مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1986 إلى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1227

(167)
جلسة 1 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عبد العزيز بسيوني ودكتور محمود جودت الملط ومحمود عبد المنعم موافي وثروت عبد الله أحمد المستشارين.

الطعن رقم 1420 لسنة 31 القضائية

( أ ) دعوى - دفوع في الدعوى - الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم - كيفية إبدائه وحسابه.
الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم يشترط لإبدائه بيان المقومات التي يستند عليها - أهم هذه المقومات بيان حساب المدة التي بانقضائها سقطت الدعوى - إغفال هذا البيان ينحدر بالدفع إلى عدم الجدية ويصمه بالمشاكسة - المعول عليه في مجال حساب مدة التقادم المسقط للدعوى التأديبية ليس هو تاريخ إحالة المتهم إلى المحكمة التأديبية وإنما هو التاريخ الذي نشطت فيه الجهة المختصة إلى اتخاذ إجراءات التحقيق - تطبيق.
(ب) مسئولية إدارية - مسئولية تقصيرية - التضامن.
أعمال المسئولية التضامنية يجد مجاله في نطاق المسئولية المدنية - المسئولية التأديبية شأنها شأن المسئولية الجنائية لا تكون إلا شخصية - مؤدى ذلك: - عدم جواز أعمال التضامن في نطاق المسئولية التأديبية على مرتكب الذنب الإداري - تطبيق.
(جـ) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - مخالفة تأديبية - سلوك الموظف خارج الوظيفة.
الموظف العام مطالب في نطاق أعمال وظيفته وخارجها أن ينأى بنفسه عن التصرفات التي من شأن ما يعكسه إتيانه لها من آثار على الوظيفة العامة أن تجعله مرتكباً لمخالفة واجبات هذه الوظيفة - من بين هذه الواجبات ألا يسلك الموظف خارج الوظيفة مسلكاً يمس كرامة الوظيفة - أي مسلك ينطوي على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة الوظيفة يشكل ذنباً إدارياً يستوجب المساءلة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في اليوم الثلاثاء الموافق 19/ 3/ 1985 أودع الأستاذ أنور عبد الفتاح المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1420 لسنة 31 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالمنصورة بجلسة 20/ 1/ 1985 في الدعوى رقم 49 لسنة 12 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن والقاضي ببراءته من التهمة الأولى المسندة إليه وبمجازاته عن التهمة الثانية بحرمانه من نصف العلاوة الدورية.
وقد طلب الطاعن في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته بحرمانه من نصف العلاوة الدورية بسبب قيامه بصرف مبلغ 4906.500 جـ من أموال الجمعية دون وجه حق وعدم تقديم مستندات صرف مع القضاء ببراءة الطاعن من هذه المخالفة.
وبعد أن تم إعلان الطعن إلى أصحاب الشأن على النحو المبين بالأوراق قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني رأت فيه للأسباب المبينة به، قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 25/ 12/ 1985 وبجلسة 25/ 1/ 1985 قررت الدائر إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظره بجلسة 8/ 2/ 1986 وبتلك الجلسة استمعت المحكمة لما رأت لزوماً للاستماع إليه من إيضاحات ذوي الشأن وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والاستماع إلى الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يتلخص من الأوراق في أنه بتاريخ 13/ 10/ 1983 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية بالمنصورة تقرير اتهام ضد السيد/ ........ مدير مدرسة طلعت حرب الثانوية التجارية بالزقازيق وأمين صندوق الجمعية التعاونية لبناء المساكن للعاملين بالتربية والتعليم بالشرقية سابقاً، لأنه في غضون المدة من مارس سنة 1980 حتى 22/ 12/ 1980 بمقر عمله سلك مسلكاً معيناً لا يتفق والاحترام الواجب وخالف القواعد والأحكام المالية المعمول بها في قانون التعاون الإسكاني والنظام الداخلي للجمعية بأن:
1 - امتنع عن تسليم الأوراق والمستندات الخاصة بالجمعية التعاونية لبناء المساكن للعاملين بالتربية والتعليم بالشرقية والتي كانت بعهدته إلى...... رئيس الجمعية المنتخبة واستولى عليها لنفسه وذلك على النحو المبين بالأوراق تفصيلاً.
