مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثانى (من أول مارس سنة 1986 الى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1806

(247)
جلسة 14 من يونيو سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسرى عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدى مليحى ومحمد أمين المهدى وحسن حسنين على، دكتور محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعنان رقما 711/ 717 لسنة 28 القضائية

وقف - أوقاف خيرية - ادارتها.
المواد 1، 2، 5 من القانون رقم 80 لسنة 1971 بانشاء هيئة الأوقاف المصرية - القانون رقم 252 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف.
نظم المشرع وزارة الأوقاف وناط بها ادارة الأوقاف الخيرية ثم أنشأ بعد ذلك هيئة الأوقاف وخولها وحدها الاختصاص بادارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية باعتبارها نائبا عن وزير الأوقاف فى هذا الشأن - وزير الأوقاف يتولى ادارة أموال الأوقاف باعتباره ناظر وقف - الوقف يعتبر من أشخاص القانون الخاص - مؤدى ذلك: - أن ما يصدر من هيئة الأوقاف فى نطاق ادارة الوقف لا يصدر منها بوصفها سلطة عامة وانما باعتبارها نائبا عن ناظر الوقف - أثر ذلك: - ليس من شأن هذه الادارة أن تخلع على أموال الأوقاف صفة المال العام ولا تجعل من قراراتها قرارات ادارية ولا تعتبر المنازعات التى تثور بشأنها منازعات ادارية - لا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالفصل فى هذه المنازعات - تطبيق [(1)].


اجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق أول أبريل سنة 1982 أودعت ادارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن رئيس هيئة الأوقاف المصرية ووزير الأوقاف قلم كتاب المحكمة الادارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) تقرير طعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بجلسة 2/ 2/ 1982 فى الدعوى رقم 440 لسنة 28 ق الذى قضى:
أولا: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانيا: بعدم قبول طلب الغاء القرار المطعون فيه والزام المدعى مصروفات هذا الطلب.
ثالثا: بالزام هيئة الأوقاف المصرية بأداء قرش صاغ الى المدعى على سبيل التعويض المؤقت وألزمتها المصروفات.
وفى يوم السبت الموافق 3 من أبريل سنة 1982 أودعت هيئة مفوضى الدولة قلم كتاب المحكمة تقرير طعن فى الحكم سالف الذكر، وطلب الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصليا بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى وباحالتها الى المحكمة المدنية المختصة مع ابقاء الفصل فى المصروفات، وطلب كل من الطاعنين الأولين احتياطيا الحكم برفض طلب التعويض مع الزام المطعون ضده بالمصروفات وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى وباحالتها بحالتها الى المحكمة المختصة وابقاء الفصل فى المصروفات وعرض الطعنان على دائرة فحص الطعون بجلسة 18/ 2/ 1985 وتدوولا بجلساتها على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت المحكمة ضم الطعنين للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 3 من يونيو سنة 1958 وفى هذه الجلسة قررت الدائرة احالة الطعنين الى المحكمة الادارية العليا (دائرة منازعات الأفراد) لنظرهما بجلسة 19 من أكتوبر سنة 1985، وفى هذه الجلسة نظر الطعنان على النحو الثابت بمحضر الجلسة وقررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة 16/ 11/ 1985 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 30/ 11/ 1985 وفى هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة احالة الطعن الى الهيئة المشكلة طبقا للمادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة لتنظر مدى تطبيق المادة 110 من قانون المرافعات وحدود هذا التطبيق، وأحيل الطعن الى الهيئة المشار اليها التى نظرته بجلسة 15/ 12/ 1985 والجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حتى أصدرت حكمها بجلسة 27/ 4/ 1986 قاضيا بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل فى الدعاوى المحالة اليها من جهة قضائية أخرى طبقا لنص المادة 110 من قانون المرافعات اذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة، أما فى الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فانها تحيلها الى المحكمة المختصة اذا تبين لها عدم اختصاصها بنظرها، وأمرت الهيئة باحالة كل من الطعون - ومن بينها الطعن الماثل - الى الدائرة المختصة لتفصل فيه فى ضوء ذلك، وورد الطعن الى هذه الدائرة التى حددت لنظره جلسة 24/ 5/ 1986، وفيها نظر الطعن على النحو الثابت بمحضر الجلسة وقررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص على ما يبين من الأوراق فى أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 440 لسنة 28 ق بتاريخ 14/ 3/ 1974 أمام محكمة القضاء الادارى (دائرة منازعات الأفراد) ضد كل من السيد رئيس هيئة الأوقاف المصرية والسيد وزير الأوقاف، وطلب الحكم بالغاء القرار الصادر من هيئة الأوقاف المصرية باختيار مستأجرى شقق العمارة الكائنة بسيدى بشر بالاسكندرية وما يترتب على ذلك من آثار مع الزام المدعى عليهما بأن يدفعا له معا متضامنين مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحا لدعواه أنه بتاريخ 26/ 3/ 1973 أعلنت هيئة الأوقاف المصرية عن تأجير العمارتين المملوكتين لها بسيدى بشر وسان استفانو موضحة أنها تؤجر هاتين العمارتين لجمهور المواطنين للاسهام فى حل أزمة المساكن، وحددت الهيئة شروطا معينة استلزمت توافرها فيمن يتقدم بطلب التأجير، وقررت أن القرعة ستجرى بين الطلبات المستوفاة للشروط. وبناء على هذا الاعلان تقدم المطعون ضده بطلب استئجار شقة بعمارة سيدى بشر موضحا به كافة البيانات المطلوبة، ثم فوجئ باعلان صادر عن الهيئة بأنه تم اجراء القرعة على الحاسب الالكترونى. ونظرا للنقد الذى أبدته الصحف لأسلوب توزيع الشقق، فقد أصدرت الهيئة بيانا بجريدة الأخبار أوردت به تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص فانها عند قيامها باجراء القرعة راعت الاعتبارات التالية:
1 - الحاجة الفعلية للسكن والبعد عن شبهة الاستغلال.
2 - تحديد حد أدنى للدخل يتناسب مع القيمة الايجارية بما يسمح بسداد الايجار.
3 - أن يكون المستأجر حائزا لسمعة طيبة بما يحقق التجانس بين السكان.
4 - تخصيص عدد من الشقق لكل فئة من فئات الشعب المختلفة تحقيقا للعدالة.
ونعى المطعون ضده على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون ومبادئ العدالة والمساواة فضلا عن أنه مشوب بعيب اساءة استعمال السلطة وذلك لان اجراء القرعة كان مجرد عمل شكلى اذ لم تلتزم الهيئة بالقواعد التى وضعتها ابتداء لتنظيم عملية التأجير، فضلا عن أنها لم تعلن عن ميعاد هذه القرعة، كما خالفت الهيئة مبادئ العدالة والمساواة ولم تراع مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين المستوفين للشروط. ويبين المطعون ضده أنه تظلم من القرار الى الجهة الادارية والى الجهة الرئاسية، ثم تقدم بطلب لاعفائه من الرسوم، وصدر قرار برفض الطلب بتاريخ 22/ 1/ 1974، فأقام دعواه على النحو السالف بيانه، وردت الجهة الادارية على الدعوى بايداع المستندات والأوراق المتعلقة بهذه المنازعة، كما دفعت بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى وطلبت احالتها الى المحكمة المدنية المختصة. وبالجلسة المنعقدة فى 2/ 2/ 1982 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه قاضيا برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها، وبعدم قبول طلب الغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعى مصروفات هذا الطلب، وبالزام هيئة الأوقاف المصرية بأداء قرش صاغ الى المدعى على سبيل التعويض المؤقت وألزمتها المصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها السابق على ما هو ثابت من أن القرار المطعون فيه قد صدر من الهيئة العامة للأوقاف المصرية المنشأة بالقانون رقم 80 لسنة 1971 لادارة واستثمار أموال الأوقاف والتصرف فيها، وبالتالى