أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 17 - صـ 1480

جلسة 29 من يونيه سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكى محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وصبرى أحمد فرحات، ومحمد شبل عبد المقصود، ومحمد نور الدين عويس.

(206)
الطعن رقم 32 لسنة 32 ق "أحوال شخصية"

(أ, ب) أحوال شخصية. "استئناف الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية". استئناف. "رفع الإستئناف". "طريقة رفع الإستئناف".
إستئناف الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية والوقف التى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية. اعتباره مرفوعا بتقديم صحيفته إلى قلم كتاب المحكمة فى الميعاد المحدد.
(ج) أحوال شخصية. "المسائل الخاصة بالمصريين المسلمين". "نسب".
دعوى النسب. سماعها مجردة. محله. أن يكون النسب المتنازع فيه مما يصح إقرار المدعى عليه به ويثبت باعترافه وليس فيه تحميل النسب على الغير مثال. التناقض فيها. يغتفر.
دعوى النسب. سماعها ضمن حق آخر. محله. أن يكون مما لا يصح إقرار المدعى عليه به ولا يثبت باعترافه وفيه تحميل النسب على الغير. التناقض فيها. لا يغتفر.
(د) أحوال شخصية. "إرث". "تحقيق الوفاة والوراثة". "حجيته". وارث. "ثبوت الوراثة".
تحقيق الوفاء والوراثة. حجة ما لم يصدر حكم شرعى على خلافه.
1 - إستئناف الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية والوقف والتى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية يعتبر - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - مرفوعا بتقديم صحيفته إلى قلم كتاب المحكمة فى الميعاد المحدد فى المادة 307 من القانون رقم 78 لسنة 1931 [(1)].
2 - إعلان صحيفة الإستئناف إلى الخصم إجراء لم يحدد له القانون ميعادا وللمستأنف أو لقلم الكتاب أن يقوم به بعد قيده.
3 - الأصل فى دعوى النسب أن ينظر إلى النسب المتنازع فيه، فلو كان مما يصح إقرار المدعى عليه به ويثبت باعتباره وليس فيه تحميل النسب على الغير [(2)] كالأبوة والبنوة فإنها تسمع مجردة أو ضمن حق آخر سواء ادعى لنفسه حقا أو لم يدع، ويغتفر فيها التناقض لأن مقصودها الأصلى هو النسب، والنسب يغتفر فيه التناقض للخفاء الحاصل فيه، ولو كان مما لا يصح إقرار المدعى عليه به ولا يثبت باعترافه وفيه تحميل النسب على الغير كالأخوة والعمومة لا تسمع إلا أن يدعى حقا من إرث أو نفقة ويكون هو المقصود الأول فيها ولا يغتفر فيها التناقض لأنه تناقض فى دعوى مال لا فى دعوى نسب، ودعوى المال يضرها التناقض ما دام باقيا لم يرتفع ولم يوجد ما يرفعه بإمكان حمل أحد الكلامين على الآخر أو بتصديق الخصم أو بتكذيب الحاكم أو بقول المتناقض "تركت الكلام الأول" مع إمكان التوفيق بين الكلامين وحمل أحدهما على الآخر، وهو يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد وكان أحد الكلامين فى مجلس القاضى والآخر خارجه ولكن يثبت أمام القاضى حصوله إذ يعتبر الكلامان وكأنهما فى مجلس القاضى.
4 - تحقيق الوفاة والوراثة حجة فى هذا الخصوص ما لم بصدر حكم شرعى على خلاف هذا التحقيق [(3)].


