أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1530

جلسة 18 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدى، والسيد عبد المنعم الصراف، وعثمان زكريا.

(213)
الطعن رقم 23 لسنة 32 القضائية

( أ ) شفعة. "دعوى الشفعة". "الخصوم فيها". "حجية عقد البيع". إثبات. غير.
اعتبار الشفيع من طبقة الغير بالنسبة لعقد البيع سبب الشفعة. عدم الاحتجاج عليه إلا بالعقد الظاهر. رفع دعوى الشفعة على البائع الظاهر. صحيح.
(ب) شفعة. "دعوى الشفعة". "شرط إيداع الثمن". "ميعاده".
عدم اشتراط فاصل زمنى معين بين إيداع الثمن ورفع دعوى الشفعة.
1 - الشفيع - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفى عقد البيع سبب الشفعة، فلا يحتج إلا بالعقد الظاهر [(1)]. فمتى كان عقد البيع قد أشهر، فلا جناح على الشفيع إن هو رفع دعواه بالشفعة على البائع الظاهر فيه.
2 - لما كان هدف المشرع من شرط إيداع الثمن قبل رفع دعوى الشفعة - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو ضمان الجدية فى طلب الشفعة، دون تحديد فاصل زمنى معين بين الإيداع ورفع الدعوى. وإذ يتحقق هذا الهدف بأسبقية الإيداع أو القبلية على رفع الدعوى. فإن اشتراط حصول الإيداع فى اليوم السابق يعد قيدا آخرا لا يحتمله نص المادة 942/ 2 من القانون المدنى [(2)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل فى أن المطعون ضده الأول رفع الدعوى رقم 203 لسنة 1954 كلى المنيا ضد الطاعنة والمطعون ضده الثانى بطلب الحكم بأحقيته فى أن يأخذ بالشفعة العقار المبيع من المطعون ضده الثانى إلى الطاعنة والبالغ مساحته 289 مترا و75 س مقابل الثمن الحقيقى المدفوع فعلا والملحقات وتسليم هذا العقار إليه. دفعت الطاعنة بسقوط الحق فى الأخذ بالشفعة لثلاثة أسباب أولها تجزئة العقار المبيع والثانى عدم إيداع الثمن قبل رفع الدعوى والثالث نزول المطعون ضده الأول نزولا ضمنيا عن حقه فى الأخذ بالشفعة. وبتاريخ 24 من أكتوبر سنة 1954 حكمت المحكمة الابتدائية برفض الدفعين الأولين وقبل الفصل فى موضوع الدفع الثالث الخاص بالنزول عن حق الشفعة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة هذا النزول الضمنى بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود ولينفى المطعون ضده الأول ذلك بنفس الطرق. وبعد سماع شهود الطرفين حكمت المحكمة بتاريخ 26 من ديسمبر سنة 1954 برفض الدعوى. فاستأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بصحيفة قيدت برقم 128 سنة 72 ق. وفى 10 من مايو سنة 1955 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن المطعون ضده الأول فى هذا الحكم بطريق النقض فى 2 من يوليه سنة 1955، وقيد طعنه برقم 330 سنة 25 ق، وفى 10 من مارس سنة 1960 نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت الدعوى إلى محكمة استئناف القاهرة وأسست قضاءها على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ ذهب إلى استخلاص نزول الشفيع ضمنيا عن حقه فى الشفعة قبل تمام البيع مع أن هذا النزول إن هو إلا تعهد من الشفيع بالامتناع عن استعمال حق الشفعة عند حصول البيع مما يفيد أنه يجب أن يكون صريحا - أما النزول الضمنى عن الشفعة فيفترض فيه حصول البيع ثم صدور عمل أو تصرف من الشفيع بعد ذلك يفيد عدم قيام الرغبة لديه فى استعمال حق الشفعة. وبعد التعجيل قضت محكمة الاستئناف فى 18 من ديسمبر سنة 1961 بإلغاء الحكم المستأنف وبأحقية المستأنف (المطعون ضده الأول) فى أخذ العقار المبيع بالشفعة مع التسليم. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم الأخير بطريق النقض وأبدت النيابة الرأى بطلب رفض الطعن، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعن فقررت بجلسة 15 من مايو سنة 1965 إحالته إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب يتحصل السبب الأول منها فى النعى على الحكم المطعون فيه بالقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة أنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بمذكرتها المقدمة صورتها الرسمية بملف الطعن بأن الشفيع ليس جارا مالكا وأن العقد الذى يستند إليه فى طلب الشفعة لا ينطبق على العقار المشفوع به ولا يفيد أن ملكيته قد استمرت إلى تاريخ الحكم له وأنها طلبت من محكمة الموضوع ندب خبير لتحقيق ذلك، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد فى أسبابه ما يأتى "أنه متى كان الثابت من أوراق الدعوى ومستنداتها أن المستأنف (المطعون ضده الأول) يملك منزلا بعقد مسجل فى 23 من ديسمبر سنة 1923، وأن هذا المنزل يجاور العين المبيعة من الجهة البحرية كما ورد فى عقد مشترى المستأنف عليها الأولى (الطاعنة) وبذلك تكون الشفعة ثابتة له بسبب هذا الجوار - المادة 936 مدنى" ولما كان الحكم قد أثبت أن الشفيع جار ومالك للعقار المشفوع به استنادا إلى ما استظهره من عقد شرائه للعقار المشفوع به المسجل قبل صدور عقد البيع سبب الشفعة ومن إقرار الطاعنة - وهى المشترية - فى عقد شرائها بأن الشفيع يجاور العقار المبيع، وكان هذا الذى استظهره الحكم مستمدا من عناصر ثابتة بالأوراق ويؤدى إلى ما انتهى إليه، فلا على المحكمة إن هى لم تستجب لطلب الطاعنة ندب خبير لتحقيق دفاعها المتضمن أن الشفيع غير مالك إذ أن ما انتهى إليه الحكم من اعتبار الشفيع جارا ومالكا للعقار المشفوع به استنادا إلى الأسباب السائغة المتقدم بيانها يفيد إطراحه للإجراء الذى طلبته الطاعنة وأن المحكمة لم تر حاجة للالتجاء إليه ومن ثم يكون النعى بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثانى القصور فى التسبيب أيضا، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة أنها دفعت أمام محكمة الموضوع بعدم قبول دعوى الشفعة لأن البائع لم يختصم وأسست دفعها هذا على شطرين (الأول) أن البائع الحقيقى هو شركة شل ولم تختصم فى الدعوى. (والثانى) أنه لو كانت البائعة المطرانية فإنها لم تعلن لأن شخص المطران غير الشخصية المعنوية للمطرانية ولم يعلن المطران أو أى شخص طبيعى آخر باعتباره ممثلا لها. وإذ كان إعلان البائع شرطا لقبول دعوى الشفعة فإن دفاع الطاعنة فى هذا الخصوص يعد دفاعا جوهريا، وإذ لم ترد عليه محكمة الموضوع فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد أورد فى أسبابه ما يأتى: "إنه فى خصوص الدفع بسقوط الحق فى الشفعة لعدم اختصام شركة شل لأنها المشترية الأولى والتى قبضت الثمن فعلا فهو قول غير سائغ ولا يمكن الاعتداد به ذلك لأنه ثابت من مطالعة عقد البيع المشهر بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1953 والمرفق بحافظة المشترية المودعة تحت رقم 6 من ملف الدعوى أن التصرف بالبيع قد صدر من المستأنف عليه الثانى... (المطعون ضده الثانى) إلى المستأنف عليها الأولى (الطاعنة) فلا تثريب على الشفيع إذا اختصم البائع الظاهر بالشفعة طالما أنه لم يثبت علمه بالبيع الأول..." وهذا الذى أورده الحكم صحيح ويكفى لحمل قضائه برفض الدفع بسقوط الحق فى الشفعة ذلك أن الشفيع - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لطرفى