أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1688

جلسة 15 من نوفمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صادق الرشيدى، وأمين قتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف، وابراهيم حسن علام.

(239)
الطعن رقم 163 لسنة 32 القضائية

( ا ) التزام. "انقضاء الالتزام". "الوفاء". "العرض والإيداع". وفاء. عرض وإيداع. بيع. "التزامات المشترى". "الوفاء بالثمن". "دعوى صحة ونفاذ عقد البيع".
تعليق دفع باقى الثمن على توقيع البائع على عقد البيع النهائى. امتناع البائع عن التوقيع. لجوء المشترى لدعوى صحة ونفاذ العقد. جواز إيداع الثمن عرضه على المشترى. المادة 338 مدنى.
(ب) بيع. "التزامات المشترى". "الوفاء بالثمن". "دعوى صحة ونفاذ عقد البيع". التزام. "انقضاء الالتزام". "الوفاء". "العرض والإيداع". وفاء. عرض وإيداع.
تعليق دفع باقى الثمن على توقيع البائع على عقد البيع النهائى. إيداع المشترى الثمن مع اشتراط عدم صرفه للبائع إلا بعد الحكم نهائيا بصحة ونفاذ العقد. صحيح.
(ج) عقد. "فسخ العقد". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير مبررات الفسخ".
لمحكمة الموضوع سلطة تحديد الجانب المقصر فى العقد وتقدير مبررات الفسخ.
(د) عقد. "تنفيذ العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير حسن النية".
لمحكمة الموضوع سلطة تقدير حسن النية فى تنفيذ العقد.
1 - مؤدى نص المادة 338 من القانون المدنى أن للمدين الوفاء بدينه عن طريق إيداعه مباشرة دون عرضه على الدائن إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك. فمتى كان الحكم قد أقام قضاءه بصحة إيداع الثمن دون أن يسبقه عرض حقيقى على ما قرره من أن البائع أقام دعواه بفسخ عقد البيع قبل رفع المشترى لدعواه بصحته ونفاذه، وأن التزام المشترى بدفع باقى الثمن معلق على التوقيع على العقد النهائى، وقد امتنع البائع عن التوقيع عليه، فلم يكن له حق فى استيفاء الثمن حتى يعرضه المشترى عليه. وخلص الحكم من ذلك إلى هذين السببين جديان ويبرران هذا الإجراء طبقا للمادة 338 من القانون المدنى. فإن هذا الذى ذكره الحكم فى تبرير قيام المشترى بإيداع باقى الثمن مباشر دون عرضه على البائع هو قول يؤدى إلى ما انتهى إليه من اعتبار الإيداع صحيحا.
2 - الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع يقوم مقام التوقيع أمام الموثق على عقد البيع النهائى ويحل محله فى التسجيل. فإذا كان وفاء باقى الثمن معلق على التوقيع على العقد النهائى، فإن اشتراط المشترى ألا يصرف للبائع باقى الثمن الذى أودعه خزانة المحكمة إلا بعد صدور حكم نهائى بصحة ونفاذ ذلك العقد هو اشتراط صحيح.
3 - تحصيل فهم الواقع فى الدعوى وتقدير مبررات الفسخ وتحديد الجانب المقصر فى العقد كل ذلك مما يخضع لسلطان محكمة الموضوع وحدها.
4 - بحث حسن النية فى تنفيذ العقد من مسائل الواقع التى لمحكمة الموضوع الحق المطلق فى تقديرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون ضدها الأولى أقامت ضد الطاعن الدعوى رقم 2150 مدنى كلى القاهرة طلبت فيها الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائى الصادر لها من الطاعن فى سنة 1957 ببيع قطعة أرض مساحتها 578.5 مترا مربعا مبينة بالعقد بثمن قدره 2892 ج و500 م وذلك فى مواجهة المطعون ضدها الثانية التى تلقى الطاعن حقه عنها، وقالت شرحا لدعواها أن الطاعن باع لها هذه الأرض مقابل الثمن السالف الإشارة إليه وأنها دفعت عند التوقيع على العقد الابتدائى مبلغ ألف جنيه من الثمن أما الباقى فقد تعهدت فى العقد بسداده على دفعات شهرية قيمة كل منها مائة جنيه تبدأ من تاريخ توقيع العقد النهائى الذى حددت له مدة شهرين من تاريخ استلام المشترية من البائع كافة الأوراق المطلوبة لإجراء الشهر العقارى وأن البائع أقر فى العقد بأن الأرض المبيعة خالية من كافة الحقوق العينية ما عدا الرهن الموقع عليها لصالح والده المرحوم محمد سليمان أحمد والذى تعهد البائع عن نفسه وبصفته وكيلا عن ورثة والده بشطبه بعد سداد الدين المضمون به وتسليم الأرض المبيعة مطهرة منه خلال المدة المحددة للتوقيع على العقد