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن السيدة سعدية على شريف أقامت الدعوى رقم 209 لسنة 1954 القاهرة الإبتدائية الشرعية ولمناسبة إلغاء المحاكم الشرعية أحيلت إلى محكمة القاهرة الإبتدائية وقيدت بجدولها رقم 184 لسنة 1956 أحوال شخصية ضد عبد المحسن محمد قدرى وآخرين بطلب الحكم بثبوت وفاة المرحومة زينب أحمد حسن أغا الموره لى بتاريخ 23 سبتمبر سنة 1953 وإنها من ورثتها بصفتها بنت اختها لأبيها وتستحق فى تركتها جزءا من أحد عشر جزء تنقسم إليها تركتها وأمر المدعى عليهم بتسليمها هذا النصيب مع إلزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه، وفى 28/ 6/ 1954 أدخلت أمين الشهر العقارى بالمحلة الكبرى خصما فى الدعوى طالبة الحكم فى مواجهته بطلباتها. ونبهت عليه بعدم إتخاذ أى إجراء لشهر نصيبا فى التركة وقالت شرحا لدعواها أن المرحومة زينب أحمد حسن أغا الموره لى توفيت فى 23 سبتمبر سنة 1953 ولم يكن لها وقت وفاتها نسل ولا عقب ولم تترك فرعا يستحق الوصية الواجبة وانحصر ميراثها الشرعى فى ولدى أبن أختها لأبيها وهما إبراهيم ومحمد محمود كامل إبراهيم أدهم وأبناء بنت أختها لأبيها وهم عبد الحميد وعبد العزيز وعبد المنعم وسعدية "المدعية" وذلك لأن المتوفاة اخت لأب للمرحومة نجيبه أحمد حسن أغا الموره لى وقد توفيت نجيبه عن ولديها محمود كامل وعائشة ابنى ابراهيم أدهم وتوفى كل منهما عن ورثته السابق ذكرهم وقد تركت مما يورث عنها شرعا العين المحددة بالدعوى. وإذ نازعها المدعى عليهم واستصدروا إعلاما شرعيا من محكمة عابدين الجزئية الشرعية برقم 628 لسنة 1953 بإثبات وفاة المتوفاة وأنهم ورثتها بصفتهم أولاد ابن عمها الشقيق محمد بن عبد الله بن حسن بن عبد الله أغا فقد انتهت إلى طلب الحكم لها بطلباتها ودفع المدعى عليهم بعدم سماع الدعوى لأن المدعية من ذوى الأرحام بينما هم أولاد ابن عمها الشقيق وبجلسة 10/ 6/ 1954 طلب اسماعيل محمد الضيف قبوله خصما ثالثا فى الدعوى بصفته زوجا للمتوفاه، ويرث فيها وعارضت المدعية والمدعى عليهم فى قبوله لأنه أجنبى عنها ولا يرث فيها بعد أن طلقها طلاقا بائنا بينونة كبرى بموجب اشهاد الطلاق المؤرخ 19/ 4/ 1945 وطعن فى هذا الاشهاد بالتزوير وبتاريخ 2/ 6/ 1957 حكمت المحكمة بقبوله خصما ثالثا فى الدعوى وبقبول شواهد التزوير وبرفض الادعاء به وبتغريمه خمسة وعشرين جنيها ورفض دعواه وألزمته بالمصرفات. ثم عادت وبتاريخ 21/ 2/ 1960 فحكمت (أولا) بارجاء الفصل فى الدفع المبدى من المدعى عليهم بعدم السماع إلى الفصل فى الموضوع (ثانيا) حضوريا وقبل الفصل فى الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المدعية بكافة طرق الإثبات القانونية ومنها البينة وفاة المتوفاة فى 23/ 9/ 1953 وأن إرثها انحصر فيمن ذكرتهم بصفتهم وللمدعى عليهم النفى بالطرق ذاتها. وبتاريخ 29/ 1/ 1961 أقام على محمد قدرى دعوى فرعية طلب فيها الحكم بثبوت وفاة زينب المذكورة فى 23/ 9/ 1953. وأنه من ورثتها بصفته ابن ابن عمها الشقيق وبإستحقاقه لثلث تركتها وإلزام المدعية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وبجلسة 19/ 1/ 1961 تركها للشطب وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 12/ 11/ 1961 فحكمت حضوريا (أولا) برفض الدفع بعدم سماع الدعوى (ثانيا) بثبوت وفاة زينب أحمد عبد الله حسن أغا الموره لى وان المدعية من ورثتها بصفتها بنت بنت أخيها لأبيها واستحقاقها لقسم واحد من تركتها التى تنقسم إلى أحد عشر قسما وألزمت المدعى عليهم بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماه للمدعية ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات (ثالثا) برفض الدعوى الفرعية وألزمت رافعها بالمصروفات وبمبلغ 300 ق مقابل أتعاب المحاماه واستأنف عبد المحسن ومن معه هذا الحكم لدى محكمة إستئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى وقيد هذا الإستئناف برقم 150 لسنة 78 قضائية وأثناء نظره دفعت سعدية بعدم قبوله لرفعه بعد الميعاد وطلبت فى الموضوع رفضه وتأييد الحكم المستأنف وبتاريخ 17 يونيه سنة 1962 حكمت المحكمة حضوريا برفض الدفع بعدم قبول الإستئناف وبقبوله وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضاه من الحكم باستحقاق المستأنف ضدها لقسم واحد من أحد عشر قسما من تركة المتوفاه وفيما قضاه من إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه وبرفض دعوى المستأنف ضدها وألزمتها بالمصاريف عن الدرجتين وخمسة عشر جنيها مقابل أتعاب المحاماه عنهما للمستأنفين وطعنت السيدة سعدية فى هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة فى التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث أصرت الطاعنة على طلب نقض الحكم وطلب المطعون عليهم رفض الطعن وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت قبول الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الطاعنة دفعت بعدم قبول الإستئناف لأن الحكم الإبتدائى صدر فى 12/ 11/ 1961 وينتهى ميعاد إستئنافه فى 12/ 12/ 1961 بينما لم تعلن الطاعنة بصحيفة الإستئناف إلا فى 17/ 12/ 1961 وبعد مضى الميعاد بخمسة أيام وقضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع مستندا فى ذلك إلى أن الإستئناف يرفع بورقه تعلن للخصم ولم ينص القانون على ضرورة إعلانه فى الميعاد المحدد لرفعه ورتب على ذلك أن الإستئناف يعتبر مرفوعا وتترتب عليه آثاره ولو لم تعلن صحيفته إلا بعد مضى الميعاد المحدد لرفعه، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون. إذ المفهوم الواضح من المواد 310 و311 و312 و313 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أن الإستئناف لا يكون مرفوعا إلا بورقة تعلن للخصم وتكون مشتملة على البيانات المنصوص عليها فيها ثم تأتى بعد ذلك مرحلة قيده وبمعنى أنه لا يمكن قيد الإستئناف قبل إعلانه إذ ليس من المعقول أن يجرى قيد ورقة لم يتصل علم الخصم بها - والقول بأن القانون لم ينص على ضرورة إعلان الإستئناف فى الميعاد المحدد لرفعه وانه يعتبر مرفوعا سواء أعلنت صحيفته قبل القيد أو لم تعلن هو خلط بين رفع الإستئناف وقيده لأن رفع الاستئناف يكون بورقة تلعن للخصم وقيده يكون بعد سداد كل أو ربع رسمه ولا يمكن أن يحصل إلا بعد الإعلان ولا يتصور إجراؤه قبله وفقا للمادة 313 من اللائحة. ولو أراد المشرع اعتبارا الإستئناف قائما ومرفوعا بمجرد تقديم عريضته إلى قلم الكتاب ودفع الرسم كله أو بعضه لنص على ذلك كما نص فى المادة 327 بالنسبة لإستئناف الأحكام الصادرة فى مواد التصرفات.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله ذلك أن إستئناف الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية والوقف والتى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية يعتبر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مرفوعا بتقديم صحيفته إلى قلم كتاب المحكمة فى الميعاد المحدد فى المادة 307 من القانون رقم 78 لسنة 1931 وإعلان الصحيفة إلى الخصم إجراء لم يحدد له القانون ميعادا ويجوز للمستأنف أو لقلم الكتاب أن يقوم به بعد قيده وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم قبول الإستئناف فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه ولما تقدم يتعين رفض هذا السبب.
