مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 73

جلسة 31 من يناير سنة 1946

برياسة حضرة محمد كامل مرسى بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(32)
القضية رقم 142 سنة 14 القضائية

ا - شخص اعتبارى. جنسيته. شركة تجارية.
ب - اختصاص. شركة توصية. تأسيسها فى مصر واستيطانها مصر. أغلبية الشركاء مصريون. أغلبية رأس المال لهم. هى شركة مصرية. اختصاص القضاء الوطنى بالمنازعات التى تقوم بينها وبين مصريين.
1 - كل شركة تجارية غير شركة المحاصة تعد فى مصر شخصاً اعتبارياً [(1)]. والجنسية كما هى من لوازم الشخص الطبيعى هى من لوازم الشخص الاعتبارى، فكل شركة تجارية - عدا المحاصة - لا بد لها من جنسية يتحدد بها وضعها القانونى. وهذه الجنسية يعينها القانون [(2)].
2 - إذا كانت الشركة شركة توصية أسست فى مصر على النمط الذى يتطلبه قانون التجارة المصرى، واستوطنت مصر فاتخذت فيها مقر إدارتها كما اتخذت فيه ميدان نشاطها التجارى [(3)]، وكانت تضم ثلاثة شركاء ليس منهم إلا أجنبى واحد، ورأس مالها ليس للشريك الأجنبى فيه إلا حصة قليلة بالنسبة إلى مجموعه، وكان الشريك الموصى القائم على إدارتها وتمثيلها مصرياً، فلا ريب فى اعتبارها شركة ذات جنسية مصرية، فكل منازعة بينها وبين مصريين يختص القضاء الوطنى بالفصل فيها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن فى أن المطعون ضده أقام أمام محكمة مصر الابتدائية الوطنية الدعوى رقم 69 سنة 1942 كلى تجارى وطلب فيها الحكم بإلزام الطاعن نفسه وبصفته مديراً لشركة وديع سعد بأن يدفع إليه مبلغ 2110 ج. ودفع الطاعن هذه الدعوى بعدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظرها استناداً إلى أن الشركة التى يمثلها ليست شركة مصرية. وفى 28 من يونيه سنة 1942 قضت المحكمة برفض هذا الدفع. فاستأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر. وفى 13 من أبريل سنة 1944 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. ولم يعلن هذا الحكم إلى الطاعن ولكن وكيله طعن فيه بطريق النقض فى 7 من أكتوبر سنة 1944 بتقرير أعلن إلى المطعون ضده فى 12 من ذلك الشهر طالباً إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أودع طرفا الخصومة المذكرات والمستندات فى الميعاد. وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها فى 22 من ديسمبر سنة 1945 وبجلسة 17 من يناير سنة 1946 المعينة لنظر الطعن سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضرها ثم تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر بالآتى:


المحكمة

وحيث إن حكم محكمة مصر الذى أيده الحكم المطعون فيه معتمداً أسبابه وآخذاً بها قد بنى قضاءه باختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى على أن الشركة المدعى عليها التى يمثلها الطاعن هى شركة مصرية لأنها كونت فى مصر واتخذت مصر مقراً لإدارتها. ولازم كونها مصرية أن تدخل فى اختصاص القضاء الوطنى الذى تنبسط ولايته على جميع المصريين. ولا يحول دون ذلك أن يكون أحد مؤسسى الشركة أجنبياً لأن الشركة كشخص اعتبارى لها كيان قانونى تستقل به عن أشخاص من كونوها، ومتى كانت الشركة مصرية فان كل منازعة بينها وبين مصريين لا ينظرها إلا القضاء الوطنى. ولا اعتداد بعد ذلك بالصالح الأجنبى، لأن اتفاقية منترو وما تلاها من تشريعات معدلة لقواعد اختصاص المحاكم المختلطة قد قضت على نظرية الصالح الأجنبى وأصبحت جنسية الخصوم الذين تقوم بينهم الدعوى هى وحدها دون غيرها التى تعين اختصاص المحاكم المختلطة بصرف النظر عن المصالح المختلطة التى قد تمسها الدعوى بطريق غير مباشر، كما تقضى بذلك المادة 33 من لائحة التنظيم القضائى الصادر بها القانون رقم 49 سنة 1937. ولا يخرج من عموم حكم هذه المادة إلا الشركات المصرية التى كانت قائمة فعلا فى 15 من أكتوبر سنة 1937 عملا بنص المادة 34 من اللائحة المذكورة, والشركة التى يمثلها الطاعن لا تدخل فى هذا الاستثناء لأنها أسست فى 29 من مايو سنة 1940.
