أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1359

جلسة 14 من يونيه سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة؛ وبحضور السادة المستشارين: إميل جبران، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وعثمان زكريا.

(188)
الطعن رقم 243 لسنة 31 القضائية

( ا ) نقض. "الحكم فى الطعن". "أثره". حكم. "الطعن فى الحكم". "ميعاده".
الطعن بالنقض فى حكم قطعى وحكم بالإحالة إلى التحقيق. نقض الحكم القطعى والاحالة. أثر ذلك. اعتبار الحكم بالتحقيق قائما. جواز الطعن فيه مع الحكم القطعى الذى يصدر فى الموضوع.
(ب) إثبات."الإثبات بالكتابة". "الإثبات بالبينة".
عدم تقديم الخصم الورقة المشتركة بينه وبين خصمه رغم تكليفه بتقديمها. حق المحكمة فى أن تأخذ أو لا تأخذ بقول خصمه فيما يتعلق بشكل الورقة أو موضوعها. جواز الاحالة للتحقيق لإثبات صحة هذا القول.
(ج) حكم. "تسبيب الحكم". "الطعن فى الحكم". "المصلحة فى الطعن". نقض. "المصلحة فى الطعن". "أسباب الطعن". إلتزام. "أوصاف الالتزام". الشرط الواقف".
تعلق نفاذ العقد على شرطين. استناد الحكم فى استبعاد العقد لتخلف أحد الشرطين. كفاية ذلك. الطعن على الحكم لاعتماده على تخلف الشرط الآخر الذى لم يؤذن بإثباته. غير منتج.
(د) إثبات. "الإثبات بالكتابة". مبدأ الثبوت بالكتابة". "القرائن القضائية". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
تمسك الخصم بخطاب صادر من خصمه إلى آخر. خضوع ذلك لتقدير القاضى تبعا للظروف التى صدر فيها.
(هـ) التزام. "أوصاف الالتزام". "الشرط الواقف". عقد. "بطلان العقد".
شرط تطبيق نظريتى الانتقاص والتحول. كون العقد فى شق منه أو كله باطلا أو قابلا للابطال. تعلق العقد على شرط واقف. عدم تحقق الشرط. لا محل لاعمال نظريتى الانتقاص والتحول.
(و) إجارة. "التزامات المستأجر". "البناء فى العين المؤجرة". ملكية. "أسباب كسب الملكية". "الالتصاق".
إقامة المستأجر منشآت فى العين المؤجرة فى ظل القانون المدنى القديم. انطباق قواعد الالتصاق. للمالك الخيار بين طلب إزالة البناء أو إبقائه. عدم ترتب ضرر على إقامة المنشآت. لا مصلحة للمؤجر فى طلب إزالتها إلا عند انقضاء الإيجار.
1 - متى كان الطاعن قد قرر بالطعن بطريق النقض فى حكم قطعى وفى حكم سابق عليه بالإحالة إلى التحقيق لمخالفة قواعد الإثبات، فقضت محكمة النقض بنقض الحكم القطعى نقضا كليا وبالإحالة لأسباب لا ترتبط بالسبب الخاص بحكم الإحالة إلى التحقيق، فإنه يترتب على ذلك إنحصار أثر النقض فى الحكم القطعى وحده وعودة الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل صدوره واعتبار الحكم الصادر بالإحالة إلى التحقيق قائما. لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف قد حكمت فى موضوع الدعوى بعد إحالتها إليها، فإنه يكون للطاعن الحق فى الطعن بالنقض فى الحكم الصادر بالإحالة إلى التحقيق مع الحكم الصادر فى الموضوع.
2 - متى كان المدعى قد طالب بإلزام المدعى عليه بتقديم العقد الذى تحت يده باعتباره ورقة مشتركة بينهما، فكلفت المحكمة هذا الأخير بتقديمه، فلم يقدمه، وكان المشرع قد رتب فى المادة 257 مرافعات على عدم تقديم الخصم الورقة إعتبار الصورة التى قدمها خصمه لهذه الورقة صحيحة مطابقة لأصلها، فإذا لم يقدم الخصم هذه الصورة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها وذلك فى حق خصمه الممتنع. ولما كان المدعى لم يقدم من جانبه صورة العقد، وكان مؤدى ذلك أنه يجوز للمحكمة أن تأخذ أو لا تأخذ بما قاله المدعى من أن العقد لم يعلق على شرط فإن المحكمة إذ رأت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صحة قوله فلا تثريب عليها فى ذلك.
