مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1986 إلى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1201

(165)
جلسة 1 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد المهدي مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر وعادل محمود فرغلي المستشارين.

الطعن رقم 2202 لسنة 30 القضائية

استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة - اختصاص الهيئة العامة للاستثمار.
القانون رقم 65 لسنة 1971 بشأن استثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة والقانون رقم 43 لسنة 1974 ولائحته التنفيذية.
يبين من استعراض التطور التشريعي للقوانين الخاصة باستثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة أن هذه القوانين تتفق من حيث الهدف وتختلف من حيث الوسائل التي تضمن تحقيق هذا الهدف - تهدف هذه القوانين إلى تحقيق رغبة الشارع المصري في تشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية على الاستثمار داخل الأراضي المصرية وتوفير العديد من المزايا والضمانات لهذه الأموال تشجيعاً لها على الإسهام في إنعاش الاقتصاد القومي - لم تنتهج هذه القوانين مسلكاً واحداً في تحديد هذا الهدف - القانون رقم 43 لسنة 1974 ولائحته التنفيذية واكب ظهور عصر الانفتاح الاقتصادي فحدد الضمانات اللازمة للمشروعات الاستثمارية ومدى سلطة الدولة في وضع القيود اللازمة عليها حماية للاقتصاد الوطني وحدد المشرع الإجراءات الخاصة بتقديم طلبات الاستثمار والشروط والبيانات الواجب توافرها وتقديمها إلى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار حتى تصدر موافقتها على المشروع - أثر ذلك: - إذا لم يقم المستثمر باتخاذ خطوات خلال ستة أشهر من صدور الموافقة تعتبر هذه الموافقة كأن لم تكن - القانون رقم 65 لسنة 1971 كان يتفق في مسلكه مع الفهم القائم وقت صدوره وهو سيطرة الدولة على كافة مرافقها بحسبان أن ذلك هو الأصل العام لتحقيق سيادة الدولة على إقليمها تشريعاً وتنفيذاً وقضاء - أثر ذلك: - مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار في ظل العمل بالقانون رقم 65 لسنة 1971 هو السلطة المهيمنة على تصريف شئونها ووضع السياسة العامة التي تسير عليها واتخاذ كافة القرارات المتعلقة بالمستثمرين - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 6/ 6/ 1984 أودع الأستاذ يحيى أبو العز المحامي نيابة عن مؤسسة تنمية الخدمات البترولية والتي يمثلها رئيسها السيد/ محمد فضل الدندراوي قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 2202 لسنة 30 ق وذلك في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 10/ 4/ 1984 في الدعويين رقمي 1736 لسنة 36، 4692 لسنة 37 ق، فيما قضى به أولاً: بالنسبة للدعوى رقم 4692/ 37 ق بقبولها شكلاً وقبول تدخل جمعية العاشر من رمضان ورفضها موضوعاً وإلزام المؤسسة المدعية المصروفات. ثانياً: بالنسبة للدعوى رقم 1736/ 36 ق بعدم قبول طلب الإلغاء ورفض طلب التعويض وإلزام المدعية مصروفات الدعوى بشقيها.
وطلبت الطاعنة للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ووقف تنفيذ قرار مجلس إدارة هيئة الاستثمار الصادر بتاريخ 26/ 6/ 1983 المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء "بعدم قبول تدخل جمعية العاشر من رمضان خصماً في الدعوى وإلزامها مصروفات تدخلها وإلغاء قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار الصادر بتاريخ 26/ 6/ 1983 المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام هيئة الاستثمار بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وذلك في مواجهة المطعون ضدهم من الخامس إلى الأخير.
وبعد أن تم إعلان الطعن على الوجه المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم: أولاً: برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثانياً: بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ثالثاً: بإلزام المؤسسة الطاعنة بالمصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 27/ 8/ 1984 وبجلسة 17/ 6/ 1985 قررت الدائرة رفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وأحالت الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد" لتنظره بجلسة 26/ 10/ 1985، وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيه صدر الحكم بعد أن أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق - في أنه بتاريخ 18/ 2/ 1982 أقامت المؤسسة الطاعنة الدعوى رقم 1736 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد" طالبة الحكم أصلياً بإلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار بجلسته المنعقدة في 15/ 10/ 1980 فيما تضمنه من إلزام المؤسسة بتقديم خطاب نوايا وعقود توريد بترول خام وإيداع مبالغ تحت يد محافظة الإسكندرية على ذمة دفع تعويضات واضعي اليد على الأرض التي سيقام عليها المشروع على التفصيل الوارد بالقرار مع ما يترتب على ذلك من آثار، واحتياطياً بإلزام المدعى عليهم بصفتهم بدفع تعويض قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت للمدعية، وقالت شرحاً لدعواها "إنه بموجب قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة الصادر بتاريخ 25/ 12/ 1973 تم الترخيص للمؤسسة المدعية في إنشاء معمل تكرير للبترول الخام في المنطقة الواقعة ما بين الكيلو 23، الكيلو 26 طريق إسكندرية مطروح، كما حصلت المؤسسة على جميع الموافقات اللازمة لمشروعها من أجهزة الدولة المعنية ومن بينها هيئة الطاقة النووية ووزارة السياحة والقوات المسلحة حتى صدرت موافقة مجلس المرافق بمحافظة الإسكندرية على إقامة المشروع في المنطقة المذكورة، وبتاريخ 30/ 8/ 1977 صدر قرار الهيئة العامة للاستثمار رقم 175 لسنة 1977 بإنشاء منطقة حرة خاصة بمشروع المؤسسة المدعية على المساحة المؤجرة لها من هيئة الأوقاف، كما وافقت وزارة النقل البحري على تخصيص المسطح المائي المواجه لموقع المشروع وأصدرت الإعلان الملاحي رقم 8 متضمناً هذا التخصيص، إلا أن المؤسسة قد فوجئت بقرار الهيئة المطعون فيه يلزمها فيه أولاً بخطاب نوايا من بنك موضح به مصدر التمويل للمشروع وعقد توريد خام (5 مليون طن لمدة عشر سنوات) وذلك في موعد أقصاه 31/ 12/ 80 وثانياً: تشكيل لجنة من ممثلي الهيئة ووزارة البترول ووزارة الصناعة ووزارة السياحة لدراسة موقف المشروع بعد تقديم المستندات المطلوبة وبتاريخ 30/ 12/ 1980 تقدمت المؤسسة بتظلم إلى الهيئة شرحت فيه مدى صعوبة تحقيق طلبات الهيئة، سيما وأن المشروع سبق أن عرض على السلطة التشريعية بالبلاد وسلكت الهيئة فيه مسلك المدافع عن المشروع موضحة أهميته وضرورته لصناعة البترول، وأن بطء خطوات تنفيذه مرجعها إلى عدم تسلم المؤسسة للموقع الذي ستقام عليه المنطقة الحرة الخاصة بالمشروع غير أن المؤسسة فوجئت في يوم 22/ 12/ 1981 بكتاب السيد نائب رئيس الهيئة الذي يلزمها فيه فضلاً عن تقديم خطاب النوايا وعقد توريد الخام المشار إليهما بإلزام المؤسسة بإيداع ضمان مالي تحت يد محافظة الإسكندرية لحساب تعويضات واضعي اليد على الموقع، والتأكيد عليها بتنفيذ الاشتراطات الفنية للحيلولة دون تلوث البيئة في المنطقة وذلك في موعد غايته 31/ 1/ 1982 وإلا اضطرت الهيئة لعرض الأمر على مجلس إدارتها للنظر في سحب الموافقة على المشروع، ولما كان هذا القرار يتنافى مع الحكمة من قانون الاستثمار والسياسة التشريعية التي تهدف إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية والوطنية وتقتضي رفع القيود على المستثمرين وتوفير الإعفاءات الضريبية والتيسيرات اللازمة لتحويل أرباحهم للخارج، ولم يجعل للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أية وصاية أو حتى مجرد إشراف عليهم في نشاطهم بعد صدور الترخيص بإقامة المشروع، إذ الغرض أن المستثمر متى بدأ في تنفيذ مشروعه ينفق أموالاً على المشروع لا يسوغ إضاعتها عليه لمجرد التراخي أو التأخير، فضلاً عن أن المستثمر هو أولى من غيره للمحافظة على أمواله، كما أن الدولة لا تتكبد أية نفقات في حالة الترخيص بإقامة المشروع، ولا تتحمل أية تكاليف في حالة التراخي في التنفيذ سيما وأن المستثمر يلتزم بدفع تأمين للهيئة تستوفي منه الدولة جميع مستحقاتها ومع ذلك وإثباتاً لحسن نية المؤسسة فقد أخطرت الهيئة بقبولها التوقيع على عقد توريد 5 مليون طن نفط خام لمدة عشر سنوات بالأسعار العالمية عند التوريد مع الهيئة المصرية العامة للبترول.
