أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1592

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوى، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد أبو حمزه مندور، ومحمد صدقى البشبيشى.

(223)
الطعن رقم 243 لسنة 32 القضائية

( ا ) حكم "إصداره". "أسباب عدم الصلاحية". وكالة. قاض.
الوكالة عن الخصوم كسبب لعدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى هى تلك الوكالة القائمة وقت نظرها.
(ب) التزام "سبب الإلتزام". إثبات. "الإثبات بالبينة فى المواد التجارية". صورية.
ذكر سبب الالتزام فى العقد لا يمنع المدين من إثبات أن هذا السبب غير حقيقى ومعدوم. عدم جواز إثباته بغير الكتابة إذا كان الالتزام مدنيا لمخالفة ما اشتمل عليه دليل كتابى. جواز ذلك الإثبات بكافة الطرق إذا كان الالتزام تجاريا. جواز إثبات ما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابى بغير الكتابة فى المواد التجارية.
1 - الوكالة عن أحد الخصوم التى تجعل القاضى غير صالح لنظر دعواه ممنوعا من سماعها هى تلك الوكالة القائمة وقت نظر تلك الدعوى. فإذا كانت الوكالة قد انقضت قبل هذا الوقت فإنها لا تمنع القاضى من نظر الدعوى.
2 - ذكر سبب الالتزام فى العقد لا يمنع المدين من إثبات أن هذا السبب غير حقيقى وأن الإلتزام فى الواقع معدوم السبب ولئن كان هذا الإدعاء لا يجوز إثباته بغير الكتابة إذا كان الالتزام مدنيا لأنه ادعاء بما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابى إلا أن إثباته يكون جائزا بطرق الإثبات كافة إذا كان الالتزام تجاريا على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض من جواز إثبات ما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابى بغير الكتابة فى المواد التجارية ومن ثم فإذا صح ما تمسك به الطاعن (المدين) من أن التزامه تجارى فإن الحكم المطعون فيه، إذ أقام قضاءه برفض طلب الطاعن تمكينه من إثبات انعدام سبب التزامه بغير الكتابة على أن سبب الدين قد ذكر صراحة فى السند وأن هذا يعتبر إقرارا من المدين بوجود ذلك السبب وبصحته، يكون قد خالف القانون لما ينطوى عليه من مصادرة لحق الطاعن فى نقض ما هو مذكور فى السند بطريق الإثبات كافة كما أن إغفاله بحث دفاع الطاعن المتضمن أن الالتزام تجارى قد أعجز محكمة النقض عن التحقق من صحة تطبيقه للقانون [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - فى أن المرحوم عبد المجيد الرشيدى مورث المطعون ضدهم الثلاثة الأول استصدر من محكمة دمياط الابتدائية أمر أداء يقضى بإلزام الطاعن والمطعون ضده الأخير بأن يؤديا إليه متضامنين مبلغ 750 ج والمصروفات استنادا إلى أن هذا المبلغ هو الباقى من قيمة السند المؤرخ 25/ 3/ 1957 والذى تضمن تعهدهما متضامنين بأن يدفعا له وقت الطلب مبلغ 950 ج وذكر فيه أن القيمة وصلت نقدية ودفعت لبنك مصر وبنك التسليف. وقد عارض المدينان - الطاعن والمطعون ضده الأخير - فى هذا الأمر، وقيدت معارضتهما برقم 103 لسنة 1958 كلى دمياط. ومحكمة دمياط الابتدائية قضت بتاريخ 22/ 1/ 1959 برفض هذه المعارضة، فاستأنفا ذلك الحكم بالاستئناف المقيد برقم 76 لسنة 11 ق أمام محكمة استئناف المنصورة، وطلبا إلغاء الحكم المستأنف وإلغاء أمر الأداء تأسيسا على أنه وإن ذكر فى السند أن قيمته دفعت نقدا إلى بنكى مصر والتسليف إلا أن الدائن لم يودع شيئا من هذه القيمة لحسابهما فى البنكين المذكورين مما يجعل التزامهما معدوم السبب، وطلب المستأنفان من محكمة الاستئناف إلزام ورثة الدائن بتقديم ما لديهم من أوراق مثبتة لإيداع المبلغ فى البنكين لحسابهما كما طلبا التصريح لهما بإدخال فرع بنك مصر بالمنصورة وفرع بنك التسليف بفارسكور ليقدما ما يفيد ذلك الإيداع. ومحكمة استئناف المنصورة رفضت هذين الطلبين وقضت بتاريخ 7/ 4/ 1962 برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض بتقرير مؤرخ 6/ 5/ 1962 وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها السابق.