3 - مفاد تعلق العقد على شرطين أن تخلف أحد الشرطين يكفى لعدم نفاذه فإذا استند الحكم فى استبعاد العقد إلى عدم تحقق أحد الشرطين كان ذلك كافيا وحده لحمل قضائه فى هذا الخصوص، ويكون غير منتج النعى عليه بأنه اعتمد على تخلف الشرط الآخر الذى لم يؤذن بإثباته.
4 - الخطاب المرسل من المدعى عليه إلى آخر والذى يتمسك به المدعى - وهو من الغير - يخضع لتقدير القاضى، فله بعد تقدير الظروف التى صدر فيها أن يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلا، ولا معقب على تقديره ذلك متى بنى على أسباب سائغة.
5 - يشترط لتطبيق نظريتى الانتقاص والتحول المنصوص عليهما فى المادتين 143 و144 من القانون المدنى أن يكون العقد فى شق منه أو كله باطلا أو قابلا للإبطال. فإذا كان العقد قد علق على شرط لم يتحقق، فإن مؤدى ذلك هو عدم إعمال حكم المادتين المشار إليهما فى شأنه.
6 - متى كان مبنى الإزالة أن المستأجر أحدث تغييرا فى العين المؤجرة بإقامة منشآت بغير إذن المؤجر، وكانت المادة 376/ 2 من القانون المدنى القديم الذى أقيمت المبانى المطلوب إزالتها فى ظله (وتقابلها المادة 580 من القانون الحالى) تقضى بأن يلتزم المستأجر بألا يحدث تغييرا ماديا يضر بالعين المؤجرة بغير إذن من المالك، وكان المستأجر الذى يبنى فى العين المؤجرة بغير إذن من المؤجر تطبق فى شأنه قواعد الإلتصاق المنصوص عليها فى المادة 65 من القانون المدنى القديم - الذى يحكم واقعة الدعوى - وهى تقضى بأن يكون للمالك الخيار بين طلب إزالة البناء وطلب إبقائه (وهذا الخيار هو ما أخذ به القانون المدنى الحالى فى المادة 592 بشأن البناء الذى يقيمه المستأجر فى العين المؤجرة دون علم المؤجر أو رغم معارضته)، لما كان ذلك وكانت المبانى التى أقامها المستأجر هى منشآت لم يترتب عليها ضرر للعين المؤجرة فإن مصلحة المؤجر فى طلب إزالتها لا تثور إلا عند إنقضاء الإيجار حيث يلتزم المستأجر برد العين بالحالة التى تسلمها بها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعن أقام الدعوى رقم 246 سنة 1950 كلى سوهاج ضد المطعون عليهما وآخر هو السيد/ كامل سعيد - تنازل عن مخاصمته فيما بعد - يطلب الحكم بإلزام المطعون عليه الأول بأن يدفع له مبلغ 175 ج أجرة العين المستحقة عليه عن المدة من 1/ 9/ 1949 حتى 31/ 3/ 1950 وما يستجد بواقع 25 ج شهريا إعتبارا من 1/ 4/ 1950 حتى تمام الإخلاء، والحكم بإخلاء العين والتسليم وإزالة ما أحدثه المطعون عليه الأول من مبان بالطابق الثانى من الجهة البحرية، وعدل الطاعن طلباته فى خصوص الأجرة بزيادتها إلى مبلغ 245 ج عن المدة ذاتها وما يستجد بواقع 35 ج شهريا حتى الإخلاء، وفى خصوص الإزالة إلى طلب الحكم بإزالة أربع غرف أخرى أحدثها المطعون عليه الأول بالطابق الأرضى من الجهة الشرقية. وقال شرحا لدعواه أنه يملك المكان موضوع الدعوى وقد استأجره منه السيد/ كمال سعيد وأنشأ به مدرسة من ستة فصول وغرفتين للإدارة، ثم تنازل عنها المستأجر إلى المطعون عليه الأول فى سنة 1945 وكان إيجارها وقتئذ 175 ج سنويا، ولما علم الطاعن بذلك وبأن المطعون عليه الأول أنشأ غرفتين جديدتين أخطره بالإخلاء، ثم اتفقا بموجب عقد إيجار محرر فى 26/ 9/ 1945 على أن الأجرة السنوية للعين مقدارها 240 ج وتسلم المستأجر نسختى العقد لإرسالهما إلى منطقة التعليم بأسيوط التى حددت أجرة المكان بمبلغ 168 ج، وقد رد العقد إلى المطعون عليه الأول إلا أنه لم يسلم للطاعن نسخته. وإذ لم يقم المطعون عليه الأول بالوفاء بالأجرة المتفق عليها وأنشأ أربع