فان ما صدر عنها من قرارات ملزمة بوصفها هيئة عامة فيما يتعلق بادارة هذه الأموال أو التصرف فيها بناء على ما خوله قانون انشائها من سلطة بقصد احداث أثر قانونى يكون جائزا وممكنا قانونا، وبباعث المصلحة العامة، والمساهمة فى حل أزمة الاسكان فى الدعوى الماثلة فيكون قد توافرت فى شأنها أركان القرار الادارى. دون أن يغير من ذلك أن يتولد عن هذا القرار انشاء علاقة من علاقات القانون الخاص كعقود الايجار التى تبرمها الهيئة مع من يقع عليهم اختيارهم لاستئجار الشقق القائمة بعمارات الهيئة. ومن ثم يقع الفصل فى الطعون التى توجه الى تلك القرارات فى ولاية القضاء الادارى، ويكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى فاقدا الأساس القانونى جديرا بالرفض. وتناولت المحكمة طلب المدعى الغاء القرار المطعون فيه وأوضحت أن الثابت من الأوراق أن القرار صدر فى 6/ 5/ 1973، وعلم به المدعى فى 20/ 5/ 1973 من جريدة الأخبار التى قدم المدعى قصاصة من عددها الصادر فى هذا التاريخ، ومن ثم فان قيام المدعى بتقديم طلب لاعفائه من الرسوم القضائية فى 1/ 11/ 1973 يكون قد تم بعد الميعاد القانونى المقرر لدعوى الالغاء، وهذا أمر لا يغير منه اقامة الدعوى بايداع عريضتها فى 4/ 3/ 1974 أى خلال ستين يوما من تاريخ صدور قرار رفض طلب الاعفاء من الرسوم فى 22/ 1/ 1974، لانه من المقرر أن العبرة هى بتاريخ ايداع طلب المعافاة الذى يقطع سريان ميعاد حصانة القرارات الادارية، لذلك فقد كان من المتعين الحكم بعدم قبول طلب المدعى الغاء القرار المطعون فيه لتقديمه بعد الميعاد. وعن طلب المدعى تعويضا مؤقتا قدره بقرش صاغ واحد فقد قالت المحكمة أنه أيا ما كان وجه بقول فى الضوابط التى وضعتها الهيئة الا أن الثابت من الأوراق أن الأمر قد انتهى الى تخصيص ثلث عدد الشقق فى عمارتى الهيئة بسان استفانو وسيدى بشر لتغطية بعض طلبات كبار المسئولين فى الدولة، وتخصيص الثلثين الباقيين لجميع المواطنين بالقرعة العلنية، ثم رؤى اضافة قاعدة جديدة مؤداها تحديد عدد الشقق لكل فئة من فئات المواطنين ضمانا لعدالة التوزيع بين جميع الفئات على أن تجرى القرعة بحضور ممثلين منهم مع اشتراط ألا يقل دخل طالب الاستئجار عن 6 أمثال القيمة الايجارية أى بما لا يقل عن 100 ج للوحدة السكنية وضرورة توافر الحاجة الفعلية للسكن بأن يقدم طالب التأجير اقرارا كتابيا بأنه ليس له ولا لأحد من أسرته أى مسكن آخر بمدينة الاسكندرية. واستبان للمحكمة أن المدعى قدم فى 29/ 3/ 1973 طلبا لاستئجار شقة غرفتين وصالة وأرفق بطلبه الاقرار المطلوب وكتابا من جهة عمله يفيد أنه يحصل على راتب شهرى صافى مقداره 150 جنيها، وبذلك يكون قد استوفى الشروط التى تطلبتها الهيئة لدخول القرعة المقرر اجراؤها بين أفراد الفئات المختلفة. ولما كان الثابت أنه قد خصص لأصحاب الطلبات المستوفاة للشروط من الشقق ذات الحجرتين بعمارة سيدى بشر من بين العاملين بوزارة الحربية والانتاج الحربى ثلاث شقق، وأعدت الهيئة كشفا تضمن خمس أسماء من أفراد تلك الفئة هم الذين تجرى القرعة بينهم، الا أن اسم المدعى لم يرد بينهم رغم استيفائه كافة الشروط. وقد أقرت الهيئة ذلك بكتابها رقم 2174 فى 16/ 9/ 1980 بحجة عدم استيفاء المدعى للشروط دون بيان أو تدليل على ذلك، ومن ثم فان استبعاد المدعى من دخول القرعة يكون قد تم بالمخالفة لأحكام القواعد التنظيمية التى وضعتها الهيئة لاختيار أشخاص من تؤجر لهم هذه الشقق، وانتهت المحكمة الى أنه بناء على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من عدم اختيار المدعى بين من وقع عليهم الاختيار لاستئجار هذه الشقق قد قام على أساس خاطئ ومخالف للقانون وترتب عليه ضرر للمدعى يتمثل فى أنه فوت عليه دخول القرعة بين أفراد فئة رغم استيفائه للشروط، وبالتالى ضاعت عليه تماما فرصة استئجار شقة من تلك الشقق. واذ قامت علاقة السببية بين خطأ الهيئة المدعى عليها فى القرار المطعون فيه وبين ما لحق المدعى من ضرر من جراء هذا الخطأ فيحق له المطالبة بالتعويض المؤقت على النحو الذ طالب به.
