مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثانى (من أول مارس سنة 1986 الى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1549

(210)
جلسة 8 من ابريل سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيونى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد عطية أبو الخير وشفيق محمد سليم مصطفى وفاروق على عبد القادر وعطية الله رسلان أحمد فرج المستشارين.

الطعن رقم 2996 لسنة 31 القضائية

( أ ) عاملون بالقطاع العام - تأديب - التحقيق مع رئيس مجلس ادارة الشركة وشاغلى الدرجات العليا - الجهة المختصة به - شروط اتصال النيابة الادارية بالتحقيق - مخالفة هذه الشروط - أثرها - المادة 83 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 - لا يجوز التحقيق مع رئيس مجلس ادارة الشركة الا بمعرفة النيابة الادارية وبناء على طلب من رئيس الجمعية العمومية للشركة كما لا يجوز التحقيق مع شاغلى وظائف الادارة العليا الا بمعرفة النيابة الادارية وبناء على طلب رئيس مجلس الادارة - شرطا الطلب والجهة المختصة بالتحقيق - قيدان يمثلان ضمانتين أساسيتين الأولى مقررة لمصلحة العاملين المشار اليهم والثانية مقررة لمصلحة الشركة - الاخلال بأى من هاتين الضمانتين يؤدى الى بطلان التحقيق وكل ما يترتب عليه من قرار الاحالة الى المحاكمة التأديبية ومن اقامة الدعوى التأديبية - أساس ذلك: - المساس باجراءات شكلية جوهرية لازمة لاقامة الدعوى التأديبية - نتيجة ذلك: - يتعين على المحكمة التأديبية أن تقضى بعدم قبول الدعوى التأديبية شكلا - لا ينال من القاعدة المتقدمة أن المادة 83 لم تنص على جزاء لمخالفة القيد - أساس ذلك: لا ينسحب البطلان على ما ينص عليه القانون فحسب وانما ينسب أيضا الى كل عيب لا يحقق الغاية من الاجراء.
(ب) عاملون بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية - الاجراءات التأديبية والاجراءات الجنائية.
قضاء التأديب جرى على الرجوع الى أحكام قانون الاجراءات الجنائية واختيار ما ينسجم منها مع طبيعة القضاء التأديبى - المادة 9 من قانون الاجراءات الجنائية - لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ اجراءات فيها فى الجرائم المنصوص عليها فى المادة 182 عقوبات الا بناء على طلب من الهيئة أو رئيس المصلحة المجنى عليها - اغفال الحصول على الطلب من شأنه أن يلحق البطلان باجراءات التحقيق والمحاكمة - الدلالة المستخلصة من حكم المادة 9 اجراءات جنائية هى بذاتها التى يتعين استخلاصها من حكم المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 - أساس ذلك: - أن كلا من النصين يقطع بأنهما ينصرفان الى مدلول واحد ومفهوم واحد هو تعليق صحة التحقيق والمحاكمة على شرط صدور الطلب - مثال: المادة 21 من قانون الادارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة رقم 47 لسنة 1973 - تطبيق.
(جـ) عاملون بالقطاع العام - تأديب - الدعوى التأديبية - شروط قبولها.
الشرطان الواردان فى المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 لازمان لتحريك الدعوى التأديبية ولصحة اتصال المحكمة بها - كما أنه شرط لازم لقبول الدعوى التأديبية - هذان الشرطان من المسائل المتعلقة بالنظام العام - أثر ذلك - لصاحب الشأن أن يدفع بتخلف الشرط فى أية حالة كانت عليها الدعوى التأديبية كما يتعين على المحكمة التأديبية أن تقضى به من تلقاء نفسها - تطبيق.
بتاريخ 14/ 7/ 1985 أودع السيد الأستاذ/ محمد رشيد البوشى المستشار بادارة قضايا الحكومة سكرتارية المحكمة الادارية العليا تقرير هذا الطعن، نيابة عن السيد/ مدير النيابة الادارية فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا بجلسة 15/ 5/ 1985 فى الدعوى رقم 13 لسنة 27 ق المقامة من النيابة الادارية ضد المطعون ضده (وآخرين) والذى قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمحال الأول.......