غرف بالطابق الأضى وغرفتين بالطابق العلوى بغير إذن من الطاعن فقد أقام عليه هذه الدعوى للحكم له بطلباته وبتاريخ 31/ 3/ 1951 حكمت المحكمة برفض الدعوى. إستأنف الطاعن هذا الحكم بالإستئناف رقم 247 سنة 26 ق أسيوط، ومحكمة الإستئناف قضت فى 25/ 1/ 1954 بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أن عقد الإيجار المؤرخ 26/ 9/ 1945 الذى أرسله إلى وزارة التربية والتعليم - المطعون عليها الثانية - وأعيد إليه كان معلقا نفاذه على قيام الطاعن بدفع نفقات المبانى التى أحدثها المطعون عليه الأول بالمكان المؤجر ولينفى الطاعن ذلك، وبعد أن سمعت المحكمة شهود المطعون عليه الأول قضت فى 24/ 4/ 1955 فى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 407 سنة 25 ق، وفى 26/ 5/ 1960 قضت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى إلى محكمة استئناف أسيوط، وبعد تعجيل الدعوى قضت المحكمة فى 5/ 4/ 1961 بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المطعون عليه الأول بأن يدفع إلى الطاعن مبلغ 766 ج و666 م أجرة العشرة غرف التى كانت مقامة قبل عقد 26/ 9/ 1945 عن المدة من أكتوبر سنة 1951 حتى أبريل سنة 1961 بواقع 80 ج سنويا، وقبل الفصل فى طلب أجرة السبع غرف المستجدة بندب مكتب الخبراء لتقدير الأجر السنوى المناسب لها بالاسترشاد بأجر المثل وأجر العشر غرف المنشأة قبل 26/ 9/ 1945 وهو 80 ج سنويا، وقضت فى طلب الإزالة بعدم قبوله. وفى 4/ 5/ 1961 طعن الطاعن بطريق النقض فى هذا الحكم وفى الحكم الصادر فى 25/ 1/ 1954 بإحالة الدعوى إلى التحقيق، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 31/ 3/ 1964 وفيها صممت النيابة العامة على رأيها الوارد بمذكرتها التى دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة للحكم المؤرخ 25/ 1/ 1954 تأسيسا على أنه قد حاز قوة الأمر المقضى بعدم الطعن عليه فى الطعن السابق رقم 407 سنة 25 ق وعلى أن ميعاد الحكم قد انقضى.. كما دفعت بعدم قبول الطعن بالنسبة للحكم المؤرخ 5/ 4/ 1961 فى شقه الصادر قبل الفصل فى الموضوع لأنه غير منه للخصومة، وطلبت النيابة بالنسبة للموضوع نقض هذا الحكم فى خصوص قضائه بعدم قبول طلب الإزالة، وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، ودفع المطعون عليه الأول بدوره بما دفعت به النيابة فى مذكرتها، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن الدفع بعدم القبول مردود فى وجهه الأول المنصب على الحكم الصادر فى 25/ 1/ 1954 بأنه لما كان يبين من الطعن رقم 407 سنة 25 ق الذى أمرت المحكمة بضمه أن الطاعن قرر بالطعن بطريق النقض فى الحكم القطعى الصادر فى 24/ 4/ 1955 وفى الحكم الصادر فى 25/ 1/ 1954 بالإحالة إلى التحقيق لمخالفة قواعد الإثبات، وإذ قضت محكمة النقض بحكمها الصادر فى 26/ 5/ 1960 فى الطعن المشار إليه بنقض الحكم القطعى نقضا كليا وبالإحالة لأسباب لا ترتبط بالسبب الخاص بحكم الإحالة إلى التحقيق، وكان يترتب على ذلك إنحصار أثر النقض فى الحكم القطعى وحده وعودة الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل صدوره واعتبار الحكم الصادر بالإحالة إلى التحقيق قائما، لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف قد حكمت بحكمها الصادر فى 5/ 4/ 1961 فى موضوع الدعوى بعد إحالتها إليها، فإنه يكون للطاعن الحق فى الطعن بالنقض فى الحكم الصادر بالإحالة إلى التحقيق مع الحكم الصادر فى الموضوع. والدفع مردود فى وجهه الثانى المنصب على الحكم الأخير فى شقه الخاص بندب خبير، بأن الطعن لم يصادف محلا إذ يبين من تقرير الطعن أن الطاعن لم يضمن طعنه سببا خاصا بهذا الشق من الحكم.