مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 108

جلسة 28 من فبراير سنة 1946

برياسة حضرة أحمد نشأت بك وحضور حضرات محمد المفتى الجزايرلى بك ومحمد توفيق إبراهيم بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(41)
القضية رقم 46 سنة 15 القضائية

اختصاص:
ا - توزيع ولاية القضاء بين مختلف المحاكم. من النظام العام. لا يصح الاتفاق على خلافه. لا حجية لحكم يصدر من محكمة غير ذات ولاية فى إصداره.
ب - المحاكم المدنية. هى صاحبة الولاية العامة. حكم من محكمة شرعية فى مسألة غير متعلقة بأصل الوقف. لا حجية له.
جـ - وقف. المطالبة بدفع مبلغ وارد فى حجة وقف. ليست من المسائل المتعلقة بأصل الوقف.
1 - إن توزيع ولاية القضاء بين المحاكم المختلفة التى عهد إليها الشارع بالفصل فى الخصومات هو من النظام العام فلا يملك الخصوم الاتفاق ولا التراضى على خلافه، ومن الواجب على المحاكم الالتفات إليه من تلقاء نفسها، وكل قضاء فى خصومة تصدره محكمة ليس لها ولاية عليها لا تكون له حرمة ولا حجية فى نظر القانون.
2 - إن المحاكم الأهلية هى المحاكم ذات الولاية العامة التى لا يخرج عنها إلا المسائل التى نص القانون عليها، فإن حصل أن قضت المحكمة الشرعية فى مسألة ليست متعلقة بأصل الوقف بالذات فإن قضاها هذا يكون صادراً فى خصومة لم يجعل لها القانون ولاية القضاء فيها، ويكون لا حجية له [(1)].
3 - دعوة ناظر الوقف بمطالبة وزارة المالية بدفع مبلغ مرتب العلوفة الوارد فى حجة الوقف هى دعوى بدين مدنى بحت لا تعلق له بأصل الوقف، فلا تختص بها المحاكم الشرعية.


الوقائع

تتحصل وقائع الدعوى فى أن الطاعن رفع على المطعون ضدها الدعوى رقم 1542 سنة 1941 بمحكمة مصر الابتدائية قال فى صحيفتها المعلنة فى 7 من يوليو سنة 1941 إن المرحوم عثمان أغا الوكيل وقف فى 21 من ذى الحجة سنة 1181 الأعيان المبينة بكتاب وقفه ومنها مرتب العلوفة البالغ مقداره ثلثمائة عثمانى المقرر له من الوالى بموجب ثلاث تذاكر ديوانية. وقد عين الطاعن ناظراً على هذا الوقف بقرار محكمة مصر الشرعية الصادر فى 12 من فبراير سنة 1933، وإنه لما طالب وزارة المالية بمرتب العلوفة المذكور ليصرفه فى مصارفه المبينة بكتاب الوقف امتنعت فقاضاها أمام المحاكم الشرعية، وفى 4 من يونيه سنة 1940 قضت المحكمة العليا الشرعية فى الاستئناف رقم 99 سنة 38 - 1939 بإلزام وزارة المالية بأن تدفع إلى الطاعن ما يساوى من العملة الحاضرة ثلثمائة عثمانى ليصرفها فى مصارفها التى عينها الواقف، وإنه بالرغم من هذا الحكم النهائى لا تزال الوزارة ممتنعة عن أداء حق الوقف إليه. لذلك طلب الحكم بإلزام وزارة المالية بأن تدفع إليه بصفته مبلغ 1481 ج و561 م قيمة ما يستحقه الوقف فى ذمتها من مرتب العلوفة حتى يوم 11 من يوليو سنة 1941 وما يستحق منه على أساس 78 ج و667 م سنوياً ابتداءً من 12 من يوليو سنة 1941 حتى الوفاء. وفى 18 من يناير سنة 1943 قررت المحكمة الانتقال إلى دار المحفوظات للاطلاع على الوثائق الموصلة إلى تقدير قيمة العثمانى وقت إنشاء الوقف، وتم الانتقال. وفى المذكرات الختامية طلب الطاعن الحكم بإلزام الوزارة بأن تدفع إليه مبلغ 3132 ج مع ما يستجد على أساس 12 ج شهرياً ابتداءً من 12 من يونيه سنة 1943 الخ. الخ. وطلبت الوزارة رفض الدعوى. وفى 29 من يونيه سنة 1943 قضت المحكمة بإلزام وزارة المالية بأن تدفع إلى الطاعن بصفته مبلغ 182 ج و500 م وما يستجد على أساس 9 ج و125 م سنوياً ابتداءً من 12 من سبتمبر سنة 1942 حتى الوفاء مع المصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
رفعت الوزارة استئنافاً عن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر طلبت به إلغاءه والحكم برفض الدعوى، ثم رفع عنه الطاعن استئنافاً طلب به تعديله وإلزام الوزارة بأن تدفع إليه بصفته مبلغ 3132 ج مع ما يستجد على أساس 12 ج شهرياً ابتداءً من 12 يوليه سنة 1943. وفى 26 من فبراير سنة 1944 تقرر ضم الاستئنافين أحدهما إلى الآخر. وفى 29 من يناير سنة 1945 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن بصفته وألزمته بجميع المصاريف عن الدرجتين و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما.
أعلن الطاعن بهذا الحكم فى 19 من مارس سنة 1945 وفى 16 من أبريل سنة 1945 قرر وكيله الطعن فيه بطريق النقض الخ. الخ.