وقد طلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن، وللأسباب الواردة به، تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر باحالته الى المحكمة الادارية العليا لتقضى بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به بالنسبة للمطعون ضده بعدم قبول الدعوى بالنسبة له والحكم بتوقيع الجزاء المناسب عليه اعمالا للنصوص الموضحة بالقانون وبقرار الاتهام مع الزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد تم تحضير الطعن أمام هيئة مفوضى الدولة التى أعدت تقريرا بالرأى القانونى اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا.
ثم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التى قررت بجلسة 5/ 2/ 1986 احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الثالثة موضوع) وحددت لنظره أمامها جلسة 25/ 2/ 1986 وفى هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 8/ 4/ 1986 مع التصريح بالاطلاع وتقديم مذكرات عن شأنه خلال أسبوعين، الا أن أيا من الطرفين لم يودع شيئا خلال هذا الأجل وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أنه عن شكل الطعن فانه لما كان الثابت أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 15/ 5/ 1985 وأودع تقرير الطعن قلم كتاب المحكمة الادارية العليا بتاريخ 14/ 7/ 1985 أو خلال ميعاد الستين يوما المقررة قانونا ولما كان الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية الأخرى المنصوص عليها فى القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة فانه من ثم يتعين الحكم بقبول الطعن شكلا.
ومن حيث أنه عن الموضوع فان واقعات الطعن تخلص حسبما يبين من الأوراق ان النيابة الادارية أقامت الدعوى رقم 13 لسنة 27 القضائية بأن أودعت سكرتارية المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا بالقاهرة تقرير اتهام ضد كل من:
1 -....... (المطعون ضده) المفوض عن ادارة شركة مصر للتوزيع ودور العرض بالدرجة الممتازة.
2 -........
3 -........
4 -........
لأنهم بصفتهم السابقة وبدائرة عملهم بالشركة خلال عام 1931 وحتى 7/ 2/ 1984.
الأول (المطعون ضده): لم يراع الدقة الواجبة فى عمله بأن لم يتخذ ثمة اجراء فى التحقق الادارى رقم 27 لسنة 1983 الذى انتهى الى مسئولية الثانى وذلك فى المدة من 29/ 12/ 1983 وحتى 7/ 2/ 1984 تاريخ ارساله للنيابة الادارية بناء على طلبها.
الثاني........
وبذلك يكون المذكورون قد ارتكبوا المخالفات المنصوص عليها بالمادتين 78/ 1 و80 من القانون رقم 48 لسنة 1978. وطلبت النيابة الادارية محاكمتهم بالمادتين سالفتى الذكر، وطبقا للمواد 82 و84 من القانون رقم 48 لسنة 1978 والمادتين 1 و3 من القانون رقم 19 لسنة 1959، 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958، 15 و19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وقد تحدد لنظر الدعوى أمام المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا جلسة 9/ 1/ 1985 حيث تدوول نظرها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبالجلسة سالفة الذكر قدم..... (المطعون ضده) مذكر بدفاعه التمس فيها الحكم ببراءته مما نسب اليه استنادا الى أنه كان مفوضا عن الشركة وعند عرض التحقيق رقم 27 لسنة 1983 عليه اتخاذ قرار بشأنه لما أدناه من أن التصرف باحالة عامل من الدرجة الأولى (المحال الثانى) الى اللجنة الثلاثية تمهيدا لعرض أمره على المحكمة التأديبية يستوجب فى نظره أن يضطلع به مجلس الادارة بدلا من انفراده به، لا سيما وأن مذكرة تشكيل مجلس ادارة الشركة كانت معروضة على وزير الثقافة. وبجلسة 15/ 5/ 1985 قضت المحكمة التأديبية "أولا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمحال الأول.....". وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن قضاء تلك المحكمة قد جرى على عدم قبول الدعوى التأديبية التى ترفع على أحد شاغلى وظائف الادارة العليا بالقطاع العام بغير الحصول على الطلب المنصوص عليه فى المادة 83 من قانون العاملين بالقطاع العام وهو بالنسبة للمحال طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة. وانه ازاء خلو أوراق الدعوى من طلب أو اذن من وزير الثقافة بوضعه رئيسا للجمعية العمومية لتلك الشركة فان ذلك يقتضى الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة له اعمالا للمادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام.
