مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثانى (من أول مارس سنة 1986 الى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1684

(230)
جلسة 29 من أبريل سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيونى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد عطية أبو الخير ومحمد محمود البيار وشفيق محمد سليم مصطفى وكمال زكى عبد الرحمن اللمعى المستشارين.

الطعن رقم 2611 لسنة 30 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - مسئولية - شروط الاعفاء من المسئولية (مسئولية) المادة (80) من القانون رقم 48 لسنة 1978 باصدار قانون نظام العاملين بالقطاع العام. اذا ارتكب العامل مخالفة تنفيذا لأمر صدر اليه من رئيسه يعفى من الجزاء اذا توافر شرطان: 1 - أن يكون الأمر الصادر اليه من رئيسه مكتوبا - 2 - أن يقوم العامل بتنبيه الرئيس الى المخالفة - يعفى العامل من المسئولية اذا ثبت أن ثمة اكراه أدبى أو معنوى شاب ارادته وفقد حريته سواء فى طلب كتابة الأمر الصادر اليه أو فى تنبيه رئيسه الى المخالفة - أساس ذلك: - فقدان العامل حرية الارادة فى التصرف - قد تحيط بالمرؤوس ظروف لا تصل فى مداها الى مرتبة الاكراه الذى يبرر عدم طلب كتابة الأمر أو التنبيه الى المخالفة لكن هذه الظروف تمثل قيدا على حرية المرؤوس وتشكل صعوبة تدفعه الى التسليم بالأمر الواقع والامتثال لتنفيذ الأمر المخالف - أثر ذلك: - الاعتداد بهذه الظروف فى تخفيف الجزاء - معيار ذلك: - يتعين الرجوع الى كل حالة على حدة لدراسة ظروفها وملابساتها واستظهار طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ومدى ما يملكه الرئيس قبل المرؤوس من سلطات - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 15/ 7/ 1984 أودع الأستاذ محمود الطوخى بصفته وكيلا عن الطاعن تقرير الطعن الماثل فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا بجلسة 19/ 5/ 1984 فى الدعوى رقم 32 لسنة 26 ق والقاضى بمجازاة الطاعن بخصم شهرين من مرتبه. وانتهى الطاعن للأسباب التى ذكرها فى الطعن الى طلب الحكم بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءته مما نسب اليه. وقد أعلن بتقرير الطعن الى المطعون ضده بتاريخ 21/ 7/ 1984.
وقامت هيئة مفوضى الدولة بتحضير الطعن وأودعت تقريرا برأيها القانونى، وانتهت منه الى طلب الحكم بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، وبجلسة 5/ 2/ 1986 قررت الدائرة احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 18/ 3/ 1986 وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم حيث أودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات والمداولة.
من حيث أنه بمراعاة أن الطعن قد أقيم فى الميعاد، وأنه قد استوفى باقى أوضاعه الشكلية، لذلك فهو مقبول شكلا.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يتبين من الأوراق - تتحصل فى أن النيابة الادارية قد أقامت الدعوى التأديبية رقم 32 لسنة 26 أمام المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا ضد الطاعن وآخرين وذلك لأنهم - حسبما "بتقرير الاتهام - خلال عملهم ببنك التنمية والائتمان الزراعى بالجيزة لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة ولم يخصصوا وقت العمل الرسمى لآدائه ولم يحافظوا على أموال الجهة التى يعملون بها وقاموا بأعمال للغير وخالفوا تعليمات وقواعد استخدام السيارات الحكومية وسيارات القطاع العام، وذلك بأن شارك الطاعن مع آخرين المخالف الأول "رئيس مجلس الادارة" بطريق الاتفاق والمساعدة فى تشغيل سيارات البنك وتسخير السائقين والسعادة المذكورين بتقرير الاتهام فى نقل شتلات من برقاس وغرسها فى حديقة رئيس مجلس الادارة الكائنة بناحية الصف يومى 6/ 5/ 1982، 9/ 5/ 1982. وبجلسة 19/ 5/ 1984 حكمت المحكمة بمجازاة الطاعن بخصم شهرين من مرتبه، وأقامت المحكمة قضاءها على صحة قيام المخالفة المنسوبة للطاعن.
ومن حيث أن مبنى طعن الطاعن على هذا الحكم يقوم على أساس أنه قد قام على غير سبب يبرر توقيع الجزاء عليه. ذلك أنه لم يقيم الدليل على صحة الوقائع التى استخلص منها هذا السبب، هذا فضلا عن أن الجزاء الذى وقع عليه قد شابه الغلو حيث لا يتناسب مع ما ثبت فى حقه.
ومن حيث أن الثابت من التحقيق الذى أجرته النيابة الادارية أن الطاعن يشغل وظيفة رئيس وحدة الخدمات بالاضافة لعمله كرئيس لوحدة التوريدات من الدرجة الثالثة وتقتضى وظيفته الاشراف على أعمال النظافة وعمالها، وقد شارك هو وآخرين فى تكليف بعض سعاة البنك بنقل بعض من الشتلات لغرسها فى الحديقة المملوكة لرئيس مجلس الادارة الكائنة بالصف وقد استغرق ذلك الفترة من التاسعة من صباح يوم 9/ 5/ 1984 حتى الخامسة مساء وقد حرص رئيس مجلس الادارة على التواجد بينهم للاطمئنان على حسن سير العمل.