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم الصادر فى 25/ 1/ 1954 الخطأ فى تطبيق القانون ذلك أن محكمة الاستئناف قضت فى هذا الحكم بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أن عقد الايجار المحرر فى 26/ 9/ 1945 والذى أرسله إلى وزارة التربية والتعليم - المطعون عليها الثانية - وأعيد إليه كان معلقا نفاذه على قيام الطاعن بدفع نفقات المبانى التى أحدثها المطعون عليه الأول بالمكان المؤجر، هذا فى حين أن عقد الإيجار المشار إليه ثابت بالكتابة فلا يسوغ طبقا للمادة 401 مدنى إثبات ما يجاوزه أو يخالفه إلا بالكتابة.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أن الطاعن قرر أنه اتفق مع المطعون عليه الأول على زيادة الأجرة السنوية للمبنى إلى 240 ج وأن هذا الأخير أرسل نسختى العقد المحرر بينهما فى 26/ 9/ 1945 إلى المطعون عليها الثانية التى أعادتهما إليه ولكن لم يسلم للطاعن نسخته، كما قرر الحكم أن المطعون عليه الأول رد على ذلك بأنه إتفق مع الطاعن على تعليق نفاذ هذا العقد على موافقة المطعون عليها الثانية على الأجرة الجديدة وعلى أن يدفع الطاعن تكاليف المبانى التى استحدثت فى المكان المؤجر، ولكن المطعون عليها الثانية لم توافق على هذه الأجرة. وإزاء مطالبة الطاعن بإلزام المطعون عليه الأول بتقديم هذا العقد باعتباره ورقة مشتركة بينهما فقد كلفت المحكمة هذا الأخير بتقديمه، وإذ لم يقدمه، وكان المشرع قد رتب فى المادة 257 مرافعات على عدم تقديم الخصم الورقة إعتبار الصورة التى قدمها خصمه لهذه الورقة صحيحة مطابقة لأصلها، فإذا لم يقدم الخصم هذه الصورة جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها أو بموضوعها وذلك فى حق خصمه الممتنع، لما كان ذلك وكان الطاعن لم يقدم من جانبه صورة العقد، وكان مؤدى ذلك أنه يجوز للمحكمة أن تأخذ أو لا تأخذ بما قاله من أن عقد الإيجار لم يعلق على شرط، وإذ رأت المحكمة إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صحة قوله فلا تثريب عليها فى ذلك ويكون قضاء الحكم فى هذا الخصوص لا مخالفة فيه للقانون.
وحيث إنه بالنسبة للطعن على الحكم الصادر فى 5/ 4/ 1961 فقد أقيم على ستة أسباب حاصل أولها الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك أن هذا الحكم أسس قضاءه بعدم التعويل على الأجرة الواردة بعقد 26/ 6/ 1945 وقدرها 240 ج فى السنة على ما ثبت له من أقوال الشهود الذين سمعوا تنفيذا لحكم التحقيق الصادر فى 25/ 1/ 1954 من أن الطرفين إتفقا على أن إستحقاق هذه الأجرة مشروط بشرطين أولهما موافقة الوزارة عليها وثانيهما قيام الطاعن بدفع تكاليف المبانى الجديدة. وإذ جاء حكم التحقيق مخالفا للقانون، فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ استند إليه. كما أخطأ إذ اعتمد فى تعليق نفاذ العقد على موافقة الوزارة على قيمة الأجرة - رغم أن هذه الواقعة لم يؤذن بإثباتها بحكم الإحالة إلى التحقيق. ويضيف الطاعن أن المحكمة صرحت فى هذا الحكم بأن الغرض منه التحقق مما إذا كان النزاع يدخل فى نطاق القانون رقم 121 لسنة 1947 تمهيدا للفصل فى الدفع بعدم جواز الإستئناف، وإذ استبعدت المحكمة بحكمها المطعون فيه تطبيق هذا القانون فإن حكم التحقيق يكون قد استنفد أغراضه بحيث لا يجوز الإستناد إلى التحقيق الذى تم تنفيذا له للفصل فى نقطة أخرى من نقط النزاع.