وبتاريخ 7/ 7/ 1983 أقامت المؤسسة الدعوى رقم 4692 لسنة 37 ق أمام ذات الدائرة بمحكمة القضاء الإداري طالبة الحكم لها بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الصادر بجلسته المنعقدة في 26/ 6/ 1983 بسحب موافقته السابق إصدارها لمشروع إقامة معمل تكرير البترول المقام بالإسكندرية بتاريخ 25/ 12/ 1973، وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الهيئة بالمصروفات، وذلك استناداً إلى أن قرار الإسقاط المطعون فيه قد صدر مخالفاً للقانون مشوباً بالانحراف بالسلطة إذ أن القرار قد استند إلى فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع الصادرة بجلسة 4/ 5/ 1983 والتي أسست حق الهيئة في إسقاط المشروع على نظرية توازي الأشكال التي فسرتها الجمعية بأن من يملك الإنشاء يملك الإنهاء وأن حق الهيئة في إسقاط المشروع يستند إلى قاعدة عريقة مظهرها صدور العديد من القرارات بسحب موافقات لها على إقامة بعض المشروعات ثم استندت الجمعية في تقرير هذا الحق للهيئة إلى المادة 27 من القانون رقم 43/ 74 بحسبانها قد جاءت بضمانة جديدة للمستثمرين إذ قررت حق الهيئة في سحب موافقتها على المشروعات التي لم تتخذ خطوات جدية للتنفيذ خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الموافقة فيها، إذ افترضت الجمعية أن حق الهيئة في إسقاط وسحب موافقتها السابقة كان حقاً مطلقاً في ظل القانون رقم 65 لسنة 1971 وجاء حكم المادة "27" من القانون رقم 43 لسنة 1974 المشار إليه مقيداً هذا الحق المطلق، وأبدت المؤسسة أن توازي الإشكال الذي استندت إليه الجمعية العمومية لا ينطبق كمبدأ عام إلا في حالات معينة هي المتعلقة بالمراكز القانونية المؤقتة، ولا يجوز تطبيقه في الحالات التي يترتب فيها المساس بحقوق اكتسبت في ظل قرار سابق لمخالفته لمبدأ هام هو عدم جواز سحب القرارات الإدارية السليمة، فطالما أن التصريح بإقامة المشروع قد تم في ظل العمل بالقانون رقم 65 لسنة 1971 فإنه يكتسب مركزاً قانونياً ذاتياً في أن يبقى معاملاً بأحكام هذا القانون ولا تسري عليه أحكام أي قانون لاحق إلا في الحدود التي تسري فيها القوانين بأثر رجعي وفي هذا تقضي المادة الرابعة من القانون رقم 43 لسنة 1974 بأن يستمر تمتع المشروعات التي سبق إقرارها في ظل القانون رقم 65 لسنة 1971 بما تقرر لها من الحقوق والمزايا المنصوص عليها في هذا القانون ومؤدى هذا أن مشروع المؤسسة يجب أن يستمر في معاملته طبقاً لأحكام القانون رقم 65 لسنة 1971 الذي خلا من أي نص يجيز للهيئة حق سحب أو إسقاط الموافقات التي تصدرها طبقاً له، هذا فضلاً عن أن المشرع في القانون رقم 43 لسنة 1974 ولائحته التنفيذية قد اقتصر بالنسبة للترخيص بإقامة المشروع بنظام المناطق الحرة الخاصة على إلزام المستثمر بتقديم عقد أو ملكية استئجار أرض الموقع الذي سيقام عليه المشروع وإلا اعتبرت الموافقة على المشروع كأن لم تكن، دون أن يتضمن أي نص يخول السلطة الإدارية التي رخصت بإقامة المشروع أي اختصاص يخولها فرض أي نوع من الرقابة على سير العمل للتثبت من جديته، كما خلا من أي نص على نوع الجزاء الذي تملك الهيئة توقيعه على المستثمر إن هي ارتأت أن إجراءات التنفيذ تسير ببطء، ومع ذلك فليس في الأوراق ما يفيد أن الهيئة العامة للاستثمار قد قررت إهمال المؤسسة في اتخاذ خطوات جدية في تنفيذ المشروع، وإنما قررت مسئوليتها مع أجهزة إدارية أخرى عن تأخير قيام المشروع بتنفيذ برنامجه الزمني في التوقيتات التي تضمنتها الموافقة الصادرة من الهيئة على المشروع ورخصت له صراحة أو ضمناً في تأجيل تنفيذ هذا البرنامج الزمني غير أن مجلس إدارة الهيئة قد فاجأ المؤسسة بموافاة الهيئة بطلبات لم تكن قائمة عند التصريح بالمشروع هي خطاب نوايا من بنك يوضح مصادر التمويل وكذا عقد توريد كمية من البترول الخام لمدة عشر سنوات، وقد تظلمت الهيئة من هذا القرار وطلبت إعفاءها من هذه المطالب مع إظهار حسن نيتها بإبلاغ الهيئة بأنها بادرت بالقيام بأعمال التنفيذ، وأنها على استعداد لإيداع ضمان مالي لمواجهة تعويضات واضعي اليد، واستعدادها عرض خطاب النوايا بمصادر التمويل على نائب رئيس الوزراء حفاظاً على سريته، وإنها تقبل التوقيع على عقد توريد 5 مليون طن بترول خام من الهيئة المصرية العامة للبترول ولكن الهيئة لم ترد على خطاب المؤسسة المدعية، كما لم تعترض على أي تقرير من تقارير المتابعة الدورية لأعمال تنفيذ المؤسسة للمشروع التي توالي الهيئة بها منذ 12/ 1/ 1982 سيما وأن اللجنة المشكلة من الجهات الحكومية المعنية قد انتهت في تقريرها إلى أن الخطوات التي اتخذتها المؤسسة في تنفيذ مشروعها خطوات جدية، مما يجعل القرار الصادر بسحب الموافقة على المشروع قد صدر فاقداً لركن السبب إذ لا يجوز اعتباراً تأجيل تنفيذ المشروع دليلاً على عدم جديته فمنذ حصول المشروع على الموافقة في 15/ 10/ 1973 حتى 30/ 8/ 1977 تاريخ صدور الترخيص له بمزاولة النشاط والمؤسسة تبذل كل جهد في سبيل الحصول على موافقات الجهات الحكومية المعنية، وبعد صدور الترخيص أصدرت محافظة الإسكندرية قرار في 26/ 7/ 1978 بأنها ترى إقامة المشروع في مكان آخر ومنذ ذلك التاريخ ومحافظة الإسكندرية مصرة على موقفها واضعة كل العراقيل في سبيل تنفيذ هذا المشروع الأمر الذي ترتب عليه ضياع الوقت والجهد في تنفيذ المشروع، وقد أدان تقرير اللجنة البرلمانية المؤرخ 20/ 6/ 1982 مسلك المحافظة وما شاب تصرفاتها تجاه المشروع من التضارب والتردد، مما يؤكد عدم مسئولية المؤسسة المدعية في التأخير في تنفيذ البرنامج الزمني للمشروع دون أن يكون ذلك دليلاً على عدم جديتها في التنفيذ.