وحيث إن الطاعن يأخذ على هذا الحكم، كما يأخذ على الحكم الاستئنافى الذى أيده، أنهما خالفا القانون، وبياناً وتأييداً لهذه المخالفة قال الطاعن: أولا - إن الشركة التى يمثلها هى شركة مؤلفة من ثلاثة شركاء أحدهم بريطانى الجنسية. فهى ليست شركة مصرية، وإنما هى شركة مختلطة بحكم تعدد جنسيات من كونوها. وقد جرى قضاء المحاكم المختلطة منذ إنشائها على إخضاع هذا النوع من الشركات لولايته، وهو فى ذلك لم يقم على نظرية الصالح المختلط. وإنما أقيم على أن قانون التجارة قد أوجب أن تكون مصرية كل شركة مساهمة تؤسس فى مصر. وفى قصر هذا الإيجاب على شركات المساهمة دليل على أن ما عداها من الشركات التجارية ذات الشخصية الاعتبارية، وهى شركات التضامن والتوصية، لا تكون مصرية حتما لمجرد تكوينها فى مصر، وإنما تكون مصرية إذا كان كل من فيها من الشركاء مصريين، وتكون أجنبية إذا كان كل الشركاء فيها من جنسية أجنبية واحدة. وتكون مختلطة إذا تعددت جنسيات الشركاء. ثانياً - إن التحدى بنص المادة 33 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة لا يسوغ اختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى، لأن هذه المادة تقضى بأن جنسية الخصوم هى التى تعين الاختصاص، والشركة التى يمثلها الطاعن ليست مصرية كما سلف البيان. ثم إن الأعمال التحضيرية للمادة المذكورة تدل على أن المراد من وضعها هو القضاء على نظرية الصالح المختلط، وقد سلف القول بأن المحاكم المختلطة إذا بسطت ولايتها على شركات التضامن والتوصية التى تضم شركاء من جنسيات مختلفة لم تتوسل إلى ذلك بنظرية الصالح المختلط، وإنما توسلت إليه بالاعتبار الذى أقامته لجنسيات الشركاء مجارية فى ذلك ما قاله بعض علماء القانون الدولى الخاص من أن شركات الأشخاص - على خلاف شركات الأموال - يصح أن تتجنس بجنسية الشركاء المكونين لها. ثالثاً - إن المشرع المصرى نفسه فى تشريعه الاستثنائى الخاص بالحرب قد فرق فى صدد الجنسية المصرية بين شركات المساهمة وغيرها من الشركات، فاعتبر شركات المساهمة مصرية أما الشركات الأخرى فقد اعتبرها أجنبية كلما داخلها عنصر أجنبى. يدل على ذلك أنه صدر الأمرين العسكريين رقمى 6، 8 قاضيين بأن توضع تحت الحراسة أملاك كل شخص طبيعى أو اعتبارى متجنس بالجنسية الألمانية أو الإيطالية، ثم ما لبث أن رأى أن هذين الأمرين لا يسريان على شركات المساهمة التى للألمان أو للايطاليين صالح فيها لأن هذه الشركات مصرية بحكم القانون، ومصريتها تحول دون إخضاعها لحكم الأمرين المذكورين. ولهذا أصدر من أجل هذه الشركات وحدها أمراً خاصاً هو الأمر رقم 136. وقصر هذا الأمر الأخير على شركات المساهمة فيه ما لا يخفى من الدلالة على أنه قد اعتبر الشركات الأخرى التى قد يكون للألمان أو للايطاليين مصالح فيها شركات غير مصرية فتركها لحكم الأمرين العسكريين الأولين. هذا ما قاله الطاعن.
