أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 1962

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله؛ وابراهيم حسن علام، وعثمان زكريا.

(284)
الطعن رقم 119 لسنة 33 القضائية

عقد. "عقد إدارى". مسئولية. "المسئولية التعاقدية". "الشرط الجزائى". إلتزام. قوة قاهرة.
العقود الإدارية. إخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزامه. أثره. حق الادارة فى توقيع الغرامة المتفق عليها ومصادرة التأمين دون توقف على ثبوت ضرر. الإعفاء من المسئولية. مناطه القوة القاهرة. فعل الإدارة.
يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها فى العقد الإدارى بمجرد وقوع المخالفة التى تقررت الغرامة جزاء لها، وأن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقا فى ذمتها للمتعاقد. كما يحق لها مصادرة التأمين من تلقاء نفسها دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه. ذلك أن الغرامات ومبالغ التأمين التى ينص عليها فى العقود الإدارية تختلف فى طبيعتها عن الشرط الجزائى فى العقود المدنية، إذ يقصد بها - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه حرصا على سير المرفق العام بانتظام وإطراد. ولا يجوز للمتعاقد مع الإدارة أن ينازع فى استحقاقها للغرامة أو التأمين بحجة إنتفاء الضرر أو المبالغة فى تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن إخلاله بالتزامه راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل المتعاقد معها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 544 سنة 1949 مدنى كلى القاهرة ضد وزارة التربية والتعليم - الطاعنة - يطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 6194 ج و912 م، وقال بيانا لدعواه أنه بتاريخ 9 أكتوبر سنة 1948 رسا عليه عطاء توريد الأغذية لمدارس الزيتون الابتدائية للبنين والبنات وتم التعاقد على ذلك وأخذ فى التوريد، غير أنه بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1948 امتنع الموظفون المختصون عن قبول الأغذية الموردة منه وأخطر بأن متعهدا آخرا سيقوم بالتوريد ابتداء من 20 ديسمبر سنة 1948. وإذ يعد هذا التصرف من جانب الطاعنة فسخا للعقد أضر به فقد أقام الدعوى بالمبلغ المطالب به، منه مبلغ 380 ج يمثل قيمة التأمين الذى أودعه لدى الطاعنة ومبلغ 338 ج و912 م يمثل قيمة الأغذية التى وردها فى ديسمبر سنة 1948 ومبلغ 576 ج تعويضا عما فاته من ربح بسبب فسخ العقد ومبلغ 5000 ج تعويضا أدبيا عن الأضرار التى لحقت سمعته فى الوسط التجارى. ودفعت الطاعنة بأن المطعون ضده لم يقم بالتزاماته فأوقعت عليه عدة غرامات ثم اضطرت لفسخ العقد، وإذ كان هو المتسبب فى هذا الفسخ فلا حق له فى المطالبة بالتعويض وأصبح من حقها استيفاء الغرامات وعدم رد التأمين طبقا لشروط العقد. وقضت المحكمة فى 31 أكتوبر سنة 1950 بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لبيان قيمة ما ورده المطعون ضده خلال شهر ديسمبر سنة 1948 ومدى مخالفته للعقد، وما قد يستحقه من تعويض. وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت فى 10 ديسمبر سنة 1953 بإثبات وقوع فسخ العقد بتقصير الطاعنة وألزمت هذه الأخيرة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 459 ج و602 م. استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1502 سنة 79 ق، وفى 27 يناير سنة 1963 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. وبتقرير فى 21 مارس سنة 1963 طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرتين انتهت فيهما إلى طلب نقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على سبب واحد تنعى الطاعنة به على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وتقول فى بيانه أنها طلبت أن يخصم مما يستحقه المطعون ضده مبلغ 281 ج يمثل مقدار الغرامات التى أوقعتها عليه خلال شهر ديسمبر سنة 1948 وهو يستغرق كامل ما يستحقه عما ورده فى شهر ديسمبر سنة 1948، كما طلبت اعتبار مبلغ التأمين الذى دفعه المطعون ضده حقا لها طبقا للعقد، غير أن الحكم المطعون فيه لم يخصم قيمة الغرامات بكاملها كما لم يعتبر التأمين حقا للطاعنة وأعمل أحكام المسئولية العقدية تأسيسا على أن العقد موضوع النزاع من عقود القانون الخاص وأن من حق المحكمة تخفيض الغرامات حتى يكون التعويض متناسبا مع الضرر، وهو خطأ من الحكم إذ أن العقد المبرم بين الطرفين من العقود الإدارية المسماه وذلك بوصفه عقد توريد لمرفق عام ويحتوى على شروط استثنائية غير مألوفة فى القانون الخاص ويخالف بطبيعته العقد المدنى، ولا يشترط لتنفيذ أحكامه إثبات وقوع ضرر، كما لا يجوز التدخل من جانب القضاء لتقدير الضرر.
وحيث إن هذا النعى فى محله ذلك أن الغرامات ومبالغ التأمين التى ينص عليها فى العقود الإدارية تختلف فى طبيعتها عن الشرط الجزائى فى العقود المدنية إذ يقصد بها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ضمان وفاء المتعاقد مع الادارة بالتزامه حرصا على سير المرفق العام بانتظام وإطراد، فيحق للادارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها فى العقد بمجرد وقوع المخالفة التى تقررت الغرامة جزاء لها، وأن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقا فى ذمتها للمتعاقد كما يحق لها مصادرة التأمين من تلقاء نفسها دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه، ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع فى استحقاقها للغرامة أو التأمين بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة فى تقدير الغرامة ألا إذا أثبت أن إخلاله بالتزامه راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقدة معه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر إذ اعتبر أن ما نص عليه فى عقد التوريد من أحقية الحكومة فى مصادرة التأمين واقتضاء الغرامات نوعا من التعويض الاتفاقى الذى لا يستحق إلا فى حالة وقوع ضرر لجهة الإدارة وأنه يجوز تخفيض هذا التعويض بما يتناسب مع الضرر، وانتهى الحكم تأسيسا على ذلك إلى خصم مبلغ 177 ج و548 م فقط مما هو مستحق للمطعون ضده دون خصم كامل الغرامات ودون احتساب مبلغ التأمين باعتباره قد أصبح حقا للطاعنة، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم وإذ كان الثابت أن المطعون ضده قد ورد مواد غذائية خلال شهر ديسمبر سنة 1948 بما قيمته مبلغ 257 ج و150 م وأن قيمة الغرامات التى أوقعتها الطاعنة ضد المطعون ضده خلال هذا الشهر هى مبلغ 281 ج، وإذ يستغرق هذا المبلغ قيمة ما ورده المطعون ضده، وكان مبلغ التأمين قد أصبح حقا للطاعنة على ما سلف بيانه ولا حق للمطعون ضده فى استرداده، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والحكم برفض دعوى المطعون ضده.