أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1279

جلسة 31 من مايو سنة 1966

برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف مرسى، وإميل جبران، وأحمد حسن هيكل، وعثمان زكريا.

(175)
الطعن رقم 433 لسنة 31 القضائية

( أ ) إستئناف. "إجراءات نظر الاستئناف". "تحضير الاستئناف". بطلان.
مواعيد إيداع المذكرات والمستندات فى قلم الكتاب فى فترة تحضير الاستئناف مواعيد تنظيمية. للمحكمة قبول المذكرات والمستندات فى جلسة المرافعة أو تأجيل الدعوى لتقديمها والرد عليها.
(ب) دعوى. "إجراءات نظر الدعوى". "تقرير التلخيص".
وجوب وضع تقرير التلخيص عند إحالة الدعوى للمرافعة. عدم وجوب وضع تقرير آخر كلما جد جديد فى الدعوى.
(ج) دعوى. "تلاوة تقرير التلخيص".
إثبات تلاوة تقرير التلخيص يكون فى محضر الجلسة أو الحكم.
(د) اعتماد مصرفى. بنوك.
التزام البنك بقيمة الاعتماد المصرفى مستقل عن العقد القائم بين البائع والمشترى. شرط الوفاء به. أن ينفد المستفيد شروط فتح الاعتماد.
(هـ) التزام. "الدفع بعدم التنفيذ".
ليس للمتعاقد المكلف بالبدء فى التنفيذ أن يدفع بعدم التنفيذ.
(و) محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع". "فى تقدير الدليل". إثبات. "القرائن القضائية".
رفض المحكمة إجراء التحقيق اعتمادا على قرائن متساندة. لا تجوز المجادلة فى النتيجة بمناقشة كل قرينة على حدة لاثبات عدم كفايتها.
1 - إذ كانت المادة 405 من قانون المرافعات تقضى قبل تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1962 برفع الاستئناف فى الدعاوى التى تنظر على الوجه المعتاد بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة، وإذ حددت المادتان 407 و407/ 1 مكرر من قانون المرافعات المواعيد اللازمة لإيداع المذكرات والمستندات من الخصوم ولتبادل الاطلاع عليها، وأوجبت المادتان 407/ 1 مكرر و408 مرافعات تعيين أحد أعضاء الدائرة لوضع تقرير تلخيص وتلاوة هذا التقرير فى الجلسة قبل بدء المرافعة، ونصت المادة 408 فى فقرتها الأخيرة على أنه "لا يجوز تأجيل نظر الدعوى بعد ذلك إلا لسبب طارئ لم يكن فى الإمكان إبداؤه من قبل". فإنه يبين من هذه النصوص أن الشارع وإن كان قد أدخل فى باب الاستئناف نظام التحضير فى قلم الكتاب حتى تكون هذه الدعاوى مهيأة للفصل فيها قبل عرضها على محكمة الاستئناف، إلا أنه لم يرتب البطلان على مخالفة مواعيد إيداع المذكرات والمستندات من الخصوم ولم يمنع المحكمة من قبول مستنداتهم ومذكراتهم فى جلسة المرافعة الشفهية، بل ورخص لها إذا اقتضت الحال تأجيل نظر الدعوى لتقديمها والرد عليها لأنه إنما أراد أن تكون هذه المواعيد تنظيمية على ما يبين من المذكرة الإيضاحية.
2 - أوجب القانون وضع تقرير التلخيص عند إحالة القضية للمرافعة، ولم يوجب - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - وضع تقرير آخر بعد الإحالة كلما جد جديد فى الدعوى أمام المحكمة [(1)].
3 - إثبات حصول تلاوة تقرير التلخيص يكون فى محضر الجلسة أو الحكم الذى يكمل هذا المحضر فى إثبات ما يتم أمام المحكمة من إجراءات [(2)].