النهائى، إلا أن البائع تخلف عن تنفيذ ما تعهد به من شطب الرهن ولم يستجب لطلب التوقيع على العقد النهائى الذى وجهته إليه بالطريق الرسمى، الأمر الذى من أجله أثبتت تخلفه عن الحضور وأقامت دعواها بالطلبات السابق الإشارة إليها - كما أقام الطاعن من جانبه الدعوى رقم 2202 لسنة 1959 مدنى كلى القاهرة على المطعون ضدها الأولى وفى مواجهة المطعون ضدها الثانية وطلب الحكم بفسخ عقد البيع آنف الذكر واعتبار المبلغ المدفوع من المشترية وقدره ألف جنيه حقا خالصا له استنادا إلى أن المشترية لم تقم بإجراء شهر العقد فى الميعاد المتفق عليه ولم تف من باقى الثمن المحدد فى العقد إلا بمبلغ مائتى جنيه. وقررت محكمة أول درجة ضم الدعويين وقضت بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1960 فى الدعوى رقم 2150 لسنة 1959 كلى القاهرة برفضها وفى الدعوى رقم 2202 سنة 1959 كلى القاهرة بفسخ عقد البيع المؤرخ فى سنة 1957 والصادر من الطاعن إلى المطعون ضدها الأول والمتضمن بيع الأرض الموضحة بصحيفة الدعوى. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 156 سنة 78 ق، كما استأنفه الطاعن بالنسبة لما لم يقض له به من اعتبار مبلغ الألف جنيه المدفوع من المطعون ضدها الأولى حقا له وقيد استئنافه برقم 500 سنة 78 ق - وقررت محكمة الاستئناف ضم الاستئنافين وقضت فى 25/ 2/ 1962 بإلغاء الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2150 سنة 1959 كلى القاهرة وبصحة ونفاذ العقد المؤرخ فى ديسمبر سنة 1957 والمتضمن بيع الطاعن إلى المطعون ضدها الأولى قطعة الأرض المبينة بصحيفة الدعوى وذلك فى مواجهة المطعون ضدها الثانية وبإلغاء الحكم الصادر فى الدعوى رقم 2202 لسنة 1959 كلى القاهرة وبرفضها. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن وفى الجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على أسباب أربعة ينعى الطاعن بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم إذ قضى بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر منه إلى المشترية قد استند إلى أن هذه الأخيرة أودعت باقى الثمن إيداعا صحيحا وأن تعليقها صرف الثمن على صدور حكم نهائى بصحة ونفاذ العقد هو تعليق صحيح قولا منه بأن صدور حكم بهذا الوصف يقوم مقام التوقيع على عقد البيع النهائى، هذا فى حين أن إيداع الثمن من جانب المشترية إيداع باطل لأنه لم يسبقه عرض حقيقى ولم تستوف بشأنه الشروط المقررة بالمادة 338 من القانون المدنى، كما أن ما قاله الحكم من أن صدور حكم نهائى بصحة ونفاذ العقد يقوم مقام عقد البيع النهائى بصدد تعليق صرف الثمن المودع - هو قول فيه خلط بين أمرين يختلف كل منهما عن الآخر.
وحيث إن هذا النعى مردود فى شقه الأول بأن مؤدى نص المادة 338 من القانون المدنى أن للمدين الوفاء بدينه عن طريق إيداعه مباشرة دون عرضه على الدائن إذا كانت هناك أسباب جدية تبرر ذلك - ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه بصحة إيداع الثمن دون أن يسبقه عرض حقيقى على ما قرره من أن البائع أقام دعواه بفسخ عقد البيع قبل رفع المشترية لدعواها بصحته ونفاذه وأن التزام المشترية بدفع باقى الثمن معلق على التوقيع على العقد النهائى، وقد امتنع البائع عن التوقيع عليه فلم يكن له حق فى استيفاء الثمن حتى تعرضه المشترية عليه، وخلص الحكم من ذلك إلى أن هذين السببين جديان ويبرران هذا الإجراء طبقا للمادة 338 من القانون المدنى. وإذ كان هذا الذى ذكره الحكم فى تبرير قيام المطعون ضدها الأولى (المشترية) بإيداع باقى الثمن مباشر دون عرضه على البائع هو قول يؤدى إلى ما انتهى إليه من اعتبار الإيداع صحيحا، فإن النعى بمخالفة القانون فى هذا الخصوص يكون على غير أساس. والنعى مردود فى شقه الثانى بأنه لما كان من المقرر على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع يقوم مقام التوقيع أمام الموثق على عقد البيع النهائى ويحل محله فى التسجيل، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن وفاء باقى الثمن معلق فى عقد البيع الابتدائى موضوع الدعوى الحالية على التوقيع على العقد النهائى، فإن ما قرره الحكم من أن اشتراط المشترية ألا يصرف للبائع باقى الثمن الذى أودعته خزانة المحكمة إلا بعد صدور حكم نهائى بصحة ونفاذ ذلك العقد هو اشتراط صحيح - هذا التقرير من الحكم لا مخالفة فيه للقانون ومن ثم فإن النعى بهذا الشق يكون أيضا على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثانى والرابع على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون، وفى بيان ذلك يقول أن الحكم رفض دعواه بفسخ عقد البيع استنادا إلى أنه قصر فى التزامه بشطب حق الرهن الذى تعهد بشطبه بينما الثابت أن الرهن المدعى به لم يكن له وجود فى سجلات مصلحة الشهر العقارى على العين موضوع التعاقد وفقا للشهادة العقارية المقدمة فى الدعوى. وبالرغم من أن المشترية هى التى قصرت من جانبها بعدم سدادها باقى الثمن وشهر العقد فى الميعاد فإن الحكم اعتبر الطاعن هو المقصر فى الوفاء بإلتزامه.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه قد أورد فى أسبابه "أن الثابت من الأوراق أن البائع تعهد عن نفسه وبصفته وكيلا عن باقى ورثه والده بشطب الرهن الذى أقر بأن العقار المبيع محمل به" واتفق مع المشترية على إدماج هذا الإجراء بعقد البيع ولم يقدم الدليل الذى طلبته مأمورية الشهر العقارى لإمكان السير فى هذا الإجراء كما ظهر أن التوكيل الذى قدمه لا يبيح له التوقيع نيابة عن باقى الورثة الأمر الذى ترتب عليه وقف الطلبين الأول والثانى كما سبق البيان فيكون البائع مسئولا عن تأخير تحرير العقد النهائى بفعله. ولا يرد على ذلك بأن الشهادة العقارية التى استخرجها بتاريخ 26/ 10/ 1959 جاءت خالية من وجود هذا الرهن على العقار المبيع ذلك لأنه هو الذى أقر فى عقد البيع بوجود الرهن وتعهد بشطبه واتفق مع المشترية على تقديم طلب البيانات المساحية ليقرر بشطبه عن نفسه وباقى ورثة والده وقد أوقفت مأمورية الشهر العقارى الطلبين المقدمين من المشترية لتحرير عقد البيع النهائى لا لسبب إلا لأن المستندات المقدمة لشطب الرهن - الذى تعهد البائع بالقيام به عن نفسه وعن باقى ورثة والده غير مستوفاة وبالتالى يكون التأخير فى تحرير عقد البيع النهائى راجعا إلى فعله. وما أقر به فى عقد البيع من وجود رهن على المبيع وإن ظهر فى 26/ 10/ 1959 فقط أن هذا الرهن غير موجود لعدم تجديد قيده ولا مسئولية فى ذلك على المشترية التى بذلت كل ما فى وسعها لإنهاء عقد البيع النهائى كما هو ظاهر من البيان السابق توضيحه". ولما كان هذا الذى قرره الحكم لا مخالفة فيه للقانون إذ أن تحصيل فهم الواقع فى الدعوى وتقدير مبررات الفسخ وتحديد الجانب المقصر فى العقد كل ذلك مما يخضع لسلطان محكمة الموضوع وحدها. وإذ استندت تلك المحكمة فيها انتهت إليه - من اعتبار الطاعن هو المتسبب فى تأخير تحرير العقد النهائى - إلى أسباب سائغة ومقبولة على النحو المتقدم فإن النعى بسببيه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث من أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ أباح للمطعون ضدها الأولى
(المشترية) التمسك بما جاء بالعقد من التزام البائع بشطب رهن ثبت عدم وجوده، ذلك أن المادتين 124/ 1، 148/ 1 من القانون المدنى إذ توجبان تنفيذ العقد وفقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق وحسن النية - فإن تمسك المشترية بخطأ ورد فى عقد البيع يتضمن وجود رهن على العقار المبيع إليها بعد أن تبينت عدم وجوده يحمل سوء النية والتقصير من جانبها فى تنفيذ التزامها بسداد باقى الثمن فى الميعاد مما كان يتعين معه إجابة الطاعن لطلب الفسخ.
وحيث إن هذا النعى مردود بما جاء بالرد على السببين الثانى والرابع من أسباب الطعن من أن تقدير مبررات الفسخ من إطلاقات قاضى الموضوع. ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن المشترية قد بذلت ما فى وسعها لإتمام العقد النهائى وأن تقصير البائع هو الذى حال وحده دون إتمام العقد، وكان بحث حسن النية من مسائل الواقع التى لمحكمة الموضوع الحق المطلق فى تقديرها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الفسخ على الأسباب السائغة التى سلف بيانها فإن النعى بهذا السبب يكون على غير أساس ويكون الطعن برمته متعين الرفض.