عقد البيع سبب الشفعة فلا يحتج عليه إلا بالعقد الظاهر، وإذ كان البائع الظاهر فى عقد البيع سبب الشفعة فى الدعوى الراهنة هو المطعون عليه الثانى لا المطرانية ولا شركة شل وكان هذا العقد قد أشهر فى 30 من نوفمبر سنة 1953 فلا جناح على الشفيع إن هو رفع دعواه بالشفعة على هذا البائع الظاهر، ومن ثم يكون النعى على الحكم بالقصور لهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى الاستدلال، وفى بيان ذلك تقول إنها تمسكت أمام محكمة الاستئناف بأن الشفيع لم يودع الثمن قبل رفع الدعوى طبقا لنص القانون بل أودعه فى ذات يوم رفع الدعوى وأن الأسبقية فى الإيداع تحتسب بالأيام، وما دام الإيداع كان فى يوم رفع الدعوى فإنه يكون قد تم فى يوم غير سابق على رفعها، وإذ قبل الحكم المطعون فيه دعوى الشفعة استنادا إلى ما ورد بصحيفة الدعوى من أن إيداع الثمن قد تم قبل رفعها وهو بيان لا يدل على أسبقية الإيداع فإنه يكون قد أخطأ فى القانون وفى الاستدلال.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن المادة 942/ 2 من القانون المدنى تتضمن شرطين (أولهما) أن يودع الشفيع الثمن الحقيقى خزانة المحكمة خلال ثلاثين يوما على الأكثر من تاريخ إعلان الرغبة. (والثانى) ان يكون هذا الإيداع سابقا على رفع الدعوى. ولما كان هدف المشرع من الشرط الثانى - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ضمان الجدية فى طلب الشفعة دون تحديد فاصل زمنى معين بين الإيداع ورفع الدعوى، وإذ يتحقق هذا الهدف بأسبقية الإيداع أو القبلية على رفع الدعوى، فإن اشتراط حصول الإيداع فى اليوم السابق يعد قيدا آخرا لا يحتمله النص - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر وانتهى إلى أن إيداع الثمن قد تم قبل رفع الدعوى إذ أشير إليه فى عريضة افتتاحها، وكان هذا الذى قرره الحكم هو استخلاص موضوعى سائغ فإن النعى على الحكم بمخالفة القانون لهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وشابه القصور فى التسبيب ذلك أنه اعتبر الطاعنة عاجزة عن إثبات تنازل الشفيع صراحة عن حق الشفعة لعدم تقديمها الدليل الكتابى على هذا التنازل مع أنها دفعت أمام محكمة استئناف بأن قواعد الإثبات ليست من النظام العام وأن إثبات التنازل بالبينة قد صدر به حكم بالتحقيق لم يعترض عليه المطعون ضده الأول (الشفيع) قبل سماع الشهود ورتبت الطاعنة على ذلك أن إثبات التنازل عن الشفعة صراحة يكون مقبولا قانونا بالبينة - إلا أن الحكم المطعون فيه استلزم رغم ذلك الدليل الكتابى لإثبات التنازل الصريح عن الشفعة وقضى برفض الدفع بسقوط الحق فى الشفعة للتنازل عنه دون أن يرد على هذا الدفاع الجوهرى الذى أثارته الطاعنة فجاء الحكم فضلا عن مخالفته للقانون مشوبا بالقصور.
وحيث إن ما تثيره الطاعنة فى هذا السبب من أن إثبات التنازل الصريح بالبينة بات مقبولا قانونا بعد أن صدر حكم بالإحالة إلى التحقيق ولم يعترض عليه المطعون ضده الأول قبل سماع الشهود لعدم تعلق قواعد الإثبات بالنظام العام - هو قول عار عن الدليل إذ لم تقدم الطاعنة صورة من ذلك الحكم الذى تقول أنه أجاز إثبات التنازل الصريح بالبينة، كما لم تقدم صورة من محضر التحقيق للوقوف على ما إذا كان الشفيع قد اعترض على إجراء التحقيق فى هذا الخصوص أم ارتضاه، ومن ثم فإن هذا النعى يكون مجردا عن الدليل متعينا رفضه.


[(1)] راجع نقض 30 ديسمبر سنة 1965 مجموعة المكتب الفنى السنة 16 ص 1384.
[(2)] راجع نقض 16 أكتوبر سنة 1961 مجموعة المكتب الفنى السنة 12 ص 619.