أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1781

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدى، وأمين فتح الله، وعثمان زكريا.

(257)
الطعن رقم 213 لسنة 32 القضائية

( أ ) بيع. "بيع الأملاك الحكومية". أملاك حكومية. عقد. "انعقاد العقد". "عيوب الرضا". قرار إدارى. بطلان.
قرار اعتماد البيع الصادر من مصلحة الأملاك. إلغاؤه بحكم من محكمة القضاء الإدارى. أثره. اعتبار العقد لم ينعقد أصلا.
(ب) ملكية. "أسباب كسب الملكية". "الاستيلاء".
تملك الأراضى غير المزروعة. وسيلتاه. الترخيص من الدولة والتعمير. نطاقه. عدم شموله لأراضى الجزائر والأراضى الداخلة فى زمام البلاد.
1 - مؤدى الحكم الذى يصدر من محكمة القضاء الإدارى بإلغاء قرار وزير المالية باعتماد البيع الصادر من مصلحة الأملاك للطاعنين لمخالفة ذلك القرار للقانون أن يصبح القرار معدوما منذ نشأته وكأنه لم يصدر، وبالتالى فلا محل للقول باعتبار العقد مشوبا بعيب من عيوب الرضا إذ أن عقدا لم ينعقد لتخلف أحد أركانه وهو القبول من جانب مصلحة الأملاك، مما يترتب عليه ألا يسقط الحق فى طلب بطلانه بمضى ثلاث سنوات.
2 - نص المشرع فى المادة 57 من القانون المدنى القديم
(المادة 874 من القانون المدنى الحالى) على "أما الأراضى غير المزروعة المملوكة شرعا للميرى، فلا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن الحكومة، ويكون أخذها بصفة ابعادية طبقا للوائح، إنما كل من زرع أرضا من الأراضى المذكورة أو بنى عليها أو غرس فيها غرسا يصير مالكا للأرض ملكا تاما..." وبذلك أباح المشرع تملك تلك الأراضى غير المزروعة بإحدى الوسيلتين المبينتين فى هذه المادة وهما الترخيص من الدولة والتعمير. وإذ قيد المشرع الوسيلة الأولى وهى الترخيص من الدولة بالتملك بوجوب مطابقته للوائح، وكان قد نص فى الأمر العالى الصادر فى 9/ 9/ 1884 بإخراج أراضى الجزائر والأراضى الداخلة فى زمام البلاد من نطاق الأراضى غير المزروعة، فإن هذا القيد - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - ينصرف أيضا إلى التملك بطريق الاستيلاء بالتعمير [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وباقى أوراق الطعن - تتحصل فى أن مصلحة الأملاك الأميرية - التى تمثلها المطعون ضدها الأولى - أقامت الدعوى رقم 977 سنة 1954 كلى المنصورة ضد الطاعنين طالبة الحكم ببطلان التعاقد المتضمن بيعها للطاعنين أرضا زراعية مساحتها 21 ف و5 ط و16 س كائنة بناحية المنشأة الصغرى مركز ميت غمر واعتباره كأن لم يكن وبطردهم منها. وقالت شرحا للدعوى أن الطاعنين تقدموا إلى مصلحة الأملاك بطلب بيع هذه الأطيان إليهم بالممارسة واستندوا إلى شهادة موقع عليها من والدهم بوصفه عمدة البلدة ومن أحد المشايخ فيها تفيد أنهم هم واضعو اليد على الأطيان فصدر قرار وزير المالية فى 22/ 7/ 1948 باعتماد هذا البيع، وأضافت أن المطعون ضدهم من الثانى للأخير طعنوا فى هذا لقرار أمام محكمة القضاء الإدارى بالدعوى رقم 670 سنة 2 ق وطلبوا إلغاءه لمخالفته للائحة بيع أملاك الحكومة وقرارات مجلس الوزراء بشأنها، وإن محكمة القضاء الإدارى قضت فى 6/ 6/ 1950 بإلغاء القرار الإدارى الصادر فى 22/ 7/ 1948. وإذ يترتب على هذا الحكم انهاء التعاقد الذى تم بين الطاعنين ومصلحة الأملاك، فقد أقامت هذه الدعوى أمام محكمة المنصورة الإبتدائية بطلباتها سالفة البيان، وأحيلت الدعوى منها إلى محكمة بنها الإبتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 241 سنة 1956 كلى بنها. وأثناء نظر الدعوى طلب المطعون ضدهم من الثانى للأخير قبول تدخلهم منضمين للمطعون ضدها الأولى. وتمسك الطاعنون بالعقد وأقاموا من جانبهم دعوى فرعية طلبوا فيها الحكم بتثبيت ملكيتهم للأرض المتنازع عليها. وفى 11 يونيه 1960 حكمت المحكمة فى الدعوى الأصلية بقبول تدخل المطعون ضدهم من الثانى للأخير خصوما منضمين للمطعون ضدها الأولى وبرفض الدعوى الأصلية، وفى الدعوى الفرعية بتثبيت ملكية الطاعنين للأرض موضوع النزاع. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم أمام محكمة إستئناف القاهرة وقيد إستئنافها برقم 1109 سنة 78 ق. وفى 25 مارس سنة 1962 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان التعاقد الصادر من المطعون ضدها الأولى للطاعنين واعتباره كأن لم يكن وكف منازعة هؤلاء الأخيرين وطردهم من الأرض وبرفض دعواهم الفرعية. وفى 22/ 4/ 1962 طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرتين طلبت فيهما نقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت على رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على سببين ينعى الطاعنون فى السبب الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقولون أن عقد البيع الصادر لهم من المطعون ضدها الأولى عقد رضائى لا يغير طبيعته ما قد يسبق أو يلحق ابرامه من قرارات أو تصديقات من الجهات الإدارية المختصة بابرامه، إذ يعتبر العقد بسبب هذه الإجراءات عقدا مركبا له جانبان أحدهما تعاقدى تختص به جهة القضاء العادى ويخضع لأحكام القانون المدنى، والآخر إدارى تسير فيه الإدارة على مقتضى النظام الإدارى المقرر لذلك. وأنه وإن كان لجهة القضاء الإدارى ولاية الإلغاء فيما يتعلق بالقرارات الإدارية التى تداخل مثل هذا التصرف المركب، إلا أن التصرف من الناحية العقدية يظل خاضعا لأحكام القانون المدنى دون أن يتأثر لزوما بإلغاء القرار الإدارى. غير أن الحكم المطعون فيه اعتبر الحكم الصادر من القضاء الادارى بإلغاء القرار الادارى معدما لقبول البائع - مصلحة الأملاك - ورتب على ذلك القول بعدم سقوط طلب بطلان البيع بمضى ثلاث سنوات، وهذا الخطأ من الحكم ذلك أن قبول البيع قد تم فعلا من جانب مصلحة الأملاك وإن انطوى على غلط مفسد للعقد، وعلى ذلك فإن الحق فى ابطاله يسقط إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات تطبيقا للمادة 140 فقرة أولى من القانون المدنى. وإذ كان قد مضى على حكم محكمة القضاء الادارى الذى قضى بإلغاء القرار الوزارى بالتصديق على البيع أكثر من ثلاث سنوات عند إقامة الدعوى فإن حق المطعون ضده الأول يكون قد سقط، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أنه يبين من حكم محكمة القضاء الإدارى الصادر فى الطعن رقم 670 سنة 2 ق أن النزاع كان مرددا بين الطاعنين والمطعون ضدهم فى خصوص طلب إلغاء القرار الإدارى الصادر من مصلحة الأملاك باعتماد البيع الحاصل للطاعنين فى 22/ 7/ 1948 عن الأرض موضوع النزاع، وقد حكمت محكمة القضاء الإدارى فى 6/ 6/ 1950 بإلغاء هذا القرار تأسيسا على أن البيع وقع مخالفا للقوانين واللوائح. ويبين من الحكم المطعون فيه أنه - بعد أن أشار إلى مضمون حكم محكمة القضاء الإدارى السالف البيان - أورد حكم البند الثامن عشر من لائحة بيع أملاك الحكومة الحرة الصادر فى سنة 1902 الذى يلزم بموجبه تصديق وزارة المالية سواء حصل البيع بالمزاد أو بواسطة عطاءات داخل مظاريف أو بالممارسة، ثم الحق الحكم مقتضى هذا البند بقوله "ومفهوم ذلك أن اعتماد وزير المالية للبيع... هو شرط لانعقاد الرضا، فهذا القرار هو عادة القبول من جانب الحكومة للبيع... والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما فإذا لم يصدر قرار وزير المالية باعتماد البيع أو صدر مشوبا بمخالفة القانون وصدر حكم محكمة القضاء الإدارى بإلغائه فإنه لا يكون هناك رضاء قد تم من جهة الحكومة بل يعتبر هذا الركن وهو أحد أركان البيع الثلاثة مفقودا فى العقد فلا تقوم