4 - التزام البنك بالوفاء بقيمة الاعتماد المصرفى من يوم تثبيته هو التزام مستقل عن العقد القائم بين البائع والمشترى على الصفقة. فلا يلزم البنك بالوفاء بقيمته - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - إلا إذا نفذ المستفيد شروط فتح الاعتماد [(3)].
5 - لا يجوز للمتعاقد المكلف بالبدء فى التنفيذ أن يتمسك بعدم تنفيذ المتعاقد الآخر لالتزامه.
6 - لما كان الحكم قد إعتمد فى رفض الطلب إجراء التحقيق على جملة قرائن متساندة تؤدى فى مجموعها إلى أنه لا حاجة به إلى اتخاذ هذا الإجراء، فإنه لا تجوز المجادلة فى النتيجة التى استخلصتها المحكمة بمناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها فى ذاتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى ان المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 672 سنة 57 تجارى كلى القاهرة ضد الطاعنين وبنك مصر - المطعون عليه الثانى - يطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بان يدفعوا له على سبيل التعويض مبلغ خمسة وعشرين ألفا من الجنيهات. وقال بيانا للدعوى أنه بموجب عقد مؤرخ 30/ 1/ 1957 إتفق مع السيد/ حسن عباس الشربتلى وأولاده - الطاعنين - على أن يورد لهم فى جدة بالمملكة السعودية خمسة آلاف طن دقيق إيطالى بالشروط والمواصفات المبينة فى العقد وأن يقوم بشحن نصف هذه الكمية خلال عشرة أيام من 1/ 2 إلى 10/ 2/ 1957 وبشحن النصف الآخر خلال الخمسة عشر يوما التالية، وتعهد بأن يقدم لهم تأمينا مصرفيا بنسبة 2 % من قيمة الصفقة لضمان تنفيذها طبقا للمواصفات، والتزم المشترون بفتح إعتماد مستندى لا رجوع فيه بقيمة الصفقة لإذنه لدى بنك مصر، وقام المشترون فعلا بإخطار بنك مصر فرع جدة بشروط فتح الإعتماد، ثم حدث أن اتفق الطرفان على تعديل شروط العقد وشروط فتح الاعتماد فأبرم بينهما عقد آخر فى ذات اليوم بالشروط الأخرى التى تم الإتفاق عليها، وأخطر المشترون بنك مصر فرع جدة بفتح الإعتماد وفقا للشروط المعدلة لإذن المطعون عليه الأول بمبلغ 525 ألف دولار فى 2/ 2/ 1957 ، ونظرا لإطمئنانه بأن القيمة المحولة بمقتضى هذا الإعتماد أصبحت من حقه وصار صرفها معلقا على تنفيذ شروط الاعتماد فقد تعاقد مع الشركة الإيطالية للمطاحن على شراء خمسة آلاف طن دقيق بالمواصفات والشروط التى طلبها المشترون على أن تقدم له عند الشحن شهادة من هيئة "سوليفتاز" العالمية بمطابقة البضاعة للعينة والمواصفات وأن يتم تسليم البضاعة فى المواعيد المحددة بالعقد، ثم عرض على بنك مصر أن يتنازل له عن الإعتماد المستندى المفتوح لمصلحته مقابل أن يفتح البنك لإذن الشركة الإيطالية البائعة اعتمادا مستنديا على بنك "دى روما" فى إيطاليا بمبلغ 405 ألف دولار أمريكى، وأن يتحمل بنك مصر أجر نقل الصفقة والتأمين عليها من بور سعيد إلى جدة، وطلب منه البنك موافقة إدارة النقد المصرية على ذلك، فبادر بالحصول على هذه الموافقة وأخطر البنك بها، وفى 9/ 2/ 1957 فوجئ بخطاب من البنك يخبره فيه بشروط فتح الاعتماد المبلغة إليه من فرع جدة، وإذ تبين له أن هذه الشروط تغاير الشروط الأصلية التى تم التعاقد عليها، فقد أنذر البنك بوضع الاعتماد تحت تصرفه بشروطه الأصلية، وإلا تحمل ما يترتب على ذلك من أضرار فلما لم يستجب البنك له أقام دعواه بالزامه مع الطاعنين متضامنين بالمبلغ المطالب به ويمثل التعويض عما أصابه من ضرر وفاته من كسب بسبب عدم تنفيذ الصفقة، ودفع بنك مصر بأن طلب فتح