وحيث إن النعى فى شقه الأول مردود بأن الثابت على ما سلف بيانه فى الرد على سبب الطعن الموجه إلى حكم الإحالة إلى التحقيق أنه لا مخالفة فيه للقانون ومن ثم فلا على المحكمة إن هى إستندت إلى أقوال الشهود الذين سمعتهم تنفيذا لهذا الحكم. والنعى فى شقه الثانى مردود ذلك أنه لما كان الثابت من تقريرات الحكم المطعون عليه فيه أن المطعون عليه الأول قرر أن نفاذ عقد الإيجار المؤرخ 26/ 9/ 1945 كان معلقا على موافقة المطعون عليها الثانية على الأجرة الجديدة وعلى أن يدفع الطاعن تكاليف المبانى المقامة قبل تحرير ذلك العقد، وكان مفاد ذلك أن تخلف أحد الشرطين يكفى لعدم نفاذ العقد، فإن إستناد الحكم المطعون فيه استبعاد العقد إلى عدم تحقق الشرط الثانى يكفى وحده لحمل قضائه فى هذا الخصوص، ويكون غير منتج النعى عليه بأنه اعتمد على تخلف الشرط الأول الذى لم يؤذن بإثباته. والنعى فى شقه الثالث مردود بأن الثابت من حكم الإحالة إلى التحقيق أن المحكمة رأت أن الواقعة المطلوب إثباتها متعلقة بالدعوى ومنتجة للفصل فى الدفع والموضوع معا فأمرت قبل الفصل فيهما بتحقيقها، وإذ كان من الجائز إثبات الدعوى فى هذا الخصوص بالبينة وذلك على ما سلف بيانه فإن للمحكمة أن تستند إلى أقوال من سمعتهم من الشهود تنفيذا لحكمها السابق بالإحالة إلى التحقيق.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والخطأ فى الإسناد والفساد فى الإستدلال، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم استند إلى أن ظروف الحال تؤيد ما قرره الشهود من أن استحقاق الأجرة المحددة بعقد 26/ 9/ 1945 معلق على شرطين، وهو ما رتب عليه الحكم أن عقد 26/ 9/ 1945 لم ينفذ وأن الأجرة السنوية بقيت 80 ج، هذا فى حين أنه لا يصح الإستناد إلى القرائن فى إثبات ما يخالف أو يجاوز العقد المكتوب. ويضيف الطعن أن هذه القرائن لا وجود لها فى الدعوى ولا دليل عليها، وأنه لم يقر فى صحيفة الدعوى بأن الأجرة مسددة بواقع 80 ج سنويا حتى سبتمبر سنة 1949، بل على العكس احتفظ فيها لنفسه بالحق فى طلب الأجرة عن المدة السابقة بدعوى مستقلة.
وحيث إن النعى فى شقه الأول مردود بما تقضى به المادة 407 من القانون المدنى من أن للمحكمة أن تقيم حكمها على القرائن التى تستنبطها من وقائع الدعوى والأوراق المقدمة فيها متى كان الإثبات فى الدعوى جائزا بالبينة. وإذ كان يجوز على - ما سلف بيانه - إثبات شروط استحقاق الأجرة الواردة بعقد 26/ 9/ 1945 بشهادة الشهود فإن إثباتها بالقرائن يكون جائزا أيضا. والنعى فى شقه الثانى مردود بأن الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص انتهى إلى أن سداد الأجرة كان يتم بواقع 80 ج سنويا واستند فى ذلك إلى ما قرره من "وحيث أنه فى صدد طلب المدعى - الطاعن - متأخر الأجرة فإن المدعى عليه الأول - المطعون عليه الأول - قدم ما يفيد أنه كان يقبضها بمقدار 80 ج عن السنوات من 1948 حتى 1950 - إشعارات بنك باركليز بسوهاج وشهادات منه بما يؤيد الدفع بحافظته رقم 7 بالملف". وأضاف الحكم المطعون فيه فى شأن استبعاد الأجرة المبينة بعقد 26/ 9/ 1945 أنه ثبت لديه من أقوال الشهود الذين سمعتهم المحكمة أنه اتفق بين الطرفين على أن استحقاق هذه استحقاق هذه الأجرة مشروط بأمرين (أولهما) موافقة المطعون عليها الثانية على تلك القيمة (وثانيهما) قيام الطاعن بدفع تكاليف