ومن حيث أن النيابة الادارية لم ترفض حكم المحكمة التأديبية المشار اليه ومن ثم فقد أقامت الطعن الماثل، ومبنى تقرير الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية:
1 - ان الطلب المنصوص عليه فى المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 لم يقصد به المشرع تقييد ولاية النيابة الادارية فى اقامة الدعوى التأديبية أو اجراء التحقيق مع شاغلى الدرجات العليا، بل ان هذا القيد وارد على الادارة المختصة بالتحقيق فى الشركة ومضمونه عدم اجراء التحقيق مع أى من شاغلى الدرجات العليا الا بمعرفة النيابة الادارية.
2 - ان الطلب فى الفقه الجنائى يعبر عنه المشرع بألفاظ وعبارات صريحة تحظر اتخاذ أى اجراء أو اقامة الدعوى بصفة ناهية آمره يترتب البطلان على مخالفتها وتحكم به المحكمة من تلقاء نفسها وذلك على خلاف الطلب الوارد بنص المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978.
3 - ان الحكم المطعون فيه لم يكشف عن السند القانونى الذى بنى قضاءه عليه بعدم القبول وما اذا كان راجعا الى العيب فى اجراءات التحقيق أو الى عيب فى اجراءات رفع الدعوى أو الى عدم اختصاص المحكمة لافتقاد الخصومة لأحد الشروط المقررة لها.
4 - ان الاجراء لا يكون باطلا الا اذا نص القانون صراحة على بطلانه أو اذا شابه عيب جوهرى ترتب عليه ضرر للخصم.
ومن حيث أنه باستعراض أحكام القانون رقم 48 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين بالقطاع العام يتبين أن المادة 83 من القانون المذكور تنص على أن "يضع مجلس الادارة لائحة تتضمن جميع أنواع المخالفات والجزاءات المقررة لها واجراءات التحقيق والجهة المختصة بالتحقيق مع عدم الاخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والقوانين المعدلة له.
وللمحقق من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من يجرى معه التحقيق والاستماع الى الشهود والاطلاع على السجلات والأوراق التى يرى فائدتها فى التحقيق واجراء المعاينة.
ويكون التحقيق بمعرفة النيابة الادارية بالنسبة لشاغلى وظائف الادارة العليا وذلك بناء على طلب رئيس مجلس الادارة.
وأما بالنسبة لرئيس مجلس الادارة فيكون التحقيق معه بمعرفة النيابة الادارية بناء على طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة.
والمستفاد من نص الفقرتين الأخيرتين من هذه المادة أن التحقيق مع رئيس مجلس ادارة الشركة وغيره من العاملين فيها من شاغلى وظائف الادارة العليا لا يجوز الا بمعرفة النيابة الادارية كما أنه لا يجوز للنيابة الادارية اجراء التحقيق معهم الا بناء على طلب رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس ادارة الشركة حسب الأحوال. فهذان القيدان يمثلان ضمانتين أساسيتين الأولى مقررة لمصلحة العاملين المشار اليهم لتوفير الاطمئنان لهم باسناد التحقيق الى النيابة الادارية باعتبارها جهة محايدة لا تخضع فى عملها لأية تأثيرات من جانب الشركة أو العاملين فيها، والثانية مقررة لمصلحة الشركة لتحقيق حسن سير العمل فى المشروع الذى تقوم عليه وتمكينها من تحقيق الخطة الانتاجية المرجوة والتى تتصل اتصالا وثيقا بالمصالح العامة والحيوية للدولة، والاخلال بأى من هاتين الضمانتين يؤدى الى بطلان التحقيق وكل ما يترتب عليه من قرار بالاحالة الى المحاكمة التأديبية ومن اقامة الدعوى التأديبية الذى يتم بايداع أوراق التحقيق وقرار الاحالة المشار اليها قلم كتاب المحكمة التأديبية طبقا للمادة 34 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، وذلك لانه يمس اجراءات شكلية جوهرية لازمة لاقامة الدعوى التأديبية، الأمر الذى يتعين معه على المحكمة التأديبية أن تقضى بعدم قبول الدعوى التأديبية شكلا فى حالة الاخلال باحدى هاتين الضمانتين. ولا يغير من ذلك الاحتجاج بنص الفقرة الأولى من المادة 83 المشار اليها التى تنص على أن يضع مجلس ادارة الشركة لائحة تتضمن اجراءات التحقيق مع العاملين والجهة التى تقوم به مع عدم الاخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن تنظيم النيابة الادارية والمحاكمات التأديبية والقوانين المعدلة له، والقول بأن عدم الاخلال بأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 المشار اليه يعنى عدم المساس بحق النيابة الادارية فى التصدى للتحقيق مع العاملين شاغلى وظائف الادارة العليا دون طلب من الشركة. سواء كان ذلك بناء على طلب الرقابة الادارية أو بناء على شكوى من أحد الأفراد، أو احدى الجهات طبقا لما يقضى به القانون المذكور ذلك أن القواعد العامة فى تفسير القوانين توجب النظر الى أحكام المادة 83 المشار اليها فى مجموعها والتوفيق فيما بينها فى ضوء ما قصده المشرع منها، والفقرتان الأخيرتان من هذه المادة قيدتا التحقيق مع شاغلى وظائف الادارة العليا صراحة بطلب يصدر من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس ادارة الشركة حسب الأحوال، وهذا القيد يحد من اطلاق حكم الفقرة الأولى من المادة والا أصبح نصها لغوا لا فائدة منه وهو ما ينزه عنه الشارع.
