مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثاني (من أول مارس سنة 1986 إلى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1384

(187)
جلسة 15 من مارس سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد المهدي مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر وعادل محمود فرغلي المستشارين.

الطعن رقم 93 لسنة 32 القضائية

( أ ) دعوى - التنحي عن نظرها - أسباب رد القاضي.
المواد (148)، (149)، (150) من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنحي أحد أفراد الدائرة لا يستتبع بالضرورة تنحي باقي أعضائها - أساس ذلك: - إن أسباب التنحي هي أسباب ذاتية بطبيعتها تتحقق في قاض بذاته - قد يتصادف تكرار أسباب التنحي مع زميل له في ذات الدائرة - أثر ذلك: - إذا كانت ثمة أسباب موضوعية للرد تصدق على جميع أعضاء الدائرة فإن على الطاعن أن يطلب ردهم جميعاً - تطبيق.
(ب) دعوى - تنحي - شكله.
القانون لا يلزم القاضي عند التنحي تحرير محضر يحفظ بالمحكمة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 10 من نوفمبر سنة 1985 أودع الأستاذان عبد الله عطا وأحمد فؤاد عامر المحاميان قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً برد كل من الأساتذة محمد فؤاد الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين وعبد الله صلاح الدين أبو المعاطي نصير قيد بجدول المحكمة تحت رقم 93 لسنة 32 ق. عليا، وأوضح الأستاذان المحاميان المشار إليهما أنهما وكيلان عن الدكتور محمد أسامة عبد الله عطا بالتوكيل رقم 1871 لسنة 1985 توثيق الظاهر المأذون له - بموجب إضافة خاصة - بمخاصمة القضاة ورد المحكمة، وهو المطعون ضده في الطعنين رقمي 12 و982 لسنة 31 ق عليا المرفوعين من جامعة المنصورة، ووزير التعليم العالي، والمحجوزين للحكم بجلسة 8 من ديسمبر سنة 1985.
وانتهى طالب الرد - للأسباب الواردة بالتقرير - إلى طلب الحكم برد السادة الأساتذة المستشارين المذكورين عن نظر الطعنين رقمي 512 و982 لسنة 31 عليا، وإلزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبتاريخ 11 من نوفمبر سنة 1985 أشر السيد الأستاذ المستشار رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية العليا بتحديد جلسة 14 من ديسمبر سنة 1985 لنظر طلب الرد أمام الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا.
وبتاريخ 14 من نوفمبر سنة 1985 قدم السادة الأساتذة المستشارين المطلوب ردهم مذكرة بالإجابة على وقائع الرد وأسبابه.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول طلب الرد شكلاً، وبصفة أصلية الحكم بسقوط الحق فيه، وبصفة احتياطية برفضه، وفي الحالين إلزام مقدمة بالغرامة التي تقدرها المحكمة وبمصادرة الكفالة عملاً بالمادة 159 مرافعات.
وقد تدوول نظر طلب الرد على الوجه المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 15 من فبراير سنة 1986 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوعين، وبتاريخ 1/ 3/ 1986 أودع طالب الرد مذكرة، وبجلسة اليوم صدر الحكم وتلي مع أسبابه فيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن طلب الرد قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن طالب الرد أوضح في طلبه بأنه يشغل وظيفة مدرس مساعد بكلية طب أسنان جامعة المنصورة، وأقام الدعوى رقم 805 لسنة 39 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بصفة عاجلة بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إلحاقه ببعثة من البعثات الخمس المخصصة لجامعة المنصورة، وبوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن الموافقة على التنازل الصادر من الدكتور علي محمد كامل، وفي الموضوع بإلغاء القرارين الإداريين المطعون فيهما، وبجلسة 17 