المبانى الجديدة. كما استدل الحكم على ذلك بما استخلصه من قرائن تتحصل فى أن العقد حرر من نسخة واحدة وأرسل المطعون عليها الثانية وأن الطاعن ظل يقبض الأجرة على أساس 80 ج سنويا منذ سنة 1945 حتى رفع دعواه فى سنة 1949 دون اعتراض أو تحفظ وأنه لو كان عقد 26/ 9/ 1945 قد تنفذ لطالب الطاعن بالأجرة المبينة به من وقت تحريره - وخلص الحكم من ذلك إلى أن أجرة العشر غرف التى كانت قائمة عند تحرير هذا العقد ظلت كما هى 80 ج سنويا. ولما كان من شأن هذه الأدلة التى استند إليها الحكم أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها وتكفى لحمل قضائه فى هذا الخصوص، وكانت محكمة الموضوع هى صاحبة السلطة فى تقدير الدليل واستخلاص النتيجة التى تستقيم لها منه، وكان ما تزيد فيه الحكم خطأ من أن الطاعن أقر فى صحيفة دعواه بأن الأجرة مسددة حتى سبتمبر سنة 1949 بواقع 80 ج سنويا - لا يؤثر فى سلامة قضائه - لما كان ما تقدم فإن النعى على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الثالث القصور فى التسبيب ذلك أنه قرر أنه استخلص من الحكم الإبتدائى وأوراق الدعوى أن الطاعن قد تخالص بالأجرة حتى شهر سبتمبر سنة 1951 بواقع 80 ج سنويا عن الغرف التى كانت منشأة عند تحرير عقد 26/ 9/ 1945 دون أن يبين ماهية الأوراق التى تفيد التخالص عن تلك المدة وأن السداد كان يتم بواقع 80 ج سنويا، فضلا عن أنه لم يرد بالحكم الإبتدائى ولا بأوراق الدعوى ما يدل على هذا التخالص، بل على العكس قد ثبت أن المطعون عليه الأول سحب جميع مستنداته قبل صدور الحكم المطعون فيه ولم يردها إلى ملف الدعوى، وكل ما هو ثابت فى الأوراق أن المطعون عليه الأول عرض على الطاعن بجلسة 20/ 6/ 1950 مبلغ 80 ج باعتباره أجرة سنة من أكتوبر سنة 1950 فقبضه خصما من مطلوبه تحت الحساب.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه على ما سلف بيانه فى الرد على السبب الثانى استخلص للأسباب السائغة التى استند إليها أن أجرة العشرة غرف التى كانت قائمة وقت تحرير عقد 26/ 9/ 1945 ظلت كما هى 80 ج سنويا ولما كان الثابت من الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه فى هذا الخصوص أن الطاعن طالب فى صحيفة دعواه بأجرة العين عن المدة من 1/ 9/ 1949 إلى 31/ 3/ 1950 وما يستجد منها بعد هذا التاريخ وعرض الحكم الإبتدائى للوفاء بأجرة المدة من 1/ 10/ 1949 إلى 1/ 10/ 1951 فقرر "وقد ثبت من مستندات المدعى عليه الأول - المطعون عليه الأول - أنه قد أرسل له - أى الطاعن - بعد رفع الدعوى شيكا بمبلغ 80 ج بتاريخ 6/ 4/ 1950 (رقم 14 بالحافظة رقم 7 ملف) ثم دفع له بجلسة 20/ 6/ 1950 مبلغ 80 ج أخرى فبذلك تكون ذمته قد برئت من أجرة هذا المدرسة لغاية سبتمبر سنة 1951 فوجب رفض طلبه". وأضاف الحكم المطعون فيه قوله "وحيث إنه لذلك وعلى أساس الثابت من الأوراق ومن الحكم المستأنف من أن المستأنف - الطاعن - تخالص بالأجرة عن العشرة غرف التى كانت منشأة عند تحرير عقد 26/ 9/ 1945 حتى سبتمبر سنة 1951 بواقع 80 ج سنويا" وكان هذا الذى قرره الحكم يكفى لحمل قضائه وفيه الرد على دفاع الطاعن فى هذا الخصوص، وكانت المطالبة بالأجرة عن المدة السابقة على 1/ 9/ 1949 مما يخرج عن نطاق الدعوى ولا يعيب الحكم أن يكون قد أخطأ فيما تزيد فيه بشأنها، فإن النعى عليه بهذا السبب يكون فى غير محله.
