أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 2023

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوى، وعباس عبد الجواد، ومحمد أبو حمزه مندور، ومحمد صدقى البشبيشى.

(293)
الطعن رقم 283 لسنة 32 القضائية

أهلية. "عوارض الأهلية". بطلان. "البطلان فى التصرفات". "تصرف المعتوه".
تصرف المعتوه قبل تسجيل قرار الحجر. لا تشترط فيه - كما هو الحال بالنسبة للسفيه وذى الغفلة - كون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ. اكتفاء المشرع باشتراط شيوع حالة العته وقت التعاقد أو علم التصرف إليه بها. ثبوت أحد هذين الأمرين يكفى لإبطال التصرف.
لم يستلزم المشرع لإبطال تصرف المعتوه الصادر قبل تسجيل قرار الحجر ما استلزمه فى إبطال تصرف السفيه وذى الغفلة من أن يكون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ بل اكتفى باشتراط شيوع حالة العته وقت التعاقد أو علم المتصرف إليه بها فثبوت أحد هذين الأمرين يكفى لإبطال التصرف. فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأسباب سائغة إلى أن حالة عته المورث - المتصرف - كانت شائعة وقت تصرفه للطاعنة فقد كان هذا حسبه لإبطال هذا التصرف طبقا للفقرة الثانية من المادة 114 من القانون المدنى ولإعمال آثار البطلان طبقا للفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المذكور ولم يكن على الحكم بعد ذلك أن يثبت علم الطاعنة بحالة العته أو استغلالها لها لأن ثبوت شيوع حالة العته يغنى عن إثبات علم المتصرف إليه بها كما أن الاستغلال غير لازم قانونا فى مقام إبطال تصرف المعتوه [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن الطاعنة أقامت الدعوى رقم 34 سنة 1955 كلى القاهرة على والدها إلياس جورج غالى وانتهت فيها إلى طلب الحكم بصفة أصلية بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائى المؤرخ 1/ 4/ 1954 وتسليم العقار المبيع وبصفة احتياطية برد الثمن الذى دفعته إلى البائع وقدره أربعة آلاف جنيه وأداء التعويض المتفق عليه فى العقد وقدره ألفان من الجنيهات وقالت شرحا لدعواها ان والدها المذكور باع إليها كامل أرض وبناء المنزل الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى بعقد بيع ابتدائى مؤرخ 1/ 4/ 1954 لقاء ثمن قدره أربعة آلاف جنيه قبضه وقت التعاقد وقد تضمن البند الثامن من العقد شرطا يقضى بإلزام البيع بأن يدفع للمشترية (الطاعنة) مبلغ 2000 جنيه إذا أخل بالتزام من الالتزامات التى يرتبها العقد المذكور فى ذمته ولما كان البائع قد تخلف عن تنفيذ إلتزامه بتسليمها مستندات الملكية وبتسليم العقار المبيع فقد اضطرت لرفع هذه الدعوى طالبة الحكم لها بالطلبات سالفة البيان وإنه إذ كان قد صدر بتاريخ 20 من مارس سنة 1955 حكم غيابى من محكمة الأحوال الشخصية بتوقيع الحجر على والدها البائع وبتعيين الأب يوسف جوان قيما عليه وسجل طلب الحجر فى 10/ 5/ 1955 فقد اختصمت القيم المذكور فى الدعوى ووجهت إليه الطلبات المتقدم ذكرها - ثم أقامت الطاعنة الدعوى رقم 1277 سنة 1956 كلى القانون على القيم والسيدة أديل حبيب جبران طالبة الحكم بإبطال عقد البيع المؤرخ 20/ 4/ 1954 الصادر من والدها - إلياس جورج غالى إلى السيدة أديل حبيب - زوجة شقيق مطلق الطاعنة - ببيعه لها ذات العقار موضوع العقد المؤرخ 1/ 4/ 