وأثناء تداول الدعوى بالجلسات تقدمت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بمذكرة جاء بها "إنه بناء على الطلب المقدم من المؤسسة المدعية لإقامة مشروع لتكرير البترول الخام بسيدي كرير وافق مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 25/ 12/ 1973 بصفة مبدئية على إقامة المشروع بنظام المناطق الحرة على أن يبدأ تنفيذ المشروع من أول يناير سنة 1974 على أن تبدأ أعمال الإنشاءات اعتباراً من أول يناير سنة 1975، وفي 19/ 6/ 1974 أرسلت الهيئة إلى المؤسسة لموافاتها بالمصادر المحددة لاستيراد خام النفط لأغراض المشروع والاتفاقات والعقود المبرمة في هذا الشأن وذلك في موعد أقصاه شهر وإلا اعتبرت الموافقة كأن لم تكن، وفي 15 سبتمبر سنة 1974 قرر مجلس إدارة الهيئة إخطار المستثمر بتحديد موقفه النهائي من تنفيذ المشروع وإثبات جديته في هذا الشأن بأن يقدم ما يلي:
( أ ) عقود التوريد من البترول الخام.
(ب) المصادر النهائية لتمويل المشروع. وبتاريخ 30/ 8/ 1977 أصدرت الهيئة العامة للاستثمار القرار رقم 175 لسنة 1977 بإنشاء منطقة حرة خاصة بمنطقة سيدي كرير لإقامة معمل لتكرير البترول الخام والترخيص لفرع مؤسسة تنمية الخدمات البترولية، وفي 1/ 9/ 1977 تحرر محضر تسليم حيازة أرض المشروع للمدعية وذلك بناء على استئجارها لهذه الأرض من هيئة الأوقاف، وبتاريخ 28/ 2/ 1977 قرر مجلس إدارة الهيئة إلزام المؤسسة بأن تقدم ما يلي أولاً: دراسة جدوى للمشروع قبل أول مارس سنة 1978 ثانياً: عقد نهائي لتوريد البترول الخام ثالثاً: عقد تكوين الشركة رابعاً: مصادر تمويل المشروع على أن تقدم الطلبات الواردة في البنود ثانياً، وثالثاً ورابعاً خلال ستة شهور من تاريخ تقديم دراسة الجدوى أي في أجل أقصاه 15/ 9/ 1978، وبتاريخ 14/ 11/ 1978 عاودت الهيئة مطالبة المؤسسة بتقديم ما يلي (1) بيان مصادر القروض وأسماء الجهات التي ستقدمها ومواعيد تقديمها وتكلفتها المالية وصور العقود المؤيدة لها (2) البرنامج الزمني للمراحل المختلفة لتنفيذ المشروع مع تحديد بداية ونهاية كل مرحلة (3) أسماء البيوت العالمية التي سوف تساهم في المشروع، وبتاريخ 25/ 12/ 1978 أرسلت المؤسسة للهيئة كتاباً موضحاً به المراحل التنفيذية للمشروع والمحددة بتسع مراحل زمنية تبدأ من 31/ 12/ 1977 وتنتهي في 30/ 6/ 1983، كما أفادت في 28/ 12/ 1978 بأنه يستحيل تنفيذ باقي طلبات الهيئة لأنها في موقف لا يتيح لها التوقيع النهائي على أية عقود أو مشاركات في المشروع قبل التأكد بشكل نهائي من الموقف القانوني للموقع الذي تم اختياره، وفي 15/ 5/ 1979 أصدر السيد وزير الاقتصاد والتعاون الدولي قراراً بتشكيل لجنة مشتركة من هيئة الاستثمار وقطاع البترول ومحافظة الإسكندرية وهيئة الأوقاف لبحث جدية الإجراءات التي تمت من جانب المؤسسة منذ صدور الموافقة المبدئية على المشروع في 25/ 12/ 1973، وانتهت اللجنة في تقريرها المؤرخ 11/ 3/ 1980 إلى أن الأعمال التنفيذية التي تمت من تاريخ التخصيص حتى تاريخ إيداع التقرير والتي تمت بالموقع لا تتناسب مع حجم الإنفاق الذي كان متوقعاً للمشروع في هذه المرحلة، وفي 12/ 12/ 1979 وجهت المؤسسة كتاباً إلى السيد وزير الدولة للتعاون الاقتصادي إنه رغم خطابات التوصية التي وجهها السيد الوزير إلى بيوت التمويل للمساهمة في المشروع إلا أنها تلقت ردوداً بالاعتذار مما جعل المؤسسة تفكر في أساليب بديلة، وبتاريخ 15/ 10/ 1980 قرر مجلس إدارة الهيئة تكليف المؤسسة أولاً: بموافاة الهيئة بخطاب نوايا من بنك يوضح به مصدر تمويل المشروع وعقد توريد بترول خام في حدود 5 مليون طن لمدة عشر سنوات وذلك في موعد أقصاه 31/ 12/ 1980، إلا أن المؤسسة أرسلت في 30/ 12/ 1980 كتاباً إلى السيد نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية باعتراضها على طلبات الهيئة تأسيساً على أن طبيعة أعمال المؤسسة تحول دون تعريض منشآت أو مباني أو أرصفة أو معامل تكرير تفيد البدء في تنفيذ المشروع، خطاباً آخر يفيد أنها على استعداد لعرض خطاب نوايا صادر من إحدى المؤسسات العالمية الكبرى يشترط أن يتم الاطلاع عليه من قبل النائب الأول لرئيس الوزراء أو نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، وبتاريخ 17/ 12/ 1981 قامت الهيئة بالكتابة إلى المؤسسة تخطرها فيه بأنه قد تحدد آخر موعد لتقديم المستندات المطلوبة في موعد أقصاه آخر يناير سنة 1982 وبعدها يتم العرض على مجلس الإدارة للنظر في سحب الموافقة على المشروع، وفي 27/ 12/ 1981 أرسلت المؤسسة إلى الهيئة خطاباً أوردت فيه أنها قررت اعتباراً من 12/ 1/ 1982 إعادة المراحل ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً من الجدول الزمني المقدم إلى الهيئة في 22/ 12/ 1978 وأن التنفيذ سوف يستغرق 52 شهراً وأن ذلك سيبدأ اعتباراً من 12/ 1/ 1982، وفي 5/ 4/ 1982 أرسل السيد/ نائب رئيس الوزراء إلى السيد/ رئيس الوزراء كتاباً متضمناً أن خطاب النوايا يتعين أن يعرض على مجلس إدارة الهيئة وهو الذي يقرر مدى كفايته في هذا المجال، وبتاريخ 21/ 3/ 1982 قام الجهاز المركزي للمحاسبات بتشكيل لجنة لمعاينة موقع المشروع على الطبيعة وانتهت اللجنة إلى عدم وجود أية منشآت أو مباني أو أرصفة أو معامل تكرير تفيد البدء في تنفيذ المشروع، كما قام قطاع المناطق الحرة بالهيئة بعمل معاينة ميدانية للموقع أسفرت عن عدم وجود أية منشآت أو تجهيزات خاصة بالمشروع وتم الاتصال برئيس حي العامرية الذي أفاد بأن القائمين على المشروع لم يتقدموا أو يقوموا باتخاذ إجراءات تنفيذية للحصول على تراخيص إنشائية خاصة بالمشروع، الأمر الذي دعى الهيئة إلى سحب الموافقة على المشروع استناداً إلى سلطة مجلس إدارتها باعتباره السلطة المهيمنة على شئون المناطق الحرة الذي يضع السياسة العامة التي تسير عليها وله أن يتخذ ما يراه لازماً من القرارات لتحقيق الغرض الذي تنشأ من أجله هذه المناطق، وبعد أن تأكد لها أن المؤسسة قد تنكبت طريق الجدية في تنفيذ المشروع وقد جاء القانون رقم 43 لسنة 1974 مؤكداً ومقرراً حق الهيئة في إسقاط موافقاتها السابقة على المشروعات إذا لم يقم المستثمر بشأنها باتخاذ خطوات جدية نحو التنفيذ، وقد أيدت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة سلطة الهيئة في إسقاط موافقتها سواء في ظل العمل بالقانون رقم 65 لسنة 1971 أو في القانون 43 لسنة 1974.