من ديسمبر سنة 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما، وبتاريخ 24 من ديسمبر سنة 1984 قررت اللجنة التنفيذية العليا للبعثات منح طالب الرد بعثة إضافية جديدة تحت رقم 6/ 1/ 196 وسافر بالفعل إلى الخارج على هذه البعثة، أو أن إيفاده في هذه البعثة لم يمس حقوق المرشحين للبعثات الخمس المشار إليها كما لم يستخدم المصرف المالي لبعثة الدكتور علي محمد كامل، إلا أن جامعة المنصورة طعنت على الحكم المشار إليه بالطعن رقم 512 لسنة 31 ق عليا، وطلبت وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبجلسة 28 من يناير سنة 1985 أمام دائرة فحص الطعون دفع طالب الرد بأنه لا مصلحة للجامعة في طلب وقف تنفيذ الحكم كما قدم صورة من محضر جلسة محكمة القضاء الإداري في 10 من ديسمبر 1985 ثابت فيه أن الجامعة قدمت مذكرة اعترفت فيها بترشيحها لطالب الرد في بعثة، وأن الحاضر عن الجامعة سلم بالطلبات وأثبت ذلك في محضر الجلسة، وقررت دائرة فحص الطعون حجز الدعوى للحكم بجلسة 11 من فبراير سنة 1985، وقد صدر الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، وبعد ذلك مباشرة أمر السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي - دون أن يتلقى أي طلب من الجامعة - بتحديد جلسة 3 من مارس سنة 1985 لنظر الطعن أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا التي تولى رئاستها بنفسه، وذلك بالرغم من أنه لم يكن هناك أي وجه للاستعجال بعد الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وقد تبين للدفاع عن الطالب من مراجعة نظام تحديد الجلسات أنه لم ينظر طعن بمثل هذه السرعة، وأن الطعن المذكور هو الطعن الوحيد الذي نظر بجلسة 3 من مارس سنة 1985 من بين الطعون المرفوعة في السنة 31 القضائية، وأن باقي الطعون مرفوعة منذ أكثر من أربع سنوات، وهو ما يكشف عن الميل للحكم ضد المطعون ضده..
واستطرد طالب الرد إلى أن البعثات كانت قد أقامت - بعد صدور حكم دائرة فحص الطعون سالف الذكر - طعناً برقم 982 لسنة 31 ق، وصدر قرار من الدائرة بضم هذا الطعن إلى الطعن رقم 512 لسنة 31 ق المرفوع من الجامعة، وبجلسة 31 من مارس سنة 1985 - كما هو ثابت بمحضرها - حضر محامي الحكومة عن وزارة التعليم العالي وقرر ترك الخصومة في الطعن المرفوع من الحكومة، إلا أن السيد الأستاذ المستشار فؤاد شعراوي عضو الدائرة قال بلهجة انفعالية "لسه طعن الجامعة" وبجلسة 20 من أكتوبر سنة 1985 أعلن السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي رئيس الدائرة تنحيه عن نظر الطعن المرفوع من الجامعة، على أن يتولى السيد الأستاذ المستشار فؤاد شعراوي رئاسة الدائرة، وقد أبدى المطعون ضده - وهو طالب الرد - دفوعه ودفاعه، وانتهى - في تلك الجلسة - إلى طلب إثبات ترك الخصومة في الطعن رقم 982/ 31 ق والحكم بصفة أصلية بعدم قبول الطعن رقم 521 لسنة 31 ق لسبق التسليم بالطلبات وانعدام المصلحة، واحتياطياً برفضه مع إلزام جامعة المنصورة بالمصروفات، ومن باب الاحتياط الكلي بإعادة ملف القضية إلى هيئة مفوضي الدولة لتقديم تقرير تكميلي، وأثناء مرافعة محامي المطعون ضده (طالب الرد) وقوله إن من حق الأخير أن يكمل دراسته في البعثة، تساءل السيد الأستاذ فؤاد الشعراوي - بلهجة الاستنكار - قائلاً (هو لسه ما رجعش من البعثة) الأمر الذي استنبط منه القائمون بالدفاع ميل سيادته ضد المطعون ضده وأنه يستهدف إعادته من البعثة.
وأردف الطالب أنه يطلب رد السادة المستشارين الثلاثة السالف بيانهم للأسباب الآتية:
أولاً: إن تنحي السيد الأستاذ المستشار رئيس الدائرة يفقد الدائرة جميعها صلاحية نظر الدعوى، ذلك أن أسباب التنحي تتصل بهم جميعاً، وخاصة وأن رئيس الجلسة حين أعلن تنحيه عن نظرها لم يبين لتنحيه سبباً يجيز له التنحي دون باقي أعضاء الدائرة.
