أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1536

جلسة 18 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وابراهيم حسن علام، وعثمان زكريا.

(214)
الطعن رقم 37 لسنة 32 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب موضوعية". عقد. بيع.
دلالة إيداع العقد لدى أمين. أثره فى إتمام العقد أو قيام شرط صريح فاسخ. بحث يخالطه واقع. عدم قبول إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب) عقد. "الشرط الفاسخ الصريح". "الشرط الفاسخ الضمنى" محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير أسباب الفسخ". بيع.
الشرط الفاسخ الصريح. أثره. اعتبار العقد مفسوخا بمجرد تحقق الشرط. سلب سلطة محكمة الموضوع التقديرية فى إيقاعه. عدم وجوب صدور حكم بالفسخ. جواز التمسك به فى صورة دفع. الشرط الفاسخ الضمنى. أثره. عدم وقوع الفسخ تلقائيا وعدم وجوبه حتما.
1 - بحث دلالة إيداع عقد البيع لدى أمين وبيان أثر الإيداع فى إتمام عقد البيع أو فى قيام شرط صريح فاسخ يوجب إبقاء العقد عند المودع لديه حتى يسدد ثمن المبيع بالكامل، هو بحث يخالطه واقع، فلا يقبل إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - مؤدى نص المادة 334 من القانون المدنى القديم أنه إذا اتفق الطرفان فى عقد البيع على أن الفسخ يقع فى حالة تأخر المشترى عن دفع الثمن فى الميعاد المتفق عليه بدون حاجة إلى تنبيه رسمى أو إنذار، فإن هذا الشرط الفاسخ الصريح - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - يسلب محكمة الموضوع كل سلطة تقديرية فى هذا الصدد بحيث لا يبقى لاعتبار العقد مفسوخا إلا أن تتحقق فعلا المخالفة التى يترتب عليها الفسخ، فلا يلزم أن يصدر بالفسخ حكم مستقل بناء على دعوى من البائع، بل يجوز للمحكمة أن تقرر أن الفسخ قد حصل بالفعل بناء على دفع من البائع أثناء نظر الدعوى المرفوعة من المشترى. وذلك على خلاف ما إذا كان العقد لا يتضمن إلا شرطا فاسخا ضمنيا. فلهذا الشرط لا يستوجب الفسخ حتما، وبالتالى فإن الفسخ بموجبه لا يقع تلقائيا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 127 سنة 1955 كلى قنا طالبة الحكم بإلزام الطاعن بأن يقدم حسابا عن إدارته للأرض الزراعية المبينة بصحيفة الدعوى، وتعيين خبير زراعى لفحص هذا الحساب وبيان صافى الريع عن المدة من سنة 1941 الزراعية حتى تقديم الحساب، وإلزام الطاعن بأن يدفع لها ما يخصها فى هذا الريع وفوائده بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية. وقالت شرحا لدعواها أنها تملك 37 ف و13 ط و18 س شيوعا فى 105 ف و13 ط و12 س منها 20 ف اشترتها من الطاعن بمقتضى عقد بيع مؤرخ 14/ 11/ 1925، والباقى ومساحته 17 ف و13 ط و18 س آل إليها بالميراث عن والدتها السيدة حسن ملك التى كانت قد اشترته هى الأخرى من الطاعن ضمن مساحة قدرها 35 ف و3 ط و12 س، وإذ وضع الطاعن يده على الأرض كلها وأخذ يستغلها دون أن يقدم لها حسابا عن إدارته لأطيانها منذ عام 1941، فقد أقامت الدعوى الحالية وضمنتها طلباتها المتقدم ذكرها. ودفع الطاعن بأن الأرض موضوع النزاع مملوكة له، وقال فى بيان دفاعه أنه كان قد اشترى