أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الرابع - السنة 17 - صـ 2045

جلسة 29 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوى، وعباس عبد الجواد، ومحمد أبو حمزه مندور، ومحمد صدقى البشبيشى.

(296)
الطعن رقم 379 لسنة 32 القضائية

إلتزام. "تنفيذ الإلتزام". "حق الحبس".
حبس الالتزام استنادا إلى الدفع بعدم التنفيذ. شرطه أن يكون الالتزام الذى يدفع بعدم تنفيذه التزاما مستحق الوفاء. ليس للمتعاقد المكلف بالتنفيذ أولا أن يحبس التزامه استنادا إلى هذا الدفع.
يشترط جواز حبس الإلتزام استنادا إلى الدفع بعدم التنفيذ أن يكون الالتزام الذى يدفع بعدم تنفيذه إلتزاما مستحق الوفاء أى واجب التنفيذ حالا فإذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر فلا يحق للمتعاقد المكلف بالتنفيذ أولا أن يحبس التزامه استنادا إلى هذا الدفع.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضده أقام على الطاعن بصفته الدعوى رقم 1671 لسنة 1960 مدنى كلى الاسكندرية طالبا الحكم بإلزامه أن يدفع له ألفى جنيه والفوائد القانونية، تأسيسا على أنه حين التحق بخدمة الشركة التى يمثلها الطاعن أودع لديها مبلغ ثلاثة آلاف جنيه - خفضت فيما بعد إلى ألفين - واتفقا فى العقد المؤرخ أول يونيه سنة 1950 المبرم بينهما على أن الشركة ترد هذا المبلغ إليه بعد ثمانية أيام من إنتهاء عمله فى الشركة يجرى خلالها جرد البضائع وتسليمها مقابل رد المبلغ المذكور. ولما كانت الشركة قد أنذرته بالفصل إبتداء من أول أغسطس سنة 1958 فقد أقام الدعوى رقم 2816 لسنة 1958 مدنى مستعجل الإسكندرية طالبا ندب خبير لجرد البضاعة وقد بان للخبير - على ما هو ثابت فى تقريره - أن البضاعة مطابقة للواقع ولدفتر الجرد وإذ كانت ذمته قد برئت تبعا لذلك مما يكون للشركة لديه وحق له أن يسترد المبلغ الذى أودعه لديها طبقا للعقد المؤرخ أول يونيه سنة 1950، فقد أنذرها بذلك فى 7 أكتوبر سنة 1958 غير أنها امتنعت عن أدائه فأقام الدعوى بطلباته سالفة الذكر. دفعت الشركة الطاعنة هذه الدعوى بعدم قبولها تأسيسا على أن المطعون ضده لا يحق له استرداد مبلغ التأمين إلا بعد تسليم ما فى عهدته من موجودات الشركة وإنه إذ امتنع عن تنفيذ التزامه هذا فإن دعواه تكون سابقة لأوانها. وبتاريخ 29 من مايو سنة 1960 قضت محكمة الاسكندرية الإبتدائية بإلزام الشركة الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ ألفى جنيه والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم، وقيد استئنافها برقم 463 الاسكندرية وبتاريخ 30 من يونيه سنة 1962 قضت محكمة استئناف الاسكندرية بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الشركة فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن. وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة تمسكت برأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور فى التسبيب ومناقضة الثابت فى الأوراق. وفى بيان ذلك تقول أنها تمسكت فى دفاعها أمام محكمة الموضوع بأنه طبقا للاتفاق الذى تم بينها وبين المطعون ضده بالمحرر المؤرخ أول يونيه سنة 1950 لا يحق له استرداد المبلغ المودع منه إلا بعد أن يسلم موجودات المحل والعهدة كاملتين وأنه إذ كان لم يف بالتزامه هذا وأصر على عدم التسليم بحجة أن له حق حبس ما تحت يده حتى يسترد المبلغ فان دعواه بطلبه تكون سابقة لأوانها وقد رد الحكم الابتدائى على هذا الدفاع بأن عقد الاتفاق المشار اليه يلزم الشركة الطاعنة بأن ترد المبلغ خلال ثمانية أيام من تاريخ انتهاء خدمة المطعون ضده. ولما استأنفت الطاعنة هذا الحكم ناعية عليه