ثانياً: قرر الحاضر عن جامعة المنصورة بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1984 أمام محكمة القضاء الإداري أنه يسلم بطلبات المدعي، كما أن الحاضر عن وزارات التعليم العالي والبعثات قرر بترك الخصومة أمام المحكمة الإدارية العليا بجلسة 31 من مارس سنة 1985، ولم تقم المحكمة بإثبات ترك الخصومة في منطوق قرارها في ذات الجلسة إعمالاً للمادة 238 من قانون المرافعات، ولكن المحكمة قررت تأجيل الدعوى لجلسة 28 من إبريل سنة 1985 لتنفيذ القرار السابق، كما أعرض السادة المستشارون المطلوب ردهم عن واقعة قبول جامعة المنصورة لطلبات المطعون ضده (طالب الرد) وأمروا بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه رغم عدم جواز الطعن عليه من الجامعة، وأبدوا من العبارات والإشارات بمحاضر الجلسات ما يدل على أنهم قد اتخذوا مع الطالب عداوة يرجح معها عدم استطاعة الحكم بغير ميل.
ثالثاً: إن السادة المستشارين وقد سارع رئيسهم بتحديد نظر الدعوى على خلاف المألوف ثم تنحيه وحده عن نظر الدعوى، ثم السؤال عما إذا كان المطعون ضده قد أعيد من البعثة ثم إصرارهم على أن طعن الجامعة لا يزال مطروحاً، كل ذلك على نحو يفقد هؤلاء السادة المستشارين صلاحية الحكم في الدعوى بعد عداوة أظهروها.
ومن حيث إن السادة الأساتذة المستشارين المطلوب ردهم أجابوا على طلب الرد بمذكرة مؤرخة في 11 من نوفمبر سنة 1985 استعرضوا فيها وقائع الدعوى والطعن، حيث حكمت محكمة القضاء الإداري بجلسة 17 من ديسمبر سنة 1984 في الدعوى رقم 805 لسنة 39 ق المقامة من طالب الرد، برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة وباختصامها، وبقبول الدعوى شكلاً إلا بالنسبة للمدعى عليه الأخير - نائب رئيس جامعة المنصورة - وفي الشق المستعجل بوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما بوصفهما عنصرين في عملية مركبة واحدة وما يترتب على ذلك من آثار، مع التنفيذ بمسودة الحكم وألزمت جامعة المنصورة مصروفات هذا الطلب، وبتاريخ 9 من يناير سنة 1985 أودع رئيس جامعة المنصورة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعناً في حكم محكمة القضاء الإداري المشار إليه قيد بجدولها برقم 512 لسنة 31 ق طلب فيه بصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بإلغاء هذا الحكم مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وعين لنظر الطعن جلسة 28 من يناير سنة 1985 أمام دائرة فحص الطعون، وبجلسة 11 من فبراير سنة 1985 حكمت المحكمة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وألزمت المطعون ضده مصروفات هذا الطلب، وقررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) وبتاريخ 16 من فبراير سنة 1985 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير التعليم العالي ورئيس اللجنة التنفيذية العليا للبعثات ومدير عام الإدارة العامة للبعثات، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في ذات الحكم قيد بجدولها برقم 982 لسنة 31 ق طالبة ضم هذا الطعن إلى الطعن المرفوع من جامعة المنصورة برقم 512 لسنة 31 ق، وإحالته إلى الدائرة الثانية وذلك لضمهما معاً ليصدر فيهما حكم واحد مع إلزام المدعي المصروفات. وقد تحدد لنظر الطعن رقم 512 لسنة 31 ق جلسة 3 من مارس سنة 1985، وتداول مع الطعن رقم 982 لسنة 31 ق بالجلسات، وبعد أن أبدى طرفا النزاع أوجه دفاعهم على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، قررت المحكمة بجلسة 20 من أكتوبر سنة 1985 إصدار الحكم بجلسة 8 من ديسمبر سنة 1985 مع تقديم مذكرات ومستندات خلال ثلاثة أسابيع - وبتاريخ 10 من نوفمبر سنة 1985 تم إيداع طلب الرد.