وحيث إن حاصل السبب الأول هو أن الحكم المطعون فيه قد لحقه البطلان لإقامته على إجراءات باطلة. وفى بيان ذلك يقول الطاعن أن المستشار..... عضو الهيئة الاستئنافية التى نظرت الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه كان وكيلا للدائن المرحوم عبد المجيد الرشيدى بمقتضى التوكيل رقم 241 لسنة 1945 فارسكور وذلك حسبما هو ثابت من الصورة الرسمية لمحضر جلسة الدعوى رقم 5 لسنة 1949 مدنى فارسكور المودعة من الطاعن ملف الطعن إذ حضر السيد المستشار - حينما كان محاميا - عن الدائن فى تلك القضية. هذا إلى قيام علاقة مصاهرة لا تجاوز الدرجة الرابعة بين السيد المستشار وبين مورث المطعون ضدهم الثلاثة الأول، ذلك أن السيد/ محمود الرشيدى وهو ابن عم المورث زوج لأخت السيد المستشار وذلك حسبما هو ثابت من الصورة الرسمية لوثيقة الزواج المقدمة من الطاعن ومن ثم فقد كان السيد المستشار غير صالح لنظر الدعوى ممنوعا من سماعها، كما تقضى بذلك المادة 313 من قانون المرافعات وهذا السبب يتعلق بالنظام العام ويجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا السبب مردود فى شقه الأول بأن الوكالة عن أحد الخصوم التى تجعل القاضى غير صالح لنظره دعواه ممنوعا من سماعها هى تلك الوكالة القائمة وقت نظر الدعوى. فإذا كانت الوكالة قد انقضت قبل هذا الوقت فإنها لا تمنع القاضى من نظر الدعوى والسبب مردود فى شقه الثانى بأنه بفرض التسليم جدلا بوجود علاقة المصاهرة التى يدعى الطاعن قيامها بين الدائن وبين السيد المستشار..... فإن هذه المصاهرة تجاوز الدرجة الرابعة إلى الدرجة السادسة وبالتالى فإنها لا تمنعه من نظر الدعوى إذ يشترط فى المصاهرة الموجبة لعدم الصلاحية طبقا للمادة 313 من قانون المرافعات ألا تجاوز الدرجة الرابعة.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن فى السبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور فى التسبيب. وفى بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بانعدام سبب التزامه بالدين المطالب به على أساس أن ما ذكر فى سند الدين من أن قيمته دفعت نقدا لبنك مصر وبنك التسليف يخالف الحقيقة إذ أن الدائن بعد أن تعهد بإيداع هذا المبلغ فى البنكين المذكورين لحساب الطاعن والمطعون ضده الأخير كتأمين لعملية تجارية كانا قد اتفقا معه على المشاركة فيها وحررا له السند اعتمادا على أنه سيفى بتعهده عاد ونكل وأودع المبلغ لحسابه هو واستقل بتلك العملية وبعد انتهائها استرد المبلغ. وطلب الطاعن من محكمة الاستئناف استجلاء واقعة عدم إيداع قيمة السند لحسابه أو لحساب المطعون ضده الأخير بالاستجواب أو بأى طريق آخر من طرق الإثبات كما طلب التصريح له بادخال فرع بنك مصر بالمنصورة وفرع بنك التسليف بفارسكور لإثبات صحة دفاعه، واستند الطاعن فى جواز نقض الثابت فى السند بغير الكتابة إلى أن المادة تجارية - وقد رفضت المحكمة الابتدائية إجابته إلى طلباته مستلزمه الدليل الكتابى لإثبات صورية سبب الالتزام المذكور فى السند وجارتها فى ذلك محكمة الاستئناف وقالت فى حكمها المطعون فيه أنه ما دام قد ذكر فى السند أن قيمته دفعت نقدا للبنكين فإن ذلك يعد إقرارا من الطاعن بدفع القيمة فعلا لحسابه ولا يمكنه التحلل من هذا الإقرار، كما أسندت المحكمة إلى الطاعن على خلاف الواقع أنه اضطرب فى دفاعه ورفضت