وبجلسة 8/ 11/ 1983 قررت المحكمة ضم الدعويين كل منهما إلى الأخرى، ليصدر فيهما حكم واحد.
ومن حيث إنه بجلسة 10/ 4/ 1984 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها - المطعون فيه في الدعويين المشار إليهما والقاضي أولاً: بالنسبة للدعوى رقم 4692 لسنة 37 ق بقبولها شكلاً وبقبول تدخل جمعية العاشر من رمضان وبرفضها موضوعاً وبإلزام المدعية بالمصروفات ثانياً: بالنسبة للدعوى رقم 1736/ 36 بعدم قبول طلب الإلغاء ورفض طلب التعويض وإلزام المدعية بمصروفات الدعوى بشقيها. وأقامت قضاءها بشأن الدعوى رقم 4692 لسنة 37 ق على أن جمعية العاشر من رمضان لها مصلحة ظاهرة في طلب رفض الدعوى بحسبانها تتمسك بملكية جزء من الأرض التي يقام عليها المشروع مما يستوجب قبول تدخلها، كما أقامت قضاءها من حيث الموضوع على ما استبان لها من نصوص القانون رقم 65 لسنة 1971 في شأن استثمار المال العربي والمناطق الحرة من أن المشروع قد فتح الباب أمام الأموال العربية والأجنبية لكي تستثمر في مصر وقرر لها العديد من المزايا والضمانات تشجيعاً لها على الإسهام في إنعاش الاقتصاد القومي، وعهد إلى الهيئة العامة للاستثمار بالإشراف على تطبيق هذا القانون وجعلها الجهة الإدارية المختصة بالموافقة على طلبات الاستثمار، وذهب المشرع إلى أبعد من هذا إذ أجاز إنشاء مناطق حرة عامة وخاصة يتم فيها ممارسة النشاط الاستثماري للمال الأجنبي والعربي وأعفى هذه المناطق من الرسوم الجمركية ومنحها الكثير من الامتيازات والحصانات وفي مقابل ذلك فقد نص على أن مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهيمنة على شئون المناطق الحرة وله أن يتخذ ما يراه لازماً من قرارات لتحقيق الغرض الذي تنشأ من أجله هذه المناطق (م 20) وحرص المشروع على النص بالنسبة للمناطق الحرة على أن لمجلس إدارة الهيئة الهيمنة على تلك المناطق ليكشف عن أن الأمر بالنسبة للمناطق الحرة يحتاج إلى رقابة وانضباط أكبر من المشروعات العادية، فالمنطقة الحرة هي مركز امتياز اقتصادي أجنبي داخل الدولة، ما لم تحكم عليه الرقابة انقلب الأمر بالنسبة لها من أداة لتشجيع النمو الاقتصادي والانتعاش إلى وسيلة لتخريب الاقتصاد وتدمير البلاد، وهيمنة الهيئة وإشرافها على المناطق الحرة العامة والخاصة يكون عديم الجدوى إذا لم يكن للهيئة أن تراقب ابتداء ودوماً مدى التزام المشروع الاستثماري بالأغراض التي أنشئ من أجلها من جهة، ومدى جديته في تحقيق هذه الأغراض من جهة أخرى وإسقاط الموافقة على المشروع إذا ما تبين لها أنه خرج على أغراضه أو أنه غير جاد في تحقيق هذه الأغراض، ولا يقبل بأي حال من الأحوال القول بأن سلطة الهيئة في الرقابة على مشروعات المناطق الحرة تقف عند حد مراعاة التزام المشروع بالغرض الذي أنشئ من أجله وحقها في إسقاط الموافقة على المشروع إذا خرج على تلك الأغراض دون أن يكون لها أدنى رقابة في شأن التحقق من جدية تنفيذ المشروع وتحقيقه لأهدافه، فليس ثمة فارق في الخطورة بين مشروع يخرج على أغراضه ومشروع غير جاد في تحقيق أغراضه والقول بأن المشروع إذا ما حصل على الموافقة استعصى على هيئة الاستثمار أن تراقب مدى جديته في تنفيذ أهدافه، هو إخراج للمشروع كلية من رقابة هيئة الاستثمار وهو قول في منتهى الخطورة بالنسبة للمناطق الحرة بصفة عامة وللمناطق الخاصة بصفة خاصة حيث يخرج المستثمر بها قطعة من أرض الوطن في مجال الخضوع للتشريع الوطني في أوقد وأخص مظاهر سيادته المالية عليه ويترك له العنان بلا رقابة في أن يماطل تحت ستار التأني ويراوغ ويتكاسل باختلاف الحجج والدوافع بل أنه ليس في حاجة إلى اختلافها طالما غلت يد الهيئة في الرقابة عليه وفي مناقشته الحساب حول التنفيذ الجدي للمشروع الذي اقتطع من أجله قطعة من أرض الوطن، ومن ناحية أخرى فقد صدر القانون رقم 43 لسنة 1974 ونص في المادة 27 منه على أنه "..... لمجلس إدارة الهيئة سلطة الموافقة على طلبات الاستثمار التي تقدم إليه وتسقط هذه الموافقة إذا لم يقم المستثمر باتخاذ خطوات جدية ينفذها خلال ستة أشهر من صدورها ما لم يقرر المجلس تجديدها للمدة التي يراها" وهو نص يسري حكمه على الموافقات السابقة عليه والتي لا تزال قائمة إعمالاً للأثر الفوري للقانون، والقول بأن سلطة الإسقاط المنصوص عليها في المادة 27 سالفة البيان لا يمتد إلى الموافقات السابقة على صدور القانون ويقتصر أثره على الموافقات اللاحقة سوف يؤدي إلى وجود نوعين من المشروعات الاستثمارية في وقت واحد، نوع لا تمتد إليه سلطة هيئة الاستثمار بالإسقاط لعدم الجدية وفقاً للقائلين بانعدام هذه السلطة في ظل القانون السابق، ونوع تملك هيئة الاستثمار إسقاط الموافقة عليه مما يجافي العدالة ويتنافى مع واجب التوحيد في المراكز القانونية، الأمر الذي يتأكد منه حق هيئة الاستثمار في الاستيثاق من جدية المشروع واستخلاصها من عناصر أخرى خلاف عنصر تدبير الموقع ويتعين بعد ذلك على المحكمة تحديد مدى سلامة مسلك الهيئة بالنسبة للمؤسسة المدعية، فإذا كان من المقرر أن تقدير مسألة الجدية متروك أمره للهيئة تستخلصها من عناصر المشروع وفقاً لكل حالة على حده إلا أن عناصر الجدية يمكن أن تستخلص بصفة عامة من توافر مقومات المشروع وعناصر نجاحه، ومقومات أي مشروع تتحصل أولاً في دراسات اقتصادية وقتية يجريها من يشرع في إقامته، ورأس مال سائل أو ممهد للحصول عليه لتمويل المشروع وإنشاءات وأدوات للمشروع، ثم إمكانية التشغيل والتسويق وتخلف أو تعذر استكمال أي عنصر من هذه العناصر من شأنه الحكم بالفشل على المشروع ويقدر إمكانية تيسير وسهولة تحقيق هذه العناصر بقدر ما يمكن أن يحققه المشروع من نجاح، فإذا كان الثابت أن هذا المشروع قد توافر له عنصران من عناصر قيامه هو عنصر الدراسات الفنية والاقتصادية باعتراف الهيئة وعنصر الموقع، وقد خلص الموقع واستقر للمؤسسة بعد نزاعات طويلة لا يمكن إنكار جهد المؤسسة المدعية في التغلب عليها، فقد بقيت ثلاثة عناصر رئيسية هي عنصر رأس المال، وعنصر الإنشاءات، وعنصر التشغيل والتسويق وهي عناصر من حق الهيئة أن تطمئن إلى إمكانية تحقيقها كمظهر من مظاهر جدية التنفيذ، وهو ما دأبت الهيئة على مطالبة المؤسسة به منذ صدور الترخيص، وإذا كانت المعاينات التي تمت على الطبيعة قد انتهت إلى انتفاء وجود أي نوع من الإنشاءات خلاف اللافتات الأربعة الموضوعة في الموقع، فإنه لا يمكن أن يؤخذ على المؤسسة المدعية عدم إقدامها على إقامة إنشاءات على الموقع حتى صدور القرار المطعون فيه طالما أن الأمر كله كان محل بحث أمام مجلس الشعب ومحل مناقشة أمام لجانه المشتركة مما يرخص للمؤسسة في الخشية من مغبة ما قد ينتهي إليه