أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1543

جلسة 18 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة وبحضور السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدى، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.

(215)
الطعن رقم 53 لسنة 32 القضائية

( أ ) نقض. "أسباب الطعن". "أسباب موضوعية". عقد. "شرط الإذعان".
التمسك أمام محكمة النقض لأول مرة بأن الشرط من قبيل شروط الاذعان. عدم جوازه.
(ب) إثبات. "الإثبات بالكتابة". "الاتفاق على ما يخالف قواعد الإثبات".
جواز الاتفاق على اعتبار البيانات التى يقدمها أحد الخصوم حجة على الآخر.
1 - متى كان ما يقوله الطاعن - من أن الشرط الذى قبل بموجبه بيانات الشركة المطعون ضدها كوسيلة للإثبات هو من قبيل شروط الإذعان - هو دفاع خلت الأوراق مما يدل على سبق التمسك به أمام محكمة الموضوع، وإذ كانت محكمة الموضوع هى التى تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا، فإنه لا يجوز للطاعن أن يبدى هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض [(1)].
2 - اعتداد محكمة الموضوع بالبيانات التى قدمتها الشركة المدعية كوسيلة لإثبات المبالغ التى انفقتها على المدعى عليه لا ينطوى على مخالفة لقواعد الإثبات، متى كان المدعى عليه قد قبل سلفا - فى تعهده - اعتبار هذه الأوراق حجة عليه فى الإثبات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الشركة المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 2525 سنة 1959 مدنى كلى القاهرة ضد الطاعن وآخر تطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 3135 ج و363 م، وقالت شرحا لدعواها أنها أوفدت الطاعن فى بعثة لدراسة النسيج بمنشستر بانجلترا واتفقت معه على أن يعمل بالشركة مند سبع سنوات على الأقل بعد عودته من البعثة وبالمرتب الذى تحدده الشركة فإن هو أخل بشرط من الشروط المتفق عليها أو امتنع عن العمل لديها التزم برد جميع ما اتفق عليه مضافا إليه 50 % من قيمته كتعويض، كما اتفق على أن الأوراق التى تقدمها الشركة بخصوص هذه المصروفات تكون حجة عليه دون أى اعتراض منه، غير أن الطاعن بعد أن عاد من بعثته وزاول عمله بالشركة لبضعة شهور انقطع عن الحضور، ثم استقال ولم يذعن للانذار الموجه إليه من الشركة، الأمر الذى من أجله أقامت هذه الدعوى تطلب الحكم بالمبلغ المطالب به فيها وقدره 3135 ج و363 م، منه مبلغ 2090 ج و243 م يمثل مقدار ما انفق على الطاعن بالبعثة ومبلغ 1045 ج و120 م قيمة التعويض المستحق للشركة المطعون عليها. وبتاريخ 25 ديسمبر سنة 1960 قضت محكمة القاهرة الإبتدائية للشركة بطلباتها ضد الطاعن وآخر متضامنين - استأنف المحكوم عليهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 386 سنة 78 ق القاهرة، ومحكمة الإستئناف قضت بتاريخ 31 ديسمبر سنة 1961 بتأييد الحكم المستأنف فى جميع ما قضى به بالنسبة للطاعن ووحده وبإلغائه بالنسبة للشخص الآخر، فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأى برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على أسباب ثلاثة ينعى الطاعن فى أولها بالشق الأول منه إخلال الحكم المطعون فيه بحقه فى الدفاع، ذلك أن محكمة الاستئناف لم تعمل على تصحيح الخطأ الذى وقعت فيه محكمة أول درجة برفضها إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن صور التعسف التى استعملتها الشركة ضده لإكراهه على الاستقالة من خدمتها. وينعى الطاعن فى الشق الثانى من هذا السبب مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون إذ فاته أن الشرط الوارد فى تعهده بقبول البيانات التى تقدمها الشركة كوسيلة لإثبات ما انفقته عليه فى بعثته إنما هو من قبيل شروط الإذعان التى يدخل فى سلطان القاضى استبعادها.