المحكمة

وحيث إن السبب الأول يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعن أقيم على أساس عدم حجية الحكم الصادر له من المحكمة الشرعية بإلزام المطعون ضدها بدفع مرتب العلوفة بمقولة إنه قضاء فى مسألة ليست متعلقة بأصل الوقف، وإن ولاية المحاكم الشرعية مقصورة على المسائل المتعلقة بأصل الوقف ودعوى الطاعن إنما كانت مطالبة بدين بمقولة إن مسائل الاختصاص من النظام العام فرضاء الخصوم باختصاص المحاكم الشرعية بمسألة ليست متعلقة بأصل الوقف لا قيمة له. وهذا خطأ: أولاً - لأن طلب إلزام الوزارة بأداء مرتب العلوفة يتضمن بطبيعة الحال طلب القضاء بجريان المرتب فى حجة الوقف وهو أمر يتصل أوثق صلة بأصل الوقف. وثانياً - لأنه مع افتراض أن دعوى الطاعن أمام المحكمة الشرعية لم تكن متعلقة بأصل الوقف ومن ثم تكون خارجة عن اختصاص المحاكم الشرعية فإن هذه المحاكم قد صارت مختصة بها لتراضى الخصوم على ذلك، كما هو المستفاد من أن المطعون ضدها لم تدفع أمام المحكمة الشرعية بعدم الاختصاص بل دخلت رأساً فى موضوع النزاع.
وحيث إن توزيع ولاية القضاء بين المحاكم المختلفة التى عهد إليها الشارع بالفصل فى الخصومات هو من النظام العام فلا يملك الخصوم الاتفاق ولا التراضى على خلافه، ومن الواجب على المحاكم الالتفات إليه من تلقاء نفسها، وكل قضاء فى خصومة تصدره محكمة ليس لها ولاية عليها لا حرمة له فى نظر القانون ويكون عديم الحجية وكأ ن لم يكن.
وحيث إن المحاكم الأهلية هى المحاكم ذات الولاية العامة التى لا يخرج عنها إلا المسائل التى نص القانون عليها ومنها المسائل المتعقلة بأصل الوقف وقد خص بها المحاكم الشرعية. فإن حصل أن قضت المحاكم الشرعية فى مسألة ليست متعلقة بأصل الوقف بالذات فإن قضاءها هذا يكون صادراً فى خصومة لم يجعل لها القانون ولاية القضاء فهيا ويكون لا حجية له.
وحيث إن الطاعن أسس دعواه على الحكم الصادر له من المحكمة العليا الشرعية فى الاستئناف رقم 99 سنة 38 - 1939 على وزارة المالية بإلزامها بأن تدفع إليه ما يساوى من العملة الحاضرة ثلثمائة عثمانى. والحكم المطعون فيه إذ لم يأخذ بهذا الأساس قال: "ومن حيث إن طلبات ناظر الوقف فى دعواه الشرعية كانت كما ثبت فى الحكمين الشرعيين الابتدائى والاستئنافى أنه طالب وزارة المالية بأن تسلمه بدل العلوفة. ومن حيث إن هذا