مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 101

جلسة 7 من فبراير سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك وحضور حضرات: محمد المفتى الجزايرلى بك وأحمد فهمى إبراهيم بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(40)
القضية رقم 34 سنة 15 القضائية

ا - إثبات. شركات المحاصة. جواز إثباتها بالبينة.
(المواد 19 و46 و47 و59 و63 من قانون التجارة و234 مدنى) [(1)]
ب - نقض وإبرام. دليل الطعن. صورة غير رسمية من مذكرة. لا تكفى دليلا. يجب تقديم صورة رسمية من المذكرة.
جـ - إثبات. شهادة. تقديرها موضوعى.
1 - إن قانون التجارة لم يوجب الكتابة للاثبات إلا بالنسبة إلى عقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة، أما شركات المحاصة فإثبات وجودها بالبينة جائز.
2 - الدليل الذى يراد تحدى الحكم به لا يمكن أن يكون مجرد قول الطاعن أو ما هو فى حكم مجرد قوله. فإذا هو استند فى طعنه إلى مذكرة قال إن خصمه قدمها إلى محكمة الاستئناف وجب عليه أن يقدم مع طعنه صورة رسمية منها، فإن لم يفعل كان الطعن لا دليل عليه متعيناً رفضه.
3 - إن تقدير الشهادة واستخلاص الواقع منها مما يستقل به قاضى الدعوى، فهو غير ملزم بتصديق الشاهد فى كل قوله بل له أن يطرح منه ما لا يطمئن إليه، كما أن له أن يأخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر تحتمله أيضاً ما دام المعنى الذى أخذ به لا يتجافى عن عبارتها.


الوقائع

تتحصل وقائع هذا الطعن فى أن المطعون ضدهما رفعا على الطاعن الدعوى رقم 522 سنة 1940 كلى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية وقالا فى صحيفتها المعلنة فى 25 من سبتمبر سنة 1940 إنهما والطاعن كونوا شركة محاصة لبناء سور بسراى سمو الأمير محمد على وقد قبض الطاعن مبلغ المقاولة وقدره 2983 ج وقدم إليهما كشف حساب عن المقاولة تبين لهما أنه غير صحيح، ولما كانت حقيقة أرباح العملية 960 ج يخص كل شريك بحق الثلث 320 ج ولم يكن وصلهما منه أثناء العمل إلا 47 ج فيكون باقياً لهما 593 ج فهما يطلبان الحكم عليه بهذا المبلغ مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أنكر الطاعن قيام الشركة وقال إنه لم تكن للمطعون ضدهما علاقة بتلك العملية إلا توسط الأول فى شراء الأحجار وقد دفع له 25 ج سمسرة وإلا مراقبة الثانى للعمال فى البناء مقابل أجر يومى ودفع له عن ذلك 21 ج و940 م وطلب المطعون ضدهما إحالة الدعوى على التحقيق ليثبتا بالبينة قيام الشركة، وتمسك الطاعن بأن القانون لا يجيز إثبات شركات المحاصة بالبينة.
وفى 18 من يناير سنة 1941 أصدرت المحكمة حكماً قررت فيه جواز إثبات شركات المحاصة بالبينة وقضت بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المدعيان بكل الطرق بما فيها البينة قيام شركة تجارية فعلية من نوع المحاصة، وأن غرضها كان عملا تجارياً بقصد الربح والاستغلال للغرض الذى تألفت من أجله وهو إقامة سور لسراى صاحب السمو الملكى، وأن الاتفاق انعقد على اقتسام الأرباح مثالثة بالتساوى وعلى تحمل الخسائر بهذه الكيفية، وأن مهمة المدعى الأول "المطعون ضده الأول" كانت إمداد الشركة بالمال المطلوب دون تحديد لقدره على أن يقوم المدعى الثانى "المطعون ضده الثانى" والمدعى عليه "الطاعن" بالعمل وإقامة البناء، وعلى أن الثلاثة اشتركوا فعلا فيما قاموا به بالرغم من أن المدعى عليه تعاقد باسمه خاصة مع الدائرة ومع المقاولين الذين تعاقد معهم, لينفى المدعى عليه ذلك بنفس الطرق وليثبت أنه ليس لأحد من المدعيين أى دخل فى العملية التى قام بها. استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طالباً إلغاءه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وفى 8 من مايو سنة 1941 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف الخ الخ.