عام 1922 مساحة قدرها 105 ف و3 ط و12 س من مصلحة الأملاك الأميرية، واتفق مع المطعون عليها وشقيقتها السيدة ضيفة ووالدتها السيدة حسن ملك على أن تشترى كل من الأختين من هذه الأطيان مساحة قدرها 20 فدانا، وأن تشترى الأم مساحة قدرها 35 ف و3 ط و12 س وأن تدفع كل مشترية حصتها فى دين مصلحة الأملاك، وحررت عقود البيع الثلاثة فى 4/ 11/ 1925 وأودعت لدى الشيخ أحمد حتاته زوج السيدة ضيفة، وقد أصبحت هذه العقود مفسوخة لعدم قيام المشتريات بسداد أقساط مصلحة الأملاك. كما دفع الطاعن بأنه لم يكن وكيلا أو نائبا عن المطعون عليها فى إدارة الأطيان موضوع النزاع وأنه تملكها بالتقادم. وفى 26/ 1/ 1959 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يقدم حسابا مؤيدا بالمستندات عن إيرادات ومصروفات 37 ف و13 ط و18 س شائعة فى الأرض المبينة فى الصحيفة وبيان صافى ريعها ونصيب المطعون عليها فيه اعتبارا من سنة 1941 إلى تاريخ تقديم الحساب. وأقام الطاعن استئنافا عن هذا الحكم قيد برقم 66 سنة 34 ق أسيوط، وفى 26 ديسمبر سنة 1961 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض فى 24 يناير سنة 1962 وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 29/ 5/ 1965 وفيها صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها التى طلبت فيها نقض الحكم، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على خمسة أسباب حاصل السبب الأول منها أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون، ويقول الطاعن فى بيان ذلك أن المطعون عليها وإن استندت فى إثبات ملكيتها للمساحة البالغة 20 ف من 37 ف و13 ط و18 س موضوع النزاع إلى عقد بيع صادر منه، إلا أن هذا العقد لم يسلم إليها بل أودع لدى أمين للطرفين هو الشيخ أحمد حتاته بقصد إبعاده عن متناول يدها وعدم تمكينها من استلام الأرض المبيعة مما يفيد عدم تلاقى إرادتيهما بشأن هذا العقد وانصرافها عن إتمامه، ولا يؤثر فى ذلك أن المطعون عليها تسلمت العقد بعدئذ وقامت بتسجيله لأن التسليم كان من الأمين بالمخالفة لما اتفق عليه. وإذ اعتبر الحكم أن المطعون عليها مالكة لمساحة العشرين فدانا سالفة الذكر استنادا إلى هذا العقد ورتب على ذلك إلزام الطاعن بتقديم حساب عن إدارته لها فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون - ويتحصل السبب الثانى فى النعى على الحكم بمخالفته القانون، ويقول الطاعن فى بيان ذلك أنه بفرض تمام العقد المحرر عن العشرين فدانا، فقد تمسك بأن هذا العقد قد أصبح مفسوخا، غير أن المحكمة رفضت دفاعه بحجة أن العقد لم يتضمن شرطا فاسخا صريحا فى حين أن هذا الشرط كان قائما وقت التعاقد، وأنه وإن لم يدون كتابة فى العقد إلا أنه مستفاد من تسليم العقد لأمين ليظل تحت يده حتى تقوم المطعون عليه بسداد كامل الثمن.