مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1986 إلى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1335

(180)
جلسة 11 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد عطية أبو الخير ومحمد محمود البيار وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي المستشارين.

الطعن رقم 2402 لسنة 31 القضائية

( أ ) عاملون بالقطاع العام - شاغلو الوظائف العليا - تحريك الدعوى التأديبية ضدهم.
المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام. لا يجوز التحقيق مع رئيس مجلس إدارة الشركة وشاغلي وظائف الإدارة العليا إلا بمعرفة النيابة الإدارية بناء على طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال - الهدف من ذلك هو تحقيق ضمانتين: الأولى - مقررة لمصلحة العاملين المطلوب التحقيق معهم بتوفير الاطمئنان لهم بإسناد التحقيق إلى جهة محايدة لا تخضع في عملها لأية مؤثرات من جانب الشركة أو العاملين فيها - الثانية: - مقررة لمصلحة الشركة لتحقيق حسن سير العمل في المشروع الذي تقوم عليه وتمكينها من تحقيق الخطة الإنتاجية المرجوة والتي تتصل اتصالاً وثيقاً بالمصالح العامة والحيوية للدولة - الإخلال بأي هاتين الضمانتين يؤدي إلى بطلان التحقيق وكل ما يترتب عليه من قرار الإحالة وإقامة الدعوة التأديبية - أساس ذلك: - أن البطلان في هذه الحالة يمس إجراءات جوهرية لازمة لإقامة الدعوى التأديبية - لا وجه للاحتجاج بنص الفقرة الأولى من المادة (83) من القانون رقم 48 لسنة 1978 التي تقضي بأن يضع مجلس إدارة الشركة لائحة تتضمن إجراءات التحقيق مع العاملين بها والجهات التي تقوم دون الإخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 - أساس ذلك: - أن المقصود بعدم الإخلال في هذه المادة هو عدم المساس بحق النيابة الإدارية في التصدي للتحقيق مع العاملين شاغلي وظائف الإدارة العليا دون طلب من الشركة سواء كان بناء على طلب الرقابة الإدارية أو شكوى من أحد الأفراد أو إحدى الجهات - القواعد العامة في تفسير القوانين توجب النظر إلى أحكام المادة (83) المشار إليها في مجموعها والتوفيق فيما بينها في ضوء قصد الشارع منها - الفقرتان الأخيرتان من هذه المادة قيدنا التحقيق مع شاغلي وظائف الإدارة العليا بطلب يصدر من رئيس الجمعية أو رئيس مجلس إدارة الشركة - هذا القيد يحد من إطلاق حكم الفقرة الأولى من ذات المادة - تطبيق.
(ب) عامل بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية: - إجراءات الدعوى - مدى جواز الاستعانة بقواعد قانون الإجراءات الجنائية:
الإجراءات المتبعة في الدعوى التأديبية أمام مجلس الدولة - للقضاء الإداري أن يرجع إلى قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة - قضاء التأديب يرجع إلى أحكام قانون الإجراءات الجنائية لاختيار ما ينسجم منها مع طبيعة النظام التأديبي - أساس ذلك: - أن المحاكمة التأديبية قريبة الشبه بالمحاكمة الجنائية مما لا يحول دون الاستهداء بالإجراءات الجنائية في مجال تحديد إجراءات التحقيق الإداري - والمحاكمات التأديبية - تطبيق.
(جـ) عامل بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية - بطلان تحريك الدعوى - الحصول على طلب من الجهة المختصة قبل تحريكها.
الحصول على طلب سابق من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو من رئيس مجلس إدارة الشركة قبل تحريك الدعوى التأديبية ضد رئيس الشركة أو شاغلي وظائف الإدارة العليا هو شرط لازم لتحريك الدعوى ولصحة اتصال المحكمة بالمخالفة - يعتبر هذا الشرط من المسائل المتعلقة بالنظام العام - أثر ذلك: - يمكن لصاحب الشأن أن يدفع بتخلف هذا الشرط في أية حالة كانت عليها الدعوى التأديبية - يتعين على المحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 1/ 6/ 1985 أودع محامي الطاعن - سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد برقم 2402 لسنة 31 ق ضد/ النيابة الإدارية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بالإسكندرية بجلستها المنعقدة في 22/ 5/ 1985 في الدعوى رقم 59 لسنة 12 ق الذي قضى بمعاقبة الطاعن بالإحالة إلى المعاش، وقد طلب الطاعن في ختام تقرير
أولاً: وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بصفة أصلية بعدم قبول الدعوى التأديبية واحتياطياً - ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
أعلن تقرير الطعن إلى الجهة المطعون ضدها بتاريخ 8/ 6/ 1985.
وأحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة حيث أودعت تقريراً بالرأي القانوني انتهى إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه، والقضاء بعدم قبول الدعوى التأديبية.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4/ 12/ 1985 وما تلاها من جلسات ثم تقرر إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره جلسة 4/ 2/ 1986 وفي هذه الجلسة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة 11/ 3/ 1986 حيث تم النطق به علناً وأودعت مسودته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر الأوضاع الشكلية المقررة فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة تتلخص في أن النيابة الإدارية أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بالإسكندرية بتاريخ 15/ 7/ 1984 تقرير اتهام ضد الطاعن وآخرين قيد برقم 59 لسنة 12 ق وذلك لأن الطاعن (المتهم الأول) بصفته رئيساً لمجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية خرج على مقتضى الأمانة ولم يحافظ على المال العام ووضع نفسه موضع الشبهات والريب بأن أرسل خطاب نوايا إلى ترسانة شلختنج الألمانية ضمنه على خلاف الحقيقة أن الشركة وافقت على أن تكون الماكينات الرئيسية للسفن موضوع المناقصة العالمية لتوريد أربعة سفن دحرجة رورو هي (من طراز ماك) كما ضمنه موافقتها على أن تكون المولدات من طراز "يانمار" في حين أن مجلس إدارة الشركة كان قد وافق بتاريخ 3/ 1/ 1983 على أن تكون الماكينات من طراز "مان" والمولدات من طراز "بانيمار" ويفضل أن تكون من طراز "مان" أيضاً على النحو الوارد تفصيلا بالأوراق، وقام باتخاذ إجراءات استثنائية ستراً للمخالفة السابقة بأن دعا اللجنة الفنية إلى اجتماع طارئ في 24/ 2/ 1983 لإعادة مناقشة موضوع الماكينات رغم سابقة صدور قرار من هذه اللجنة، ثم دعا مجلس إدارة الشركة إلى اجتماع طارئ في 5/ 3/ 1983 لإعادة مناقشة موضوع الماكينات أيضاً رغم سابقة صدور قرار من المجلس في هذا الشأن، وذلك دون عرض الأمر على لجنة المشتريات الخارجية قبل اجتماع المجلس، ودعا مجلس الإدارة إلى اجتماع طارئ آخر لمناقشة القرار الصادر منه بجلسة 5/ 3/ 1983 بعد أن تبين بطلان أحد الأصوات وذلك في محاولة لاستعواض هذا الصوت لصالح الماكينة الرئيسية "ماك" رغم أن تصحيح قرار المجلس الصادر بجلسة 5/ 3/ 1983 كان يوجب اختيار الماكينة "مان" وتفضيلها على الماكينة "ماك"، وعقد اجتماعاً للجنة المشتريات الخارجية في 21/ 4/ 1983 بعد أن استصدر قراراً من مجلس الإدارة وأبلغه للترسانة الألمانية، وخلصت النيابة الإدارية من ذلك إلى أن الطاعن قد ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها في المادتين 78/ 1، 4، 80 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 وطلبت النيابة محاكمته تأديبياً طبقاً للمادتين سالفتى الذكر وتطبيقاً للمادتين 82، 84 من القانون رقم 48 لسنة 1978 المشار إليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدلة بالقانون رقم 171 لسنة 81 والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 المعدلة بالقانون رقم 172 لسنة 1981 والمادتين 15 أولاً، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة.