ومن حيث أن المستفاد من التحقيق بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن قيام جميع العاملين المتهمين كل بما أخذ عليه من عمل مخالف قد تم أساسا بناء على تكليف من رئيس مجلس الادارة الذى كان وراء كل ذلك.
ومن حيث أنه بالرجوع الى القانون رقم 48 لسنة 1978 باصدار نظام العاملين بالقطاع العام يبين أنه قد نص فى المادة 80 منه أنه "....... ويعفى العامل من الجزاء اذا أثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذا لأمر مكتوب بذلك صدر اليه من رئيسه بالرغم من تنبيهه كتابة الى المخالفة وفى هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده".
ومؤدى هذا النص أن اعفاء العامل من الجزاء فى حالة ارتكابه للمخالفة تنفيذا لأمر صدر اليه من رئيسه رهين بتوافر شرطين، الأول أن يكون الأمر مكتوبا والثانى أن ينبه العامل رئيسه كتابة الى ما يتضمنه تنفيذ أمره من مخالفة.
ومن حيث أنه ولئن كان ذلك هو الأصل فى حالة ارتكاب العامل للمخالفة تنفيذا لأمر صدر اليه من رئيسه، بأن أعفى المشرع العامل من الجزاء بشرط أن يكون الأمر الصادر اليه مكتوبا، وأن يقوم العامل بتنبيه رئيسه الى المخالفة، الا أنه اذا ما ثبت أن ثمة اكراه أدبى أو معنوى قد شاب ارادة العامل المرءوس وفقد حريته سواء فى طلب كتابة الأمر الصادر اليه، أو فى التنبيه الى المخالفة ولم يجد ازاء ذلك سوى الانصياع لما صدر اليه من أمر لم يجد فكاكا من تنفيذه فان من شأن ذلك اعفاء العامل من توقيع الجزاء غير انه قد تحيط بالمرءوس ظروف قد لا تصل فى مداها الى مرتبة الاكراه الذى يبرر عدم طلب كتابة الأمر أو التنبيه الى المخالفة ولكن تمثل هذه الظروف قيدا على حرية المرءوس وتشكل صعوبة تدفعه الى التسليم بالأمر الواقع بالامتثال لتنفيذ الأمر المخالف، ولا شك أنه يتعين أن يكون لمثل هذه الظروف أثرها الذى يشفع فى تخفيف الجزاء والا كان الجزاء مشوبا بالغلو. والمعيار فى كل ذلك يرجع فيه الى كل حالة على حدة ظروفها وملابساتها، وبما يقتضيه ذلك من استظهار لطبيعة العلاقة بين الرئيس والمرءوس ومدى ما يملكه الرئيس قبل المرءوس من سلطات.
ومن حيث أنه لما كان ذلك، وكان الثابت أن رئيس مجلس الادارة كان وراء ارتكاب المخالفة المنسوبة للطاعن الذى أحاطت به ظروف جعلت من العسير عليه الامتناع عن التنفيذ أو معارضة الأمر الواقع اذ الحديقة مملوكة لرئيس مجلس الادارة والعمل المخالف يؤدى لحسابه، وقد حرص على زيادة العاملين بالحديقة لمتابعة ومراقبة تنفيذ العمل المخالف، وكل هذه الظروف كان لها أثرها على ارادة الطاعن بما لم يتمكن معه من رفض الانصياع للأمر الواقع الذى فرض عليه والامتناع عن تنفيذه بارتكاب العمل المخالف الذى ما كان له مصلحة شخصية فى أدائه.
وازاء ذلك فان الطاعن كان من غير الميسور عليه طلب كتابة الأمر الصادر اليه وقعوده عن تنبيه رئيسه كتابة الى المخالفة على نحو ما نصت عليه المادة 80 من قانون نظام العاملين السالف ذكرها، حيث يشفع للعامل فى مثل هذه الحالة وقوعه تحت تأثير هذه الظروف بما تبعثه فى روعه من خشية التنكيل به سيما وقد تعلق الأمر بمثل الطاعن. وهو يعمل رئيسا لعمال النظافة - فى مواجهة رئيس مجلس الادارة الذى يمثل أعلى قمة الجهاز الادارى فى البنك والذى يملك كامل السلطة فى تقرير الأجر وتوقيع الجزاء، وليس بمستغرب على مثل هذا الرئيس الأعلى الذى استحل لنفسه تسخير سيارات الشركة وعمالها فى خدمته الخاصة أن ينحرف بسلطته فيبطش بمن لا ينفذ أمرا أو رغبة، فليس من بعد ما أتاه من مخالفة صارخة ما يبعث على الطمأنينة فى نفوس العاملين بالبنك. فهو بدلا من أن يكون مثلا وقدوة يحتذى بها فى احترام القانون بما يجعله ملاذا يلجأ اليه المرءوس عند الافتئات على حقه نراه وقد ضرب أسوأ مثل فى العبث بالقانون ودفع مرءوسيه الى ارتكاب المخالفات.
ومن حيث أنه لما تقدم، فانه ولئن كان قد ثبت صحة ارتكاب الطاعن لما أسند اليه من مخالفات، الا أنه وبمراعاة الظروف والملابسات التى أحاطت بارتكابه المخالفة، فان فى هذا ما يشفع له كثيرا فى تخفيف الجزاء الى حد كبير. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه اذ قضى بمجازاته بخصم شهرين من مرتبه، فانه يكون قد أوقع جزاء لا يتناسب فى شدته التنبيه مع ما ثبت فى حقه من أعمال مخالفة أحاطت بها تلك الظروف المحققة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه وبمجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من راتبه.