خطأه فى تفسير الاتفاق المبرم بينها وبين المطعون ضده على هذا النحو رد الحكم المطعون فيه على هذا السبب من أسباب الاستئناف بأن ظروف الدعوى تدل على أن الطاعنة بعد أن فصلت المطعون ضده من خدمتها لم تتقدم بما يفيد أنها جادة فى طلب استلام المحل وعمل الجرد واجراء الحساب وأن هذا يدل على تعسفها مع المطعون ضده بالعمل على تأخير رد المبلغ إليه خلال الثمانية أيام المشروطة فى العقد المبرم بينهما ثم أحال الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم الإبتدائى - وترى الطاعنة أن ما استند إليه الحكم الإبتدائى فى أسبابه التى أخذ بها الحكم المطعون فيه من أن الاتفاق المبرم بينها وبين المطعون ضده فى أول يونيه سنة 1950 يقضى بالزامها برد المبلغ خلال ثمانية أيام من تاريخ انهاء خدمته ولو لم يسلم ما فى عهدته ينطوى على مخالفة لشروط العقد لأن عباراته صريحة فى أن التزام الطاعنة برد المبلغ لا يكون واجب الأداء إلا بعد قيام المطعون ضده بتسليم موجودات المحل والعهدة التى فى ذمته وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف العقد بالزام الطاعنة برد المبلغ المودع لديها قبل أن ينفذ المطعون ضده التزامه هذا وعلى الرغم من تصريحه بالامتناع عن تنفيذه بحجة أن له حق حبس ما تحت يده من موجودات الطاعنة مع أن القانون لا يخول له هذا الحق، فان الحكم يكون مخطئا فى القانون. كما أنه إذ قرر أن ظروف الدعوى تدل على أن الطاعنة بعد أن فصلت المطعون ضده من عمله لم تتقدم بما يفيد أنها جادة فى طلب استلام المحل وعمل الجرد قد ناقض الثابت فى الأوراق وشابه القصور ذلك أن الطاعنة قدمت إلى محكمة الاستئناف خطابا مؤرخا 18 أغسطس سنة 1959 مرسلا إليها من المطعون ضده ردا على خطاباتها المتكررة إليه التى طلبت منه فيها تسليم ما فى عهدته، وقد أعلن المطعون ضده فى خطابه هذا رفضه هذه الطلبات وإصراره على الامتناع عن تسليم ما لديه من موجودات الشركة مدعيا أن القانون يخوله حتى حبسها إلى أن يسترد المبلغ المودع منه لديها. وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذا المستند ولم يرد عليه أو على دفاع الطاعنة فى هذا الخصوص وأقام قضاءه على أساس ما حصله خطأ من ظروف الدعوى من أنها هى الممتنعة عن الإستلام فانه يكون قد ناقض الثابت فى الأوراق وشابه القصور.
وحيث إن هذا النعى صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه أورد فى تقريراته أن المطعون ضده انتهى فى صحيفة دعواه إلى القول "بأن الشركة الطاعنة" "قد امتنعت عن أداء مبلغ التأمين إليه رغم التنبيه عليها رسميا فى 7/ 10/ 1958 وبما له من حق فى حبس البضاعة تحت يده حتى تقوم الشركة بالوفاء بالتزامها فإنه اضطر لمقاضاتها طالبا الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ الألفى جنيه والمصاريف والأتعاب والفوائد القانونية" ولما كان يبين من العقد المبرم بين الطرفين فى أول يونيه سنة 1950 والمودع ملف الطعن أن الشركة الطاعنة أقرت فيه باستلامها مبلغ ثلاثة آلاف جنيه من المطعون ضده على سبيل الوديعة ضمانا للبضاعة التى سلمتها إليه والموجودة فى المحل للبيع وأن هذا المبلغ يرد إلى المطعون ضده فى ظرف الثمانية الأيام التالية لانتهاء خدمته والتى يجب خلالها مراجعة حساب العهدة بدون تأخير. وكانت هذه العبارات صريحة فى أن التزام الطاعنة برد المبلغ لا يكون واجب الأداء إلا إذا قام المطعون ضده بتسليم المحل وما فى عهدته من البضاعة حتى تتمكن الطاعنة من مراجعتها إذ أن الغرض من إيداع المبلغ هو ضمان تسليم العهدة كاملة فإذا نفذ المطعون ضده التزامه هذا وجب على الشركة أن تنتهى من جرد العهدة ومراجعة