاطر الغير متوقعة الحدوث ولا يستطاع دفعها تعد من قبيل القوة القاهرة. أثرها. اعتبارها سببا قانونيا للإعفاء من المسئولية. المخاطر المتوقعة والتى يمكن دفعها دفعها تصلح سببا اتفاقيا للإعفاء من المسئولية. مثال.
(و) إثبات. "التقرير البحرى".
التقرير البحرى له حجية فى الاثبات إلى أن يثبت العكس. شرط ذلك. تقديمه فى اليوم التالى لوصول السفينة وتحقيق ما جاء به ومطابقته على دفتر يومية السفينة بمعرفة الجهة المقدم إليها.
1 - نصت الفقرة ج من المادة الأولى من معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض قواعد سندات الشحن المعمول بها فى مصر منذ 29 مايو سنة 1944 على أن يستثنى من أحكامها البضائع "الذى يذكر فى عقد النقل أن نقلها يكون على ظهر السفينة وتكون قد نقلت فعلا بهذه الطريقة". ومؤدى ذلك أنه إذا ما أثبت فى عقد النقل أن بضاعة نقلت على ظهر السفينة، وكان نقلها قد تم فعلا بهذه الطريقة، فإن مسئولية الناقل وإلتزاماته عنها تخرج عن نطاق تطبيق المعاهدة فى هذا الخصوص.
2 - لئن كان استبعاد أحكام معاهدة بروكسل (بتوحيد بعض قواعد سندات الشحن) إذا ما توافرت الشرائط المقررة لذلك هو من مسائل القانون فى الدعوى، إلا أن استخلاص توافر هذه الشرائط وتقدير ثبوتها من عناصر الدعوى ومستنداتها إنما هو من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع دون ما رقابة عليه من محكمة النقص.
3 - متى كان مبنى النعى على الحكم المطعون فيه أن شرط الاعفاء من المسئولية الثابت بسند الشحن لم يقبله الشاحن مختارا بل فرض عليه بطريق الإذعان، وهو نعى ينطوى على دفاع خلت أوراق الطعن مما يدل على ما سبق تمسك الطاعنة به أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل منها إثارته للمرة الأولى أمام محكمة النقض.
4 - متى كان شرط الإعفاء من مسئولية الناقل عن التلف أو الهلاك الذى ترجع أسبابه إلى مخاطر يعد شرطا صحيحا فإنه يترتب عليه إعفاء الناقل من المسئولية عند وقوع هذه المخاطر ما لم يثبت صاحب البضاعة أن التلف أو الهلاك يرجع إلى خطأ الناقل.
5 - مخاطر البحر، وإن كانت تصلح فى ذاتها سببا إتفاقيا للإعفاء من المسئولية ولو كانت متوقعة الحدوث أو يمكن دفعها، إلا أن هذه المخاطر إذا بلغت من الشدة مدى يجعلها غير متوقعة الحدوث أو غير مستطاع دفعها فإنها تعد من قبيل القوة القاهرة التى تصلح سببا قانونيا للإعفاء، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد استند فى صدد الإعفاء من المسئولية إلى ما ورد به من "أن التقرير البحرى - الذى تأيد بما أثبت بدفتر يومية الباخرة - يرجع سبب العجز إلى الحالة الجوية الشديدة الشاذة التى صادفت السفينة فى رحلتها من أمواج عالية وعواصف طاغية أطاحت بجزء من بضاعة السطح التى كانت تضم القدر الفاقدة موضوع هذه الدعوى رغم المجهودات الشاقة التى قام بها الربان والبحارة لمقاومة تلك الحالة الشاذة". فإن هذا الذى أثبته الحكم يكفى بذاته لتوافر عناصر القوة القاهرة من حيث الخروج عن نطاق ما هو متوقع حدوثه عادة وعدم استطاعة دفع الخطر الناجم عنه ويصلح سببا قانونيا للإعفاء من المسئولية.