2 - قام بصرف مبلغ 4906.500 من أموال الجمعية بدون وجه حق ولم يقدم عنها مستندات صرف على النحو الموضح بالأوراق.
وخلصت النيابة إلى أنه بذلك يكون قد ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها، بالمادتين 76/ 3، 77/ 1 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978. وطلبت محاكمته بالمادتين المذكورتين من نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه وطبقاً للمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15/ 1، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وبجلسة 20/ 1/ 1985 حكمت المحكمة ببراءته من التهمة الأولى المسندة إليه وبمجازاته عن التهمة الثانية بحرمانه من نصف العلاوة الدورية وأقامت قضاءها على أساس أنه وبالنسبة للمخالفة الأولى فقد خلت أوراق الدعوى من حصر دقيق للأوراق والمستندات الخاصة بالجمعية كما لم يثبت أن هذه الأوراق قد سلمت إلى المتهم بالفعل بصفته أميناً لصندوق الجمعية وإن جانباً منها حسبما شهد به الشهود وكشفت عنه الأوراق كان بعهدة سكرتير الجمعية هذا بالإضافة إلى محاضر تسليم وتسلم لهذه الأوراق إلى مجلس إدارة الجمعية الجديد، كل ذلك يجعل المحكمة لا تطمئن إلى ثبوت التهمة قبل المتهم مما يتعين الحكم ببراءته منها. أما بالنسبة للمخالفة الثانية فقد استبان لها من المستندات وتقرير اللجنة التي انتدبتها النيابة العامة للتفتيش على أعمال الجمعية قيام المتهم بصرف المبالغ المبينة بتقرير اللجنة دون مستندات وصرف هذه المبالغ يفترض بالضرورة أن يكون صرفها بعد تقديم المستندات الدالة على الصرف في الوجه الذي تقررت له وعلى ضوء ذلك يبين أن المتهم قام بصرف المبالغ المشار إليها بتقرير اللجنة والبالغ جملتها 4906.500 على النحو المبين بتقرير الاتهام دون أن يحصل مقدماً على موافقة مجلس إدارة الجمعية في كثير من الحالات كما أنه قام بصرف هذه المبالغ دون أن يحصل على المستندات التي تثبت صرفها في الأوجه التي تقررت لها ومن ثم فالأمر يشكل في حقه ذنباً تأديبياً يستوجب مجازاته.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم قد خالف القانون فيما تضمنه من إدانة الطاعن في المخالفة الثانية ومجازاته عنها ذلك أنه انتهى إلى أن جملة المبالغ التي صرفت دون مستندات هي 4906 جنيه وهو ما يعني أن لهذا المبلغ الإجمالي مفردات تم صرفها في الأوجه المختلفة ولم يفصح الحكم المطعون فيه ولا المستندات التي أشار إليها بما في ذلك تقرير اللجنة المشكلة بمعرفة النيابة العامة بيان هذا المبلغ سواء في جملته أو مشرداته وليس في الأرقام التي أشار إليها هذا التقرير عن الفترة من عام 1975 حتى عام 1980، ما يطابق بعد مبلغ 4906 جنيه المشار إليها في الحكم المطعون فيه كما أن تقرير هذه اللجنة ولئن كان قد انتهى إلى أن بعض المصروفات الخاصة بتسجيل الأراضي لم يقدم عنها مستندات صرف أو قدمت مستندات صرف غير كافية عنها فإن مثل هذه العبارات التي لا تتضمن أرقاماً محددة لا يصح أن تصبح سنداً للإدانة.