1954 الذى رفعت بشأن الدعوى الأولى وإبطال كافة الآثار المترتبة عليه وشطب جميع التسجيلات التى تمت بشأنه مع التأشير بمنطوق الحكم على هامش تسجيل الحكم رقم 17 سنة 1955 كلى القاهرة الذى قضى بصحة ونفاذ العقد الصادر للسيدة أديل حبيب وأسست الطاعنة دعواها على أن هذا العقد المؤرخ 20/ 4/ 1954 صورى تم بطريق التواطؤ بين عاقديه وحدث أثناء سير الدعويين أن توفى المحجور عليه فاختصمت الطاعنة فيهما المطعون ضده ناجى إلياس جورج غالى - باعتباره الوارث لوالدها المتوفى وفى 5 من مارس سنة 1957 أمرت المحكمة الابتدائية بضم الدعويين المشار إليهما ليصدر فيهما حكم واحد ثم حكمت فيهما بتاريخ 28 من مارس سنة 1959 (أولا) برفض الدعوى رقم 1277 سنة 1956 كلى القاهرة (ثانيا) برفض الطلب الأصلى فى الدعوى رقم 34 سنة 1959 الخاص بصحة ونفاذ عقد البيع الإبتدائى المؤرخ 1/ 4/ 1954 وبإحالة الدعوى إلى التحقيق بالنسبة للطلب الاحتياطى الخاص باسترداد الثمن وبالتعويض الاتفاقى ليثبت المدعى عليه - المطعون ضده - بكافة الطرق أن حالة العته التى حجر بسببها على والده كانت شائعة أو تعلمها المدعية - الطاعنة - وقت التعاقد معه فى 1/ 4/ 1954 وأنها استغلت هذه الحالة لإبرام عقدها على أن يكون للأخيرة النفى بذات الطرق وأسست المحكمة الابتدائية قضاءها برفض طلب إبطال عقد السيدة أديل المؤرخ 20/ 4/ 1954 وبرفض طلب صحة ونفاذ عقد الطاعنة المؤرخ أول أبريل سنة 1954 على أن المشترية الثانية "السيدة اديل" وقد سبقت إلى تسجيل عقدها تكون أولى بالتفضيل على المشترية الأولى - الطاعنة - التى لم تسجل عقدها وتنتقل إليها ملكية العقار المبيع بالتسجيل ولو كانت سيئة النية متواطئة مع البائع للإضرار بحقوق الطاعنة وبعد أن سمعت المحكمة الابتدائية شهود الطرفين حكمت فى 18 من يونيه سنة 1960 برفض الطلب الاحتياطى - فاستأنفت الطاعنة هذا الحكم الأخير لدى محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافها برقم 1503 سنة 77 ق وفى 1/ 5/ 1962 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف - فطعنت الطاعنة بطريق النقض فى هذا الحكم وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها رأيها برفض الطعن وإذ عرض هذا الطعن على هذه الدائرة صممت النيابة على هذا الرأى.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب وفى بيان ذلك تقول إنه وإن كان تقرير حالة العته لدى أحد المتعاقدين مما يتصل بفهم الواقع فى الدعوى فلا يخضع لرقابة محكمة النقض إلا أنه يجب أن تكون حالة العته ثابتة لا مطعن عليها وقت التعاقد بالذات فإذا لم توجد فى شهادة شهود المطعون ضده القائلين بقيام حالة العته لدى البائع وأوردت الطاعنة ملخص شهادتهم ما يقطع بوجود هذه الحالة وقت التعاقد وكانت أقوال شهودها تنبئ أن والدها لم يظهر عليه أى علامة من علامات العته وقت التعاقد أو قبله أو بعده بل كان يقظا مدركا - وكان ما اعتمد عليه الحكم المطعون فيه من قرائن لا تدل على قيام هذه الحالة وقت التعاقد وإنما بعده بأمد بعيد وكان التقرير الطبى المقدم من الطاعنة والمحرر بمعرفة الدكتور أحمد منيسى الأستاذ المساعد بكلية طب القصر العينى الذى تولى علاج المرحوم إلياس غالى - البائع - من كسر عظام الفخذ فى المدة من 16 يونيو سنة 1954 حتى آخر ديسمبر سنة 1954 يقطع بأن حالة البائع