الاعتماد الذى قدمه الشربتلى فى 31/ 1/ 1957 قد ألغاه طالبه فى 2/ 2/ 1957 قبل أن يفتح فعلا لعدم توافر الدولارات اللازمة بالمملكة السعودية وقتئذ. وأنه وإن عاد الشربتلى فى 7/ 2/ 1957 وجدد طلب فتح الاعتماد المستندى لدى البنك بعد أن توافرت الدولارات، إلا أنه اشترط أن يقدم المطعون عليه الأول تأمينا مصرفيا بكامل قيمة الاعتماد، وقد قام البنك فعلا بفتح الاعتماد على هذا الأساس فى 9/ 2/ 1957 وأخطر به المطعون عليه الأول كتابة، إلا أنه لم يقبله بسبب اشتراط الضمان بقيمة الاعتماد كله لا بمعدل 2 % من قيمته، ودفع الطاعنون بأن المطعون عليه الأول هو الذى أخل بالتزامه إذ لم ينفذ شروط الاعتماد، وأن التأخير فى فتح الاعتماد كان لظروف خارجة عن إرادتهم هى عدم وجود دولارات بالسعودية، وأن شرط تقديم التأمين بكامل الاعتماد إنما كان على سبيل الاحتياط وليس من شأنه أن يغير من جوهر الاعتماد. ومحكمة أول درجة قضت 24/ 4/ 1960 بالزام الطاعنين أن يدفعوا للمطعون عليه الأول مبلغ خمسة آلاف جنيه وبرفض الدعوى قبل بنك مصر. استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 360 سنة 77 ق القاهرة كما استأنفه الطاعنون بالاستئناف رقم 532 سنة 77 ق القاهرة - وأمرت المحكمة بضم الاستئنافين وقضت فى 21/ 11/ 1961 فى الاستئناف رقم 360 سنة 77 ق بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بأن يدفعوا للمطعون عليه الأول مبلغ سبعة آلاف جنيه وبتأييد الحكم المستأنف فى قضائه برفض الدعوى قبل بنك مصر وفى الاستئناف رقم 532 لسنة 77 ق برفضه موضوعا. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 20/ 2/ 1965 وفيها صممت النيابة على رأيها الذى أبدته فى مذكرتها بطلب رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه. فى السبب الأول ببطلان الإجراءات لثلاثة أوجه. ويقولون فى بيان الوجه الأول أن الاستئناف الأصلى المرفوع من المطعون عليه أحيل للمرافعة قبل انقضاء المواعيد المقررة لتحضيره لأن الثابت من إعلانهم بصحيفة الاستئناف أنهم يقيمون بالمملكة العربية السعودية وكان يتعين أن يضاف إلى الميعاد المحدد لتقديم مذكرات بدفاعهم ميعاد المسافة المقررة بالمادة 22 من قانون المرافعات، كما كان يتعين على المطعون عليه بعد انقضاء هذا الميعاد أن يعيد إعلانهم لتقديم المدكرات، ولكن الاستئناف أحيل إلى المرافعة قبل مضى هذه المواعيد فجاء تقرير التلخيص قاصرا عن الإحاطه بدفاع الخصوم جميعا وعن متابعة دفاع الطاعنين الوارد فى مذكراتهم الأربعة أثناء المرافعة ويتحصل الوجه الثانى فى أن المحكمة ضمت للاستئناف الأصلى الإستئناف المقابل المرفوع من الطاعنين قبل تمام إجراءات تحضيره وانتهاء الميعاد المحدد لتقديم مذكرتهم الشارحة له واقتصر تقرير التلخيص على بيان دفاعهم أمام محكمة أول درجة دون أن يتابع دفاعهم الجديد فى مذكراتهم، وكان واجبا على المحكمة استكمال تقريرى التلخيص قبل بدء المرافعة فى جلسة 17/ 4/ 1961، كما لم يضع أحد مستشارى الهيئة بعد تغييرها تقريرى تلخيص جديدين قبل بدء المرافعة فى جلسة 23/ 10/ 1961 وهو إجراء جوهرى يترتب على إغفاله بطلان الحكم - وحاصل الوجه الثالث أن الثابت فى محاضر الجلسات أن المحكمة تلت تقرير تلخيص بصيغة المفرد فى جلستى المرافعة فى حين أنه كان يلزم إثبات تلاوة تقريرى تلخيص عن الاستئنافين، وأنه وإن أشير بالحكم إلى تلاوة التقريرين، إلا أن العبرة عند التعارض بما هو ثابت بمحضر الجلسة.