وتنفيذاً للحكم الابتدائى الصادر فى 18 من يناير سنة 1941 أجرت محكمة الإسكندرية الابتدائية التحقيق، ثم أصدرت فى 9 من مايو سنة 1942 حكماً قررت فيه قيام الشركة وندبت خبيراً لفحص مستندات الطرفين وحسابات الشركة وتحقيق مصروفاتها وبيان صافى أرباحها ونصيب كل شريك بحق الثلث بعد استبعاد ما عسى أن يكون قد حصل عليه كل منهم من ذلك الربح أثناء العمل. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلب إلغاءه والحكم برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وفى 11 من مارس سنة 1943 قضت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى على التحقيق لسماع شهادة سليمان بك متولى ويوسف أفندى بلال والشيخ أحمد عبد المجيد ومناقشة الخصوم شخصياً. وقد نفذ هذا الحكم وأعيدت الدعوى إلى المرافعة. ثم فى 19 من أكتوبر سنة 1944 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف وإلزام الطاعن بالمصاريف و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وفى 18 من مارس سنة 1945 قرر وكيل الطاعن الطعن بطريق النقض فى ذينك الحكمين الصادرين من محكمة استئناف مصر فى 8 من مايو سنة 1941 و19 من أكتوبر سنة 1944 طلب فيه أصلياً القضاء بإلغائهما والحكم فى موضوع الدعوى برفضها ومن باب الاحتياط إعادة القضية إلى دائرة أخرى للفصل فيها من جديد الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن السبب الأول من الطعن يتحصل فى أن الحكم الصادر فى 8 من مايو سنة 1941 أجاز إثبات وجود شركة المحاصة بشهادة الشهود على خلاف ما تقضى به المادة 63 من قانون التجارة التى لا تجيز الإثبات إلا بالدفاتر والخطابات.
وحيث إن قانون التجارة إذ نص فى المادة 19 على أنواع الشركات التجارية المعتبرة قانوناً وعلى أنها خاضعة للأصول العامة المبينة فى القانون المدنى وللقواعد المقررة فى قانون التجارة، وإذ نص فى المادة 59 على أن شركات المحاصة هى شركات تجارية بحسب القانون، فإن هذه الشركات يكون حكمها حكم تلك فى خضوعها للأصول العامة المبينة فى القانون المدنى. ولما كان الأصل العام المقرر فى القانون المدنى بالمادة 234 منه هو جواز إثبات كل العقود التجارية بالبينة وقرائن الأحوال فإن هذا الأصل يكون هو المتعين جرى حكمه على كل الشركات إلا إذا كان فى قانون التجارة نص يمنع ذلك. وبما أن قانون التجارة لم يوجب الكتابة للاثبات إلا بالنسبة إلى عقود شركات التضامن والتوصية والمساهمة كما هو ظاهر من المادتين 46 و47. أما شركات المحاصة فكل ما جاء بشأنها فيه بصدد الإثبات هو ما نص عليه فى المادة 63 من جواز إثبات وجودها بإبراز الدفاتر والخطابات، وهذا مفاده أنه فى خصوص هذه الشركات ليس من مراد الشارع الخروج على الأصل العام بإيجاب الكتابة لإثبات عقدها، وإذن فإثبات وجودها بالبينة جائز. والواقع أن التفرقة فى هذا الصدد بين شركات المحاصة وسائر الشركات لها علة مقبولة، لأن شركات المحاصة قد لا تكون إلا لعمل تجارى واحد وهى بحسب الأصل لا صلة لها بالغير بخلاف الشركات الأخرى فإن لها شأناً خطيراً بالنسبة إلى الشركاء أو إلى الغير.