وبعد أن استعرض السادة الأساتذة المستشارون نصوص قانون مجلس الدولة وقانون المرافعات المتعلقة بالرد، انتهوا إلى أن المستفاد من هذه النصوص أن الأسباب التي تجيز رد القضاة وردت على سبيل الحصر، وأن طلب الرد يجب تقديمه قبل تقديم أي دفع أو دفاع في الدعوى وإلا سقط الحق فيه إلا إذا حدثت أسباب الرد بعد المواعيد المقررة أو أثبت طالب الرد أنه لم يعلم بهذه الأسباب إلا بعد مضي تلك المواعيد - وطلب الرد الماثل قدم بعد أن أبدى الخصوم في الطعنين كافة دفوعهم وأوجه دفاعهم الشفهية والكتابية وتقرر فعلاً حجزها للحكم، والأسباب التي أبديت في تقرير طلب الرد لا تندرج تحت أي من أسباب الرد التي ورد النص عليها في المادة 148 من قانون المرافعات، وإذا كان رئيس الدائرة قد تنحى عن نظر الطعنين إعمالاً لنص المادة 150 من القانون المشار إليه، فإن المطلوب ردهم من أعضاء الدائرة لم يقم بأي منهم أي سبب يستشعرون معه الحرج في نظر الطعنين حتى يعرضوا أمر تنحيهم على المحكمة أسوة برئيس الدائرة..
ومن حيث إن طالب الرد قد عقب بمذكرته المودعة في الأول من مارس سنة 1986 على تقرير مفوض الدولة مردداً ما سبق أن أوضحه في طلب الرد، وأبرز - بصفة خاصة - أن السيد الأستاذ فؤاد شعراوي رئيس الدائرة التي نظرت الدعوى بجلسة 20 من أكتوبر سنة 1985 لم يركز اهتمامه على المعاني التي كان يبينها الأستاذ فتحي رضوان المحامي في مرافعته، إلا على معنى واحد وهو أن طالب الرد ما زال في البعثة بعد أن أصدرت دائرة فحص الطعون التي كان سيادته عضواً فيها - حكمها بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري، صدرت عنه عبارة "هو لسه ما رجعش من البعثة" وذلك بلهجة الاستنكار لا السؤال، وقد أعطت هذه العبارة معاني جديدة لم تتبين من قبل للوقائع السابقة، وهي صدور حكم دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري رغم تسليم الحاضر عن الجامعة بالطلبات ورغم تنفيذ الحكم فعلاً وسفر الطالب في البعثة، وكانت دائرة فحص الطعون مشكلة برئاسة المستشار يوسف شلبي وكان السيد المستشار فؤاد شعراوي عضو اليمين بها، ثم قرر السيد المستشار يوسف شلبي تحديد جلسة عاجلة في 3 من مارس سنة 1985 لنظر موضوع الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا بل إن ذلك يفسر قرار المحكمة مد أجل الحكم بعد تقديم طلب الرد، في حين أن قرار المحكمة بمد أجل الحكم هو قرار باطل قانوناً لأن الدعوى موقوفة بقوة القانون، وقد قدم طلب الرد في الميعاد القانوني لأن أسبابه حدثت بعد تقديم مذكرة الدفاع وقد قدم في الميعاد الذي حددته المحكمة، إذ أن باب المرافعة في الدعوى يبقى مفتوحاً طوال الميعاد المحدد لتقديم المذكرات، ثم استطرد طالب الرد إلى أن تنحى القاضي قد يرجع إلى أسباب ذاتية خاصة به، وقد يرجع إلى أسباب موضوعية تصدق في حق جميع أعضاء الدائرة، وتقضي المادة 149 من قانون المرافعات بأنه في حالة تنحي القاضي لأسباب متصلة بأسباب الرد بأن يخبر المحكمة في غرفة المشورة بسبب الرد القائم به وذلك للإذن له بالتنحي، ويثبت ذلك محضر خاص يحفظ بالمحكمة، ولم يفعل السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي شيئاً من ذلك عندما تنحى عن جلسة 20/ 10/ 1985، وعلى ذلك فإن من المحكمة أن تكون أسباب التنحي موضوعية وتسري على باقي أعضاء الدائرة..