وحيث إن حاصل السبب الرابع الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب ذلك أن الحكم المطعون فيه قرر أن الخطاب 16/ 9/ 1945 المرسل من المطعون عليه الأول إلى المطعون عليها الثانية لا يعد إقرارا منه بالأجرة الواردة به وبمقدارها البالغ 175 ج سنويا لأنه ليس إقرارا قضائيا وإنما هو بيان قصد منه المطعون عليه الأول طلب زيادة الإعانة دون أن يلتزم بالأجرة الواردة به، هذا فى حين أن هذا الخطاب له قوة الورقة العرفية فى الإثبات طبقا لنص المادة 396 مدنى إذ قدم فى الدعوى من المطعون عليه الثانية وهى جهة رسمية ويتضمن إقرارا من المطعون عليه الأول بالأجرة فتعلق به حق الطاعن. ويضيف الطاعن أنه لم يرد بهذا الخطاب ما يدل على أنه قصد منه طلب زيادة الإعانة وإنما هو بيان طلب من جميع المدارس ليحفظ فى منطقة التعليم.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه فى خصوص حجية الخطاب المؤرخ 16/ 9/ 1945 على ما قرره من "وحيث إنه عن الخطاب المؤرخ 16/ 9/ 1945 فإنه لا يمكن اعتباره إقرارا بالأجرة لأنه ليس إقرارا قضائيا صدر فى مجلس القضاء ولأنه يشترط فى الإقرار أن يصدر من المقر إلى المقر له بقصد اعتبار الواقعة المقر بها ثابتة فى حقه وإعفاء خصمه من عبء إثباتها وظاهر أن خطاب 16/ 9/ 1945 موجه من المستأنف عليه الأول - المطعون عليه الأول - إلى المستأنف عليها الثانية - المطعون عليها الثانية - ولا شأن للمستأنف - الطاعن - به ولم يقصد المستأنف عليه الأول اعتبار مضمون ذلك الخطاب ثابتا فى حقه وإعفاء المستأنف من إثبات ما تضمنه، فالمستأنف لا يستفيد ولا يضار من ذلك الخطاب ولا حجة لذلك الخطاب له أو عليه وكل ما قصده المستأنف عليه الأول من تحريره هو أن تزيد وزارة المعارف (التربية والتعليم) الإيجار ولم يقصد من تحريره إلزام نفسه بالأجرة الواردة به للمستأنف". وهذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون وذلك أن الخطاب المشار إليه المرسل من المطعون عليه الأول إلى المطعون عليها الثانية والذى يتمسك به الطاعن وهو من الغير - يخضع لتقدير القاضى فله بعد تقدير الظروف التى صدر فيها أن يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلا ولا معقب على تقديره فى ذلك متى بنى على أسباب سائغة، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد مارس سلطته الموضوعية فى هذا الخصوص ولم يأخذ بمضمون هذا الخطاب للأسباب السائغة التى استند إليها، فإن النعى عليه بهذا السبب يكون فى غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه بالسبب الخامس القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك أنه بعد أن استبعد الأجرة الواردة بعقد 26/ 9/ 1945 وهى 240 ج سنويا تأسيسا على أن استحقاقها مشروط بموافقة المطعون عليها الثانية، أضاف أنه لا شأن للطاعن بموافقة المطعون عليها الثانية على تقدير الأجرة بمبلغ 168 ج سنويا بحجة أن هذا التقدير جرى فى علاقة المطعون عليه الأول بالمطعون عليها الثانية، هذا فى حين أنه إذا كانت المطعون عليها الثانية لم توافق على تقدير الأجرة بمبلغ 240 ج ووافقت على مبلغ 168 ج فكان على الحكم أن ينقص الأجرة إلى هذا القدر لا أن يبقيها 80 ج سنويا وذلك طبقا لنظريتى الانتقاص والتحول المنصوص عليهما فى المادتين 143، 144 مدنى باعتبار أن نية المتعاقدين التى كانت تنصرف إلى جعل الأجرة 240 ج تحتمل بطبيعة الحال جعلها 168 ج.