6 - للتقرير البحرى الذى يحرره ربان السفينة، وفقا لأحكام المواد 57 و58 و59 و62 من القانون البحرى، حجيته فى الإثبات إلى أن يثبت العكس متى قدم فى اليوم التالى لوصول السفينة وتم تحقيق ما جاء به ومطابقته على دفتر يومية السفينة بمعرفة الجهة المقدم إليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن شركة القاهرة للتأمين - الطاعنة - أقامت الدعوى رقم 528 سنة 1956 تجارى كلى الاسكندرية ضد المطعون ضدهما طالبة الحكم بالزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 1671 ج و705 م وقالت شرحا لدعواها أن شركة الاسكندرية لتجارة الأخشاب استوردت من الخارج رسالة من الأخشاب مقدارها 9015 قطعة حجمها 266.680 مترا مكعبا شحنت من ميناء ريجيكا على الباخرة روزاليا المملوكة للمطعون ضده الأول بموجب سند شحن، ولدى وصول الباخرة ميناء الاسكندرية فى 19/ 3/ 1956 قام المطعون ضده الثانى بصفته وكيل الباخرة بالاسكندرية بتفريغ الرسالة تمهيدا لتسليمها لشركة الاسكندرية لتجارة الأخشاب المستوردة للبضاعة. وإذ اتضح للشركة المذكورة أن بالرسالة عجزا يبلغ 6100 قطعة حجمها 84.870 مترا مكعبا، فقد أبلغت الشركة الطاعنة التى حررت محضرا بذلك فى 6/ 4/ 1956، كما حررت مصلحة الجمارك شهادة تثبت العجز. وأنه لما كانت الشركة المستوردة قد أمنت على رسالة الأخشاب لدى شركة القاهرة للتأمين (الطاعنة) فقد دفعت الأخيرة قيمة التأمين عن العجز وتنازلت لها الشركة المستوردة المؤمن لمصلحتها عن حقها فى التعويض لترجع به على الغير المسئول عنه وذلك بموجب حوالة حق وتنازل محررة فى 12/ 4/ 1959 وإذ كان المطعون ضدهما مسئولين عن العجز باعتبارهما القائمين بالنقل والتفريغ الملزمين بتسليم الرسالة المشحونة كاملة سليمة فقد أقامت عليهما الدعوى بالمبلغ المطالب به ويمثل قيمة العجز مضافا إليها رسم استخرج الشهادة الجمركية. طلب المطعون ضدهما رفض الدعوى مستندين فى ذلك إلى أن ثلث الرسالة قد تم شحنه على ظهر السفينة بموافقة الشركات الشاحنة، وأن السفينة صادفت عواصف وأمواج شديدة أثناء رحلتها البحرية أطاحت بجزء من البضاعة المحملة على ظهرها بالاسكندرية. وإذ أخرجت معاهدة سندات الشحن البضائع المشحونة على ظهر السفينة من نطاق أحكامها؛ فإنه يجوز للناقل اشتراط عدم مسئوليته بشأنها، وقد نص فى سند الشحن على أنه لا يسأل عن الهلاك أو التلف الناشئ عن مخاطر البحر. وردت الشركة الطاعنة بأن معاهدة سندات الشحن تقضى ببطلان شرط الإعفاء من المسئولية، وأن الشحن على ظهر السفينة قد تم دون إذن الشاحن، وأنه بفرض أن الشحن على هذا النحو قد تم بإذنه فإنه لا يعفى الناقل من المسئولية، لأن فقد البضاعة المشحونة على ظهر السفينة مرده إلى السرقة أو سوء الرص والتستيف مما يدل على الإهمال والخطأ الجسيم. قضت محكمة الدرجة الأولى فى 31 يناير سنة 1960 برفض الدعوى، واستأنفت الشركة الطاعنة الحكم بالاستئناف رقم 234 سنة 16 ق تجارى الإسكندرية. ومحكمة الاستئناف قضت فى 18 من أبريل سنة 1961 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الشركة الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، عرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة العامة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب تنعى الطاعنة فى أولها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك تقول إن محكمة الاستئناف إذ قررت عدم تطبيق أحكام معاهدة بروكسل الخاصة بسندات الشحن على المسئولية عن الجزء من البضاعة الذى ادعت الشركة الناقلة - المطعون ضدها الأولى - أنه شحن على ظهر السفينة استندت فى ذلك إلى ما ورد فى سند الشحن من أن البضاعة شحنت بهذه الكيفية، هذا فى حين أن من المقرر طبقا للمعاهدة المذكورة أن استثناء النقل على ظهر السفينة من أحكامها مشروط بأن يذكر كتابة فى عقد النقل أن البضاعة شحنت على ظهر السفينة وأن يكون الشحن قد تم فعلا بهذه الطريقة، ولا يتحقق ذلك إلا بتوقيع الشاحن على ذات عبارة "مشحون فوق سطح السفينة" وباخطاره بأن الشحن تم على هذا النحو، وهو ما لم تتحقق منه المحكمة اكتفاء منها بورود هذه العبارة بسند الشحن، مع أنها لا تعدو أن تكون رخصة قد لا يستعملها الشاحن بأن يقوم بشحن البضاعة داخل العنابر مما يخضعه لأحكام معاهدة بروكسل.