وحيث إن هذا النعى مردود فى وجهه الأول ذلك أن المادة 405 مرافعات إذ كانت تقضى قبل تعديلها بالقانون رقم 100 لسنة 1962 برفع الاستئناف فى الدعاوى التى تنظر على الوجه المعتاد بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة، وإذ حددت المادتان 407 و407/ 1 مكرر مرافعات المواعيد اللازمة لإيداع المذكرات والمستندات من الخصوم ولتبادل الإطلاع عليها، وأوجبت المادتان 407/ 2 مكرر و408 مرافعات تعيين أحد أعضاء الدائرة لوضع تقرير تلخيص وتلاوة هذا التقرير فى الجلسة قبل بدء المرافعة ونصت المادة 408 فى فقرتها الأخيرة على أنه "لا يجوز تأجيل نظر الدعوى بعد ذلك إلا لسبب طارئ لم يكن فى الإمكان إبداؤه من قبل" - فإنه يبين من هذه النصوص أن الشارع وإن كان قد أدخل فى باب الاستئناف نظام التحضير فى قلم الكتاب حتى تكون هذه الدعاوى مهيئة للفصل فيها قبل عرضها على محكمة الاستئناف، إلا أنه لم يرتب البطلان على مخالفة مواعيد إيداع المذكرات والمستندات من الخصوم ولم يمنع المحكمة من قبول مستنداتهم ومذكراتهم فى جلسة المرافعة الشفهية، بل ورخص لها إذا اقتضت الحال تأجيل نظر الدعوى لتقديمها والرد عليها لأنه إنما أراد أن تكون هذه المواعيد تنظيمية على ما يبين من المذكرة الإيضاحية - لما كان ذلك فلا محل لتعييب الحكم ببطلان الإجراءات فى هذا الخصوص ولا يؤثر فى ذلك قول الطاعنين بقصور تقريرى التلخيص عن الإحاطة بما أبدؤه فى مذكراتهم الأربعة من دفاع أثناء المرافعة وضياع الفرصة فى إبدائه خلال مواعيد التحضير - لأن تقرير التلخيص أعد ليتضمن ما جرى فى الدعوى بالحالة التى بلغتها من التحضير ولم يستلزم القانون متابعة ما يجرى فيها أثناء نظرها بجلسات الإستئناف - أما ما ينعاه الطاعنون فى الوجهين الثانى والثالث من إغفال وضع تقريرى تلخيص من جديد وتلاوتهما فى الجلسة قبل بدء المرافعة، فمردود بأن القانون قد أوجب وضع تقرير عند إحالة القضية للمرافعة، ولم يوجب - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وضع تقرير آخر بعد الإحالة كلما جد جديد فى الدعوى أمام المحكمة وأن إثبات حصول تلاوة التقرير يكون فى محضر الجلسة أو الحكم الذى يكمل هذا المحضر فى إثبات ما يتم أمام المحكمة من إجراءات. ولما كان يبين من الأوراق أن المستشار المقرر فى كل من الاستئنافين قد وضع تقرير تلخيص وكان الثابت بالحكم المطعون فيه هو تلاوة التقريرين فإن النعى على الحكم ببطلان الإجراءات يكون فى غير محله.