وبجلسة 9/ 1/ 1985 نظرت الدعوى أمام المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بالإسكندرية وما تلاها من جلسات حيث قدم المتهم (الطاعن) دفاعه وبجلسة 22/ 5/ 1985 حكمت المحكمة في هذه الدعوى بإحالة الطاعن إلى المعاش وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن مجلس إدارة الشركة المصرية للملاحة البحرية صاحب جميع السلطات اللازمة للقيام بالأعمال التي تقتضيها أغراض الشركة قد أوجب أن يكون التعاقد مع ترسانة "شلنحتنج" على ماكينة رئيسية طراز "مان" ومولدات "مان" بصفة أصلية، و"يانيمار" بصفة احتياطية، وأنه لما كان من أوجب واجبات رئيس مجلس إدارة الشركة هو تنفيذ قرارات المجلس، وكان قرار مجلس الإدارة قاطعاً في معنى اختيار وتفضيل وترجيح الماكينة الرئيسية والمولدات على النحو المتقدم فقد كان يتعين على المتهم الأول - الطاعن - أن ينهض لتنفيذ قرار مجلس إدارة الشركة الصادر في 3/ 1/ 1983 وأن يبرم العقد مع ترسانة شلختنج الألمانية على أساس أن تكون الماكينة الرئيسية في سفن الدحرجة الأربع من طراز "مان" وأن تكون المولدات من طراز "مان" بصفة أصلية وبصفة احتياطية من طراز "يانيمار"، وإنه لا يقبل دفاع المتهم الأول بأن القرار الصادر من مجلس إدارة الشركة في 3/ 1/ 1983 كان تنفيذه معلقاً على إجراء الدراسات الفنية، لأن هذا القرار كان قاطعاً في معنى تفضيل الماكينات الرئيسية "مان" بلا تعليق على إجراء أية دراسات أخرى، وانتهت المحكمة من ذلك إلى أن الطاعن يعتبر قد خالف أحكام القانون وخرج على مقتضيات الأمانة ووضع نفسه موضع الشبهات والريب.
ومن حيث إن تقرير الطعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية:
1 - عدم قبول الدعوى التأديبية لأن النيابة الإدارية لم تحصل على إذن بالتحقيق طبقاً للمادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978.
2 - بطلان الحكم لإهداره حق الدفاع ولعدم تحصيله دفاع الطاعن وأحاطته به.
3 - أخطأ الحكم في تحصيل الوقائع وفي فهم مدلولاتها خاصة في تفسيره لخطاب النوايا الصادر في 12/ 1/ 1983 بأنه يتضمن اختيار الماكينة الرئيسية "ماك" والمولدات من طراز "يانيمار" بينما الحقيقة أنه لم يتضمن القطع في اختيار ماكينة محددة.
4 - أخطأ الحكم في قوله إن رئيس مجلس الإدارة ينحصر اختصاصه في تنفيذ قرارات المجلس دون تبصر ولا تفكير من جانبه فيما يحقق المصلحة العامة.
5 - فساد الاستدلال من الأوجه التالية:
( أ ) إن الحكم كيف توصية اللجنة الفنية بشأن نوع الماكينات بأنها قرار نهائي على خلاف الواقع.
(ب) أخطأ الحكم في حين قال إن الطاعن كان ذي غرض في اختيار الماكينة "ماك" ولو صح ذلك لكان الأحرى به أن يتدخل لدى اللجنة الفنية عند إجراء الاختيار من بادئ الأمر.
(جـ) نسب الحكم المطعون فيه خطأ إلى الطاعن أنه أخطر الترسانة الألمانية باختيار الماكينة الرئيسية ماركة "ماك" وهو أمر غير ثابت من الأوراق حيث لم يثبت أنه حدد للترسانة أحد الطرازين.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن وهو عدم قبول الدعوى التأديبية قبل الطاعن لعدم حصول النيابة الإدارية على طلب بالتحقيق من الجهة المحددة في المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام فإن المادة المذكورة تنص على أن "يضع مجلس الإدارة لائحة تتضمن جميع أنواع المخالفات والجزاءات المقررة لها وإجراءات التحقيق والجهة المختصة بالتحقيق مع العاملين مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والقوانين المعدلة له.
وللمحقق من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من يجرى معه التحقيق الاستماع إلى الشهود والاطلاع على السجلات والأوراق التي يرى فائدتها في التحقيق وإجراء المعاينة.
ويكون التحقيق بمعرفة النيابة الإدارية بالنسبة لشاغلي وظائف الإدارة العليا وذلك بناء على طلب رئيس مجلس الإدارة.
وأما بالنسبة لرئيس مجلس الإدارة فيكون التحقيق معه بمعرفة النيابة الإدارية بناء على طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة".