كما أن الحكم وقد انتهى إلى براءة الطاعن من اتهامه بالامتناع عن تقديم مستندات الجمعية ومن بينها محاضر اجتماعات مجلس إدارتها وجمعيتها العمومية وكافة ما يتعلق منها بالصرف يعني ذلك أن هذه المستندات لم تعد في حوزته وأصبح يتعذر على الطاعن تقديمها وكان يتعين على المحكمة أن تكلف رئيس الجمعية الجديدة أن يقدمها وإغفال المحكمة ذلك يعيب حكمها وينعته بالقصور لا سيما وإن الطاعن لم يواجه بهذه المخالفة إلا بعد تجرده من هذه المستندات ومن ثم فإن الحكم يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ومن ثم فهو جدير بالإلغاء. هذا وقد قدم الطاعن مذكرة بجلسة 25/ 12/ 1985 أورد فيها أنه لم يواجه بالمخالفة في كل مراحل التحقيقات سواء أمام النيابة العامة أو النيابة الإدارية أو أمام المحكمة التأديبية كما دفع الدعوى بالتقادم بقوله إن المخالفات المنسوبة إليه وقعت في مدد أقصاها عام 1979 وقد مضت المدة القانونية المقررة لتقادم الدعوى التأديبية وقبل إحالته للمحاكمة التأديبية وأضافت أن الحكم قد فصل هذه المخالفة ببيانه المبالغ التالية 2760 جنيه مصروفات تسجيل الأرض دون أن تقدم عنها مستندات 600 جنيه إكراميات للعاملين بالشهر العقاري مع عدم وجود مستندات صرف 160 جنيه صرفت خلال عمليات الردم قيمة نثريات لم تقدم عنها أية مستندات 373.500 صرفت في 31/ 4/ 1979 رغم أن هذا التاريخ لا وجود له و4725.500 سددت كمصروفات ردم خلال عام 1979 وإن هذه المخالفات تقوم كل منها بذاتها ويترتب على انتفاء واحدة منها أو أكثر فإن ذلك يكون له أثر قانوني في تقدير الجزاء والبادي لأول وهلة أن مجموع هذه المبالغ يزيد على مبلغ 4906.500 وفي مقام تفنيد هذه المبالغ ذكر أنه قد تم صرفها بشيكات وإن توقيع الصادر لصالحه الشيك على كعب الشيك باستلامه يعتبر في العرف المحاسبي مستنداً للصرف بالإضافة إلى أن جميع المبالغ صرفت بموافقة مجلس الإدارة كما أن كافة المخالفات بفرض قيامها جدلاً تقوم في حق أعضاء مجلس الإدارة متضامنين وفقاً لأحكام القانون. كما قدم الطاعن مذكرة أخرى لجلسة 22/ 1/ 1986 أورد فيها أنه بافتراض وقوع الخطأ في حق الطاعن فإن الخطأ الذي وقع فيه قد وقع منه بصفته أميناً لصندوق الجمعية وعضو مجلس إدارة الجمعية وبالتالي فهو بعيد عن مجال وظيفته كوكيل بمديرية التربية والتعليم ومن ثم فلا يقبل أن يكيف هذا الخطأ بأنه خروج على مقتضى الواجب الوظيفي ويتم تأثيمه وفقاً لأحكام المادتين 76، 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 لأن ذلك يقتضي أن يقع منه أثناء قيامه بالوظيفة.
ومن حيث إنه عن الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بالتقادم فيجدر ابتداء الإشارة إلى أن هذا الدفع ولئن كان قد أبدى دون بيان المقومات التي يستند عليها وأبسطها بيان كيف تم حساب المدة التي بانقضائها سقطت الدعوى مكتفياً بالقول أن المخالفات المنسوبة للطاعن وقعت في مدد أقصاها عام 1979 مما ينحدر بالدفع إلى عدم الجدية ويصمه بالمشاكسة إلا أن الثابت من الأوراق وباعتراف الطاعن نفسه أمام المحكمة التأديبية حسبما هو ثابت بمحضر جلسة 21/ 4/ 1984 أنه استمر يعمل أميناً للصندوق حتى مايو سنة 1980 ونفى ما ورد بمذكرة دفاع بأنه قدم استقالته وقبلت في 24/ 11/ 1979 بمقولة إن ما ذكره من أنه استمر في عمل أمين صندوق الجمعية حتى مايو سنة 1980 هو الحقيقة فإنه ترتيباً على ذلك تبقى مسئوليته معقودة عن أعماله كأمين صندوق الجمعية وما تعكسه عليه من آثار حتى مايو 1980 يضاف إلى ذلك أن المعول عليه في مجال حساب مدة التقادم المسقط للدعوى التأديبية ليس هو تاريخ إحالة المتهم إلى المحاكمة التأديبية كما يذهب إلى ذلك الطاعن - وإنما هو التاريخ الذي نشطت فيه الجهة