وحيث إن الطاعنون ينعون على الحكم المطعون فيه بالسبب الثانى القصور فى التسبيب من ستة أوجه يقولون فى بيان الثلاثة الأول منها أنهم تمسكوا فى دفاعهم أمام محكمة الاستئناف بأن المطعون عليه الأول كان عاجزا عن تنفيذ الصفقة فى الأجل المتفق عليه، ولم يكن يملك وقت التعاقد أى دقيق فى مصر أو غيرها، وأنه عندما تعاقد مع الشركة الإيطالية فى 2/ 2/ 1957 على إستيراد الدقيق من إيطاليا لم يكن يملك النقود اللازمة لشرائه وكان يعمل على تدبيرها من الإعتماد المستندى المفتوح من جانبهم مع أن قيمة الإعتماد لا تصرف إلا بتقديم مستندات الشحن مطابقة للشروط فى المواعيد المحددة، وأنه عجز عن إستيراد الدقيق لأن البنك لم يقبل تنازله عن الاعتماد. هذا إلى أنه اتفق مع الشركة الإيطالية على نسبة رماد فى الدقيق تزيد على النسبة المتفق عليها معهم وعلى ميعاد للشحن يستحيل معه تنفيذ الصفقة فى الميعاد المحدد ولو بقى الاعتماد المفتوح نافذ المفعول. كما أنهم تمسكوا فى دفاعهم بصورية العقد المبرم بين المطعون عليه الأول والشركة الإيطالية، وأنه لم يلحقه لذلك ضرر مادى أو أدبى نتيجة عدم تنفيذ الصفقة، وأن المستندات التى قدمها لأول مرة فى الاستئناف مستندات مصطنعة لا تصلح دليلا لإثبات الضرر وأن علاقة السببية منقطعة بين الضرر المدعى به والخطأ المسند إليهم ولكن الحكم المطعون فيه لم يتناول هذا الدفاع وهو ما يعيبه بالقصور المبطل.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله، ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئولية الطاعنين عن إخلالهم بتنفيذ التزامهم على ما أحال إليه من أسباب الحكم الإبتدائى التى ورد بها فى هذا الخصوص "إن الثابت من المستندات المقدمة أن الإعتماد المستندى المذكور لم يتم فتحه حتى يوم 9/ 2/ 1957 بسبب عدم وجود دولارات بالمؤسسة بالمملكة العربية السعودية وهى بلد المدعى عليه الثانى (الطاعنين) فإن المدعى عليه الثانى يكون هو المقصر فى تنفيذ الإلتزام المذكور ولا يشفع له فى ذلك قيام أية صعوبة ترجع إلى عدم وجود الدولارات أو إلى الرقابة على النقد التى تفرضها الدولة التى يتبعها، ذلك أنه كان يتعين عليه أن يقدر هذه الصعوبة مقدما وأن يهيئ لها العلاج المناسب أو يرفض ابتدائيا الالتزام قبل المدعى بفتح الاعتماد المستندى قطعيا - أما ما استبعد بعد ذلك من قيام المدعى عليه بطلب فتح الاعتماد المستندى فى 7/ 2/ 1957 ثم بقبول بنك مصر بالقاهرة لفتح الاعتماد فى 9/ 2/ 1957 بإبلاغه للمدعى فإن هذا الاعتماد المستندى الأخير - وفق ما ثبت فيه - مغاير فى شروطه للاعتماد المستندى الوارد بعقد 30/ 1/ 1957 بشأن قيمة الضمان التى كانت 2 % من قيمة الإعتماد فأصبحت بقيمة الإعتماد كله مع رفض طلب المدعى مد مدة الشحن والتحميل عشرة أيام أخرى وهى المدة التى تراخى فيها المدعى عليه عن فتح الاعتماد" وجاء بأسباب الحكم الابتدائى فى بيان الضرر الذى لحق بالمطعون عليه الأول نتيجة خطأ الطاعنين المترتب على عدم التنفيذ. - "إن المحكمة تستخلص من الأوراق المقدمة الحقائق الآتية... .. إن المدعى (المطعون عليه الأول) تعاقد فعلا مع الشركة الإيطالية بموجب العقد المؤرخ 2/ 2/ 1957 