المستفاد من نص الفقرتين الأخيرتين من هذه المادة أن التحقيق مع رئيس مجلس إدارة الشركة وغيره من العاملين فيها من شاغلي وظائف الإدارة العليا لا يجوز إلا بمعرفة النيابة الإدارية، كما أنه لا يجوز للنيابة الإدارية إجراء التحقيق معهم إلا بناء على طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال، فهذان القيدان يمثلان ضمانتين أساسيتين الأولى مقررة لمصلحة العاملين المشار إليهم لتوفير الاطمئنان لهم بإسناد التحقيق إلى النيابة الإدارية باعتبارها جهة محايدة لا تخضع في عملها لأية تأثيرات من جانب الشركة أو العاملين فيها، والثانية مقررة لمصلحة الشركة لتحقيق حسن سير العمل في المشروع الذي تقوم عليه وتمكينها من تحقيق الخطة الإنتاجية المرجوة والتي تتصل اتصالاً وثيقاً بالمصالح العامة والحيوية للدولة، والإخلال بأي من هاتين الضمانتين يؤدي إلى بطلان التحقيق وكل ما يترتب عليه من قرار بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية ومن إقامة الدعوى التأديبية الذي يتم بإيداع أوراق التحقيق وقرار الإحالة المشار إليه قلم كتاب المحكمة التأديبية طبقاً للمادة 34 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وذلك لأنه يمس إجراءات شكلية جوهرية لازمة لإقامة الدعوى التأديبية، الأمر الذي يتعين معه على المحكمة التأديبية أن تقضي بعدم قبول الدعوى التأديبية شكلاً في حالة الإخلال بإحدى هاتين الضمانتين.
ولا يغير من ذلك الاحتجاج بنص الفقرة الأولى من المادة 83 المشار إليها التي تنص على أن يضع مجلس إدارة الشركة لائحة تتضمن إجراءات التحقيق مع العاملين بها والجهة التي تقوم به مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والقوانين المعدلة له، والقول بأن عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 المشار إليه يعني عدم المساس بحق النيابة الإدارية في التصدي للتحقيق مع العاملين شاغلي وظائف الإدارة العليا دون طلب من الشركة سواء كان ذلك بناء على طلب الرقابة الإدارية أو بناء على شكوى من أحد الأفراد، أو إحدى الجهات طبقاً لما يقضي به القانون المذكور ذلك أن القواعد العامة في تفسير القوانين توجب النظر إلى أحكام المادة 83 المشار إليها في مجموعها والتوفيق فيما بينها في ضوء ما قصده المشرع منها، والفقرتان الأخيرتان من هذه المادة قيدتا التحقيق مع شاغلي وظائف الإدارة العليا صراحة بطلب يصدر من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال، وهذا القيد يحد من إطلاق حكم الفقرة الأولى من المادة، وإلا أصبح نصهما لغواً لا فائدة منه وهو ما ينزه عنه الشارع.
كما لا ينال مما تقدم القول بأن المشرع قصد من نص الفقرتين الأخيرتين من المادة 83 المشار إليها وضع قيد على الشركة نفسها بحيث لا يجوز لها التحقيق مع العاملين بها من شاغلي وظائف الإدارة العليا حرصاً على مكانتهم وأهمية اختصاصاتهم، ذلك بأن الفقرتين المذكورتين تضمنتا قيدين، أولهما أن يكون التحقيق بمعرفة النيابة الإدارية وهذا القيد يحقق القصد المشار إليه، والقيد الثاني يتعلق بشرط لازم هو أن يسبق التحقيق بمعرفة الجهة التي حددها المشرع وهي النيابة الإدارية صدور طلب من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال.
ومن حيث إنه لا يغير من النظر المتقدم أو ينال منه القول بأن المادة 83 المشار إليها لم تنص على جزاء المخالفة القيد الذي وضعه المشرع لإجراء التحقيق بمعرفة النيابة الإدارية وهو صدور طلب بذلك من رئيس الجمعية العمومية للشركة - أو رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال، سواء بالبطلان أو بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية، ذلك أن المادة 3 من مواد الإصدار في القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أن تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك إلى أن يصدر قانون الإجراءات الخاصة بالقسم القضائي، وإذا كانت قواعد الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وكذلك المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 المشار إليها قد خلت من نص على البطلان أو عدم جواز الدعوى التأديبية في هذه الحالة فإن قانون المرافعات المدنية والتجارية ينص في المادة 20 منه على أن "يكون الإجراء باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من الإجراء" وطبقاً لهذا النص لا يقتصر البطلان على ما ينص عليه القانون فحسب، وإنما ينسحب البطلان أيضاً إلى