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه ومن المذكرتين المقدمتين إلى محكمة الاستئناف والمودع صورة رسمية من كل منهما بملف الطعن أن الطاعن لم يتمسك بإيداع عقد البيع المبرم بينه وبين المطعون عليها عن العشرين فدانا لدى الشيخ أحمد حتاته للاستدلال بهذا الإيداع على عدم إتمام العقد أو على وجود شرط فاسخ صريح بالعقد يتمثل فى وجوب بقائه تحت يد المودع لديه حتى تستوفى مصلحة الأملاك كامل الثمن، ولما كان بحث دلالة الإيداع لدى الشيخ أحمد حتاته - زوج السيدة ضيفه شقيقة المطعون عليها - لعقد البيع الصادر من الطاعن إلى المطعون عليها فى 4/ 11/ 1925 وبيان أثر الإيداع على هذا النحو الذى يثيره الطاعن فى إتمام عقد البيع أو فى قيام شرط صريح فاسخ يوجب إبقاء العقد عند المودع لديه حتى يسدد ثمن الأطيان بالكامل - هو بحث يخالطه واقع، وإذ يثيره الطاعن لأول مرة أمام هذه المحكمة فإن النعى فى سببيه يكون غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال من شقين (الأول) أنه اعتبر حيازة الطاعن حيازة غامضة تأسيسا على أنها تشمل حقوق شركائه على الشيوع فى حين أنه يحوز هذه الأطيان بصفته مالكا لها وحده بالمشترى من مصلحة الأملاك، ولم تتغير صفته هذه لأن علاقته بالمطعون عليها وباقى الشركاء لم تتعد كتابة عقود عن هذه الأطيان أودعت عند أمين، ولا علاقة لذلك بالحيازة، ولم يقدم دليل على تغير صفته فيها. (والثانى) أن الحكم اعتبر أن الطاعن قد وضع يده على نصيب المطعون عليها بصفته وكيلا عنها وكالة ضمنية استخلصها الحكم من قرينة القرابة وذلك رغم ما قدمه الطاعن من أدلة تفيد أن هذه القرابة لم تكن تمنع التعامل بينهما بالكتابة.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائى - الذى أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه إذ أسبغ على حيازة الطاعن للأطيان موضوع النزاع صفة الغموض بما يمنعه من تملكها بالتقادم قد استند فى ذلك إلى أن هذه الأطيان تقع شائعة ضمن الأطيان التى اشتراها الطاعن من مصلحة الأملاك، وأن الطاعن كان حائزا لنصيب المطعون عليها فى هذه الأطيان حيازة عارضة بوصفه وكيلا عنها وكالة ضمنية فى إدارته، ودلل الحكم الابتدائى على قيام الوكالة الضمنية من وجود صلة القرابة التى تربط الطرفين وإقامة المطعون عليها بالقاهرة بعيدة عن الأطيان المشتركة وعدم الاعتراض على إدارة الطاعن لهذه الأطيان، وأضاف الحكم الاستئنافى تدعيما لما انتهى إليه الحكم الابتدائى فى هذا الخصوص بأن هذه الوكالة ثابتة بالمحرر المصدق عليه بمحكمة مصر الابتدائية الشرعية برقم 521 فى سنة 1932 المتضمن توكيل المطعون عليها للطاعن فى إدارة أعمالها وإيجار أملاكها وزراعة أطيانها... وأن الطاعن قبل هذه الوكالة بمجلس العقد، لما كان ذلك وكان ما دلل به الحكم على غموض وضع يد الطاعن ووكالته عن المطعون عليها يقوم على أسباب سائغة مستخلصة من ظروف الدعوى وما قدم فيها من أوراق وتكفى لحمل الحكم فى هذا الخصوص، فإن الجدل فى ذلك أمام هذه المحكمة لا يقبل لتعلقه بما لمحكمة الموضوع من السلطة المطلقة فى الفصل فيه، ومن ثم يكون النعى بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه فى السببين الثالث والرابع الخطأ فى تطبيق القانون بالنسبة لمساحة 17 ف و13 ط و12 س - التى قالت عنها المطعون عليها أنها آلت إليها بالميراث عن والدتها السيدة/ حسن ملك. وفى بيان ذلك يقول الطاعن أنه بموجب سند صادر من مورثة المطعون عليها السيدة/ حسن ملك فى 16/ 11/ 