المذكور النفسية والعقلية فى هذه المدة كانت جيدة وأن تصرفاته كانت عادية فإن الحكم المطعون إذ أقام قضاءه على ثبوت قيام حالة العته بالبائع وقت تعاقده مع الطاعنة وأغفل الرد على تقرير الطبيب المذكور وعلى المخالصة المؤرخة 4 يونيو سنة 1954 الصادرة من المطعون ضده على والد الطرفين والتى قدمتها الطاعنة للتدليل على أن هذا الوالد كان متمتعا بكامل إدراكه وقت تحرير هذه المخالصة وإذ وصف ما أسنده إلى الوالد المتصرف من خلط فى التصرفات وتردد فيها بأنه عته مع أن هذين الأمرين لا تتوافر بهما حالة العته فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد الحكم الإبتدائى قد استند إلى الأسباب التى أوردها هذا الحكم والأسباب الأخرى التى أضافها هو إليه ولما كان الثابت من الحكم الإبتدائى أنه اعتمد فى قضائه بعد أن أورد ملخص شهادة شهود الطرفين - على ما شهد به شهود المطعون ضده من أن أمارات العته ظهرت على المرحوم إلياس غالى - والد الطرفين - عقب وفاة زوجته فى يونيو أو يوليو سنة 1953 أى قبل حصول التعاقد الذى تم فى أول أبريل سنة 1954 بين الطاعنة ووالدها المذكور وأن هذه الحالة أخذت فى الازدياد مع مرور الزمن - كما اعتمد الحكم أيضا على القرائن العديدة التى ساقها لتأييد ما قرره شهود المطعون ضده فى خصوص ظهور حالة العته على والد الطاعنة فى الفترة السابقة على حصول التعاقد محل النزاع واستمرارها حتى توقيع الحجر عليه بسبب هذا العته - واستخلص الحكم من ذلك كله أن حالة العته التى قررها حكم الحجر فى 20 من مارس سنة 1955 كانت شائعة فى وقت التعاقد الحاصل فى أول أبريل سنة 1954 ورتب على ذلك قضاءه ببطلان ذلك العقد وفقا للفقرة الثانية منة المادة 114 من القانون المدنى ولما كان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منها مما يستقل به قاضى الموضوع ولا معقب عليه فى تكوين عقيدته مما يدلى به شهود أحد الطرفين ما دام لا يخرج فى ذلك عما تحتمله أقوالهم وكان ما استخلصه الحكم من أقوال شهود المطعون ضده هو مما تحتمله هذه الأقوال ومن شأنه أن يؤدى إلى ما انتهى إليه الحكم من قيام حالة العته بالمورث وشيوعها وقت تصرفه إلى الطاعنة وكانت القرائن التى استند إليها الحكم المطعون فيه من شأنها أيضا أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها - وكان ما استند إليه من تردد المورث وتناقضه فى تصرفاته وتكرار نقضه ما يبرمه منها لم يكن سوى قرينة أضافها الحكم إلى شهادة الشهود التى أخذ بها وإلى القرائن الأخرى التى أوردها وإذ كانت هذه الأدلة تؤدى فى مجموعها إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم فإنه لا يجوز للطاعنة أن تناقش كل قرينة على حدة للتدليل على عدم كفايتها فى ذاتها، لما كان ذلك فإن ما تثيره الطاعنة فيما يختص بشهادة الشهود والقرائن التى أخذ بها الحكم المطعون فيه لا يعدو أن يكون جدلا فى تقدير المحكمة للأدلة وترجيح بينة على أخرى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أقيم على أسباب كافية لحمل قضائه وتسوغ النتيجة التى انتهى إليها فإنه لا يعيبه إغفاله الرد على تقرير الطبيب والمخالصة المقدمين من الطاعنة تأييدا لدفاعها الذى أطرحه الحكم - ذلك أن فى قيام الحقيقة التى اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليلها التعليل الضمنى المسقط