أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1889

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدى، والسيد عبد المنعم الصراف، وابراهيم حسن علام.

(273)
الطعن رقم 393 لسنة 32 القضائية

مسئولية. "المسئولية التعاقدية". "الإعفاء منها". عقد. التزام. قوة قاهرة. "ماهيتها".
القوة القاهرة التى تعفى من المسئولية التعاقدية. شروطها. جعل الوفاء مستحيلا. عدم توقعها. استحالة دفعها.
يشترط فى القوة القاهرة التى يترتب عليه عدم المسئولية عن تعويض الضرر الناتج عن عدم تنفيذ العقد أن يكون من شأنها - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - جعل الوفاء بالالتزام مستحيلا وأن تكون غير متوقعة الحصول وقت التعاقد ويستحيل دفعها [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعنة - وزارة الصحة - أقامت الدعوى رقم 851 سنة 1955 تجارى القاهرة ضد المطعون عليهما وطلبت الحكم بالزامهما بمبلغ 1691 ج و875 م. وقالت بيانا للدعوى أنها طرحت للمناقصة عملية توريد مقاعد وأرضيات خشبية طبقا لعينات خاصة من خشب الموسكى والزان وحدد يوم 28/ 10/ 1944 موعدا لفتح المظاريف وأن المناقصة رست على المطعون عليهما مقابل 9067 ج و100 م وأخطرا بها فى 16/ 11/ 1944 وحدد موعد غايته ثلاثة شهور من هذا التاريخ لتوريد الأثاث المتفق عليه واستأجل المطعون عليهما الميعاد فى 22/ 11/ 1944 بجعله خمسة شهور ووافقتهما الطاعنة على ذلك، إلا أن المطعون عليهما لم يقوما بتوريد الأثاث بالمطابقة للعينة المتفق عليها ووردا أثاثا مصنوعا من نوع آخر من الخشب، فرفضت الطاعنة قبوله وأنذرتهما باعادة المناقصة على حسابهما ورد المطعون عليهما فى 20 من مارس سنة 1945 بتعذر تنفيذ العقد لعدم وجود الخشب المتفق عليه فطرحت الطاعنة عملية التوريد للمناقصة ثانية فرست على شركة أخرى مقابل مبلغ 10783 ج و895 م، وأقامت الطاعنة دعواها بالمبلغ المطالب به ويمثل فرق السعر بين المناقصتين والمبلغ الذى كان قد دفعه المطعون عليهما تأمينا للعملية. ومحكمة أول درجة قضت فى 14 مارس سنة 1959 برفض الدعوى. استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 459 سنة 78 ق، وبتاريخ 23 أكتوبر سنة 1962 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. فقررت الطاعنة بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1962 بالطعن فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأى بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظر الطعن التزمت النيابة رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت فى الأوراق وفساد الاستدلال، وفى بيان ذلك تقول أن الحكم المطعون فيه دفع عن المطعون عليهما المسئولية بالتعويض عن عدم تنفيذ العقد استنادا إلى استحالة تنفيذه لعدم وجود خشب الموسكى المتفق على تصنيع الأثاث منه، واستدل الحكم على ذلك بكتاب مصلحة الصناعة المؤرخ 24/ 5/ 1945 بالرغم من أن ما ورد فيه هو مجرد تعذر الحصول على خشب الموسكى وليس استحالة الحصول عليه، كما استدل الحكم بما ورد فى كتاب هذه المصلحة المؤرخ 4/ 12/ 1945 من أن خشب الموسكى لم يستورد خلال السنة السابقة وأن ما استورد منه فى سنة 1945 قد تم التخليص عليه فى شهر سبتمبر من هذه السنة وبأن التعاقد قد تم طبقا للمناقصة الثانية على خشب من نوع الكتلة وهو يخالف الخشب المتفق عليه فى عقد المطعون عليهما، هذا فى حين أن الخطاب الأخير لم يتحدث إلا عن الخشب المستورد من الخارج دون أن يشير إلى الخشب الذى كان موجودا فى الأسواق المحلية فى ذلك الوقت وليس فى حصول المناقصة الثانية على أساس نوع من الخشب غير خشب الموسكى ما يستدل به على عدم وجود خشب الموسكى وقت المناقصة الأولى واستحالة تنفيذ الالتزام بالتوريد طبقا للمواصفات المتفق عليها. وأضافت الطاعنة تقول أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ عزا عدم وجود خشب الموسكى اللازم لتصنيع الأثاث المتفق عليه إلى حالة الحرب واعتبر هذه الحالة حادثا غير متوقع الحصول ولا يمكن دفعه وجعلها من قبيل القوة القاهرة