على أن يشترى منها 5000 طن من الدقيق بواقع الطعن 81 دولارا وعلى أن يكون التسليم سيف بور سعيد وعلى أن يتم الشحن قبل 18/ 2/ 1957، وقد ثبت هذا الأمر بما تضمنه خطاب الإدارة العامة الذى تأيد بالمراسلات الواردة من الشركة الإيطالية إلى المدعى بطلب فتح الاعتماد ثم بطلب تعويض مقداره 200 ج عن كل يوم تأخير فى الشحن ثم بطلب التعويض للتأخير فى فتح الاعتماد لها" - كما ورد بأسبابه "أن المحكمة قد انتهت إلى إثبات الخطأ فى جانب المدعى عليه الثانى (الطاعنين) وقد تسبب هذا الخطأ فى إحداث الضرر بالمدعى بأن ضاع عليه ما كان سيصيبه من كسب - هو صافى المبلغ الذى كان سيعود عليه من هذه الصفقة فيما لو كان المدعى عليه الثانى قد قام بتنفيذ إلتزاماته العقدية الواردة بعقد 30 يناير سنة 1957 وأن هذا الخطأ هو السبب فى إحداث هذا الضرر" - ولما كان يبين من هذا الذى أورده الحكم الإبتدائى فى أسبابه أنه حصل فى حدود سلطته الموضوعية - توافر عناصر المسئولية فى جانب الطاعنين من المستندات المقدمة فى الدعوى والتى استدل منها على الكسب الذى ضاع على المطعون عليه الأول نتيجة نكول الطاعنين عن تنفيذ التزامهم بفتح الاعتماد فى العقد موضوع الصفقة، وكان استخلاصه من هذه المستندات سائغا لا مخالفة للثابت فيها، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه وقد اعتمد هذه الأسباب يكون قد أقام قضاءه على ما يكفى لحمله ويتضمن الرد على دفاع الطاعنين أمام محكمة الاستئناف ويكون النعى عليه بالقصور على غير أساس. وحيث إن حاصل النعى بالوجه الرابع من السبب الثانى أن الحكم المطعون فيه شابه التناقض والخطأ فى الإسناد ذلك أنه نسب للمطعون عليه الأول فى دعواه قبل بنك مصر التقصير فى تقديم الضمان المشروط فى عقد الصفقة حتى يوم فتح الإعتماد فى 2/ 2/ 1957 ثم عاد واعتبره غير مقصر فى خصوص علاقته بالطاعنين مع أن شروط العقد تلزم طرفيه ولا تلزم البنك الذى لا يرتبط إلا بشروط فتح الإعتماد - هذا وقد استند الحكم فى اعتبار إلتزام المطعون عليه الأول بتقرير الضمان لا يقابله إلتزام الطاعنين بفتح الإعتماد إلى أنهم قد عدلوا عن إقامة هذا التقابل بين الإلتزامين، ولم يعقلوا فتح الإعتماد على تقديم الضمان وأقروا بذلك فى المذكرة المقدمة منهم بجلسة 17/ 4/ 1961 - فى حين أن الثابت بهذه المذكرة أن الطاعنين علقوا نفاذ الإعتماد على تقديم التعهد بالضمان للبنك.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول مردود بأنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمسئولية الطاعنين على عدم تنفيذهم إلتزامهم بفتح الإعتماد فى 2/ 2/ 1957 بالشروط الواردة فى الخطاب المؤرخ 31/ 1/ 1957 وأن فتح الإعتماد الذى تم فى 9/ 2/ 1957 جاء مخالفا لهذه الشروط بشأن قيمة الضمان، وكان الثابت بالحكم الإبتدائى الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأول قد قدم قيمة الضمان المتفق عليه فى 5 فبراير سنة 1957 بنسبة 2 % من قيمة الإعتماد وأن عدم تقديمه الضمان بكامل قيمته للبنك لا يعد تقصيرا من جانبه قبل الطاعنين ما دام أن الضمان بهذه القيمة لم يتفق عليه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد نفى خطأ البنك فى فتح الإعتماد فى 2/ 2/ 1957 بالشروط المتفق عليها لعدم تحويل الدولارات من جدة حتى يوم 4/ 2/ 1957 وكان إلتزام البنك بالوفاء بقيمة الإعتماد المصرفى من يوم تثبيته فى 9/ 2/ 1957 هو إلتزام مستقل عن العقد القائم بين البائع والمشترى على الصفقة فلا يلزم بالوفاء بقيمته على ما جرى به قضاء هذه المحكمة إلا إذا نفذ المستفيد شروط فتح الإعتماد، وإذ لم يقبل المطعون عليه الأول تنفيذ الضمان الذى فرضه الطاعنون عليه بكامل قيمة الإعتماد، فإن النعى على الحكم فى هذا الشق بالتناقض على النحو الذى أثاره الطاعنون يكون على غير أساس. والنعى فى الشق الثانى مردود بأن الحكم المطعون فيه قرر بصدد الإدعاء بتخلف المطعون عليه الأول عن تنفيذ إلتزامه "إن هذا الإدعاء مردود بأن مجال إثارة الدفع بعدم التنفيذ مقصور على ما تقابل من إلتزامات طرفى الإتفاق فلا يسوغ لأى من الطرفين الدفع بعدم التنفيذ إلا إذا كانت إلتزامات الإثنين متقابلة وثابت فى هذه المنازعة أن السيد/ حسن عباس شربتلى بعد أن اتفق على فتح الاعتماد مقابل تقديم خطاب ضمان قيمته 2% من قيمة الإعتماد فى عقد 30 يناير سنة 1957 عدل عن هذا التقابل ولم يعلق فتح الإعتماد على خطاب الضمان وأقر بعدم التعليق فى مذكرته المقدمة أمام هذه المحكمة بجلسة 17/ 4/ 1961 فى الصحيفة الثالثة والرابعة منها" وهذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق ذلك أنه يبين من المذكرة المقدمة من الطاعنين بجلسة 17/ 4/ 1961 والمودعة صورتها الرسمية بملف الطعن أن الخطاب رقم 8805 المرسل من الطاعنين إلى بنك مصر فرع جدة بتعديل الإتفاق قد ورد بالبند السادس منه ما نصه - "كنا قد ذكرنا أنه لا ينفذ الإعتماد إلا بتقديم الضمان - ولكن ينفذ ويتعهد المستفيد بتقديم ضمان بنكى بمعدل 2 % من قيمة الاعتماد" - ولما كان الحكم قد أخذ بعبارة هذا الخطاب الواضحة الدلالة على أن الطاعنين قد عدلوا عن تعليق فتح الإعتماد على تقديم الضمان وكلفوا البنك بتنفيذ فتح الإعتماد دون انتظار تقديم الضمان من المطعون عليه الأول وإذ لا يجوز للمتعاقد المكلف بالبدء فى التنفيذ أن يتمسك بعدم تنفيذ المتعاقد الآخر لإلتزامه، وكان الحكم قد نفى التقابل الزمنى بين الإلتزام بفتح الاعتماد والإلتزام بتقديم الضمان بأن اعتبر الطاعنين هم المكلفون إبتداء بالتنفيذ فإن النعى على الحكم يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالوجهين الخامس والسادس من السبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى الاستدلال، ويقولون فى بيان ذلك أنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف بحصول اتفاق شفهى مع المطعون عليه الأول فى 18/ 2/ 1957 بجدة على تسوية النزاع يجعل ثمن طن الدقيق 92.5 دولارا بدلا من 105 دولار المتفق عليها وبتحديد مواعيد جديدة للشحن وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الاتفاق - ولكن الحكم رفض هذا الطلب لأسباب لا تؤدى إلى ذلك - هذا إلى أن الحكم اعتمد فى قضائه بزيادة تقدير التعويض على ما قدمه المطعون عليه الأول لمحكمة الاستئناف من مستندات واضحة الافتعال لا تصلح سندا لزيادة مبلغ التعويض.