ومن حيث إن المادة 148 من قانون المرافعات تنص على أنه "يجوز رد القاضي لأحد الأسباب الآتية:
1 - إذا كان له أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها، أو إذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم، أو لزوجته بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي، ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن الدعوى المطروحة عليه..
2 - إذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته، ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده..
3 - إذا كان أحد الخصوم خادماً له، أو كان هو قد اعتاد مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده.
4 - إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل".
وتنص المادة 149 من قانون المرافعات على أن "على القاضي في الأحوال المذكورة في المادة السابقة أن يخبر المحكمة في غرفة المشورة.. بسبب الرد القائم به وذلك للإذن له بالتنحي ويثبت هذا كله في محضر خاص يحفظ بالمحكمة".
كما تنص المادة 150 على أن "يجوز للقاضي في غير أحوال الرد المذكورة، إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب، أن يعرض أمر تنحيه على المحكمة في غرفة المشورة، أو على رئيس المحكمة للنظر في إقراره على التنحي".
ومن حيث إن الطالب يبني طلب رد السادة الأساتذة المستشارين محمد فؤاد الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين وصلاح الدين أبو المعاطي نصير على أسباب تدور كلها حول العداوة التي ظهرت من المطلوب ردهم والتي تكشف عن أنه يرجح معها عدم استطاعتهم الحكم بغير ميل، أي إنه يستند في طلبه إلى الوجه الرابع من الأوجه التي أوردتها المادة 148 من قانون المرافعات وقد استدل طالب الرد على قيام هذه العداوة من الأسباب والأمارات التي أوردها في طلبه ومذكرته.
ومن حيث إن السبب الأول الذي أورده طالب الرد يخلص في أن تنحي السيد الأستاذ رئيس الدائرة يفقد الدائرة جميعها صلاحية نظر الدعوى، وقد أوضح الطالب هذا السبب في طلب الرد بأن تنحي رئيس الدائرة يرجع إلى ما أبداه الدفاع عن الطاعن (طالب الرد) من عدم اطمئنانه لقضائها في الدعوى، وهو سبب يتصل بجميع مستشاري الدائرة وكان حرياً بهم أن يتنحوا جميعاً عنها وأن يحيلوها إلى دائرة أخرى، أما في المذكرة التي قدمها طالب الرد فقد أرجع هذا الوجه إلى أن التنحي قد يكون لأسباب ذاتية خاصة بالقاضي المتنحي أو قد يرجع إلى أسباب موضوعية تصدق في حق جميع أعضاء الدائرة، وإذ لم يثبت السيد الأستاذ رئيس الدائرة أسباب تنحيه في محضر خاص، فإن من الممكن أن تكون أسباب التنحي موضوعية تسري على باقي أعضاء الدائرة.
وهذا الذي يذهب إليه طالب الرد غير صحيح في الواقع وغير سديد في القانون، ذلك أن تنحي أحد أفراد الأسرة لا يستتبع بالضرورة تنحي باقي أعضائها، حيث إن أسباب التنحي، سواء ما بني منها على قيام حالة من أحوال الرد أو مجرد استشعار القاضي للحرج، على أسباب ذاتية بطبيعتها تتحقق في قاضي بذاته، وقد يصادف تكرارها مع زميل له في ذات الدائرة ولكنها لا تكون - من استقراء صورها الواردة في القانون - أسباباً موضوعية للرد تصدق على جميع أعضاء الدائرة، لكان قد اختصمهم جميعاً طالباً ردهم دون أن يقتصر على البعض دون البعض الآخر، وليس صحيحاً في الواقع - كذلك - أن الدفاع عن الطاعن (طالب الرد) قد أبدى في مذكراته أو إيضاحاته في الجلسات - على ما يبين من محاضرها - عدم اطمئنانه لقضاء الدائرة في دعواه، وحتى بفرض جدلي أنه أبدى مثل هذا المسلك فإنه لا يترتب عليه أن تصبح الدائرة التي تنظر