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك إنه إذ نصت الفقرة ج من المادة الأولى من معاهدة بروكسل الخاصة بتوحيد بعض قواعد سندات الشحن المعمول بها فى مصر منذ 29 مايو سنة 1944 على أن يستثنى من أحكامها البضائع "الذى يذكر فى عقد النقل أن نقلها يكون على ظهر السفينة وتكون قد نقلت فعلا بهذه الطريقة" فإن مؤدى ذلك إنه إذا ما أثبت فى عقد النقل أن البضاعة نقلت على ظهر السفينة، وكان نقلها قد تم فعلا بهذه الطريقة فإن مسئولية الناقل والتزاماته عنها تخرج عن نطاق تطبيق المعاهدة فى هذا الخصوص. ولئن كان استبعاد أحكام المعاهدة إذا ما توافرت الشرائط المقررة لذلك على النحو المتقدم هو من مسائل القانون فى الدعوى، إلا أن استخلاص توافر هذه الشرائط وتقدير ثبوتها من عناصر الدعوى ومستنداتها إنما هو من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع دون ما رقابة عليه من محكمة النقض إذا ما كان قد أقام قضاءه على استخلاص سائغ مستمد مما هو ثابت بالأوراق ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إذا استبعد تطبيق معاهدة بروكسل على واقعة الدعوى قد استند فى ذلك إلى ما استظهره من توافر شرائط عدم تطبيقها، مقيما قضاءه فى إثبات أن النقل على ظهر السفينة قد تم بإذن الشاحن على ما قرره من "أما عما شحن فوق السطح فقد تم باتفاق الطرفين بدليل إثبات ذلك فى سند الشحن المقدم من المستأنف عليهما - المطعون ضدهما - والذى لم تقدم المستأنفة - الطاعنة - سندا يخالف ما أثبت فيه من بيانات وكذلك، إثباته فى بوليصة التأمين المؤرخة 23/ 3/ 1956 المقدمة من المستأنفة ذاتها - الطاعنة -"، وبالنسبة لإثبات أن الشحن قد تم فعلا على ظهر السفينة للجزء من البضاعة موضوع النزاع الحالى فقد حصل الحكم دليله عليه مما ورد فى التقرير البحرى المستخرج من دفتر يومية السفينة الثابت به أن تلاطم الأمواج وطغيانها على سطح السفينة أدى إلى سقوط شحنة الخشب التى كانت موجودة فوق سطحها فى البحر - لما كان ذلك، وكان هذا الذى قرره الحكم قد استظهره من واقع أوراق السفينة وهى سند الشحن ودفتر يومية السفينة ويؤدى إلى ما انتهى إليه من توافر شروط عدم تطبيق معاهدة بروكسل لسندات الشحن وفقا للفقرة ج من المادة الأولى، لما كان ما تقدم فإن النعى على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون إذ اعتد بشرط الإعفاء من المسئولية المنصوص عليه بسند الشحن مستندا إلى أن القواعد العامة تقضى بصحة مثل هذا الشرط، وذلك فى حين أنه شرط تعسفى مطبوع لم يقبله الشاحن مختارا وإنما لإجماع شركات الملاحة على إثباته بسندات الشحن وخشية فوات المواعيد التى ارتبط بها مع المرسل إليه. وإذ كان شرط الإعفاء قد ورد فى عقد النقل وهو من عقود الإذعان فقد كان يتعين على المحكمة أن تلتفت عنه أو تفسره لصالح المذعن بنقل عبء الإثبات، فيصبح على عاتق صاحب البضاعة أو من يحل محله من ذوى الشأن إثبات أن العجز قد وقع نتيجة خطأ الناقل وأنه لما كان العجز فى الرسالة جسيما يوازى ثلثها، فإن إدعاء الناقل سقوط هذا القدر فى البحر بسبب العواصف هو ما لا يمكن تصوره إلا نتيجة لخطأ الناقل خطأ جسيما، إذ لو أن البضاعة كانت محكمة الرص وموثوقة بحبال قوية لما سقط شىء منها، مما ينتفى معه القول بأن مخاطر البحر هى سبب العجز.