المختصة إلى اتخاذ إجراءات التحقيق والمقطوع به أن مدير الاتحاد التعاوني بالشرقية قد بادر بتحريك هذه الإجراءات بإرسال كتابه الرقيم 1450 في 8/ 4/ 1980 إلى مدير إدارة التعاون مبلغاً عن الأوضاع التي يمر بها تسيير الأمور في الجمعية وغير ذلك من الأمور التي شابت إدارة الجمعية ثم تتابعت بعد ذلك الإجراءات بأن أعدت إدارة التعاون بتاريخ 8/ 4/ 1980 مذكرة لإحالة الموضوع للتحقيق وفي 2/ 10/ 1980 انتهت الإدارة القانونية إلى إحالة الأمر إلى النيابة الإدارية وفي 29/ 10/ 1980 وفق رئيس مجلس الإدارة على أن يتم هذه الإحالة وفي 6/ 11/ 1980 أحيلت الأوراق إلى النيابة الإدارية بكتاب الشئون القانونية بالهيئة العامة لتعاونيات الإسكان وفي 12/ 11/ 1980 باشرت النيابة الإدارية التحقيق واستمعت للطاعن في 18/ 12/ 1980 وانتهى الأمر في هذه المرحلة من تحقيق النيابة الإدارية إلى إحالتها إلى النيابة العامة وتمت إحالتها إليها في 21/ 1/ 1981 وقد قررت النيابة العامة في 21/ 4/ 1981 أن تشكل لجنة لفحص الموضوع وتقديم تقرير عنه وسمعت النيابة العامة أقوال الطاعن في 30/ 10/ 1982 وانتهت النيابة العامة بمذكرتها المؤرخة 19/ 2/ 1983 بالاكتفاء بمسألة الطاعن تأديبياً رغم ثبوت في حقه الجنحة المؤثمة وفقاً لأحكام القانون رقم 109 لسنة 1975 بشأن التعاون الإسكاني ومن ثم إحالتها بالتاريخ ذاته إلى النيابة الإدارية التي عاودت التحقيق في 23/ 3/ 1983 وقدمت الطاعن إلى المحكمة في 31/ 10/ 1983 وبالابتناء على ما تقدم يكون الثابت من الأوراق أنه في 8/ 4/ 1980 تاريخ مبادرة مدير الاتحاد التعاوني بالشرقية بتحريك إجراءات التحقيق الذي أسفر عن إسناد المخالفات موضوع الاتهام الطاعن لم تكن قد اكتملت مدة سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة لها بحسبانها لم تنقضي عليها مدة السقوط وفقاً لما ذهب إليه الطاعن من أنها وقعت عام 1979 ومن 7/ 4/ 1980 تتابعت الإجراءات على النحو السابق توضيحه حتى تقديمه إلى المحاكمة دون أن يفارق بين إجراء وآخر مدة زمنية تكتمل بها مدة سقوط الدعوى ومن ثم يكون الدفاع بسقوط الدعوى التأديبية غير قائم على أسباب صحيحة من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الطاعن من أنه لم يواجه بالمخالفة الثابتة التي انطوى عليها تقرير الاتهام والتي أدانه فيها الحكم المطعون فيه مردود عليه بأن الثابت من تحقيقات النيابة العامة صحيفة 77 وما بعدها) أنه وجه جميع المبالغ التي صرفت على تسجيل الأرض دون مستندات حسبما هو مبين بتقرير اللجنة التي أمرت بتشكيلها النيابة العامة وإنه قرر أنه لا يوجد مستند سوى المذكرة التي وافق عليها مجلس الإدارة على الصرف وبمعاودة سؤاله عما إذا كان قد قدم مستندات أخرى دالة على الصرف غير هذه المذكرة قرر أنه لا يوجد إلا هذه المذكرة كما وجه أيضاً أمام النيابة العامة بالمبالغ التي صرفت ودون مستندات على الردم حسبما تصلها تقرير اللجنة المشار إليها تقرر أن "الفواعلية" لا يستطيعوا وضع مستندات موقع عليها ومن ثم يفدو هذا الوجه من الطعن لا أساس له من الواقع أو القانون.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم، وقد اعترف الطاعن نفسه أمام النيابة العامة أن الصرف محل هذه المخالفات لا يوجد له مستندات سوى موافقة مجلس إدارة الجمعية يصبح والحال هذه لا جدوى من مطالبة مجلس الإدارة الجديد بأن يقدم ما تحت يده من مستندات إذ لا وجود لها باعتراف الطاعن وترتيباً على ذلك لا يتأتى القول أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور عندما لم يكلف رئيس الجمعية الجديد بتقديم هذه المستندات إذ أن هذا التكليف أصبح لا محل له في ظل اعتراف الطاعن المنوه عنه فيما تقدم بيانه.