وحيث إن القول بأن المادة 63 تفيد بمدلول الفحوى عدم قبول البينة فى إثبات شركات المحاصة - هذا القول مردود بأن القانون إذ أوجب الكتابة لإثبات الشركات الأخرى, وإذ لم ينص فى خصوص شركات المحاصة إلا على جواز إثباتها بإبراز الدفاتر والخطابات لا يمكن أن يكون مقصوده بذلك الدفاتر والخطابات دفاتر المدعى عليه وخطاباته الصريحة فى وجود شركة المحاصة والتى تكون بمثابة عقد مكتوب بها، وإنما مقصوده بطبيعة الحال هو أن الدفاتر أو الخطابات التى يستنتج منها وجود الشركة سواء كانت للمدعى أو للمدعى عليه أو للغير. وإذن فالمادة 63 لا معنى لها إلا أنها تفيد جواز إثبات شركات المحاصة بقرائن الأحوال المستفادة من الدفاتر والخطابات التى تقدم فى الدعوى، وليس فى نصها ما يفيد حصر أدلة الإثبات فى هذه القرائن ولا حظر الإثبات بالبينة.
وحيث إنه متى كان ذلك كذلك فإن الحكم المطعون فيه - الصادر فى 8 من مايو سنة 1941 - إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائى الصادر فى 18 من يناير سنة 1941 بجواز إثبات شركة المحاصة المدعاة بالبينة يكون لم يخالف القانون.
وحيث إن السبب الآخر من الطعن يتحصل فى أن الحكم الصادر فى 19 من أكتوبر سنة 1944 جاء معيباً فى تسبيبه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول قصوره فى بيان الأسباب التى أقيم عليها إذ أنه لم يبين الوقائع التى شهد بها الشهود واستخلصت منها المحكمة وجود شركة محاصة متوافرة العناصر المكونة لها والتى أحيلت الدعوى على التحقيق لإثباتها.
والوجه الثانى تأييده الحكم الابتدائى لأسبابه مع أن من ضمن هذه الأسباب كشف الحساب الذى كان الطاعن قد تهيأ للطعن فيه بالتزوير أمام محكمة الاستئناف فتنازل المطعون ضدهما عن التمسك به فى الدعوى، وكان مقتضى هذا التنازل أن تسقط المحكمة الدليل المستمد منه لا أن تؤيد الحكم الابتدائى الذى أخذ بهذا الدليل لأسبابه.
والوجه الثالث أن المحكمة إذ قالت بثبوت الشركة بين الطاعن والمطعون ضدهما بناءً عل أقوال الشهود مسخت تلك الأقوال. ذلك بأنها "أولا" استخلصت من عبارة وردت فى شهادة الشيخ أحمد عبد المجيد أن الطاعن سوى بين نفسه وبين المطعون ضدهما فى الربح، ورتبت على ذلك وجود الشركة بينه وبينهما - وهذا الاستخلاص مخالف لما قرره الشاهد نفسه من أنه فهم أن ما دفعه الطاعن إلى المطعون ضدهما كان على سبيل الهدية، وهو أيضاً مخالف للثابت بالأوراق من أن المطعون ضده الأول قبض 25 ج والثانى 2194 قرشا فلا مساواة، ثم هو مخالف للثابت بعريضة الدعوى على لسانهما من أنهما قبضا 47 ج وهو المبلغ الذى قال الطاعن إنه دفعه إليهما سمسرة وأجراً لا أرباحاً. "وثانياً" قالت إن شهادتى سليمان بك متولى ويوسف أفندى بلال قاطعتان فى مجموعهما بقيام الشركة بين الطاعن والمطعون ضدهما مع أن الأول لم يشهد إلا بوجود شركة بين الطاعن والمطعون ضده الثانى فقط دون معرفته لشروطها، والآخر لم يشهد إلا بأنه كان يرى الطاعن والمطعون ضده الثانى فقط فى ساحة العمل: أولهما يستحضر أدوات العمارة والثانى يشرف على العمال. وهذا لا يفيد قيام الشركة بينهما على ما تقوله المحكمة بل يؤيد قول الطاعن بأن المطعون ضده الثانى كان مراقباً للعمال.