الأمر في غير صالحها فضلاً عن أن ثمة دعاوى مستعجلة وموضوعية من الغير أهمها الجمعية المتدخلة في الدعوى الحالية واعتراض الجهات الرسمية كالمجلس الشعبي، مما يقتضي عدم مؤاخذة المؤسسة المدعية على التراخي أو التأني في الشروع في الإنشاءات أما بالنسبة لعنصر رأس المال فقد تغيرت مواقف المؤسسة المدعية بالنسبة له منذ تقديمها طلب الموافقة على إنشاء المنطقة فتارة تقرر أنه سيتم التمويل عن طريق ممولين عرب وأجانب، وتارة تقرر أنه سيتم التمويل عن طريق القروض، وتارة ثالثة تقرر أنها ستترك لبيوت المال تدبير أمر التمويل، وانتهى بها المطاف في آخر اقتراح قدمته إلى أنها من الممكن أن تقدم مصادر التمويل في خطاب سري لا يطلع عليه أحد سوى النائب الأول لرئيس الوزراء أو نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية بدعوى المحافظة على سرية المصدر، بينما الأمر في شأن هذا المشروع الضخم لا يحتمل المحاجة بسرية المصدر فلسنا بصدد معلومات عسكرية أو استراتيجية كما أن المؤسسة ليست بصدد عنصر ينبغي حجب المعلومات عنه وإنما الأمر يتعلق بحق هيئة الاستثمار في الاطمئنان على إمكانية تمويل مشروع اقتصادي خطير لها يبقى القانون الهيمنة عليه، كما أن الهيئة لم تطلب من المؤسسة بيان أرقام حسابات الممولين أو حجم أرصدتهم، وإنما مجرد خطاب نوايا من إحدى المؤسسات المالية الموثوق فيها حول استعدادها لتمويل هذا المشروع لكي يطمئن وجدان الهيئة إلى إنها بصدد مشروع جاد ناجح تقبل بيوت المال أن تسهم فيه وتطمئن إلى سلامته وتوفر مقومات نجاحه، وهو موقف قررت اللجنة المشتركة بمجلس الشعب عن سلامته بل أن وزارة التعاون الاقتصادي قد آزرت المؤسسة في هذا الشأن وكتبت إلى بيوت المال مزكية موقفها وطالبت بمد يد العون لها وفي كل ذلك ما تطمئن معه المحكمة إلى انتفاء أي تعسف في استعمال السلطة من جانب الهيئة في هذا الشأن، ويبعث على الشك والريبة في إمكانية المؤسسة المدعية في تدبير المال اللازم للمشروع، أما بالنسبة لإمكانية التشغيل وما يتطلبه ذلك من إمكانية توفير النفط الخام اللازم للتكرير، فإنه ولئن كان من حق هيئة الاستثمار أن يطمئن إليه إلا أنها قد غالت في ضرورة إلزام المؤسسة بتقديم عقود توريد 5 مليون طن لمدة عشر سنوات والمشروع لا يزال حبراً على ورق، فمن المنطقي أن العقود إنما تبرم ويتم الالتزام بها إذا ما توافرت عناصرها ومقوماتها وما كان لمصنع لم يظهر له بعد على حيز الوجود أي مظهر مادي أن يكون أهلاً للتعاقد مع أي جهة على التشغيل، وقد كان يكفي الهيئة في هذا الصدد أن تطالب المؤسسة بخطاب نوايا من الجهات المنتجة للبترول الخام بأنه ليس لديها مانع في حالة قيام المصنع من التعامل مع المؤسسة في حدود حجم معين أما المطالبة بعقود لتوريد الكمية المشار إليها فهي مطالبة بأمر صعب المنال في الظروف التي تمر بها المؤسسة وإذ ثبت في حق القرار المطعون فيه صحة سبب من الأسباب التي تمثل مظهراً لعدم جدية المؤسسة وعجزها عن تقديم ما يمكن الاطمئنان إليه بالنسبة لمصادر التمويل فإن القرار المطعون فيه يكون قد قام على سببه المسوغ له قانوناً. أما بالنسبة للقرار المطعون فيه في الدعوى رقم 1736 لسنة 36 ق فإنه لا يعدو أن يكون مطالبة من جهة الإدارة للمؤسسة المدعية بتقديم أوراق أو مستندات معينة دون أن يترتب على هذه المطالبة في ذاتها أثر قانوني معين، وإنما هي مجرد عمل تمهيدي قد تتمسك به الجهة الإدارية وقد تعدل عنه، ولئن كان هذا القرار قد اتخذ سنداً لقرار إسقاط الموافقة على مشروع المؤسسة المدعية إلا أن ذلك ليس من شأنه أن يقلب هذا الطلب أو المطالبة في ذاتها إلى قرار إداري، فضلاً عن أن هذه المطالبة قد خضعت لرقابة المحكمة بحسبانها سبباً من الأسباب التي أسهمت في تكوين ركن السبب في قرار إسقاط الموافقة على المشروع الأمر الذي يجعل طلب إلغائه غير مقبول شكلاً، أما عن طلب التعويض فإنه لما كانت هذه المطالبة غير مؤثرة بذاتها في المركز القانوني للمؤسسة وبالتالي فلم تؤد إلى أضرار تحيق بها وإن كان ثمة سبب للتعويض فإن مجاله يكون عند الطعن في القرار الصادر بإنهاء الموافقة على المشروع الأمر الذي يجعل طلب التعويض غير قائم على أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه للأسباب الآتية:
أولاً: انتهى الحكم المطعون فيه إلى حق الهيئة في إسقاط الموافقة على المشروعات استناداً إلى حق الهيئة في الهيمنة على المناطق الحرة بحسبانها مظهر من مظاهر الرقابة الأمر الذي يتعين معه البحث عن الحد الفاصل بين الهيمنة الممنوحة لهيئة الاستثمار بقوة القانون وبين استقرار ما يصدر منها من قرارات لا يجوز سحبها بالنسبة لمشروعات استثمارية بدأت مراحل تنفيذها ثم صادفتها العوائق داخل البلاد لأمور خارجة عن إرادتها، يعمل أصحابها على مواجهتها بكل جهد جاد ومخلص تحت وقع بصر وسمع الهيئة ذاتها، لا سيما أن استقرار هذه القرارات يرتبط وجوداً وعدماً ببواعث الطمأنينة اللازمة لجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية للاستثمار في مصر.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد ذكر بالنسبة للعنصر الخاص برأس المال - وهو محور الطعن - أن مواقف المؤسسة المدعية قد تغيرت بالنسبة له حتى انتهى بها المطاف في آخر اقتراح لها أنها من الممكن أن تقدم مصادر التمويل في خطاب سري.. "وهو قول يشوبه الفساد في الاستدلال وينطوي على فهم خاطئ للوقائع ويتأكد ذلك مما يلي:
1 - إنه ليس صحيحاً أن المؤسسة المدعية عجزت عن تقديم ما يمكن الاطمئنان إليه من مصادر التمويل، فهي لم تمتنع عن تقديم خطاب النوايا المشار إليه بل على العكس أبدت استعدادها واضحاً وصريحاً في تقديمه إلى نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية الذي هو في ذات الوقت رئيس هيئة الاستثمار، وكان قصدها من ذلك أن توضح له بصفته رئيس مجلس إدارة الهيئة أن الهيئة قد ربطت بين تقديم خطاب النوايا وتقديم عقد توريد نفط خام وجعلتهما طلبين مرتبطين متلازمين، وإنها تصر على أن يكون خطاب النوايا موضحاً به مصادر التمويل وتكاليفه الاستثمارية لتبين المؤسسة أنها حصلت على خطاب نوايا بمضمون يتفق مع العرف المصرفي من دار هال الإسلامي بجنيف، ومن ناحية أخرى فإن المؤسسة الطاعنة عندما تقدمت لمحكمة أول درجة بخطاب النوايا ضمن حافظة مستنداتها بجلسة 27/ 12/ 1983 قصدت بتقديمه أن هذا الخطاب كان تحت يدها منذ 10/ 12/ 1982 وإنها سطرت ذلك في كتابها لهيئة الاستثمار بتاريخ 27/ 12/ 1982 أنها على استعداد لتقديمه الأمر الذي يجعل قول المحكمة أن المؤسسة عجزت عن تقديم خطاب النوايا قائماً على غير أساس سليم من القانون أو الواقع.