1925 أقرت هذه الأخيرة بمديونيتها للطاعن بمبلغ 770 ج ثمنا للأطيان المبيعة لها منه وتعهدت بموجبه بأن تدفع له من قيمة هذا السند مبلغ 419 ج و550 م والباقى وقدره 350 ج 450 م تقوم بسداده لمصلحة الأملاك - البائعة للطاعن - وورد فى الإقرار أنه إذا لم تقم بهذا الالتزام الأخير وأقامت مصلحة الأملاك دعوى ضد الطاعن بالمطالبة بثمن الأطيان فإن عقد البيع يعتبر مفسوخا دون حاجة إلى تنبيه أو انذار ولا يحق للمشترية الرجوع على البائع بأى شىء، وإذ كان ما تضمنه هذا الاقرار هو شرط فاسخ صريح، وقد تحقق هذا الشرط بعدم سداد مورثة المطعون عليها دين مصلحة الأملاك وإقامة هذه الأخيرة الدعوى بالمطالبة بهذا الدين وصدور حكم فيها ضد الطاعن فى 10/ 1/ 1928 فى الاستئناف رقم 83 سنة 2 ق أسيوط، فانه كان يتعين إعمالا للشرط الفاسخ الصريح اعتبار البيع مفسوخا من تلقاء نفسه منذ هذا التاريخ وعدم اعتبار المورثة مالكه، وبالتالى استحالة أن تؤول المساحة البالغة 17 ف و13 ط و12 س إلى المطعون عليها بالميراث عن والدتها التى لم تكن مالكة لها. وإذ قرر الحكم أن المطعون عليها مالكة لتلك المساحة بالميراث عن والدتها تأسيسا على أن عقد هذه الأخيرة نافذ لم ينفسخ ورتب على ذلك إلزام الطاعن بتقديم حساب عن إدارته للأطيان موضوع هذا العقد فانه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن مؤدى المادة 334 من القانون المدنى القديم الذى يحكم واقعة النزاع أنه إذا اتفق الطرفان فى عقد البيع على أن الفسخ يقع فى حالة تأخر المشترى عن دفع باقى الثمن فى الميعاد المتفق عليه بدون حاجة إلى تنبيه رسمى أو انذار، فان هذا الشرط الفاسخ الصريح - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يسلب محكمة الموضوع كل سلطة تقديرية فى هذا الصدد بحيث لا يبقى لاعتبار العقد مفسوخا إلا أن تتحقق فعلا المخالفة التى يترتب عليها الفسخ، فلا يلزم أن يصدر بالفسخ حكم مستقل بناء على دعوى من البائع، بل يجوز للمحكمة أن تقرر أن الفسخ قد حصل بالفعل بناء على دفع من البائع أثناء نظر الدعوى المرفوعة من المشترى، وذلك على خلاف ما إذا كان العقد لا يتضمن إلا شرطا فاسخا ضمنيا. فهذا الشرط لا يستوجب الفسخ حتما وبالتالى فان الفسخ بموجبه لا يقع تلقائيا، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد قرر "أن الفسخ سواء كان صريحا أو ضمنيا لا يعدو كونه جزاء عند الاخلال بالالتزام ويجب لنفاذه أن يتمسك به من قرر لصالحه طيلة المدة القديم فيها الالتزام" فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ لم يفرق بين شرط الفسخ الصريح وشرط الفسخ الضمنى رغم اختلافهما طبيعة وحكما. ولما كان قد ترتب على هذا الخطأ أن حجب الحكم نفسه عن بحث ما إذا كان ما تضمنه الاقرار المؤرخ 16/ 11/ 1925 يعتبر شرطا فاسخا صريحا أو ضمنيا، وكان هذا البحث على هدى التطبيق الصحيح للقانون مما قد يتغير معه وجه الرأى فى الدعوى فانه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا فى خصوص ما قضى به من إلزام الطاعن بتقديم حساب عن 17 ف و13 ط و12 س التى تقول المطعون عليها أنها آلت إليها بالميراث عن والدتها السيدة حسن ملك.