وحيث إن النعى فى شقه الأول - ومبناه أن شرط الإعفاء من المسئولية الثابت بسند الشحن لم يقبله الشاحن مختارا بل فرض عليه بطريق الإذعان - هو نعى ينطوى على دفاع خلت أوراق الطعن مما يدل على سبق تمسك الشركة الطاعنة به أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فإنه لا يقبل منها إثارته للمرة الأولى أمام هذه المحكمة. وما تنعاه الطاعنة بالشق الثانى مردود بأنه لما كان شرط الإعفاء من المسئولية عن التلف أو الهلاك الذى ترجع أسبابه إلى مخاطر البحر يعد شرطا صحيحا ويترتب عليه إعفاء الناقل من المسئولية عند وقوع هذه المخاطر ما لم يثبت صاحب البضاعة أن التلف أو الهلاك يرجع إلى خطأ الناقل، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بصدد إعمال شرط الإعفاء من المسئولية. على ما قرره من "أنه فى خصوص النزاع الحالى فقد تكفل شرط الإعفاء من المسئولية المدرج فى سند الشحن إلى مجرد إثبات مخاطر البحر، ومثل هذا الشرط يجب إعماله - وترى المحكمة أن الحالة الجوية الشاذة التى صادفت السفينة تكون من بين تلك المخاطر البحرية المشار إليها فى سند الشحن، وأنه أخذا بما جاء بالتقرير البحرى فإن تلك الحالة تعفى الناقل من مسئوليته عن العجز الذى لحق البضاعة أثناء الرحلة البحرية وعلى الأخص أن ما جاء بذلك التقرير لم تقدم المستأنفة - الطاعنة - أى دليل يناهضه أو يناقضه، أما ما ذكرته من أن العجز يرجع إلى سوء الرص أو التستيف أو السرقة فإدعاء ألقى على عواهنه وجاء مرسلا ولم يتأيد بأى دليل". وكان هذا الذى قرره الحكم مفاده أنه إذ أعمل شرط الإعفاء المنصوص عليه بسند الشحن - قد أسس قضاءه على ما حصله من أن العجز فى الأخشاب إنما يرجع إلى مخاطر البحر، وما استخلصه من إنتفاء الخطأ فى جانب الناقل - لما كان ذلك وكان ما تثيره الطاعنة بإسناد الخطأ إلى الناقل لا يعدو أن يكون جدلا فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع، فإن النعى على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ فى القانون، ذلك أنه اعتبر الرياح والأمواج من مخاطر البحر التى من شأنها إعفاء الناقل من المسئولية عما يترتب عليها طبقا لشرط الإعفاء الوارد بسند الشحن هذا فى حين أن مخاطر البحر لا تصلح سببا للاعفاء من المسئولية إلا إذا توافرت فيها شروط القوة القاهرة بأن كانت تحمل طابعا استثنائيا غير عادى وغير متوقع الحدوث ولا سبيل لدفعها. وإذ كانت الرياح التى يزعم الناقل حدوثها متوقعة الحدوث ويمكن تدارك نتائجها إذا ما كان الناقل قد أعد العدة لذلك، فإنها لا تعتبر من مخاطر البحر التى تعفى من المسئولية عما يترتب عليها.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد فى هذا الخصوص "أن المحكمة لا يفوتها فى هذا الصدد أن تفرق بين مخاطر البحر التى جاء ذكرها فى سند الشحن كسبب للاعفاء من المسئولية، وبين القوة القاهرة التى تنهض سببا قانونيا للاعفاء، فمخاطر البحر تنشأ من الظروف المحيطة بالملاحة البحرية فى حد ذاتها والتى يمكن توقعها والاستعداد لها لتفاديها كالعواصف والأمواج ومياه البحر وغيرها، بعكس القوة القاهرة التى تنشأ عن الأسباب الطبيعية التى نص القانون على أنها لا يمكن توقعها أو تفاديها كالصواعق والبرد ودوامات البحر... والفرق فى أثر كل منهما أن مخاطر البحر لا تعفى من المسئولية إلا باتفاق الطرفين الذى يحدد مدى هذا الإعفاء أما القوة القاهرة فيكفى إثبات حصولها لإعفاء الناقل من المسئولية" وهذا الذى أورده الحكم المطعون فيه صحيح فى القانون ذلك أن مخاطر البحر وإن كانت تصلح فى ذاتها سببا اتفاقيا