الدعوى غير صالحة لذلك لتيسر لكل متقاضي أن يغير ويبدل في قضائه حسبما يشاء لمجرد إبدائه أنه لا يطمئن إلى قضائهم، وهو أمر لم يرد به قانون أو يجرى عليه قضاء، كما أن تنحي السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي لا يلزم إثبات أسبابه بمحضر خاص يحفظ بالمحكمة، ذلك أن تنحيه إنما كان - على ما يظهر من ظروف الدعوى وما أبداه السادة المستشارين المطلوب ردهم - يستند إلى نص المادة 150 من قانون المرافعات أي من استشعاره حرجاً من نظر الدعوى، حيث لا يلزم القانون بتحرير محضر، وليس إلى حكم المادة 149 حيث يلزم القانون القاضي الذي قام به بسبب الرد إخطار المحكمة لتأذن له بالتنحي مع تحرير محضر بذلك، لا سيما وأن طالب الرد قد أورد بطلبه أنه ليس هناك سبب خاص يقوم به علاقة خاصة بين الطالب وبين سيادته، أي أنه لا يبين أن سبباً من أسباب الرد المنصوص عليها في المادة 148 سالف الذكر يمكن أن يكون وراء تنحي سيادته، كما أن ما ذهب إليه طالب الرد من أن السيد الأستاذ المستشار يوسف شلبي - بعد حكم دائرة فحص الطعون برئاسته بجلسة 11 من فبراير سنة 1985 بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا قام بتحديد جلسة 3 من مارس سنة 1985 لنظر الطعن أمام المحكمة ودون أن يتلقى أي طلب بذلك من الجامعة، ولم يكن هناك وجه من أوجه الاستعجال بعد الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وإنه يتبين لطالب الرد إنه لم ينظر طعن بهذه السرعة، هذا الذي ذهب إليه طالب الرد لا يسانده الواقع، إذ أن بملف الطعن رقم 521 لسنة 31 طلباً مرفوعاً من محامي جامعة المنصورة إلى السيد الأستاذ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بتحديد أقرب جلسة ممكنة لنظر الشق المستعجل الخاص بطلب إيقاف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري، وأيضاً تحديد أقرب جلسة ممكنة لنظر الدعوى الموضوعية، وقد تأشر على هذا الطلب بتاريخ 9 من يناير سنة 1985 بالعرض على السيد الأستاذ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس دائرة فحص الطعون، أي أنه كان هناك بالفعل طلب من جامعة المنصورة بتعجيل نظر الطعن في شقيه المستعجل أو الموضوعي، وبناء على ذلك الطلب وللأسباب التي أبدتها الجامعة فقد حددت جلسة 28 من يناير سنة 1985 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون حيث حجز للحكم بجلسة 11 من فبراير سنة 1985، وإن الطعون التي قررت المحكمة بتلك الجلسة إحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا قد حددت لها جلسات أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا - على ما يبين من البيان الوارد من سكرتارية المحكمة - خلال شهر مارس سنة 1985 والأسبوع الأول من إبريل سنة 1985، وحدد لطعن الجامعة رقم 512 لسنة 31 ق وطعن آخر برقم 1902 لسنة 29 ق جلسة 3 من مارس سنة 1985، وليس في هذا التحديد ما يخرج عن مألوف العمل في المحكمة الإدارية العليا حيث يلزم تحديد أقرب الجلسات لنظر الطعون التي تقرر دائرة فحص الطعون إحالتها إلى المحكمة الإدارية العليا - ومما يخالف الدلالات التي يتجه طالب الرد إلى استنباطها من تحديد جلسة الطعن على هذا الوجه، أن الطعن ظل يتداول على وجه عادي بجلسات باقي العام القضائي 94/ 1985، إلى أن تقرر حجزه للحكم في أول العام القضائي 85/ 1986 بجلسة 20 من أكتوبر سنة 1985، ونظر الطعن على مدى جلسات أبدى فيها طالب الرد دفوعه وأوجه دفاعه على النحو الذي أورده في طلبه ومذكراته.