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول مردود ذلك أن الطاعن لم يقدم دليلا على أنه طلب من محكمة الموضوع إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما يدعيه من تعسف الشركة معه حتى تضطره إلى الاستقالة، أما ما أثاره الطاعن أمام تلك المحكمة من دفاع بأن ثمة عسف وقع عليه لحمله على ترك العمل فقد رد عليه الحكم بقوله "أن الثابت بالأوراق أن الشركة المستأنف عليها قد قامت من جانبها بالإغداق على المستأنف الأول (الطاعن) من حيث العلاوات والدرجات إذ أنه تعين فى 23/ 3/ 1955 بمرتب شهرى أساسى قدره 20 جنيها بخلاف إعانة غلاء المعيشة وأوفد فى البعثة موضوع الدعوى وعاد منها فى 10/ 8/ 1958 واستمر يعمل بالشركة حتى 7/ 12/ 1958 أى مدة تقل عن أربع سنوات بلغ مرتبه فيها 52 جنيها فضلا عن الترقيات التى حصل عليها إذ تقرر ترقيته إلى الدرجة الثالثة حسب كادر الشركة وذلك اعتبارا من أول يوليه سنة 1958. ومفاد ذلك أن الشركة فتحت المجال أمامه بزيادة مرتبه وزيادة العلاوة الدورية التى تختلف بالزيادة كلما علت الدرجة، ثم استمرت الشركة فى بذل العطاء وأمرت بنقله للعمل كمساعد رئيس أقسام نسيج اعتبارا من 11/ 8/ 1958 ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصدرت أمرا إداريا فى 29/ 8/ 1958 بترقيته إلى الدرجة الثانية وذلك اعتبارا من أول أكتوبر سنة 1958 ثم أصدرت أمرا إداريا فى نفس التاريخ أى 29/ 8/ 1958 بمنحه مبلغ 8 ج و500 م لإبلاغ مرتبه إلى 31 ج و500م بخلاف علاوة الغلاء وذلك اعتبارا من أول أكتوبر سنة 1958 ومن ثم يكون ما ذهب إليه المستأنف الأول من أن الشركة المستأنف عليها لم تنصفه ولم تحقق رغباته قول غير سديد والواقع من الأمر أن المستأنف الأول (الطاعن) لما عاد من الخارج تمرد على الشركة بدون وجه حق فى كتابة الرقيم 2/ 9/ 1958 الذى طلب فيه زيادة راتبه مع سبق تعهده قبل السفر للخارج بالعمل فى المكان وبالأجر الذى تحدده الشركة" - ولما كان هذا الذى أوردته محكمة الموضوع هو قول سائغ يحمل قضاء الحكم فى هذا الخصوص ويؤدى إلى ما انتهى إليه من انتفاء وقوع العسف على الطاعن، فإن النعى على الحكم بهذا الشق يكون على غير أساس. والنعى فى شقه الثانى مردود، ذلك أن ما يقوله الطاعن من أن الشرط الذى قبل بموجبه بيانات الشركة عما تنفقه عليه فى بعثته كوسيلة للإثبات هو من قبيل شرط الإذعان - هو دفاع خلت الأوراق مما يدل على سبق التمسك به أمام محكمة الموضوع، وإذ كانت محكمة الموضوع هى التى تملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا، فانه لا يجوز للطاعن أن يبدى هذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض، ومن ثم يكون النعى فى شقه الثانى غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بأن محكمة أول درجة أخطأت حين أخذت بقول الشركة عن المبالغ التى أنفقتها عليه فى بعثته وقضت لها بالتعويض الذى طلبته دون أن تحقق الضرر الذى ادعته وطلبت من أجله ما يعادل 50% من قيمة المبالغ التى أنفقتها تطبيقا للشرط الوارد فى تعهده، غير أن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع مما يعيب حكمها بالقصور. وأضاف الطاعن أن الأخذ بالمبالغ التى ادعتها الشركة كمصاريف انفقتها عليه واعفاءها من إثبات الضرر الذى ادعته هو تطبيق خاطئ لقواعد الإثبات وتفسير العقود.