وحيث إن كل ما قاله الطاعن من ذلك مردود: (أولا) بأن الحكم لم يقم على شهادة الشهود فحسب بل أقيم على الأخص على كشف حساب العملية الموقع من الطاعن وهو يستقيم بهذا الكشف وحده. و(ثانياً) بأن الطاعن لم يقدم إثباتاً لما يدعيه من تنازل المطعون ضدهما أمام محكمة الاستئناف عن التمسك بكشف الحساب إلا نسخة غير رسمية من مذكرة يقول هو أنها صورة من المذكرة التى قدمها المطعون ضدهما إلى محكمة الاستئناف. ولما كان الواجب على من يطعن فى الحكم أن يقدم الدليل على صحة طعنه, وبديهى أن الدليل الذى يراد تحدى الحكم به لا يمكن أن يكون مجرد قول الطاعن ولا ما هو فى حكم مجرد قوله، فقد كان من المتعين على الطاعن أن يقدم صورة رسمية من المذكرة التى يستند إليها فى طعنه، أما وهو لم يفعل فإن طعنه يكون لا دليل عليه ويتعين رفضه. و(ثالثاً) بأن عبارة الشيخ أحمد عبد المجيد المشار إليها فى الطعن هى شهادته بأن الطاعن قال "إنى لم أكسب من هذه المقاولة سوى 75 أو 80 ج فأعطيت المعلم مرسى 25 ج كهدية والحاج محمد غانم 25 ج كهدية كذلك نظير إشرافه على العمل فوق ما كان يأخذه كأجر يومى". والحكم المطعون فيه قال بأن ما جاء فى هذه العبارة من إعطاء كل من المطعون ضدهما 25 ج واختصاص الطاعن بمبلغ معادل لذلك يفيد أن الطاعن ما كان يلجأ إلى المساواة فى توزيع الربح بينه وبينهما إلا لوجود شركة بينهم. ولما كانت تلك العبارة تحتمل المعنى الذى استخلصته منها المحكمة فالنعى عليها بأنها مسختها لا يكون من المقبول. هذا ولا تثريب على المحكمة إذ لم تأخذ بما جاء فى الشهادة من أن المبلغين المدفوعين إلى المطعون ضدهما كانا على سبيل الهدية لأن أمر تقدير الشهادة واستخلاص الواقع منها يستقل به قاضى الموضوع، وهو غير ملزم بتصديق الشاهد فى كل قوله، بل له أن يطرح منه ما لا يطمئن إليه، كما أن الطاعن نفسه يقول إن ما دفعه كان على سبيل السمسرة وأجرة عمل ولم يقل إنه كان هدية. ومن ثم لا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص. أما قول الطاعن إن شهادة سليمان بك متولى لا تفيد قيام الشركة إلا بين الطاعن والمطعون ضده الثانى دون المطعون ضده الأول فهو مردود بأن قيام الشركة بالنسبة إلى المطعون ضده الأول ثابت بالأدلة الأخرى التى أوردتها المحكمة وهى كشف الحساب وتلك العبارة من شهادة الشيخ أحمد عبد المجيد. وأما قوله أيضاً إن شهادة يوسف أفندى بلال لا تفيد قيام الشركة أصلاً فمردود بأن هذه الشهادة على ما أوردها هو نفسه فى وجه الطعن تحتمل المعنى الذى حكمت به المحكمة كما تحتمل المعنى الذى يقول به هو، وإذ كان لا مرجح لأحد المعنيين على الآخر فلا تثريب على المحكمة ما دام ما حصلته منها لا يتجافى مع عباراتها.


[(1)] تقابلها الفقرة الأولى من المادة 400 من القانون الجديد بنصها على أنه "فى غير المواد التجارية، إذا كان التصرف القانونى تزيد قيمته على عشرة جنيهات أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز البينة فى إثبات وجوده أو انقضائه، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك".