مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1986 إلى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1371

(185)
جلسة 15 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي وفاروق عبد الرحيم غنيم وعادل محمود فرغلي ود. محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعن رقم 2540 لسنة 29 القضائية

دعوى - الحكم الدعوى - اعتراض الخارج عن الخصومة.
الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لا يجوز إلا لمن كان طرفاً في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه - قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 ألغى طريق الطعن في الأحكام بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة - المشرع أضاف حالة اعتراض من يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل فيها إلى أوجه التماس إعادة النظر - التماس إعادة النظر في هذه الحالة في حقيقته ليس حالة من حالات اعتراض الخارج عن الخصومة وإنما هو تظلم من حكم شخص يعتبر ممثلاً في الخصومة ولم يكن خصماً ظاهراً فيما - أساس ذلك: - التظلم من الحكم أقرب إلى الالتماس في هذه الحالة منه إلى الاعتراض - الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في حكم محكمة القضاء الإداري عن طريق اعتراض الخارج عن الخصومة الذي لم يكن طرفاً فيها - أثره - الحكم بعدم قبول الطعن - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 22/ 6/ 1983 أودع الأستاذ محمود الطوخي المحامي بصفته وكيلاً عن السيدة/ مبروكة سلامة سعد والسيد/ أحمد عبد الله سعد قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 24/ 2/ 1983 في الدعوى رقم 528 لسنة 4 ق القاضي بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وطلب الطاعنان استناداً إلى الأسباب التي ساقاها في عريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه وبرفض الدعوى وبإلزام المطعون ضده الأول بالمصروفات. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى طلب الحكم برفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وبإلزام الطاعنين بالمصروفات، وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 18/ 3/ 1985 وتدوول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضره حتى قررت بجلسة 6 من مايو سنة 1985 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) لنظره بجلسة أول يونيو سنة 1985، ونظرت المحكمة الطعن وتدوول بجلساتها على نحو ما هو ثابت بالمحاضر حتى قررت إصدار الحكم بجلسة 15/ 3/ 1986، وصدر الحكم في هذه الجلسة وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع هذه المنازعة تتلخص - على ما يبين من الأوراق - في أن المطعون ضده الثاني السيد/ عبد الفتاح صيام إبراهيم كان قد أقام الدعوى رقم 22 لسنة 1980 أمام محكمة منيا القمح بتاريخ 10/ 1/ 1980 مختصماً كل من: وكيل نيابة منيا القمح - مأمور مركز منيا القمح - رئيس نقطة شلشمون - وزير العدل، وطلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من المحامي العام في الشكوى رقم 2291 لسنة 1979 إداري منيا القمح وألزم المدعى عليهم بالمصروفات، وقال شرحاً لدعواه إنه يضع يده منذ عشر سنوات على قطعة أرض مساحتها 16 س، 13 ط كائنة بناحية الفصلة زمام ناحية شلشمون مركز منيا القمح، وهي مملوكة للمرحوم سليمان صيام، واستمر وضع يده عليها وزراعتها وسداد إيجارها لزوجة حسن المتوفى، إلا أنها قامت ببيع الأرض المذكورة، ثم تقدمت مع المشترين بشكوى إلى الشرطة مدعين أن الطالب يتعرض لهم في حيازة الأرض محل النزاع. وقيدت هذه الشكوى برقم 2291 لسنة 1979 إداري منيا القمح، وأجرت النيابة العامة التحقيق في الواقعة وتمت معاينة الأرض وسؤال الجيران الذين أقروا بوضع يد الطالب على قطعة الأرض المذكورة إلا أن النيابة العامة أصدرت قراراً بتمكين مالكة الأرض والمشتري لها من وضع يدهما على الأرض محل النزاع. ونعى المدعي (المطعون ضده الثاني) على هذا القرار مخالفة القانون، فهو الذي يضع يده على الأرض ويقوم بزراعتها وفقاً لشهادات الشهود من الجيران ورئيس الجمعية الزراعية. وبجلسة 2/ 1/ 1982. قضت محكمة منيا القمح الجزئية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية المختصة، وأحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة التي أصدرت حكمها المطعون فيه بجلسة 24/ 2/ 1983 قاضياً بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وأقامت قضاءها على أن قرار النيابة العامة المطعون فيه قد صدر في غير نطاق وظيفتها القضائية لعدم تعلق الأمر بإحدى جرائم الحيازة المنصوص عليها في المادتين 369 و370 عقوبات، وهو قرار انطوى على غصب لسلطة القضاء المدني الذي يختص وحده بالفصل في منازعات الحيازة المدنية، ومن ثم يكون هذا القرار مشوباً بعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر به إلى درجة الانعدام، مما يتعين معه الحكم بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار ومنها إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل صدور القرار المطعون فيه. ومن حيث إن الطاعنين أقاما هذا الطعن استناداً إلى توافر شرطي المصلحة والصفة لهما في إقامته وتأسيساً على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه، ذلك أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر على أن الشخص الذي مس الحكم الصادر في دعوى الإلغاء مصلحة قانونية أو مادية له يكون من حقه الطعن فيه بكافة طرق الطعن المقررة قانوناً، حتى ولو لم يكن قد علم بالدعوى أو تدخل فيها، وعلة ذلك أن الحجية العينية لأحكام الإلغاء باعتبارها مطلقة متعدية إلى الغير لا تقتصر فقط على طرفي الخصومة، ينبغي أن يرفع ضرر تنفيذها عن هذا الغير الذي لم يكن طرفاً في المنازعة بتمكينه من التداعي بالطعن في هذا الحكم من تاريخ علمه به إذا مس الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حقوقاً ومصالح ومراكز قانونية مستقرة للغير الذي كان يتعين أن يكون أحد الأطراف الأصليين في المنازعة، ومع ذلك لم توجه إليه، ولم يكن في مركز يسمح بتوقعها أو العلم بها حتى يتدخل فيها في وقت مناسب. ولقد رتبت المحكمة الإدارية العليا على ما تقدم انفتاح ميعاد الطعن لمن مس حكم الإلغاء مصلحته على ذلك النحو من تاريخ علمه به. ولما كان الطاعنان هما صاحبة الأرض والمشتري فهما صاحبا الحيازة الظاهرة المستقرة اللذان يصيب الحكم المطعون عليه بإلغائه القرار محل الدعوى مصلحتهما المباشرة والشخصية ولم يقم المطعون ضده الأول باختصامها في الدعوى، فلم يعلما بها ولم يحط أيهما بها خبراً إلا في تاريخ إقامة الطعن، لذلك يكون الطعن الماثل مقبولاً شكلاً لرفعه في الميعاد، وهو مقبول أيضاً لتوافر شرطي الصفة والمصلحة في الطاعنين. ولقد أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق القانون لأن ما انتهى إليه يخالف ما هو مستقر في قضاء المحكمة الإدارية العليا التي يجرى قضاؤها على أن تصرفات النيابة العامة التي تباشرها خارج نطاق الأعمال القضائية، إنما تصدر منها بصفتها سلطة إدارية بحيث تخضع تصرفاتها في هذا المجال لرقابة المشروعية للقضاء الإداري متى توافرت في التصرف مقومات القرار الإداري بمعناه الاصطلاحي المقرر قانوناً وعلى ذلك فإن القرارات التي تصدرها النيابة العامة والتي تقتصر فيها على حماية الحيازة الظاهرة حفاظاً على الأمن والسلام في المجتمع والعمل على منع وقوع الجرائم قبل ارتكابها، تعد قرارات إدارية صادرة من النيابة العامة في نطاق وظيفتها