للاعفاء من المسئولية ولو كانت متوقعة الحدوث أو يمكن دفعها، إلا أن هذه المخاطر إذا بلغت من الشدة مدى يجعلها غير متوقعة الحدوث أو غير مستطاع دفعها فإنها تعد من قبيل القوة القاهرة التى تصلح سببا قانونيا للاعفاء - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استند فى صدد الإعفاء من المسئولية إلى ما ورد به من "أن التقرير البحرى الذى تأيد بما أثبت بدفتر يومية الباخرة يرجع سبب العجز إلى الحالة الجوية الشديدة الشاذة التى صادفت السفينة فى رحلتها من أمواج عالية وعواصف طاغية أطاحت بجزء من بضاعة السطح التى كانت تضم القدر الفاقد موضوع هذه الدعوى رغم المجهودات الشاقة التى قام بها الربان والبحارة لمقاومة تلك الحالة الشاذة". وكان هذا الذى أثبته الحكم يكفى بذاته لتوافر عناصر القوة القاهرة من حيث الخروج عن نطاق ما هو متوقع حدوثه عادة وعدم استطاعة دفع الخطر الناجم عنه، ويصلح سببا قانونيا للإعفاء من المسئولية، فإن الحكم إذ أعمل شرط الإعفاء من المسئولية فى هذه الحالة لا يكون قد خالف القانون - لما كان ما تقدم فإن النعى بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون إذ اعتد فى إثبات ما صادف السفينة من حالة جوية ترتب عليها غرق الأخشاب المحملة على ظهرها بالتقرير البحرى المقدم من الربان مع أنه من صنعه وغير مستوف الشرائط القانونية لأنه لم يقدم إلى الجهة الإدارية المختصة خلال أربع وعشرين ساعة من وصول السفينة طبقا للمادتين 57، 58 من القانون البحرى، ولم يستجوب فيه ملاحو السفينة طبقا للمادة 62 من ذات القانون.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أنه طبقا لأحكام المواد 57، 58، 59، 62 من القانون البحرى يكون للتقرير البحرى حجيته فى الإثبات إلى أن يثبت العكس متى قدم فى اليوم التالى لوصول السفينة وتم تحقيق ما جاء به ومطابقته على دفتر يومية السفينة بمعرفة الجهة المقدم إليها - ولما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه أورد فى أسبابه أن التقرير البحرى الذى حرره ربان السفينة روزاليا التى حملت البضائع المتداعى بشأنها "قد قدم إلى القنصلية الإيطالية فى اليوم التالى لوصول الباخرة حيث حرر الدكتور لوقشيا نوكوك وكيل القنصلية محضرا أثبت فيه حضور ربان الباخرة أمامه وتسليمه إياه ذلك التقرير الذى راجعه هو على سجل الباخرة ووجده مطابقا لما أثبت فى دفتر يومياتها وأنه استجوب الربان عن الأسباب التى أدت إلى تلك العوارية فى الشحنة أثناء الرحلة وتلقى منه إجابات تؤكد صراحة البيانات المثبتة فى سجل السفينة وبناء على ذلك حرر ذلك المحضر وأرفق به التقرير البحرى سالف الذكر ووقع هو وربان السفينة ثم أثبت فى محضره بعد ذلك حضور كل من مازيلو نيقولا وكاتر ينوفر انشسكو وأولهما بحرى والثانى وقاد فى الباخرة وباستجوابهما أيدا ما أدلى به الربان عن حالة البحر وأسباب العوارية فى الشحنة أثناء الرحلة ووقعا على المحضر الذى أرفق بملف الدعوى" وكان الحكم قد رتب على ذلك قوله "وترى المحكمة من مطابقة هذا التقرير لما أثبت بدفتر السفينة ومن محضر التحقيق الذى أجراه وكيل القنصلية مع الربان وبعض أفراد الطاقم ما يؤيد ويقيم قرينة على صحة ما جاء بالتقرير من أن العجز يرجع إلى مخاطر البحار" لما كان ذلك وكان يبين من الحكم على النحو المتقدم أن التقرير البحرى المقدم من ربان السفينة قد اتبعت فى شأنه الإجراءات المقررة قانونا فإن الحكم إذ استدل فى قضائه بما جاء بهذا التقرير لا يكون قد خالف القانون أو أخطا فى تطبيقه ومن ثم يكون النعى بهذا السبب على غير أساس.