الطلب هو طلب بدفع مبلغ معين من النقود قيمة مرتب مقول بأنه مقرر فى ذمة وزارة المالية بأمر من الوالى فهى دعوى مطالبة بدين، وهى بهذا التكييف دعوى مدنية بحتة. لا يغير من طبيعتها تصرف صاحب هذا المرتب فيه بوقفه بعد تقريره له، بفرض أنه تقرر له حقيقة، إذ أن هذا الوقف طارئ وليس من شأنه أن يخلق لمن صدر عنه حقاً لم يكن له من قبل. فإذا أنكرت وزارة المالية انشغال ذمتها بهذا المرتب لأنه لم يتقرر ابتداءً فى ذمتها فيكون البحث فى ذلك خارجاً عن وظيفة المحكمة الشرعية لأنه بحث فى أمر سابق على نشوء الوقف فهو لذلك ليس من أصله مهما ترامت حدود المعنى الذى تشعه عبارة أصل الوقف، مثله فى ذلك مثل البحث فيما إذا كان الواقف مالكاً للأعيان التى يوقفها فكلاهما خارجان عن أصل الوقف، وبالتبعية خارجان عن ولاية المحاكم الشرعية، وليس للحكم الشرعى الذى يصدر فى ذلك حجية نهائية تمنع المحاكم الأهلية من إعادة النظر فيه.. ومن المقرر قانوناً أن البحث فى تحديد وظائف المحاكم مرتبط بالنظام العام لا يملك فيه الخصوم صلحاً ولا اتفاقاً، لا صراحة ولا ضمناً، ومن واجب المحاكم الالتفات إليه من تلقاء ذاتها".
وحيث إن هذا الذى قاله الحكم صحيح، فإن مطالبة وزارة المالية بدفع مبلغ مرتب العلوفة الوارد فى حجة وقف ليس من المسائل المتعلقة بأصل الوقف، ولا يمكن أن يجعله منها أنه يتضمن - على ما يزعم الطاعن - طلب جريان المرتب فى الوقف لأن جريان العين فى الوقف شئ وإلزام وزارة المالية بما هو جار فى الوقف شئ آخر مستقل عن أمر الجريان، ووقف مرتب علوفة لا يمكن أن يفيد بذاته صحة تقرير هذا المرتب للواقف، وليس هو فى القانون حجة ملزمة للخزانة بدفع ذلك المرتب. وإذن فالخصومة فى شأن هذا الإلزام لا تكون متعلقة بالجريان فهى بالتالى ليست متعلقة بأصل الوقف ولا خارجه عن ولاية المحاكم الأهلية. ويكون قضاء المحاكم الشرعية فيه صادراً فى خصومة ليست من اختصاصها ولا حرمة له. ولا عبرة بزعم الطاعن أيضاً أن تراضى الخصوم على اختصاص المحاكم الشرعية بهذا النزاع يجعلها مختصة به لأن ولاية القضاء من النظام العام وتراضى الخصوم لا يمكن أن يكون له أثر فيما يخالف النظام العام.


[(1)] هذه قاعدة مقررة ومن قضاء محكمة النقض أنه أقرها فى الحكم الصادر فى القضية رقم 21 سنة 15 ق المنشور تحت رقم 23 فى هذا الجزء بصفحة (42).