ومن حيث إنه عما ذهب إليه تقرير الطعن من أن ما انتهى إليه تقرير اللجنة من أن بعض المصروفات لم تقدم مستندات صرف أو قدمت مستندات صرف غير كافية عنها لا يصح أن يكون سنداً للإدانة لا سيما وأن مبلغ 4916.500 الذي يمثل بماله المبالغ التي صرفت دون مستندات يعني أن يكون له مفردات تم صرفها في الأوجه المختلفة وهو ما لم يفصح عنه الحكم فإنه الثابت من تقرير اللجنة في الصفحات من 4 إلى 7 الخاصة بحيث حساب مصروفات التسجيل أن مجموع المبالغ الواردة في البنود من (1) إلى (20) هو 3927.000 جنيه فإذا ما استبعد منها ما جاء بالبند رقم 10 وهو 600.000 باعتبارها إكراميات الشهر العقاري وتم مواجهة الطاعن بهذا المبلغ استقلالاً وما جاء منها في البند (14) وهو 30.000 لا علاقة له بالتسجيل إذ أنه مكافأة عن إنجاز عمل بمصلحة الضرائب وما جاء منها في البند (15) وهو 280.000 لا علاقة له بالتسجيل لأنه مكافأة وبدل انتقال للمهندسين وما جاء منها في البند (40) وهو 257.000 لا علاقة له بالتسجيل ومقدم عنه مستند صرف هو إيصال رسمي بخلاف الدفعات فإن استبعاد مجموعها البالغ 1167.000 من الإجمالي وهو 3927.000 يؤدي إلى أن يكون المتبقي هو مبلغ 2760.000 وهو مجموع المبالغ المبينة في البنود الأخرى من التقرير والتي تتعلق بمصروفات وهو المبلغ الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه صراحة بالإضافة إلى مبلغ التسجيل الذي نوه عنها تقرير اللجنة إنها صرفت دون مستندات صرف الـ 600.000 المقول بأنها إكراميات للعاملين بالشهر العقاري في مجال ما تم صرفه ودون سند صرف في شئون التسجيل واعتبر الحكم بحق أن الطاعن لم يقدم عن هذه المبالغ مستندات صرف ذلك أنه بالإضافة إلى ما قرره الطاعن نفسه في تحقيقات النيابة العامة في هذا الشأن من أنه ليس لها مستندات صرف إلا موافقة مجلس الإدارة وهي في حقيقة الأمر لا تعتبر مستند صرف ولا من شأنها نفي المخالفة كما يذهب إلى ذلك الطاعن في مذكراته أمام هذه المحكمة وإنما موافقة على الصرف على أمر معين وبذلك فهي نبتة الصلة بما يجب أن يقدم من مستند يثبت استحقاق الصرف وهو ما اصطلح على تسميته بمستند الصرف الذي يتعين على من يقوم الصرف أن يستوفيه قبل الصرف حتى يتم صحيحاً ولا ينال من صحة ذلك ما ذهب إليه الطاعن من أن الشيكات الصادرة بهذه المبالغ تعتبر وفقاً للصرف المحاسبي مستنداً للصرف إذ بالإضافة إلى أن عرفاً من هذا القبيل لم يجرى فمن المتفق عليه قانوناً أن الشيك أداة للوفاء شأنه شأن النقود وقد يقوم دليل على الأداء ولكنه بذاته لا يصلح أن يكون مستنداً يثبت استحقاق المستفيد فيه لقيمته ومن ثم لا يعتبر مستنداً للصرف.