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أنه يشترط لتطبيق نظريتى الانتقاص والتحول المنصوص عليهما فى المادتين 143، 144 من القانون المدنى أن يكون العقد فى شق منه أو كله باطلا أو قابلا للابطال. ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن عقد 26/ 9/ 1945 كان معلقا على شرط موافقة المطعون عليها الثانية على الأجرة الواردة به وعلى أن يدفع الطاعن تكاليف المبانى المستحدثة قبل إبرام هذا العقد، وإذ لم يتحقق أحد هذين الشرطين وانتهى الحكم إلى أن الطاعن لم يدفع تكاليف المبانى المستحدثة التى وافق على أن يكون دفعها شرطا لنفاذ العقد، فإن مؤدى ذلك هو عدم إعمال حكم المادتين المشار إليهما فى هذا العقد، وبالتالى فإن الحكم إذ لم يعتد بالأجرة المبينة بالعقد وقدرها 240 ج ولا بالأجرة التى وافقت عليها المطعون عليها الثانية وقدرها 168 ج وأبقى على الأجرة بواقع 80 ج سنويا كما كانت، لا يكون معيبا ويكون النعى عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب السادس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والقصور فى التسبيب ذلك أنه قضى بعدم قبول طلب الإزالة لأنه سابق لأوانه تأسيسا على عدم ثبوت ضرر ترتب على إقامة المنشآت الجديدة التى أحدثها المطعون عليه الأول فى العين المؤجرة، وهذا القضاء يخالف نص المادتين 580، 592 مدنى ذلك أن الإزالة التى نصت عليه المادة الأولى جزاء مقرر على إخلال المستأجر بالتزامه بعدم إحداث تغيير فى العين أثناء قيام العقد ولهذا كان من حق المؤجر أن يطلب إعادة العين إلى الحالة التى كانت عيها دون انتظار إنتهاء مدة العقد كما أن ما نصت عليه المادة 592/ 2 مدنى من أحقية المؤجر فى طلب إزالة التحسينات التى استحدثت دون علمه أو رغم معارضته لم يقيد بانقضاء العقد ويضيف الطاعن أنه تمسك فى دفاعه أمام محكمة الإستئناف بأن العين المؤجرة لحقها هلاك شامل بفعل المطعون عليه الأول واستند فى ذلك إلى تقرير الخبراء فى الدعوى رقم 65 سنة 1957 مستعجل سوهاج والحكم الصادر فيها، ولكن المحكمة أغفلت هذا الدفاع ولو أنها تبينت الضرر الذى لحق العين المؤجرة لتغير وجه الرأى فى الدعوى، مما يعيب الحكم بالقصور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه يبين من الأوراق أن مبنى طلب الإزالة أن المطعون عليه الأول أحدث تغييرا فى العين المؤجرة بإقامة منشآت بغير إذن الطاعن. ولما كانت المادة 376/ 2 من القانون المدنى القديم الذى أقيمت المبانى المطلوب إزالتها فى ظله - وتقابلها المادة 58 من القانون الحالى - تقضى بأن يلتزم المستأجر بألا يحدث تغييرا ماديا يضر بالعين المؤجرة بغير إذن من المالك، وكان المستأجر الذى يبنى فى العين المؤجرة بغير إذن من المؤجر تطبق فى شأنه قواعد الإلتصاق المنصوص عليها فى المادة 65 من القانون المدنى القديم الذى يحكم واقعة الدعوى وهى تقضى بأن يكون للمالك (المؤجر) الخيار بين طلب إزالة البناء وطلب إبقائه - وهذا الخيار هو ما أخذ به القانون المدنى الحالى فى المادة 592 بشأن البناء الذى يقيمه المستأجر فى العين المؤجرة دون علم المؤجر أو رغم معارضته، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن المبانى التى أقامها المطعون عليه الأول هى منشآت لم يترتب عليها ضرر للعين المؤجرة فإن مصلحة الطاعن فى طلب إزالتها لا تثور إلا عند انقضاء الإيجار حيث يلتزم المستأجر برد العين بالحالة التى تسلمها بها. وإذ نفى الحكم حدوث ضرر من إقامة هذه المنشآت واستخلص ذلك فى حدود سلطته التقديرية، فإن النعى عليه بمخالفة القانون أو بالقصور فى التسبيب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.