كل إجراء يشوبه عيب لم تتحقق بسبب الغاية من الإجراء "وهو في الحالة المعروضة طلب التحقيق من الجهة المختصة بالشركة، فقد سبق القول إن هذا الطلب يمثل ضمانة أساسية لتحقيق حسن سير العمل بالمشروع الذي تقوم عليه الشركة وتمكينها من تحقيق أهدافه وهي أهداف متصلة بالمصالح العليا والحيوية للدولة، والجهة المختصة بالشركة هي أقدر الجهات على التعرف على مدى تأثر حسن سير العمل بالمخالفات التي يرتكبها العاملون شاغلو وظائف الإدارة العليا، ولذا ترك لها المشرع سلطة تقديرية تترخص بها في طلب التحقيق مع هؤلاء العاملين أو التغاضي عن ذلك إذا رأت أن المخالفة هينة الأثر أو أنها ليست كذلك ولكن مبررات التغاضي عنها أولى بالرعاية من المساءلة عنها، آخذة في الاعتبار أن التحقيق حتى ولو انتهى بالحفظ من شأنه إثارة الغبار حول قيادات الشركة وتعريضها للأقاويل وزعزعة مركزها أمام باقي العاملين بالشركة مما يترك بالضرورة آثاراً وانعكاسات سيئة على حسن سير العمل بالمشروع الذي تقوم عليه الشركة.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم فإنه لئن كان للقضاء الإداري كأصل عام أن يرجع إلى قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة فإن قضاء التأديب قد جرى أيضاً على الرجوع إلى أحكام قانون الإجراءات الجنائية واختيار ما ينسجم منها مع طبيعة النظام التأديبي باعتبار أن المحاكمة التأديبية قريبة الشبه بالمحاكمة الجنائية مما لا يمنع من الاستهداء بالإجراءات الجنائية في مجال تحديد إجراءات التحقيق الإداري والمحاكمات التأديبية، ومتى كان ذلك وكانت المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات فيها في الجرائم المنصوص عليها في المادة 184 من قانون العقوبات إلا بناء على طلب كتابي من الهيئة أو رئيس المصلحة المجني عليها..." وكان المستقر قضاء أن إغفال الحصول على هذا الطلب من شأنه أن يلحق البطلان بإجراءات التحقيق والمحاكمة، فإن الدلالة المستخلصة من حكم المادة السابقة هي بذاتها التي يتعين استخلاصها من أحكام الفقرتين الأخيرتين من المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 في شأن نظام العاملين بالقطاع العام، ولا يجوز التحدي في هذا المقام بالمغايرة اللفظية بين نص المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية ونص المادة 83 سالفة الذكر لأن هذه المغايرة في التعبير لا تعني بحكم اللزوم المغايرة في المضمون، ذلك إن استقراء كلا النصين يقطع في أنهما ينصرفان إلى مدلول واحد ولا يهدفان إلا إلى مفهوم وحيد "وهو تعليق صحة التحقيق والمحاكمة على شرط صدور طلب سابق بإجراء التحقيق الجنائي في الحالة الأولى والتحقيق الإداري في الحالة الثانية، وشرط الحصول على هذا الطلب لإجراء التحقيق الإداري طبقاً لحكم المادة 83 آنفة البيان وبالتالي تحريك الدعوى التأديبية ليس جديداً أتى به قانون العاملين بالقطاع العام في مجال التأديب، بل لقد سبقه إلى ذلك القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية في الهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها فيما جرى به نص المادة 21 من هذا القانون من عدم إقامة الدعوى التأديبية إلا بناء على طلب الوزير المختص.
ومن حيث إنه وقد بان مما تقدم أن الحصول على طلب سابق من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو من رئيس مجلس إدارة الشركة حسب الأحوال طبقاً لحكم المادة 83 من قانون نظام العاملين في القطاع العام هو شرط لازم لتحريك الدعوى التأديبية ولصحة اتصال المحكمة بالمخالفة طبقاً لنص المادة 34 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وهو على هذا النحو شرط لازم لقبول الدعوى التأديبية، وكان هذا الشرط من المسائل المتعلقة بالنظام العام فمن ثم فإن لصاحب الشأن أن يدفع بتخلف هذا الشرط في أية حالة كانت عليها الدعوى التأديبية، كما يتعين على المحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها، ومتى كان ما تقدم وكان الثابت من الأوراق أن التحقيق مع الطاعن قد تم دون طلب من الجهة المختصة طبقاً لحكم المادة 83 سالفة الذكر فمن ثم فقد فقدت الدعوى التأديبية ضده شرطاً من شروط قبولها، الأمر الذي كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يقضي بعدم قبول الدعوى التأديبية قبل الطاعن، وإذ غفل عن ذلك فقد تعين الحكم بإلغائه وبعدم قبول الدعوى التأديبية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى التأديبية ضد الطاعن.