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه فى خصوص نفقات البعثة التى حكم بها ضده فمردود بأنه يبين من الحكم أنه إذ قضى بالزامه بهذه النفقات وفق البيانات المقدمة من الشركة المطعون ضدها قد استند إلى قوله "إن الشركة قد قدمت كشفين موضحا بكل منهما بيان المبالغ المنصرفة والمحولة إلى المستأنف الأول (الطاعن)، ويبين من أولهما أن جملة المصاريف والمبالغ المحولة إليه فى الخارج فى المدة من 30/ 9/ 1955 إلى 19 يونيه سنة 1956 مبلغ 911 ج و383 م وأن جملة المبالغ المنصرفة والمحولة إليه فى المدة من يوليه سنة 1957 إلى يوليه سنة 1958 مبلغ 1178 ج و859 م فيكون مجموع تلك المبالغ 2090 ج و242 م وهى ليست بمحل طعن من المستأنف الأول (الطاعن)" كما يبين من تدوينات الحكم الابتدائى التى تبناها الحكم المطعون فيه فى هذا الخصوص أنه استند إلى تعهد الطاعن الذى تضمن "اعتبار الأوراق التى تقدمها الشركة بخصوص حساب النفقات حجة عليه بما فيها وبلا اعتراض منه عليها". ولما كان اعتداد محكمة الموضوع بالأوراق التى قدمتها الشركة كوسيلة لاثبات المبالغ التى انفقتها عليه فى بعثته لا ينطوى على مخالفة قواعد الاثبات لقبول الطاعن سلفا فى تعهده اعتبار هذه الأوراق حجة عليه فى الاثبات، وكان الطاعن على ما جاء بالحكم المطعون فيه لم يجادل فى صحة البيانات التى تضمنتها هذه الأوراق، فان منازعته فى قيمة المبالغ التى أنفقت عليه فى بعثته لا تعدو أن تكون منازعة موضوعية لا تجوز اثارتها أمام هذه المحكمة، ويكون نعيه فى هذا الصدد على غير أساس. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم فى شأن التعويض المحكوم به ضده فمردود بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه استند فى ذلك إلى ما قرره "أما عن التعويض وقدره 50 % من المبلغ المذكور حسب إقرار المستأنف الأول (الطاعن) فهو حق للشركة لما لحقها من ضرر نتيجة خطئه إذ أن الشركة قد أوفدته فى بعثة دراسية وأوفت له بكل التزاماتها ولكنه أخل بالتزاماته بغير حق وترك العمل بها دون ما سبب وأن الشركة حينما أنفقت هذه المبالغ كانت تطمع فى الاستفادة من خبرته بعد حصوله على المؤهل الدراسى الذى أوفدته للحصول عليه كما أنها اضطرت إلى إيفاد غيره بدلا منه بعد تركه العمل بها". ولما كان هذا الذى أورده الحكم يفيد أنه حصل وقوع الضرر المترتب على مخالفة الطاعن لتعهده واستند فى ذلك إلى أسباب سائغة تكفى لحمل قضائه بالتعويض المتفق عليه، فإن ما نعاه الطاعن فى هذا الخصوص على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب وفى بيان ذلك يقول إن المحكمة لم تفصح عن علة قضائها للشركة بكامل التعويض مع ما هو ثابت من أن الطاعن قضى فى خدمتها أكثر من ثلث سنة وكان من المتعين والحالة هذه تخفيض التعويض بنسبة هذه الفترة، كما لم تفصح المحكمة عن علة عدم إعفائها الطاعن من ثلث النفقات المطالب بها بعد أن قدم لها الدليل على أن مدة البعثة كانت ثلاث سنوات واختصرها الطاعن إلى سنتين، ولم تخصم المحكمة المصروفات التى أنفقت عليه من والده خلال السنة الأولى من بعثته.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن ما يثيره الطاعن بهذا السبب ينطوى على أوجه دفاع موضوعية خلت أوراق الدعوى مما يدل على سبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع فلا تجوز إثارتها لأول مرة أمام هذه المحكمة.


[(1)] راجع نقض 17 مايو سنة 1966 مجموعة المكتب الفنى السنة 17 ص 1129.