ومن حيث إن ما تقدم لينصرف أيضاً إلى مبالغ الـ 160.000 الذي تم صرفها بأمر مستند صرف خلال عمليات الردم وهو ما اعترف به صراحة الطاعن في تحقيقات النيابة العامة كما سبق البيان أما مبلغ 373.500 التي أشار إليها تقرير اللجنة وكذلك الحكم المطعون فيه فإن الحكم الطعين لم يشير إليها باعتبار أن المخالفة بشأنها ليست هي صرفها بدون مستند صرف وإنما هي تدوين بشأنها تاريخ 31/ 4/ 1979 وهو تاريخ لا وجود له في التقويم الميلادي وكذلك بالنسبة لمبلغ الـ 4725.500 التي وردت بتقرير اللجنة وأشار إليها الحكم المطعون فيه فإنه قد أشار إليها باعتبار وجه المخالفة بشأنها أنه تم تسويدها قبل مرافقة مجلس إدارة الجمعية عليها.
ومن حيث إنه من جماع ما تقدم يعدو ثابتاً في حق الطاعن باعترافه ومن عيون الأوراق أنه قد صرف مبالغ في مجال إجراءات التسجيل والردم لم يقدم عنها مستندات صرف بغض النظر عن أن مجموع هذه المبالغ هو 4906.500 أو أكثر أو أقل ذلك أن اختلاف المبلغ ليس من شأنه أن ينفي المخالفة إذ أن هذا الخلاف في الأرقام لا يعد وأن يكون خطأ مادياً الأمر الذي به يثبت في حق الطاعن ذنباً إدارياً قوامه السلوك مسلكاً معيباً من شأنه المساس بكرامة وظيفته التي تتطلب منه أن يتلافى كل ما من شأنه أن يبعث حول تصرفاته خارج نطاقها روائح غير ذكية تنعكس عليها ولا ينال من ذلك ما آثاره الطاعن من أن المسئولية عن هذه المخالفة هي مسئولية تضامنية بين أعضاء مجلس الإدارة جميعاً وليس الطاعن وحده إذ أنه بالإضافة إلى مسئولية الطاعن عما اقترفه مرجعها صفته كأمين للصندوق وهي صفة لا يشاركه فيها باقي أعضاء مجلس الإدارة فإن أعمال المسئولية التضامنية مجاله المسئولية المدنية أما في نطاق المسئولية التأديبية التي شأنها شأن المسئولية الجنائية لا تكون إلا شخصية فإنه يمتنع أعمال المسئولية التضامنية على مرتكب الذنب الإداري.
ومن حيث إنه عما ذهب إليه الطاعن من أن مساءلته وفقاً لأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 يقتضي أن يقع منه الخطأ الذي يسأل عنه أثناء قيامه بأعمال الوظيفة هذا القول لا يستقيم ذلك أن الموظف العام مطالب في نطاق أعمال وظيفته وخارجها أن ينأى بنفسه عن التصرفات التي من شأن ما يعكسه إتيانه لها من آثار على الوظيفة العامة تجعله مرتكباً لمخالفة واجبات هذه الوظيفة التي من بينها وجوب سلوكه خارجها مسلكاً ليس من شأنه المساس بكرامتها بينما يترتب عليه من اعتبار أي مسلك من جانبه خارج أعمال الوظيفة منطوياً على تهاون أو عدم اكتراث أو عبث ترتد آثاره على كرامة وظيفته كما هو الحال فيما تنكبه من تصرفات شكلت المخالفة الثابتة الواردة بتقرير الاتهام والذي ثبت في حقه ارتكابه لها خاضعاً في المساءلة عنها لأحكام نظام العاملين بالدولة المشار إليه الذي يخضع لأحكامه باعتباره موظفاً عاماً.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم جميعه يكون قد ثبت في حق الطاعن ارتكابه للمخالفة المنسوبة إليه الأمر الذي يستتبع عقد مسئوليته عنها ومجازاته عما اقترفه من ذنب جزائياً يتناسب وهذه المخالفة وترتيباً على ذلك يكون الحكم المطعون فيه عندما قضى بإدانته وتوقيع الجزاء الوارد به عليه قد قام على أسباب صحيحة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق على نحو ينتجها واقعاً وقانوناً ومن ثم يكون الطعن عليه غير قائم على أساس صحيح من القانون مما يتعين معه الحكم برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.