وحيث إنه مما لا خلاف فيه أن كل شركة تجارية غير شركة المحاصة تعتبر فى مصر شخصاً اعتبارياً. ولما كانت الجنسية من لوازم الشخص الاعتبارى كما هى من لوازم الشخص الطبيعى فان كل شركة تجارية عدا المحاصة لا بد لها من جنسية يتحدد بها وضعها القانونى. وتعيين هذه الجنسية خاضع لحكم القانون.
وحيث إن الشارع المصرى قد لاحظ بحق أهمية شركات المساهمة وخطرها من الناحية الاقتصادية، فحرص على أن يعين جنسيتها فى لفظ صريح. فنص فى المادة 41 من قانون التجارة الأهلى المقابلة للمادة 47 من قانون التجارة المختلط على أن ما يؤسس من هذه الشركات فى مصر يجب أن يكون مصرياً. أما شركات التضامن والتوصية فلم يرد فى القانون نص يعين جنسيتها. ولهذا وجب على القضاء أن يستهدى فى تعيين جنسية هذه الشركات بالمبادئ العامة فى القانون.
وحيث إن آراء الفقهاء قد اختلفت فيما يصح أن يعتبر ضابطاً يضبط جنسية شركات التجارة ويعينها. فبعضهم اعتد بمكان التأسيس ورأى أن تعطى الشركة جنسية الدولة التى تؤسس فيها. وآخرون اعتدوا بموطن الشركة على خلاف بينهم فى تعيين الموطن نفسه. فمنهم من رأى أن الموطن هو المركز الرئيسى ومنهم من رأى أن الموطن هو البلد الذى تمارس فيه الشركة نشاطها التجارى. واعتد آخرون بجنسية الشركاء. وهؤلاء أيضاً اختلفوا فيما بينهم فمنهم من جعل الاعتبار لجنسية القائمين على الإدارة والإشراف، ومنهم من جعل الاعتبار لجنسية الأغلبية، على خلاف بين هؤلاء فى هل تكون الأغلبية أغلبية مال أو أغلبية أشخاص.
وحيث إنه أياً كان الرأى الذى يتبع من بين هذه الآراء المتعارضة فإنه لا معدى عن أن تعتبر الشركة موضوع النظر ذات جنسية مصرية. فهى شركة توصية أسست فى مصر على النمط الذى يتطلبه قانون التجارة المصرى. وقد استوطنت مصر فاتخذت فيها مقر إدارتها كما اتخذت فيها ميدان نشاطها التجارى. وهى تضم ثلاثة شركاء ليس فيهم إلا أجنبى واحد. ورأس مالها عشرون ألف جنيه ليس فيه للشريك الأجنبى غير ثلاثة آلاف جنيه، وأخيراً فان الشريك الموصى إليه القائم على إدارتها وتمثيلها هو الطاعن وديع سعد وهو مصرى لاخلاف فى مصريته.
وحيث إن ما ينتحل تسويغاً لاختصاص القضاء المختلط بما لا يدخل فى ولايته من أن شركة التضامن أو التوصية التى تؤلف فى مصر من شركاء مختلفى الجنسية تكون ذات جنسية مختلطة لا ينبغى التعويل عليه ولا الاعتداد به، لأن الجنسية - كما هو معروف - هى رابطة قانونية بين شخص طبيعى أو اعتبارى وبين دولة معينة، وكما لا يصح فى نظر القانون أن يكون لشخص واحد فى وقت واحد جنسيتان مختلفتان، كذلك لا يصح أن يكون للشخص جنسية واحدة هى خليط من عدة جنسيات، لأن الجنسية - على حد قول هذه المحكمة فى حكمها الصادر فى 16 من مايو سنة 1935 - من المعانى المفردة البسيطة التى لا تحتمل التخليط ولا التراكب. وهى فرع عن السيادة ولازم من لوازمها. وللسيادة وحدانية يهدمها الإشراك والتخليط.
وحيث إنه وقد ثبت أن الشركة التى يمثلها الطاعن هى شركة مصرية، فان القضاء الوطنى يكون وحده هو المختص بنظر الدعوى موضع البحث على اعتبار أنها دعوى بين مصريين. لأن اختصاص المحاكم فيما تنص عليه المادة 33 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة يتعين بجنسية الخصوم الذين تقوم بينهم الدعوى. ولأن مناط اختصاص المحاكم الأهلية وفقاً لنص المادة 15 من لائحة ترتيبها هو كون خصوم الدعوى مصريين أو أجانب غير خاضعين للقضاء المختلط. وليس للشركة التى يمثلها الطاعن أن تقيد من الاستثناء الوارد فى المادة 34 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة لأنها أسست فى 29 من مايو سنة 1940 أى بعد 15 من أكتوبر سنة 1937.