وحيث إن حاصل السبب الثانى أن المطعون عليهم تناقضوا فى نسبهم إلى المتوفاه فقالوا عندما استصدروا إعلام الوفاه والوارثة إنهم أولاد ابن عمها الشقيق وهو محمد بن عبد الله بن حسن بن عبد الله أغا وبعد أن رفعت الدعوى الحالية وتيسر لهم الإطلاع على حجة الوقف الصادرة من والد المتوفاة وفيها أنه أحمد بن عبد الله بن حسن بن الموره لى وأن له أخا اسمه فضل ولفضل هذا ابن اسمه عبد الله، بادروا إلى إدعاء انهم أولا ابن ابن شقيق والد المتوفاه وهو محمد بن عبد الله ابن فضل شقيق الواقف لتطابق دعواهم ما جاء بحجة الوقف التى أصبحت فى متناولهم ولم يبالوا بما سبق أن ذكروه فى اشهاد الوفاه والوراثة وبذلك استحكم التناقض فى الدعوى فصارت غير مقبولة وهو تناقض لا يقبل معه عفو أو توفيق ورغم ذلك فقد قضى الحكم المطعون فيه بثبوت نسب المطعون عليهم للمتوفاة تأسيسا على أن التناقض فى النسب مغتفر شرعا وعرفا وأنه يمكن التوفيق بين الكلامين المتناقضين وأن اعلام الوفاة والوراثة ليس حكما وإنما هو توثيق. وهذا من الحكم خطأ ومخالفة لأرجح الأقوال من مذهب الحنفية إذ المقرر فى هذا المذهب أنه إذا خلت الدعوى من ذكر إسم الأم الجامعة فى قرابة العمومة الشقيقة كانت غير مسموعة وأن التناقض فى الدعوى يجعلها غير مقبولة ويتعين الحكم بعدم قبولها بناء على طلب الخصم أو من تلقاء نفس القاضى والأصل فيه أنه يمنع من قبول الدعوى سواء أكانت فى الزوجيات أم فى الأنساب أم فى الأموال أم فى سائر الحقوق الأخرى ولا يرتفع إلا بالتوفيق أو بإمكانه وهذا التوفيق لا يكون بادعاء السهو أو الخطأ أو بالتساهل فى التعبير أو بالعدول عما سبق من المدعى مناقضا لدعواه ولا يكون إلا بأمر يصح به الكلامان معا والاستثناء أنه يغتفر فى دعوى النسب إذا كان النسب مقصودا لذاته ويمكن أن يدعى قصدا دون أن يكون ضمن حق آخر ويثبت بإقرار المرء به على نفسه وذلك خاص بدعوى الأبوة المباشرة والبنوة المباشرة أما إذا كان النسب لا يقصد لذاته ولا تمكن الدعوى به استقلالا ولا يثبت بإقرار المرء به على نفسه لما فيه من تحميل النسب على الغير فإن التناقض لا يغتفر إذ المقصود بالدعوى هو المال أو الحق الآخر الذى يدعى ضمنه ومن ذلك قرابة الجد والأصول وقرابة الأحفاد والأخوة والأعمام وسائر القرابات ومع أن النزاع يتعلق بدعوى العمومة وما يتفرع عنها لا بدعوى أبوه ولا بنوه فقد أغضى الحكم المطعون فيه عن الأحكام الواجبة التطبيق وطبق أحكام اغتفار النسب فى دعوى الأبوة والبنوة بخصوصها. وبعد أن سلك هذه الطريقة المعيبة أخذ يستهين بما جاء فى تحقيق الوفاة والوراثة ويجرده من خصائصه التى نصت عليها المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ويقول أنه مجرد توثيق مع أنه عمل ولائى تتدخل فيه المحكمة وله خصائصه التى لا تفارق خصائص الحكم القضائى وهو العمل الذى يسميه الفقهاء قضاء فعليا للتمييز بينه وبين فصل الخصومات ولم يكن فى حاجة إلى ركوب هذا المسلك لأنه لم يحتج بالاعلام الشرعى على أنه حكم أو شبيه بالحكم ولكن احتج بما ورد فيه من أقوال تناقض أقوال المطعون عليهم فى الدعوى الحالية.