2 - إن المؤسسة الطاعنة دأبت منذ عام 1974 على أن توضح للهيئة كلما طالبتها بالإفصاح عن مصادر التمويل إن طبيعة المشروع تفرض على المؤسسة الحفاظ على مصادر التمويل أو الشركات التي ستتعامل معها لتنفيذ المشروع إلى ما بعد توقيع العقود النهائية مع هذه الشركات مما تفرضه طبيعة المشروع وضخامته، ولم تعترض هيئة الاستثمار على ذلك إلا عندما عادت وطلبت بقرار مجلس إدارتها الصادر في 15/ 10/ 1980 تقديم عقد نفط خام وخطاب النوايا وربطت بينهما.
3 - إن طلب الهيئة خطاب نوايا قد تضمن صراحة - على خلاف ما جاء بمدونات الحكم - موافاة الهيئة بخطاب نوايا من بنك موضح به مصادر تمويل المشروع كما أثبتت في محضر مجلس الإدارة الذي صدر فيه قرار الإسقاط المطعون فيه أن من بين أسباب صدور القرار المذكور هو عدم تقديم مصادر تمويل المشروع الأمر الذي يتناقض مع ما قرره الحكم المطعون فيه من أن الهيئة طلبت مجرد خطاب نوايا من إحدى المؤسسات المرموقة حول استعدادها لتمويل المشروع، وهو أمر يختلف عن بيان مصادر التمويل، ويعتبر طلب تعجيز للمؤسسة لا تستطيع تنفيذه.
ثالثاً: إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى قبول تدخل جمعية العاشر من رمضان بالمخالفة للقانون إذ يشترط لقبول التدخل الانضمامي أن يكون للمتدخل صلة مباشرة بموضوع الطلب الأصلي، فإن انتفت هذه الصلة يتعين الحكم بعدم قبول طلب التدخل، فإذا كان موضوع الطعن الأصلي هو طلب إلغاء قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار الصادر في 26/ 6/ 1983 بسحب موافقته السابق صدورها في 25/ 12/ 1973 على إقامة مشروع المؤسسة فإن الأمر يكون محصوراً بين طرفيه وهما مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمؤسسة الطاعنة ولم تكن جمعية العاشر من رمضان طرفاً في هذا القرار المطعون فيه، ومن ثم فلا يكون لها أية صلة مباشرة بالموضوع مما يوجب الحكم بعدم قبول تدخلها خلافاً لما انتهى إليه الحكم المطعون فيه. لا سيما وأن جمعية العاشر من رمضان قد استندت في طلب تدخلها إلى ادعائها بتملك جزء من الأرض المؤجرة للمؤسسة الطاعنة من هيئة الأوقاف بموجب عقدين مسجلين اشترت بموجبهما مساحة 16 س، 10 ط، 246 ف من ورثة حميدة خلاف مستندة في ذلك إلى فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع حول الخلاف على ملكية الأرض الواقعة على الشريط الساحلي بين الكيلو 20 والكيلو 47 طريق إسكندرية مطروح والتي انتهت فيها الجمعية إلى أن أرض النزاع ضمن أراضي داخلة في ملكية الدولة الخاصة ومن ثم فلا مصلحة لجمعية العاشر من رمضان في طلب تدخلها في الدعوى.
ومن حيث إن مثار المنازعة في هذا الطعن هو ما إذا كان مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة يملك سلطة إسقاط الموافقة الصادرة عنه من قبل للمشروعات الاستثمارية، وما إذا كان القرار الصادر منه بجلسته المنعقدة بتاريخ 26/ 6/ 1983 انطلاقاً من هذه السلطة قد قام على السبب المسوغ لإصداره من عدمه.
ومن حيث إنه يبين من استعراض التطور التشريعي للقوانين الخاصة باستثمار المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة إن المشرع المصري قد أصدر عدة قوانين تتفق جميعها في الهدف والحكمة من إصدارها وإن اختلفت كل منها عن الأخرى من حيث التنظيم والوسائل التي تضمن تحقيق هذه الأهداف، وإذ اتفقت هذه القوانين على تحقيق رغبة الشارع المصري في تشجيع رؤوس الأموال العربية والأجنبية على الاستثمار داخل الأراضي المصرية وتوفير العديد من المزايا والضمانات لهذه الأموال تشجيعاً لها على الإسهام في إنعاش الاقتصاد القومي، إلا أن هذه القوانين لم تنتهج مسلكاً واحداً في تحديد هذه الضمانات التي يوفرها للمشروعات الاستثمارية ومدى سلطة الدولة في وضع القيود اللازمة عليها حماية للاقتصاد الوطني بحسبانه هو الغاية النهائية من إصدار هذه التنظيمات فبينما حددها المشرع في القانون رقم 43 لسنة 1974 ولائحته التنفيذية لظهور عصر الانفتاح الاقتصادي - على أساس واضح ومنضبط يحدد الإجراءات الخاصة بتقديم طلبات الاستثمار والشروط والبيانات الواجب توافرها بشأن المشروعات المقدمة إلى مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار حتى تصدر موافقتها على المشروع ونص في المادة 27 منه على اعتبار هذه الموافقة ساقطة من تلقاء نفسها إذا لم يقم المستثمر باتخاذ خطوات جدية خلال ستة أشهر من صدورها، فإن القانون رقم 65 لسنة 1971 بشأن استثمار المال العربي والمناطق الحرة كان له مسلك آخر يتفق مع الفهم القائم في ذلك الوقت لسلطة الدولة وسيطرتها على كافة مرافقها بحسبانه الأصل العام في تحقيق سيادة الدولة على إقليمها تشريعاً وتنفيذاً وقضاء وانطلاقاً من هذا الأصل جعل مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهيمنة على تصريف شئونها ووضع السياسة العامة التي تسير عليها، وله أن يتخذ ما يراه لازماً من قرارات لتحقيق الغرض الذي قامت من أجله الهيئة (م 13) وخوله حق إنشاء مناطق حرة لإقامة مشروعات صناعية أو تجارية أو مالية يساهم فيها رأس المال العربي والأجنبي (م 19) كما جعل من مجلس إدارة الهيئة السلطة العليا المهيمنة على شئون المناطق الحرة ووضع السياسة العامة التي تسير عليها وله أن يتخذ ما يراه لازماً من القرارات لتحقيق الغرض الذي تنشأ من أجله هذه المناطق (م 20)، وبمقتضى هذا التنظيم يملك سلطة إصدار القرارات التنظيمية الخاصة بإجراءات تقديم طلبات المستثمرين والشروط والبيانات اللازمة في المشروعات التي يتقدم بها المستثمرون وطبيعة الموافقة التي تقدمها الهيئة وحدودها واستمرارها طبقاً لإجراءات التنفيذ التي تعبر عن جدية المشروع ومدى جدواه من الناحية الفنية والاقتصادية في إنعاش الاقتصاد المصري، وبذلك جرى العمل لدى الهيئة العامة للاستثمار في ظل القانون رقم 65 لسنة 1971، على أن يتقدم المستثمر بطلب يعرض على مجلس إدارتها مبيناً به ظروف المشروع والبيانات الخاصة بصفة إجمالية فيصدر المجلس بعد دراسة المشروع موافقته المبدئية عليه، بعد أن يجدد للمستثمر الإجراءات التنفيذية التي يجدر به اتخاذها حتى يبلغ المشروع أهدافه ويحدد له المهلة المناسبة للقيام بها، وإعادة عرض الأمر على مجلس الإدارة من جديد لتقرير مدى أهمية الاستمرار في الموافقة أو غض النظر عن المشروع طبقاً لما يقدمه المستثمر من إجراءات جادة نحو التنفيذ.