طلبه التصريح له بادخال فرعى البنكين تأسيسا على قولها بأنه لا دليل على أن هذين الفرعين هما اللذان أودع فيهما الدائن قيمة السند. ويرى الطاعن أن هذا الذى قرره الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه بإلزامه بقيمة السند ينطوى على مخالفة للقانون وقصور فى التسبيب ذلك أن ورود عبارة أن القيمة دفعت للبنكين بصيغة الماضى لا يحول دون إثبات عدم دفع هذه القيمة أى انعدام سبب الالتزام بكافة طرق الاثبات ما دام هذا الالتزام تجاريا ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ رفض التصريح له باثبات انعدام سبب التزامه إعتمادا على القول بورود هذا السبب صراحة فى السند قد خالف القانون كما أنه قد شابه القصور فى رده على طلب الطاعن إدخال فرعى البنكين اللذين طلب التصريح له بإدخالهما إذ أن ورثة الدائن - المطعون ضدهم الثلاثة الأول - لم يدعوا أن الإيداع قد تم فى غير هذين الفرعين ولقد أراد الطاعن من إدخالهما إثبات دفاعه بأن الدائن كان قد أودع لديهما قيمة السند لحسابه هو لا لحساب الطاعن وأنه استرد هذا المبلغ بعد انتهاء العملية التى أودع المبلغ تأمينا لها وما كان يجوز للمحكمة أن تمنعه من هذا الإثبات ما دام جائزا.
وحيث إن هذا النعى صحيح ذلك أنه يبين من الصورة الرسمية لمذكرة الطاعن الختامية المقدمة إلى محكمة الاستئناف ومن تقريرات الحكم المطعون فيه أن الطاعن دفع بانعدام سبب التزامه بالدين على أساس أن ما ذكر فى السند من أن القيمة دفعت من الدائن نقدا إلى بنك مصر وبنك التسليف يخالف الحقيقة إذ أن الدائن بعد أن اتفق مع الطاعن على أن يودع لحسابه هذا المبلغ فى البنكين وحصل على السند بالصيغة التى حرر بها اعتمادا على الوفاء بتعهده نكل وأودع المبلغ لحسابه هو تأمينا لعملية تجارية استقل بها وبعد انتهائها استرده من البنكين ولما كان يبين من تقريرات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك بأن السند حرر لضمان عمليات تجارية - وهو ما يندرج تحته الإدعاء بتجارية الالتزام المطالب به - وبنى على ذلك جواز إثبات واقعة عدم قيام الدائن بايداع قيمة السند لحساب الطاعن فى البنكين على خلاف الثابت فى السند - بطرق الإثبات كافة وعلى هذا الأساس طلب الطاعن التصريح به بإدخال بنك مصر فرع المنصورة وبنك التسليف فرع فارسكور لإثبات أن إيداع الطاعن قيمة السند كان لحسابه هو لا لحساب الطاعن وكان الحكم المطعون فيه قد رفض تمكين الطاعن من إثبات انعدام سبب التزامه تأسيسا على ما قاله الحكم من "أن السند صريح فى أن قيمته وصلت نقدية دفعت لبنك مصر وبنك التسليف وهذا إقرار من المستأنفين - الطاعن وضامنه المطعون ضده الأخير - بدفع القيمة فعلا ولو كان الأمر كما يدعيان لذكرا أن القيمة تدفع لهذين البنكين حتى يمكن أن ينصرف المعنى إلى التفسير الذى يقولان به ويكون ادعاؤهما عدم دفع قيمة السند لحسابهما إلى البنكين المذكورين ادعاء غير صحيح" وأضاف الحكم إلى ذلك قوله "أن المستأنفين قد اضطربا فى دفاعهما فزعما أولا بصورية السند وأنه حرر لضمان عمليات تجارية ثم ادعيا أنه حرر بصفة تأمين لعملية ضرب أرز التموين وأن التأمين أودع بنك مصر وبنك التسليف باسم مورث المستأنف عليهم وطالبا المستأنف عليهم بتقديم الدليل على أن مورثهم دفع المبلغ بإسمهما مع أن السند صريح فى أن المبلغ دفع فعلا لهذين البنكين". ورد