كما لا ينال مما تقدم القول بأن المشرع قصد من نص الفقرتين الأخيرتين من المادة المشار اليها وضع قيد على الشركة نفسها بحيث لا يجوز لها التحقيق مع العاملين بها من شاغلى وظائف الادارة العليا حرصا على مكانتهم وأهمية اختصاصاتهم، ذلك بأن الفقرتين المذكورتين تضمنتا قيدين، أولهما أن يكون التحقيق بمعرفة النيابة الادارية وهذا القيد يحقق القصد المشار اليه، والقيد الثانى يتعلق بشرط لازم هو أن يسبق التحقيق بمعرفة الجهة التى حددها المشرع وهى النيابة الادارية صدور طلب من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس ادارة الشركة حسب الأحوال.
ومن حيث أنه لا يغير من النظر المتقدم أو ينال منه القول بأن المادة 83 المشار اليها لم تنص على جزاء لمخالفة القيد الذى وضعه المشرع لاجراء التحقيق بمعرفة النيابة الادارية وهو صدور طلب بذلك من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو رئيس مجلس ادارة الشركة حسب الأحوال سواء بالبطلان أو بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية، ذلك لان المادة 3 من مواد الاصدار فى القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنص على أن تطبق الاجراءات المنصوص عليها فى هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص وذلك الى أن يصدر قانون الاجراءات الخاصة بالقسم القضائى. واذا كانت قواعد الاجراءات المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة، وكذلك المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 المشار اليها قد خلت من نص على البطلان أو عدم جواز رفع الدعوى التأديبية فى هذه الحالة فان قانون المرافعات المدنية والتجارية ينص فى المادة 20 منه على أن "يكون الاجراء باطلا اذا نص القانون صراحة على بطلانه أو اذا شابه عيب لم تحقق بسببه الغاية من الاجراء" وطبقا لهذا النص لا يقتصر البطلان على ما ينص عليه القانون فحسب وانما ينسحب البطلان أيضا الى كل عيب لا تحقق بسببه الغاية من الاجراء، وهو فى الحالة المعروضة طلب التحقيق من الجهة المختصة بالشركة، فقد سبق القول أن هذا الطلب يمثل ضمانة أساسية لتحقيق حسن سير العمل بالمشروع الذى تقدم عليه الشركة وتمكينها من تحقيق أهدافه وعلى أهداف متصلة بالمصالح العليا والحيوية للدولة، والجهة المختصة بالشركة هى أقدر الجهات على التعرف على مدى تأثر حسن سير العمل بالمخالفات التى يرتكبها العاملين شاغلو وظائف الادارة العليا ولذا ترك لها المشرع سلطة تقديرية تترخص بها فى طلب التحقيق مع هؤلاء العاملين أو التغاضى عن ذلك اذا رأت أن المخالفة هينة الأثر أو انها ليست كذلك ولكن مبررات التغاضى عنها أول بالرعاية من المساءلة عنها، آخذة فى الاعتبار أن التحقيق حتى ولو انتهى بالحفظ من شأنه اثارة الغبار حول قيادات الشركة وتعريضها للأقاويل وزعزعة مركزها أمام باقى العاملين بالشركة مما يترك بالضرورة آثارا وانعكاسات على حسن سير العمل بالمشروع الذى تقوم عليه الشركة.