فإذا كان الثابت من الأوراق أن المؤسسة الطاعنة قد تقدمت إلى مجلس إدارة الهيئة المطعون ضدها في 13/ 11/ 1973 بطلب لإقامة معمل لتكرير البترول تحت نظام المناطق الحرة وفقاً لأحكام القانون رقم 65 لسنة 1971 أرفقت به مذكرة مختصرة بشأن الخطوط الرئيسية للمشروع أوضحت فيه قيمة رأس المال المقترح والموقع المزمع إنشاؤه عليه والجدول الزمني للبدء في التنفيذ وبجلسة 25/ 12/ 1973 أصدر مجلس إدارة الهيئة قراراً بالموافقة المبدئية على المشروع على أن تقوم المؤسسة الطاعنة بتنفيذ البرنامج الزمني الذي توافق عليه الهيئة وفي مقدمته الدراسة الفنية والاقتصادية للمشروع كما تقدم بياناً بالمصادر المحددة لاستيراد خام النفط اللازم لأغراض المشروع والمصادر اللازمة لتمويله، وبتاريخ 19/ 6/ 1974 أخطرتها بضرورة موافاتها بالبيانات المشار إليها والتي أثبتت عليها الموافقة المبدئية لمجلس الإدارة وحررت لها موعداً أقصاه شهر من التاريخ المذكور وإلا اعتبرت الموافقة المبدئية على المشروع كأن لم تكن، وأعادت عليها الكرة بتاريخ 3/ 10/ 1974 مع منحها مهلة أخرى قدرها شهران لتقديم المستندات المشار إليها، وبعد أن أصدرت الهيئة قراراً بإنشاء منطقة حرة خاصة في الموقع الذي تقدمت به المؤسسة الطاعنة في طلبها أعيد عرض الأمر على مجلس إدارة الهيئة بجلسته المنعقدة في 13/ 12/ 1977 لبحث مدى جدية المشروع والإجراءات المطلوب اتخاذها فقرر المجلس إلزام المؤسسة الطاعنة بتقديم ما يأتي:
أولاً: دراسة الجدوى للمشروع وذلك قبل أول مارس سنة 1978.
ثانياً: عقد نهائي لتوريد الخام.
ثالثاً: عقد تكوين الشركة.
رابعاً: مصادر التمويل للمشروع.
ومنحها مهلة لتقديمها قدرها ستة أشهر من تاريخ تقديم دراسة الجدوى ولما لم تتقدم المؤسسة بالمستندات المشار إليها أعادت الهيئة مطالبتها بذات المستندات في 14/ 11/ 1978، إلا أن المؤسسة الطاعنة لم تعر طلب الهيئة اهتماماً إلا بتاريخ 25/ 12/ 1978 حيث وجهت إلى السيد وزير الدولة للتعاون الاقتصادي خطاباً تعرض فيه لبعض المشاكل التي اعترضت المشروع، ثم ألحقت به خطاباً في 31/ 12/ 1978 تبدي فيه اعتذارها عن تنفيذ طلبات الهيئة، وفي 15/ 10/ 1980 عقد مجلس إدارة الهيئة اجتماعاً لدراسة موقف المؤسسة الطاعنة والعقبات التي تعترض تنفيذ المشروع المقدم منها وانتهى المجلس إلى ضرورة التزام المستثمر بتقديم خطاب نوايا من بنك يتضمن مصادر التمويل للمشروع، وتقديم عقد توريد خمسة ملايين طن بترول خام لمدة عشر سنوات وذلك في موعد أقصاه 31/ 12/ 1981 على أن تشكل لجنة من ممثلين من الهيئة ووزارات الصناعة والبترول والثروة المعدنية والسياحة لدراسة موقف المشروع بعد تقديم خطاب النوايا والعقد المشار إليه، إلا أن المؤسسة الطاعنة امتنعت عن تقديم المستندات المطلوبة بمقولة إن طبيعة عملها تحول دون تعريض مستنداتها للاطلاع عليها إلا بصفة سرية، ولما أصرت الهيئة على تقديم المستندات المشار إليها باعتبارها الحد الأولى الذي يتمثل فيه مدى جدية المشروع، أفادت المؤسسة الطاعنة أن الخطاب الخاص بمصادر التمويل قد حصلت عليه فعلاً من أحد البنوك العالمية إلا أنها ليست على استعداد لعرضه على مجلس إدارة الهيئة حفاظاً على سريته، وأنها لا تستطيع أن تطلع عليه أحداً إلا النائب الأول لرئيس الوزراء أو نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية شخصياً الأمر الذي رفضه السيد/ نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية استناداً إلى أن مجلس إدارة الهيئة هو وحده المختص بتقييم خطاب النوايا المدعي بوجوده تحت يد المؤسسة الطاعنة وتقدير مدى جديته في تمويل المشروع، وظل امتناع المؤسسة الطاعنة عن تقديم المستندات التي طلبتها الهيئة قائماً حتى صدر قرار مجلس إدارتها المطعون فيه بإسقاط الموافقة على المشروع.
