أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 43 - صـ 886

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم نائبي رئيس المحكمة وبهيج القصبجي ومصطفى صادق.

(135)
الطعن رقم 2498 لسنة 61 القضائية

(1) أسباب الإباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
حق الدفاع الشرعي. شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو نفس غيره.
حالة الدفاع الشرعي. يكفي لقيامها صدور فعل من المجني عليه يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي. استمرار المجني عليه في الاعتداء أو حصول اعتداء بالفعل. ليس بلازم.
الفعل المتخوف منه. الذي تقوم به حالة الدفاع الشرعي. لا يلزم فيه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته. كفاية أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره. ما دام التخوف أسباب مقبولة. علة ذلك؟
حق محكمة الموضوع في تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. حده؟
مثال لتسبيب معيب في نفي حالة الدفاع الشرعي.
(2) ضرب "أفضى إلى موت". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
تمسك الطاعن بوقوع الحادث في مكان غير الذي وجدت فيه جثة المجني عليه. جوهري. قعود الحكم عن تحقيقه. قصور.
1 - لما كان حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره، وكان قيام حالة الدفاع الشرعي لا يستلزم استمرار المجني عليه في الاعتداء على المتهم أو حصول اعتداء بالفعل بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون لهذا التخوف أسباب مقبولة، إذ أن تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليماً لا عيب فيه ويؤدي إلى ما انتهى إليه وكان ما أورده الحكم سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو في معرض رده على دفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس لا يستقيم مع ما انتهى إليه من إطراحه، ذلك أنه ليس فيما استدل به الحكم ما يمكن أن يستخلص منه أن المجني عليه - كان قد كف عن الاعتداء على الطاعن وانتهى من عدوانه وأنه لم يكن هناك من بعد ما يخشى منه الطاعن على نفسه وقت أن أطلق النار على المجني عليه.
2 - لما كان الطاعن قد تمسك بعدم وقوع الحادث في المكان الذي وجدت جثة المجني عليه فيه ودلل على ذلك بشواهد منها ما أثبتته المعاينة من عدم وجود طلقات في مكانها رغم أن المجني عليه أصيب بأعيرة نارية وكان الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع فلم يعرض له البتة على الرغم من أنه - في صورة الدعوى - دفاع جوهري إذ ينبني عليه - لو صح - النيل من أقوال شاهدي الإثبات مما كان يتعين على المحكمة أن تفطن إليه وتعني بتحقيقه أو ترد عليه بما ينفيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل........ عمداً بأن أطلق عليه عدة أعيرة نارية من سلاح ناري كان يحمله "مسدس" قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وأحالته إلى محكمة جنايات أسيوط لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في...... بعد أن عدلت وصف التهمة إلى ضرب أفضى إلى موت بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة سبع سنوات عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن الطاعن دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس بيد أن الحكم أطرح هذا الدفع بأسباب غير سائغة ولم يعرض لدفاعه بأن المجني عليه لم يضرب حيث وجدت جثته مما يهدر أقوال شاهدي الإثبات اللذين ادعيا رؤيتهما للحادث ودلل على ذلك بما ثبت من المعاينة من عدم وجود طلقات في مكان الجثة رغم أن المجني عليه أطلق عليه عدة طلقات نارية بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما حاصله أنه حدثت مشادة بين الطاعن...... وبين المجني عليه..... بسبب امتناع أولهما عن ري زراعة الآخر بآلة المياه الخاصة به تعدى على أثرها المجني عليه على الطاعن بأن عقره من جبهته فاستل هذا الأخير مسدسه المرخص له بحمله من بين طيات ملابسه وأطلق منه عيارين ناريين على المجني عليه الذي كان يقف في مواجهته وعلى يمين منه قليلاً ابتغاء المساس بجسده وتركه ولاذ فراراً فأحدث به إصابته بساعده الأيمن وصدره من الناحية اليمنى والذي توفى فيما بعد متأثراً بهما، وبعد أن بين الحكم الأدلة على ثبوت الواقعة في حق الطاعن مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات والمعاينة والتقرير الطبي الشرعي وتحريات الشرطة، عرض لدفاع الطاعن المؤسس على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس وأطرحه بقوله: "وأما ما أثاره الدفاع من أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه فهو قول مرسل لا دليل عليه لأنه بفرض حدوث اعتداء من المجني عليه على المتهم فقد خلت الأوراق من ارتكاب المتهم لفعله حال استمرار التعدي مما يقطع بأن التعدي عليه قد انتهى ويكون فعل المتهم من قبيل العدوان المؤثم قانوناً" لما كان ذلك، وكان حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره، وكان قيام حالة الدفاع الشرعي لا يستلزم استمرار المجني عليه في الاعتداء على المتهم أو حصول اعتداء بالفعل بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته، بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون لهذا التخوف أسباب مقبولة، إذ أن تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم سليما لا عيب فيه ويؤدي إلى ما انتهى إليه وكان ما أورده الحكم سواء في بيانه لواقعة الدعوى أو في معرض رده على دفاع الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس لا يستقيم مع ما انتهى إليه ما إطراحه، ذلك أنه ليس فيما استدل به الحكم ما يمكن أن يستخلص منه أن المجني عليه - كان قد كف عن الاعتداء على الطاعن وانتهى من عدوانه وأنه لم يكن هناك من بعد ما يخشى منه الطاعن على نفسه وقت أن أطلق النار على المجني عليه، الأمر الذي يعيب الحكم بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان الطاعن قد تمسك بعدم وقوع الحادث في المكان الذي وجدت جثة المجني عليه فيه ودلل على ذلك بشواهد منها ما أثبتته المعاينة من عدم وجود طلقات في مكانها رغم أن المجني عليه أصيب بأعيرة نارية وكان الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع فلم يعرض له البتة على الرغم من أنه - في صورة الدعوى - دفاع جوهري إذ ينبني عليه - لو صح - النيل من أقوال شاهدي الإثبات مما كان يتعين على المحكمة أن تفطن إليه وتعني بتحقيقه أو ترد عليه بما ينفيه. أما وهي لم تفعل، فإن الحكم يكون معيباً من هذه الناحية أيضاً بالقصور في التسبيب لما كان ذلك، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.