له قائمة ولا يكون له كيان قانونى... مما لا يجوز معه للمتعاقد الآخر التمسك بصحته أو نفاذه أو بصدوره معيبا بعيب من عيوب الرضا... إذ أن هناك فارقا واضحا بين انعقاد العقد وصحة العقد فإذا اعتبر قرار اعتماد وزير المالية شرطا لانعقاد العقد فإنه بدونه لا يكون له وجود... إذ أن الرضا فى هذه الحالة يعتبر موقوفا على اجازة وزير المالية فإذا أجاز العقد واعتمده توافر ركن الرضا بتلاقى إرادة المتعاملين، أما إذا رفضه أو صار هذا الاعتماد فى حكم الرفض فلا يكون هناك قبول ملزم من جهة الحكومة". واستطرد الحكم إلى القول "أنه إذا لم يصدر هذا الإعتماد فلا وجود للعقد وإنما يستلزم الأمر إيجابا وقبولا جديدين وتكون المستأنفة - المطعون عليها الأولى - على حق إذا ما طلبت بطلان هذا العقد" وهذا الذى قرره الحكم صحيح فى القانون ذلك أن مؤدى حكم محكمة القضاء الإدارى الذى قضى بإلغاء القرار الصادر فى 22/ 7/ 1948 لمخالفته للقانون أن يصبح هذا القرار معدوما منذ نشأته وكأنه لم يصدر وبالتالى فلا محل للقول باعتبار العقد مشوبا بعيب من عيوب الرضا إذ أن عقدا لم ينعقد لتخلف أحد أركانه وهو القبول من جانب مصلحة الأملاك مما يترتب عليه ألا يسقط الحق فى طلب بطلانه بمضى ثلاث سنوات. وإذ التزم الحكم هذا النظر ورفض الدفع بالسقوط للتقادم الثلاثى فإن النعى على الحكم بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون فى السبب الثانى على الحكم المطعون فيه قصور تسبيبه وخطئه فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقولون أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بأنهم تملكوا الأرض موضوع النزاع بالاستيلاء بالغراس طبقا للمادة 874 من القانون المدنى، وقد رد الحكم على هذا الدفاع بأن الأرض موضوع النزاع ليست من قبيل الأراضى التى يجوز تملكها بالاستيلاء عليها بطريق الغراس وفقا لنص تلك المادة لأنها من أملاك الحكومة الخاصة، وهو رد لا يصلح سندا لما انتهى إليه الحكم إذ أن أملاك الحكومة الخاصة يجوز تملكها بالغراس طبقا للمادة سالفة البيان التى تنص فى صدرها على أن الأراضى غير المزروعة التى لا مالك لها تكون ملكا للدولة.
وحيث إن النعى مردود ذلك أن المشرع إذ نص فى المادة 57 من القانون المدنى القديم الواجبة التطبيق على واقعة الدعوى (المادة 874 من القانون المدنى الحالى) على "أما الأراضى غير المزروعة المملوكة شرعا للميرى، فلا يجوز وضع اليد عليها إلا بأذن الحكومة، ويكون أخذها بصفة إبعادية طبقا للوائح، إنما كل من زرع أرضا من الأراضى المذكورة أو بنى عليها أو غرس فيها غرسا يصير مالكا للأرض ملكا تاما.." فقد أباح بذلك تملك الأراضى غير المزروعة بإحدى الوسيلتين المبينتين فى هذه المادة وهما الترخيص من الدولة والتعمير. وإذ قيد المشرع الوسيلة الأولى وهى الترخيص من الدولة بالتملك بوجوب مطابقته للوائح، وكان قد نص فى الأمر العالى الصادر فى 9 سبتمبر سنة 1884 باخراج أراضى الجزائر والأراضى الداخلة فى زمام البلاد من نطاق الأراضى غير المزروعة، فإن هذا القيد - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينصرف أيضا إلى النملك بطريق الاستيلاء بالتعمير - لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم أن أرض النزاع تدخل فى زمام البلاد، وكان الحكم قد أسس قضاءه فى خصوص عدم جواز تملك الطاعنين للأرض موضوع النزاع بالاستيلاء عليها بالغراس على أن هذه الأرض من أملاك الدولة الخاصة التى لا تندرج تحت نص المادة 874 من القانون المدنى الحالى (57 من القانون المدنى القديم) فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون أو شابه القصور فى التسبيب.


[(1)] راجع نقض 4/ 6/ 1959 الطعن 50 لسنة 25 ق. مجموعة المكتب الفنى السنة 10 ص 461.