الحسابات وأن ترد مبلغ التأمين إذا لم يظهر وجود عجز فى العهدة يستوجب خصم مقابله من هذا المبلغ على أن يتم ذلك كله خلال ثمانية أيام. ولما كان يشترط لجواز حبس الإلتزام استنادا إلى الدفع بعدم التنفيذ أن يكون الالتزام الذى يدفع بعم تنفيذه التزاما مستحق الوفاء أى واجب التنفيذ حالا فإذا كان العقد يوجب على أحد المتعاقدين أن يبدأ بتنفيذ التزامه قبل المتعاقد الآخر فلا يحق للمتعاقد المكلف بالتنفيذ أولا أن يحبس التزامه إستنادا إلى هذا الدفع ومن ثم فإن إعتصام المطعون ضده فى صحيفة دعواه وفى الخطاب المؤرخ 18 أغسطس سنة 1959 المرسل منه إلى الشركة الطاعنة والذى قدمته هذه الشركة إلى محكمة الاستئناف بحقه فى حبس ما تحت يده من موجودات المحل التجارى المملوك لها إلى أن ترد المبلغ المودع منه لديها يكون على غير سند من القانون. لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق الطعن أن الشركة الطاعنة تمسكت فى أسباب استئنافها وفى المذكرة المقدمة منها إلى محكمة الاستئناف بجلسة 22 من أبريل سنة 1962 والمودع صورتها الرسمية بملف الطعن بأن المطعون ضده ممتنع عن تسليمها المحل التجارى والعهدة التى فى ذمته وذلك على الرغم من مطالبتها المتكررة له بتنفيذ هذا الإلتزام وقدمت للتدليل على ذلك الخطاب المرسل منه إليها فى 18 أغسطس سنة 1959 أثناء سير الدعوى أمام محكمة أول درجة والذى يبين من أصله المودع بملف الطعن أن المطعون ضده قد صرح فيه بأنه يرفض كل ما جاء بخطاب الشركة المؤرخ 11 أغسطس سنة 1959 لأن من حقه قانونا أن يحبس ما تحت يده من متعلقات الشركة إلى أن ترد إليه مبلغ التأمين الذى تحتفظ به دون وجه حق وأنه إذا ردت إليه الشركة هذا المبلغ وعندئذ فقط سيقوم بالتسليم - وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الشركة فى هذا الخصوص بقوله "وحيث أنه يؤخذ من ظروف الدعوى وملابساتها أن الشركة المستأنفة "الطاعنة" بعد أن فصلت المستأنف عليه "المطعون ضده" من خدمتها لم تتقدم بما يفيد أنها جادة فى طلب استلام المحل وعمل الجرد وإجراء الحساب مما ألجأ المستأنف عليه أن يرفع الدعوى المستعجلة يطلب فيها بندب خبير كى يصفى الحساب تمهيدا لاسترداد حقه من الأمانة المدفوعة منه فضلا عن مقاضاته لها بشأن مرتبه ومكافأته وتعويضه عن الفصل التعسفى كل هذا إن دل على شىء فإنما يدل على مدى تعسف الشركة المستأنفة مع المستأنف عليه فى العمل على تأخير رد المبلغ المدفوع كأمانة خلال الثمانية أيام المشروطة فى العقد المبرم بينهما وكان عليها أن تتقدم لاستلام المحل عقب تقديم الخبير تقريره فى الدعوى المستعجلة وأمامها القضاء تعترض أمامه إن رأت ذلك" ولما كان هذا الذى قرره الحكم المطعون فيه ليس فيه ما يواجه الدفاع الذى أبدته من أن عدم تسلمها المحل راجع إلى إصرار المطعون ضده على الامتناع عن تسليم موجودات الشركة التى فى عهدته - على ما صرح به فى صحيفة دعواه وفى خطابه المقدم من الطاعنة إلى محكمة الاستئناف - وكان ما قرره الحكم من أن الخبير الذى عين فى الدعوى المستعجلة أظهر سلامة عهدة المطعون ضده لا يغنى عن وجوب تنفيذ المطعون ضده لإلتزامه بتسليم هذه العهدة للشركة الطاعنة حتى يحق له استرداد المبلغ منها - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يرد على دفاع الطاعنة فى هذا الخصوص بما يقتضيه كما أغفل الرد على الخطاب المقدم منها لتأييد هذا الدفاع وأسند إليها على خلاف الواقع أنها لم تقدم ما يفيد جديتها فى طلب استلام المحل وعمل الجرد وكان الدفاع الذى لم يواجهه الحكم هو دفاع جوهرى من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور بما يستوجب نقضه.