الحكم على طلب الطاعن التصريح له بإدخال فرع بنك مصر بالمنصوره وفرع بنك التسليف بفارسكور بأنه "لا دليل فى الأوراق على أن هذين الفرعين بالذات هما اللذان أودع بهما المبلغ الوارد بالسند وقد خلا السند من الإشارة إليهما وهو صريح فى أن المبلغ دفع فعلا وأقر المستأنف ذلك بتوقيعهما عليه". ولما كان ذكر سبب الالتزام فى العقد لا يمنع المدين من إثبات أن هذا السبب غير حقيقى وأن الالتزام فى الواقع معدوم السبب ولئن كان هذا الادعاء لا يجوز إثباته بغير الكتابة إذا كان الالتزام مدنيا لانه ادعاء بما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابى إلا أن إثباته يكون جائزا بطرق الإثبات كافة إذا كان الالتزام تجاريا وذلك وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من جواز إثبات ما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابى بغير الكتابة فى المواد التجارية ومن ثم فإنه لو صح ما تمسك به الطاعن من أن التزامه تجارى فإن تأسيس الحكم المطعون فيه قضاءه برفض طلب الطاعن تمكينه من إثبات انعدام سبب التزامه بغير الكتابة على أن سبب الدين قد ذكر صراحة فى السند وأن هذا يعتبر إقرارا من الطاعن المدين بوجود ذلك السبب وبصحته - هذا التأسيس يكون مخالفا للقانون لما ينطوى عليه من مصادرة لحق الطاعن فى نقض ما هو مذكور فى السند بطرق الإثبات كافة - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أغفل بحث دفاع الطاعن المتضمن أن الالتزام تجارى فإنه بذلك قد أعجز محكمة النقض عن التحقق من صحة تطبيقه للقانون، أما استناد الحكم إلى اضطراب الطاعن فى دفاعه فإنه غير صحيح ويخالف الثابت فى الأوراق ذلك أن دفاع الطاعن - على ما يبين من صحيفة معارضته فى أمر الأداء المقدمة بملف الطعن - استقر منذ البداية على أن سبب التزامه معدوم لأن الدائن كان قد تعهد له بإيداع قيمة السند لحسابه بصفة تأمين لعملية اتجار فى الأرز ولكنه - أى الدائن - نكل عن تعهده بعد حصوله على السند وأودع المبلغ لحسابه هو تأمينا لتلك العملية التى استقل بها ثم استرد المبلغ بعد انتهائها، والطاعن حين ادعى أمام المحكمة الابتدائية بصورية السند بنى هذه الصورية على أن الدائن لم يودع قيمة السند لحسابه فى البنكين خلافا لما ذكر فى السند بما يكون معه التزامه معدوم السبب - كذلك فإنه لما كان الطاعن قد قصد من إدخال فرع بنك مصر بالمنصورة وفرع بنك التسليف بفارسكور أن يثبت ما ادعاه من أن الدائن - مورث المطعون ضدهم الثلاثة الأول - قد أودع قيمة السند لديهما لحسابه هو وليس لحساب الطاعن وأن الدائن استرد المبلغ بعد ذلك الأمر الذى يجعل التزام الطاعن معدوم السبب وكان المطعون ضدهم المذكورون لم يدعوا أن مورثهم أودع قيمة السند لحساب الطاعن فى غير هذين الفرعين وقد ورد ذكر بنك مصر وبنك التسليف فى السند فإن الحكم المطعون فيه إذ استند فى رفض طلب الطاعن التصريح له بإدخال فرعى البنكين المذكورين إلى مجرد عدم الإشارة إليهما بالذات فى سند الدين وإلى أن هذا السند صريح فى أن قيمته قد دفعت فعلا فإنه يكون قد استند إلى أسباب غير سائغة ليس من شأنها أن تبرر رفض ذلك الطلب.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وشابه القصور بما يستوجب نقضه.


[(1)] راجع نقض 16 مايو سنة 1957 بمجموعة المكتب الفنى س 8 ص 479 ونقض 31/ 5/ 1962 س 13 ص 754.