التى يترتب عليها رفع المسئولية عن عدم تنفيذ العقد وذلك على الرغم من أن حالة الحرب كانت قائمة وقت التعاقد فى 28 أكتوبر سنة 1944 وكان قد مضى على قيامها عدة سنوات قبل هذا التاريخ، وإذ يشترط فى القوة القاهرة التى من شأنها عدم الإلزام بالتعويض عن المسئولية أن تكون لاحقة لحصول التعاقد وغير متوقعة وقت إبرامه وأن تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعى صحيح ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه انه استند فى تقريره باستحالة تنفيذ التعاقد وعدم التزام المطعون عليهما بالتعويض إلى قوله: "أن المستأنف عليهما (المطعون عليهما) لم يستطيعا تنفيذ العقد لتعذر الحصول على الخشب الموسكى الذى اتفق على عمل معظم الأثاث منه. وقد أصرت الوزارة على وجوب التزام العقد وعدم الحيدة عنه باستعمال أصناف أخرى من الخشب بدلا من الخشب الموسكى الذى ثبت انعدام وجوده فى السوق كما جاء بكتاب مصلحة الصناعة بتاريخ 24/ 5/ 1945. ثم أعقب ذلك إعادة المناقصة... وقد رسا عطاءها على الشركة المصرية للتوريدات والمقاولات وتم إبرام هذا العقد الجديد.... ولكن نص فيه على استعمال خشب كتلة بدل خشب الموسكى الذى تمسكت به الوزارة فى عقدها السابق. فدل ذلك على صحة ما جاء بكتاب مصلحة الصناعة سالف الذكر تأييدا لقول المستأنف عليهما (المطعون عليهما) بانعدام وجود الخشب الموسكى فى السوق فى مصر بسبب الحرب. أما قول المستأنفة (الطاعنة) أن كتاب مصلحة الصناعة بتاريخ 4/ 12/ 1945 قد تتضمن أن شركة باسيلى قد استوردت فى سبتمبر سنة 1945 كمية من خشب الموسكى للقول بتوفر هذا النوع من الأخشاب فهو مردود... أنه لو أن الخشب الموسكى قد توفر فى المناقصة الجديدة لما عدلت الوزارة نوع الخشب فيها... ومن ثم يبين أنه قد استحال على المستأنف عليهما (المطعون عليهما) تنفيذ عقدهما بسبب انعدام وجود الخشب الموسكى فى السوق المصرية بسبب الحرب. ولا شك أن الحرب تعد من قبيل القوة القاهرة متى كانت سببا فى استحالة تنفيذ الالتزام فضلا عن كونها غير متوقعة الحصول ولا يمكن دفعها" ولما كان يبين من كتاب مصلحة الصناعة المؤرخ 14 مايو سنة 1945 والمقدم من الطاعنة أنه ورد فيه "أن الخشب الموسكى يتعذر الحصول عليه فى الوقت الحاضر" مما مفاده أن الحصول على الخشب الموسكى لم يكن مستحيلا إذ لم تتضمن عبارة هذا الكتاب عدم وجود هذا الصنف من الخشب فى السوق، وإذ كان التعاقد على التوريد فى العقد الثانى الحاصل فى 30/ 7/ 1945 من خشب من نوع آخر غير خشب الموسكى لا يدل فى ذاته على استحالة وجود هذا النوع وقت التعاقد الأول الذى أبرم مع المطعون عليهما، وكان كتاب مصلحة الصناعة المؤرخ 4/ 12/ 1945 لم يرد فيه سوى الإشارة إلى الأخشاب المستوردة من الخارج دون ذكر للأخشاب التى كانت موجودة وقتئذ فى السوق المحلية، لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه إذ استند إلى هذه الرسالة للقول باستحالة وجود نوع الخشب المتفق عليه يكون قد خالف الثابت فى الأوراق وشابه الفساد فى الاستدلال. لما كان ما تقدم وكان يشترط فى القوة القاهرة التى يترتب عليها عدم المسئولية عن تعويض الضرر أن يكون من شأنها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - جعل الوفاء بالالتزام مستحيلا وأن تكون غير متوقعة الحصول وقت التعاقد ويستحيل دفعها، وإذ اعتبر الحكم حالة الحرب التى كانت قائمة فعلا وقت التعاقد الحاصل فى 28/ 10/ 1944 من قبيل القوة القاهرة التى حالت دون تنفيذ الالتزام، ورتب الحكم على ذلك دفع مسئولية المطعون عليهما عن تعويض الضرر الذى حصل للطاعنة نتيجة عدم تنفيذ العقد، مع أن الحرب كانت قائمة فعلا قبل حصول التعاقد بسنوات وقد تم العقد وهى ما زالت قائمة، فإن الحكم يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون ويكون النعى بهذا السبب فى محله بما يستوجب نقض الحكم دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.


[(1)] راجع نقض 17/ 5/ 1966 الطعن رقم 272 لسنة 31 ق مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 1129.