وحيث إن ما ذهب إليه الطاعن من أن الشارع المصرى فى تشريعه الاستثنائى الخاص بالحرب قد فرق فى صدد الجنسية المصرية بين شركات المساهمة وغيرها من الشركات فاعتبر شركات المساهمة ذات جنسية مصرية واعتبر الشركات الأخرى أجنبية إذا داخلها عنصر أجنبى - ما ذهب إليه الطاعن فى هذا الصدد لا يتفق مع الواقع. ذلك لأن الشارع المصرى أصدر أول ما أصدر من الأوامر المنظمة للحراسة على أموال الألمان والإيطاليين الأمر العسكرى رقم 6 فى 14 من سبتمبر سنة 1939 وهو يعطى وزير المالية الحق فى أن يعين حارساً لكل شخص طبيعى أو اعتبارى من رعايا الريخ الألمانى. وبعد صدور هذا الأمر لوحظ أنه لا يسرى على الأشخاص الاعتبارية ذات الجنسية المصرية الخاضعة لإشراف الألمان أو التى للألمان مصالح هامة فيها، ومن أجل هذا أصدر الأمر العسكرى رقم 8 وهو يجيز لوزير المالية أن يطبق بقرار منه الأمر رقم 6 "على كل شركة أو جمعية مصرية أو أجنبية تعمل بإشراف ألمانى أو تدخل فيها مصالح ألمانية هامة" هذا بالنسبة إلى أموال الألمان. أما بالنسبة إلى أموال الإيطاليين فقد أصدر الشارع المصرى الأمر رقم 58 فى 16 من يونيه سنة 1940 وهو يدخل فى نظام الحراسة ما يملكه كل شخص طبيعى أو اعتبارى إيطالى الجنسية. ولوحظ فى هذا الأمر ما لوحظ فى الأمر رقم 6 من نقص. ولذلك ما لبث الشارع أن أصدر الأمر رقم 61 فى 18 من يونيه سنة 1940 وهو يجيز لوزير المالية أن يطبق بقرار منه الأمر رقم 58 على "كل شركة أو جمعية مصرية أو أجنبية تعمل بإشراف إيطالى أو تدخل فيها مصالح إيطالية هامة". بعد هذا رأى المشرع المصرى أن يسقط صفة العضوية عن أعضاء مجالس إدارة شركات المساهمة المصرية من ذوى الجنسية الألمانية أو الإيطالية فأصدر بذلك فى 20 من مارس سنة 1941 الأمر العسكرى رقم 126، وكان طبيعياً أن لا يتعرض هذا الأمر إلا لشركات المساهمة. لا لأنها هى وحدها التى اعتبرها مصرية، كما زعم الطاعن خطأ، بل لأنها هى التى رأى الشارع أن يسقط صفة العضوية عن أعضاء مجالس إدارتها إذا كانوا من الألمان أوالإيطاليين مع وضع القواعد التى تكفل لها السير بعد زوال صفة العضوية عن أعضائها. وعلى ذلك تكون حجة الطاعن التى أراد أن يردها إلى تشريع الحرب الاستثنائى غير قائمة.


[(1)] المادة 52 من القانون المدنى الجديد تعد الشركات التجارية والمدنية أشخاصاً اعتبارية.
[(2)] تنص المادة 53 من القانون المدنى الجديد على أن "الشخص الاعتبارى يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازما لصفة الإنسان الطبيعية، وذلك فى الحدود التى قررها القانون".
[(3)] تنص المادة 53 من القانون المدنى الجديد على أن الشخص الاعتبارى يكون له موطن مستقل، ويعتبر موطنه المكان الذى يوجد فيه مركز إدارته، وأن "الشركات التى يكون مركزها الرئيسى فى الخارج ولها نشاط فى مصر يعتبر مركز إدارتها بالنسبة إلى القانون الداخلى المكان الذى توجد فيه الإدارة المحلية".