وحيث إن النعى فى الوجه الخامس مردود - ذلك أن الحكم المطعون فيه رفض إجابة الطاعنين إلى طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات تعديل الاتفاق تأسيسا على ما قرره من أن "المحكمة لا ترى مجاراة السيد/ حسن عباس شربتلى فيما يطلبه وذلك لأنه قدم هذا الدفاع متأخرا وبعد أن سلخت الخصومة بين الطرفين قرابة أربع سنوات وبعد أن قرر بأن لديه اتفاق مكتوب فى هذا الخصوص وأنه مستعد لتقديمه إذا ما أعيدت الدعوى للمرافعة وبعد أن أتيحت له الفرصة لتقديم هذا العقد لم يقدم شيئا وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مدعاه مما يدعو للإسترابة فى جدية هذا الادعاء - هذا فضلا عن أن الطرفين قد درجا فى معاملاتهما التجارية المتعددة على إثبات هذه المعاملات كتابة وكان طبيعيا إذا ما اتفق الطرفان على تعديل أحكام صفقة بلغت قرابة نصف مليون من الجنيهات ثابتة بالكتابة بينهما أن يقوما بإثبات هذا التعديل كتابة - وكل هذه قرائن تطمئن هذه المحكمة إلى الأخذ بها فى التقرير بعدم جدية الدفاع المنطوى على طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق". لما كان يبين من هذا الذى قرره الحكم أنه اعتمد فى رفض طلب إجراء التحقيق لإثبات تعديل الإتفاق على جملة قرائن متساندة تؤدى فى مجموعها إلى أنه لا حاجة به إلى اتخاذ هذا الإجراء - فإنه لا يجوز للطاعنين المجادلة فى النتيجة التى استخلصها الحكم بمناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها فى ذاتها - والنعى مردود فى الوجه السادس بأنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه وهو فى سبيل تقدير التعويض قد أخذ بدلالة المستندات التى قدمها المطعون عليه الأول فى محكمة الاستئناف على تكاليف الشحن والتأمين والرسوم الجمركية والتى خصمتها محكمة أول درجة من ثمن الصفقة فى حساب الكسب الذى فاته من نكول الطاعنين عن تنفيذها - ولما كانت مجادلة الطاعنين فى دلالة هذه المستندات - إنما هى مجادلة فى وزن الدليل الذى يستقل به قاضى الموضوع. فإن النعى على الحكم بالخطأ فى الاستدلال فى هذا الخصوص يكون فى غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] نقض 4 نوفمبر سنة 1965 مجموعة المكتب الفنى السنة 16 ص 973.
[(2)] نقض 15 فبراير سنة 1966 مجموعة المكتب الفنى السنة 17 ص 287.
[(3)] نقض 15/ 4/ 1954 مجموعة الربع قرن ص 221 القاعدة 1.