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الثاني الذي أبداه طالب الرد ويخلص في أن المحكمة لم تعمل أثر ترك الحاضر عن وزارة التعليم العالي للخصومة بجلسة 31 من مارس سنة 1985 وتثبته في قرارها بل قال السيد الأستاذ المستشار فؤاد الشعراوي لمحامي المطعون ضده (لسه طعن الجامعة)، فإن البادي من أوراق الدعوى أن المحكمة اتجهت منذ جلسة 3 من مارس سنة 1985 - بعد أن أوضح محامي الحكومة وجود طعن آخر عن ذات الحكم برقم 1982 لسنة 31 ق - إلى أن تحكم في الطعنين معاً، فكلفت هيئة مفوضي الدولة بتقدير تقرير بالرأي القانوني فيهما، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً واحداً في الطعنين انتهت فيه إلى قبولهما شكلاً وفي موضوعها بإثبات ترك الخصومة في الطعن رقم 982 لسنة 31 ق عليا وإلزام رافعه مصروفاته، وبالنسبة للطعن رقم 512 لسنة 31 ق عليا إلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب المدعي وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وإلزامه المصروفات، وعلى ذلك فإن المحكمة عندما لم تعمل أثر الترك في نفس الجلسة وإنما صدرت عن حقيقة أنها بصدد طعنين مرتبطين اتجهت إلى إصدار حكم واحد فيهما بعد ورود تقرير هيئة مفوضي الدولة، وهو مسلك يتفق مع المألوف في الإجراءات ولا يتصور أن يكون له أية دلالة مما أراد طالب الرد استخلاصها، وتكون ملحوظة السيد الأستاذ المستشار فؤاد الشعراوي (لسه طعن الجامعة) قد جاءت تنبيهاً للدفاع إلى حقيقة الطعن وإنه مكون من شقين لم يتم ترك الخصومة في شقه الآخر المقام من الجامعة.
ومن ناحية أخرى فإن طالب الرد يذهب إلى أن السادة المستشارين أعرضوا عما هو مستفاد من الأوراق، من تسليم الحاضر عن جامعة المنصورة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 10 من ديسمبر سنة 1984 بطلبات طالب الرد (المدعي في تلك الدعوى)، وبأنه يترتب على ذلك عدم جواز طعن الجامعة على الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بعد ذلك، ورغم ذلك فقد أمروا بوقف تنفيذ الحكم المذكور، وأنه أياً كان الرأي الذي حول حقيقة ما يذهب إليه طالب الرد أو أثره القانوني، فإن الملاحظ أن دائرة فحص الطعون التي أمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه كانت مشكلة من السادة الأساتذة المستشارين يوسف شلبي يوسف ومحمد عبد السلام مخلص وأحمد عبد العزيز، وهم غير السادة الأساتذة المطلوب ردهم، وعليه فإنه من غير المنطقي أن يطلب المتقاضي رد أحد قضاته لأسباب - أياً كان مدى سلامتها - لا تقوم بهذا القاضي بل بزميل له.
ومن حيث إنه بالنسبة للسبب الثالث فإن طالب الرد يقيمه على أساس ما سبق إيراده من إجراءات تحديد نظر الجلسة ثم تنحى رئيس الدائرة على أن طعن الجامعة لا يزال مطروحاً عليهم بالرغم من تنازل الحكومة عن طعنها، وهو أمور سبق إيضاحها، وأخيراً تساؤل السيد الأستاذ فؤاد الشعراوي الذي أبداه بجلسة 20 من أكتوبر سنة 1950 (هو لسه ما رجعش من البعثة) كل ذلك يفيد أن السادة المستشارين قد أبدوا عداوة نحو طالب الرد على نحو يفقدهم صلاحية نظر الدعوى - وهذا الذي يذهب إليه طالب الرد غير سديد، إذ أن تساؤل السيد الأستاذ فؤاد الشعراوي عما إذا كان طالب الرد قد أعيد من البعثة قد جاء - حسبما أثبت طالب الرد في طلبه ومذكرته - بعد أن أوضح الأستاذ فتحي رضوان في سياق مرافعته أن طالب الرد لا زال موجوداً بالبعثة وأنه لا مصلحة لرئيس جامعة المنصورة في حرمانه من إتمام دراسته ومحاولة إعادته لمصر إلا أن يكون ذلك نابعاً من الاعتبارات الشخصية على ما ذهب الحاضر على الطاعن في مرافعته، وإذا كان محامي الطاعن قد أورد واقعة استمرار طالب الرد في البعثة