الإدارية ولا تشكل أي غصب لسلطة القضاء المدني وهي قرارات مؤقتة للحفاظ على الأمن والسكينة في المجتمع ريثما يصدر حكم من القضاء المدني بالفصل في النزاع على الحيازة، ومن هنا فإن النظر الذي اعتنقه الحكم المطعون فيه حجب المحكمة عن ممارسة رقابتها القضائية على مضمون القرار المطعون فيه لتبيان ما إذا كان قد صدر من النيابة العامة ملتزمة بحدود وظيفتها الإدارية لحماية الحيازة الظاهرة لطرف من الأطراف وبالتالي يعد مطابقاً للقانون، أو ما إذا كان هذا القرار قد صدر مجاوزاً هذا الحد لتمكين طرف من الأرض محل النزاع دون أن يكون هذا الطرف هو الحائز لها، وبالتالي يعد قراراً مخالفاً للقانون، وإذ خالف الحكم المطعون فيه حكم القانون على النحو السالف وأخطأ في تطبيقه فإنه يتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعنين لم يكونا مختصمين في مرحلة التقاضي أمام محكمة القضاء الإداري التي انتهت بالحكم المطعون فيه، وبالتالي فإنه أياً ما كان وجه المصلحة اللذين يبديانه لقبول طعنهما، فإنه من المقرر أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا لا يجوز إلا لمن كان طرفاً في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بحكميها الصادرين في الطعنين رقمي 185 لسنة 18 ق و2049 لسنة 27 ق بجلستي 1/ 7/ 1979 و7/ 12/ 1985 على التوالي بأن قانون المرافعات الصادر به القانون رقم 13 لسنة 1968 ألغى طريق الطعن في الأحكام بطريق اعتراض الخارج عن الخصومة الذي نظمه القانون القائم قبله في المادة 450 وأضاف حالة اعتراض من يعتبر الحكم الصادر في الدعوى حجة عليه ولم يكن قد أدخل أو تدخل فيها (م 450/ 1) إلى أوجه التماس إعادة النظر لما أورده في مذكرته الإيضاحية من أنها في حقيقتها ليست حالة من حالات اعتراض الخارج عن الخصومة، وإنما هي تظلم من حكم من شخص يعتبر ممثلاً في الخصومة ولم يكن خصماً ظاهراً فيها، فيكون التظلم من الحكم أقرب إلى الالتماس في هذه الحالة منه إلى الاعتراض، وبهذا يكون القانون قد ألغى طريق الطعن في أحكام محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا من قبل الغير ممن لم يكونوا خصوماً في الدعوى التي صدر فيها أو أخلوا أو تدخلوا فيها ممن يتعدى أثر الحكم إليهم، إذ إنه أصبح وجهاً من وجوه التماس إعادة النظر في أحكام القضاء الإداري وفقاً لما تنص عليه المادة 51 من قانون مجلس الدولة، وبناء على ما تقدم يكون الطعن الماثل غير مقبول لرفعه ممن لم يكن طرفاً في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه، وفي هذا المقام تنص المادة 51 من قانون مجلس الدولة قم 47 لسنة 1972 على أنه "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري بطريق التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية... وذلك بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحكمة أي أن أحكام محكمة القضاء الإداري تقبل بمقتضى هذا النص الطعن بطريق التماس إعادة النظر، هذا فضلاً عن أن قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 قد ألغى طريق طعن الخارج عن الخصومة من بين طرق التظلم من الأحكام، وبالتالي فلا وجه للأخذ به في مجال القضاء الإداري ويكون الطعن الماثل غير مقبول، ويتعين الحكم بذلك وإلزام الطاعنين بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم قبول الطعن وألزمت الطاعنين بالمصروفات..


[(1)] يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 في الطعن رقم 3382 لسنة 29 القضائية الصادر في 12/ 4/ 1987 والذي يقضي بعدم جواز طعن الخارج عن الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا وباختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم بنظر هذا الطعن في الحدود المقررة قانوناً لالتماس إعادة النظر.