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن الأصل فى دعوى النسب - أن ينظر إلى النسب المتنازع فيه فلو كان مما يصح إقرار المدعى عليه به ويثبت باعتباره وليس فيه تحميل النسب على الغير كالأبوة والبنوة تسمع مجردة أو ضمن حق آخر سواء ادعى لنفسه حقا أو لم يدع - ويغتفر فيها التناقض لأن مقصودها الأصلى هو النسب والنسب يغتفر فيه التناقض للخفاء الحاصل فيه ولو كان مما لا يصح إقرار المدعى عليه به ولا يثبت باعترافه وفيه تحميل النسب على الغير كالأخوة والعمومة لا تسمع إلا أن يدعى حقا - من إرث أو نفقة - ويكون هو المقصود الأول فيها ولا يغتفر فيها التناقض لأنه تناقض فى دعوى مال لا فى دعوى نسب ودعوى المال يضرها التناقض ما دام باقيا لم يرتفع ولم يوجد ما يرفعه بإمكان حمل أحد الكلامين على الآخر أو بتصديق الخصم أو بتكذيب الحاكم أو بقول المتناقض تركت الكلام الأول مع إمكان التوفيق بين الكلامين وحمل أحدهما على الآخر. وهو يتحقق متى كان الكلامان قد صدرا من شخص واحد وكان أحد الكلامين فى مجلس القاضى والآخر خارجه ولكن ثبت أمام القاضى حصوله إذ يعتبر الكلامان وكأنهما فى مجلس القاضى وإن كان الثابت من بيانات الحكم المطعون فيه أن الطاعنة دفعت دفع المطعون عليهم بعدم سماع دعواها وطلبت رفضه لأنهم تناقضوا حين ذكروا فى دفعهم نسبا يلتقى بهم منه المتوفاه فى حين أنهم ذكروا نسبا غيره فى إشهاد الوفاة والوراثة الذى صدر بناء على طلبهم بتاريخ 27/ 1/ 1954 فى المادة رقم 628 سنة 1953 وراثات محكمة عابدين الشرعية وبه تحقق لدى قاضى المحكمة وفاة زينب بنت أحمد حسن عبد الله أغا بتاريخ 23/ 9/ 1953 وانحصار إرثها فى أولاد ابن عمها الشقيق محمد عبد الله حسن عبد الله أغا - المطعون عليهم - والنسب الثابت فى هذا الإشهاد يخالف ما جاء فى الدفع من جهتين (الأولى) أنهم قالوا فى الإشهاد أنهم أولاد ابن عم المتوفاة الشقيق وقالوا فى الدفع أنهم أولا ابن ابن عم المتوفاة الشقيق (والثانية) أن ما جاء باشهاد الوراثة يدل على أن والد جدهم ليس اسمه فضل وما جاء بالدفع صريح في أن والد جدهم اسمه فضل ورد الحكم بأن "المنصوص عليه أن التناقض فى النسب معفو عنه لأن النسب محل خفاء يعذر به المتناقض" "وأن التناقض يرتفع بامكان التوفيق شرعا والتوفيق ممكن بين كلامى المستأنفين الوارد أولهما فى إشهاد الوفاة والوراثة والوارد ثانيهما فى دفعهما فإن المتعارف بين الناس جميعا أنهم يقرون أن فلانا قريبهم لأنه ابن عمهم فإذا ذهبت تستقصى منهم تبين لك أنه قد يكون ابن ابن ابن عمهم ولا يكون ذلك محل استنكار كما انك لو سألت شخصا عن نسبه لذكر لك سلسلة فإذا ذهبت تستقصيه اتضح لك أنه ترك أحد آبائه المتوسطين ولا يكون ذلك طعنا فى نسبه عرفا أو مدعاة لتكذيبه وعدم تصديقه فيما ذكره أخيرا ويكون كلا الكلامين صحيحا لإمكان التوفيق بينهما على هذا النحو فالمستأنفون - المطعون عليهم - حين ذكروا باشهاد الوفاة أنهم أولاد ابن عم المتوفاة ساروا على ما هو متعارف بين الناس وصدر إشهاد الوفاة والوراثة على هذا الأساس" "وإشهاد الوفاة والوراثة ليس حكما وإنما هو توثيق كتابى على يد موظف مختص هو القاضى يعتبر حجة كأى توثيق إلى أن يصدر حكم على خلاف ما تضمنه الإشهاد" "فلما سيق المستأنفون ورفعت عليهم الدعوى الماثلة وهى تقضى حكما ملزما لا فكاك منه استقصى منهم دفاعهم ووضح لهم ما كان خافيا من نسبهم فتقدموا بدفعهم على وجه واف والتوفيق بين الكلامين ممكن وبه يرتفع التناقض شرعا بل هم بما ذكروا فى دفعهم قد وفقوا بين الكلامين فعلا حين قالوا إنهم أولاد ابن ابن عم المتوفاة لأنهم أولاد محمد عبد الله فضل عبد الله وأن المتوفاة زينب أحمد عبد الله حسن وأن أحمد والد زينب بن عبد الله حسن أخ شقيق لفضل بن عبد الله" وهى تقريرات موضوعية غير سائغة ومضطربة مبناها وعلى ما أفصح عنه الحكم "التلقين"، ولا تكشف فيها انتهت إليه عن رأى سديد فى رفع التناقض، أهدر بها الحكم حجية الإعلام الشرعى فى حق - المطعون عليهم وما نصت عليه المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن تحقيق الوفاة والوراثة يكون حجة فى خصوص الوفاة والوراثة ما لم يصدر حكم شرعى على خلاف هذا التحقيق - كما رد الحكم بأنه "من ناحية العرف المتعارف عليه بين الناس الآن فإن الشاهد بين كثير من الناس وخاصة عندما استحكم نطاق الحكم التركى أنهم يضيفون إلى أسماء أولادهم اسما آخر. ولما استحكم مجال الاستعمار الغربى ذهب التقليد إلى إضافة اسم الزوج ولقبه لاسم زوجته وبتوالى الزمن واطراد النسل يقتصر فى النسب وتنتهى سلسة النسب عند الأحفاد والأبناء إلى اللقب والاسم المضافين ويجهل هؤلاء الأبناء والأحفاد ما وراء اللقب والاسم المضافين ويضطربون فى ذكره! أفيكون جهلهم بما وراء ذلك من نسبهم واضطرابهم فى ذكره مدعاة لاهدار هذا النسب فتضيع بذلك الحقوق وتستباح الحرمات بدعوى الاضطراب فى النسب والتناقض فيه؟ أم يكون هذا التناقض عفوا لخفاء ذلك النسب؟ طبقا للقاعدة الشرعية التى لا حظ الفقهاء وضعها بهذا النص العام ليستطاع تطبيقها فى كل عصر وأوان ويكون الكلام الأخير لمدعى النسب مسموعا فإن استطاع إثباته بدليل مقنع للمحكمة فذلك وصينت بذلك الحقوق والحرمات وإلا رفضت دعواه" وهذه التقريرات من الحكم غير مقبولة ولا تصلح مسوغا لرفع التناقض فى دعوى النسب لما ينبنى عليها من خلط وتخليط فى الأنساب ولما تنطوى عليه - وعلى ما سبق بيانه - من خطأ ومخالفة لأحكام القانون - ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى الأسباب.


[(1)] نقض 6/ 2/ 1958. الطعن رقم 3 لسنة 27 ق "أحوال شخصية". السنة 9 ص 133 ونقض 19/ 12/ 1957. الطعن رقم 6 لسنة 27 ق "أحوال شخصية". السنة 8 ص 954.
[(2)] نقض 30/ 3/ 1966. الطعن رقم 16 لسنة 34 ق "أحوال شخصية". السنة 17 ص 772.
[(3)] نقض 11/ 3/ 1964. الطعن رقم 45 لسنة 31 ق "أحوال شخصية" السنة 15 ص 340.