ومن حيث أنه فضلا عما تقدم فانه ولئن كان للقضاء الادارى كأصل عام أن يرجع الى قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص فى قانون مجلس الدولة فان قضاء التأديب قد جرى أيضا على الرجوع الى أحكام قانون الاجراءات الجنائية واختيار ما ينسجم منها مع طبيعة النظام التأديبى باعتبار أن المحاكمة التأديبية قريبة الشبه بالمحاكمة الجنائية والاستهداء بالاجراءات الجنائية فى مجال تحديد اجراءات التحقيق الادارى والمحاكمات التأديبية، ومتى كان ذلك وكانت المادة 9 من قانون الاجراءات الجنائية قضى على أنه: "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ اجراءات فيها فى الجرائم المنصوص عليها فى المادة 182 من قانون العقوبات الا بناء على طلب كتابى من الهيئة أو رئيس المصلحة المجنى عليها....." وكان المستقر قضاء أن اغفال الحصول على هذا الطلب من شأنه أن يلحق البطلان باجراءات التحقيق أو المحاكمة، فان الدلالة المستخلصة من حكم المادة السابقة هى بذاتها التى يتعين استخلاصها من أحكام الفقرتين الأخيرتين من المادة 83 من القانون رقم 48 لسنة 1978 فى شأن نظام العاملين بالقطاع العام، ولا يجوز التحدى فى هذا المقام بالمغايرة اللفظية بين نص المادة 9 من قانون الاجراءات الجنائية ونص المادة 83 سالفة الذكر لأن هذه المغايرة فى التعبير لا تعنى بحكم اللزوم المغايرة فى المضمون، ذلك أن استقراء كلا النصين يقطع فى أنهما ينصرفان الى مدلول واحد ولا يهدفان الا الى مفهوم وحيد، وهو تعليق صحة التحقيق والمحاكمة على شرط صدور طلب سابق باجراء التحقيق الجنائى فى الحالة الأولى والتحقيق الادارى فى الحالة الثانية وشرط الحصول على هذا الطلب لاجراء التحقيق الادارى طبقا لحكم المادة 83 آنفة البيان وبالتالى تحريك الدعوى التأديبية ليس جديدا أتى به قانون العاملين بالقطاع العام فى مجال التأديب، بل لقد سبقه الى ذلك القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الادارات القانونية فى الهيئات والمؤسسات العامة الوحدات التابعة لها فيما جرى به نص المادة 21 من هذا القانون من عدم اقامة الدعوى التأديبية الا بناء على طلب الوزير المختص.
ومن حيث أنه وقد بان مما تقدم أن الحصول على طلب سابق من رئيس الجمعية العمومية للشركة أو من رئيس مجلس ادارة الشركة حسب الأحوال طبقا لحكم المادة 83 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام هو شرط لازم لتحريك الدعوى التأديبية ولصحة اتصال المحكمة بالمخالفة طبقا لنص المادة 34 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة وهو على هذا النحو شرط لازم لقبول الدعوى التأديبية، وكان هذا الشرط من المسائل المتعلقة بالنظام العام فمن ثم فان لصاحب الشأن أن يدفع بتخلف هذا الشرط فى أية حالة كانت عليها الدعوى التأديبية، كما يتعين على المحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها.
ومن حيث أنه لما كان ذلك واذ خلت الأوراق فى الطعن الماثل من طلب وزير الثقافة بصفته رئيس للجمعية العمومية لشركة مصر للتوزيع ودور العرض للنيابة الادارية بالتحقيق مع المطعون ضده وقد قامت النيابة الادارية بالتحقيق معه واحالته الى المحاكمة التأديبية دون الحصول على مثل هذا الطلب، الأمر الذى يترتب عليه بطلان هذه التحقيقات وتلك الاحالة وما نتج عنها، ويكون الحكم المطعون فيه وقد ذهب هذا المذهب للأسباب الواردة، فانه يكون قد أصاب الحق وأعمل صحيح حكم القانون، ويغدو الطعن فيه للأسباب الواردة بتقرير الطعن، على غير أساس من القانون جديرا بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.