ومن حيث إنه يبين من العرض المتقدم أن الموافقة المبدئية على المشروع الصادرة من مجلس إدارة الهيئة المطعون ضدها - كانت منذ صدورها وحتى تاريخ صدور قرار الإسقاط موافقة مقترنة بالشروط التي أفصحت عنها الهيئة منذ تاريخ الموافقة على المشروع والتي ارتبطت في عقيدتها بمدى جدية المشروع وظلت تطالب المؤسسة الطاعنة بتنفيذها وتعطيها المهلة تلو المهلة لتقديمها، بعد أن وضعت كل إمكانياتها لإعانتها على الحصول عليها وتدعيم موقفها لدى الجهات الحكومية والأجنبية حتى تقاعست المؤسسة الطاعنة عن استكمال المستندات التي اقترنت بها موافقة الهيئة المبدئية وظلت أساساً قيامها والاستمرار فيها، ومن ثم تفقد هذه الموافقة المشروطة سند قيامها في الوقت الذي ثبت فيه للهيئة امتناع المؤسسة الطاعنة أو عجزها عن تقديم المستندات أو تنفيذ الإجراءات التي تتحقق بها الشروط، ويكون للهيئة في الوقت الذي ترى فيه تعذر تحقق هذه الشروط سحب موافقتها المبدئية على المشروع واعتبارها كأن لم تكن، دون التحدي بنشوء حقوق مكتسبة للغير أو مركز قانوني لا يسوغ المساس به، ما دام قرارها في هذا الشأن قد قام على أسباب جدية تسوغ إسقاط هذه الموافقة لتعذر إقامة المشروع بمعرفة المؤسسة الطاعنة وعجزها أو امتناعها عن تنفيذه طبقاً للاشتراطات التي تعلقها بها الموافقة المبدئية السابقة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الهيئة المطعون ضدها لم تأل جهداً في سبيل إعانة المؤسسة الطاعنة على إقامة المشروع الذي تقدمت به ومنحها الفرصة تلو الفرصة لتنفيذ الشروط التي تعتبرها للهيئة معيار الحكم على جدية المشروع وأهمها تقديم خطاب نوايا من أحد بيوت المال يبين مصادر التمويل، وعقد تتعهد إحدى المؤسسات البترولية بمقتضاه في حال قيام المشروع - بتوريد خمسة ملايين طن من البترول الخام وعززت موقفها بإرسال خطابات إلى المؤسسات البترولية والمالية أوضحت فيها أهمية المشروع ودعت فيها هذه المؤسسات للتعاون مع المؤسسة الطاعنة، إلا أن المؤسسات المذكورة قد اعتذرت عن الإسهام في المشروع والتعهد بتوريد النفط الخام في حالة قيامه - مما حدا برئيس المؤسسة الطاعنة إلى إرسال خطاب إلى الرئيس آية الله الخوميني موقعاً منه تحت اسم الأمير محمد الفضل الندراوي "يطلب منه إمداد المشروع بما يحتاجه من النفط الخام وقدره 250 ألف برميل زيت من الصنف الجيد لتشغيل معمل تكرير البترول خلال عام 1985 ولمدة اثني عشر عاماً، بعد أن أكد له أن إنتاج هذا المعمل سوف يستخدم من خلال المجموعة الإسلامية أو المنظمات الإسلامية للصناعة في الوجه القبلي والسودان" على النحو الوارد بتقرير اللجنة المشتركة المشكلة بمجلس الشعب للنظر في الموضوع ومع ذلك فلم يثبت من الأوراق أن المؤسسة الطاعنة قد تلقت رداً من الحكومة الإيرانية متضمناً التعهد بتوريد الكمية المطلوبة من النفط الخام، كما عجزت نهائياً عن تقديم ما يفيد إمكانية توفير هذه الكمية من البترول الخام اللازم لتشغيل المعمل المزمع إنشاؤه من أية جهة أخرى بعد أن اعتذرت المؤسسة المصرية العامة للبترول عن تقديم هذا التعهد لعدم وجود فائض لديها من البترول الخام من ناحية، وخضوع بترولها الخام في حالة وجود الفائض لسياسة خاصة في التسويق تمنع التزامها بالتوريد مسبقاً لجهة معينة، ومن ناحية أخرى فقد امتنعت المؤسسة الطاعنة عن تقديم خطاب النوايا الذي طلبته الهيئة لبيان مصادر تمويل المشروع بحجة عدم تعريض مستنداتها للاطلاع عليها إلا بصفة سرية وهي حجة واهية، مهما كانت سلامة الباعث عليها، ذلك أنه لا يمكن إجبار الهيئة - بحسبانها السلطة المختصة - على الموافقة على المشروع في الوقت الذي يحجب عنها الاطلاع على خطاب النوايا لتقدير قيمة مصادر التمويل الواردة به ومدى قدرتها على تنفيذ المشروع، ومن ثم فإن ادعاء المؤسسة الطاعنة بأن خطاب النوايا موجود تحت يدها إلا أنها لن تطلع عليه أحداً إلا النائب الأول لرئيس الوزراء أو نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، إنما يعد بذاته إفصاحاً من المؤسسة المذكورة عن إرادتها في الامتناع عن تقديم المستندات التي طلبتها الهيئة وأصرت عليها واعتبرتها أساساً لقيام الموافقة على المشروع والاستمرار فيه وظلت على امتناعها هذا اعتباراً من تاريخ الموافقة المبدئية على المشروع في 25/ 12/ 1973 حتى 26/ 6/ 1983 تاريخ صدور القرار المطعون فيه، كما امتنعت عن إقامة منشئات بالموقع الذي خصصته لها الهيئة وأصدرت قراراً باعتباره منطقة حرة خاصة تتمتع بكافة امتيازات المناطق الحرة منذ عام 1977، ولم تتقدم للجهات المختصة بالترخيص لها بإقامتها على الرغم من استلامها الأرض المخصصة للمشروع وامتناع التعرض لها من الغير بمقتضى أحكام نهائية استقر بها المقام في عام 1981، وقد أجمعت تقارير اللجان المشكلة من الوزارات المعنية واللجنة التي شكلها الجهاز المركزي للمحاسبات واللجنة التي شكلها قطاع المناطق الحرة بالهيئة العامة، أن الموقع لا يزال خالياً من أية منشآت سوى أربع لافتات للإعلان عن المشروع، الأمر الذي يدل على أن المؤسسة الطاعنة قد امتنعت عمداً أو عجزاً - عن اتخاذ الإجراءات التنفيذية لإقامة المشروع مما حدا بالهيئة إلى إصدار القرار المطعون فيه بسحب الموافقة على المشروع، فإن قرارها في هذا الشأن يكون قد صدر من الجهة التي تملكه قانوناً في حدود السلطة المخولة لها بإحداث أثر قانوني معين هو إسقاط الموافقة على المشروع وإهدار آثارها للأسباب الجدية التي تسوغ تدخلها لإحداث هذا الأثر وهي امتناع المؤسسة الطاعنة عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ المشروع على الوجه الذي اشترطته الموافقة المبدئية الصادرة من مجلس إدارة الهيئة اعتباراً من 25/ 12/ 1973.
ومن حيث إنه لا يسوغ للمؤسسة الطاعنة التحدي بأنها قد أبدت استعدادها فيما بعد لتقديم خطاب النوايا المطلوب وعرضه على مجلس إدارة الهيئة، إذ الثابت من الأوراق أن المؤسسة المذكورة قد امتنعت عن تقديم الخطاب المطلوب إلى الهيئة لدراسته بمعرفة مجلس إدارتها حتى تاريخ صدور القرار المطعون فيه بإسقاط الموافقة على المشروع، ومن ثم فلا يجديها في توقي آثار هذا الإسقاط، أو إظهاره بمظهر القرار غير المشروع أن تبدي استعدادها أمام محكمة القضاء الإداري أو تضع المستندات الدالة على ذلك تحت نظرها إذ أن المحكمة المذكورة غير مختصة أصلاً بالموافقة على المشروعات الاستثمارية أو دراسة جدواها الاقتصادية.
ومن حيث إنه لا وجه للنعي على الحكم المطعون فيه فيما قضى به من قبول تدخل جمعية العاشر من رمضان تدخلاً انضمامياً للجهة الإدارية، بحجة انتفاء الصلة المباشرة بين الجمعية المذكورة والخصومة القائمة المنحصرة بين المؤسسة الطاعنة والهيئة العامة للاستثمار في شأن قرارها الصادر بإسقاط الموافقة على المشروع محل النزاع، لا وجه لذلك ما دامت الجمعية المذكورة تدعي حقاً على الأرض محل المشروع، وكان الحكم الصادر لمصلحة المؤسسة الطاعنة - بفرض صدوره - سوف يؤدي في النهاية إلى الترخيص لها بإقامة مشروعها على الأرض التي تدعي الجمعية حقاً عليها، مما يجعل لها مصلحة قانونية مباشرة قد يمسها الحكم فيما عساه أن يرتبه من آثار لا تقف عند حد المؤسسة الطاعنة، بل تتعداه إلى كل من يدعي حقاً على الأرض المخصصة لإقامة المشروع ومن بينها الجمعية طالبة التدخل، الأمر الذي يتعين معه القضاء بقبول تدخلها. وإذ انتهجت المحكمة المطعون في حكمها هذا النهج وقضت برفض الدعوى بعد أن استبان لها قيام القرار المطعون فيه على السبب المسوغ له قانوناً، فإن حكمها في هذا الشأن يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم من القانون خليقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت المؤسسة الطاعنة بالمصروفات.