لكل ما قدمه الخصوم من حجج مناقضة لهذه الحقيقة ومن ثم يكون النعى بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسببين الثانى والثالث على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وخطأه فى تطبيقه والقصور فى التسبيب وفى بيان ذلك تقول أنها يشترط لإبطال التصرف الصادر من معتوه ثبوت علم المتصرف إليه بقيام حالة العته وقت التعاقد واستغلاله هذه الحالة وقد سلم الحكم المطعون فيه بضرورة توفر هذين الشرطين إلا أنه قضى برفض طلبات الطاعنة دون أن يستظهرهما من الأوراق ويدلل على توفرهما - كما أن شهادة شهود المطعون ضده التى اعتمد الحكم عليها لم تتعرض لهذين الشرطين وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أنزل حكما قانونيا فى غير ما وضع له ودون توافر الشروط اللازمة لإنزاله مما يجعله مخطئا فى القانون ومشوبا بالقصور كما أنه استند فى قضائه برفض طلب استرداد الثمن والتعويض الاتفاقى على نص الفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المدنى التى لا تلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقض أهليته إلا برد ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد مع أنه يشترط لإعمال حكم هذه الفقرة توافر الشرطين السابقين وهما علم المتصرف إليه بقيام حالة العته لدى المتصرف وقت التعاقد واستغلاله لها وإذ كان هذان الشرطان غير متوافرين فى الدعوى فقد كان يتعين على الحكم المطعون فيه تطبيق الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون المدنى والقضاء تبعا لذلك برد الثمن والتعويض وإذ لم يفعل وطبق حكم الفقرة الثانية من تلك المادة فإنه يكون مخالفا للقانون.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن المشرع لم يستلزم لإبطال تصرف المعتوه الصادر قبل تسجيل قرار الحجر ما استلزمه فى إبطال تصرف السفيه وذى الغفلة من أن يكون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ بل اكتفى باشتراط شيوع حالة العته وقت التعاقد أو علم المتصرف إليه بها فثبوت أحد هذين الأمرين يكفى لإبطال التصرف ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى بأسباب سائغة إلى أن حالة عته المورث - المتصرف - كانت شائعة وقت تصرفه إلى الطاعنة فقد كان هذا حسبه لإبطال هذا التصرف طبقا للفقرة الثانية من المادة 114 من القانون المدنى ولإعمال آثار البطلان طبقا للفقرة الثانية من المادة 142 من القانون المذكور ولم يكن على الحكم بعد ذلك أن يثبت علم الطاعنة بحالة العته أو استغلالها لها لأن ثبوت شيوع حالة العته يغنى عن إثبات علم المتصرف إليه بها - كما أن الاستغلال غير لازم قانونا فى مقام إبطال تصرف المعتوه - لما كان ذلك فإن النعى بهذين السببين وقد قام جميعه على أساس أن القانون لا يكتفى بثبوت حالة العته بل يستلزم إلى جانب هذا ثبوت علم الطاعنة المتصرف إليها بهذه الحالة واستغلالها لها فإن هذا النعى يكون على غير أساس.
وحيث إن ما أضافه الطاعن فى مذكرته الشارحة من أسباب أخرى لم يرد ذكرها فى تقرير الطعن فإن هذه الأسباب غير مقبولة لعدم ورودها فى تقرير الطعن ولأنها لا تتعلق بالنظام العام.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] راجع نقض 11 نوفمبر سنة 1965 بمجموعة المكتب الفنى س 16 ص 1031. ونقض 21 أبريل سنة 1966 س 17 ص 899.