وأراد استخلاص نتائج منها تفيده في دفاعه فإن تساؤل المحكمة عن حقيقة استمراره في البعثة يكون تساؤلاً مشروعاً وأمراً وارداً، وخاصة وإنه تحت نظر المحكمة قراراً سبق صدوره منها بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وهو الحكم الذي قضى بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إلحاقه بإحدى البعثات المخصصة لجامعة المنصورة، وواجب المحكمة في هذه الحالة تحقيق دفاع الطاعن واستبيان ما إذا كان يقوم على أساس من الواقع أم لا، وخاصة بالنسبة لواقعة بني عليها الدفاع أهمية وهي استمرار الطاعن في البعثة حتى تاريخ مرافعة محاميه بالجلسة المشار إليها. أما بالنسبة إلى ما يذهب إليه طالب الرد من أن السيد الأستاذ محمد فؤاد الشعراوي قال عبارة (هو لسه ما رجعش من البعثة) بلهجة الاستنكار وليس بلهجة السؤال، وكذلك ما نسبوه إلى السيد المستشار محمد فؤاد الشعراوي بجلسة 31 من مارس سنة 1985 من أنه قال - بلهجة انفعالية (لسه طعن الجامعة) فهذه ادعاءات تتعلق بطريقة النطق بعبارات معنية مما يدخل في صميم المسائل الذاتية غير المنضبطة التي تتوقف على شخصية متلقي العبارة وحالته النفسية وغير ذلك من العقائد الشخصية مما لا يمكن أن يعول عليه في طلب لرد قضاة يجب أن يقوم على أسباب جلية ومنضبطة.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإن طالب الرد قد وجه طلبه إلى الأستاذين المستشارين محمد يسري زين العابدين عبد الله وصلاح الدين أبو المعاطي نصير، دون أن يسند إليهما قول أو تبدو منهما بادرة يقيم عليها طلبه بالرد، وخاصة وأنهما لم يشتركا في دائرة فحص الطعون التي أصدرت قرارها في الطعن - وبذلك يكون طلب الرد بالنسبة إليهما عارياً من كل سند أو دليل، ولا يسعفه في هذا المجال ادعاؤه بأن هناك سبباً موضوعياً للتنحي يشملها مع رئيس الدائرة السيد الأستاذ يوسف شلبي يوسف، فإنه فضلاً عن عدم صحة ذلك في الواقع وعدم سلامته في القانون على ما سبق القول، فإن مسايرته جدلاً كانت تقتضي أن يتعلق في طلب الرد بجميع أعضاء الدائرة، دون أن يقتصر على بعض السادة المستشارين دون البعض الآخر.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن طلب رد كل من السادة الأساتذة المستشارين محمد فؤاد الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين عبد الله وصلاح الدين أبو المعاطي نصير، لا يقوم على أساس من الواقع أو سند من القانون، ويكون بذلك متعين الرفض.
ومن حيث إن المادة 159 من قانون المرافعات تنص على أن تحكم المحكمة يمنع رفض طلب الرد أو سقوط الحق فيه أو عدم قبوله على الطالب بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً ولا تزيد على مائة جنيه وبمصادرة الكفالة، وفي حالة ما إذا كان الرد مبيناً على الوجه الرابع من المادة 148 وحكم برفضه، وعندئذ يجوز إبلاغ الغرامة إلى مائتي جنيه وفي جميع الأحوال تتعدد الغرامة بتعدد القضاة المطلوب ردهم وإذ كان مبنى طلب الرد بالنسبة إلى كل من السادة الأساتذة المستشارين الثلاثة هو الوجه الرابع من الأوجه الواردة بالمادة 148 مرافعات، فإن المحكمة تحكم على طالب الرد بغرامة قدرها مائة وخمسين جنيهاً عن كل طلب من طلبات الرد الثلاثة، علاوة على مصادرة الكفالة.
ومن حيث إن من يخسر دعواه يلزم بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول طلب الرد شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وبتغريم طالب الرد بمبلغ مائة وخمسين جنيهاً عن كل واحد من السادة المستشارين الثلاثة المطلوب ردهم مع مصادرة الكفالة وألزمت طالب الرد المصروفات..