ولم يلق هذا القضاء قبولا لدى الطاعنين الأول والثانى فأقاما الطعن رقم 711 لسنة 28 ق. ع على النحو السابق بيانه ونعيا على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، على أساس أنه لا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بنظر الدعوى، الا طبقا لنص المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 1971 بشأن هيئة الأوقاف المصرية تختص الهيئة بادارة واستئجار أموال الأوقاف والتصرف فيها باعتبارها أموالا خاصة. ومن ثم فان الهيئة وهى بصدد استئجار هذه الأموال أيا كان وجه التصرف، فانه لا يرقى الى مرتبة القرار الادارى، لا يعدو أن يكون تصرفا خاصا يتبع فى شأنه أحكام القانون الخاص. وهذا ما استقرت عليه أحكام المحكمة الادارية العليا بقولها: "ليس أى قرار يصدر من هيئة ادارية عامة يعد قرارا اداريا مما يختص القضاء الادارى بطلب الغائه أو وقف تنفيذه، اذ لابد أن يكون ذلك بحكم موضوعه... والوقف الخيرى ليس الا شخصا اعتباريا خاصا، ولو كانت ادارة هذه الأوقاف من مسائل السلطة العامة لما كان لوزارة الأوقاف أن تعهد الى فرد أو أفراد من عائلة الواقف بادارة بعض أعيان الوقف الخيرى أو يتولى عنها الانفاق على الأوجه التى حددها بكتاب الوقف، ويكون الحكم المطعون فيه الصادر بعدم الاختصاص مستندا الى أساس متين من القانون (حكم المحكمة الادارية العليا فى الطعن رقم 1565 لسنة 10 ق. ع جلسة 22/ 6/ 1968). وأضاف الطاعنان أن الجهة الادارية لم ترتكب خطأ ما فى حق المطعون ضده لأنها وضعت شروطا لشغل هذه الشقق، وهو يستوف هذه الشروط، فيكون ركن الخطأ غير متوافر، فضلا عن عدم توافر ركن الضرر لان المطعون ضده لم يلحق به ضررا ما نتيجة عدم دخوله القرعة، لأن ذلك لم يكن سوى مجرد أمل يراوده وهو أمر غير محقق، وبالتالى فليس هناك ضرر فعلى أصابه يبرر الحكم بالتعويض، ويكون الحكم قد جانبه الصواب ويتعين الغاؤه. كذلك لم يلق ما قضى به الحكم المطعون فيه قبولا لدى هيئة مفوضى الدولة بدورها فأقام السيد الأستاذ المستشار رئيس هيئة المفوضين الطعن رقم 717 لسنة 28 ق. ع، ناعيا على هذا الحكم الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله استنادا الى أن مجرد صدور القرار المطعون فيه من هيئة عامة ليس سببا كافيا لاعتباره قرارا ادريا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بطلب الغائه. لأن العبرة بموضوع القرار والثابت من الأوراق أن هيئة الأوقاف المصرية قامت باتخاذ اجراءات تمهيدية لاختيار المستأجرين الذين تم اختيارهم لبعض العقارات المملوكة لها وقامت بابرام عقود الايجار معهم، لذلك تكون المنازعة فى هذه الاجراءات من اختصاص المحكمة صاحبة الاختصاص الأصيل بالمنازعات المتعلقة بتلك العقود، وهى المحكمة المدنية المختصة، وبالتالى فان محكمة القضاء الادارى تكون غير مختصة بنظر الدعوى، ولقد استقرت أحكام القضاء الادارى على أن بعض القرارات الصادرة فى شأن الموظفين بالقطاع العام ولو أنها قرارات صادرة من جهات ادارية إلا أنها لا تعد قرارات ادارية، وقياسا على ذلك فان هيئة الأوقاف المصرية بالرغم من أنها هيئة عامة الا أنها لا تستعمل فى ادارتها لأموال الأوقاف أسلوب السلطة العامة وانما تبرم عقودا تسرى عليها أحكام القانون الخاص، ومن ثم تكون اجراءاتها الخاصة باختيار المتعاقد لابرام هذه العقود خاضعة لأحكام القانون الخاص، لأنها ليست تعبيرا عن سلطتها بوصفها سلطة عامة. واذا كان مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى يختص وفقا لحكم المادة 172 من الدستور والمادة 10 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بكافة المنازعات الادارية، فمناط ذلك أن تكون المنازعة من المنازعات الادارية بحسب موضوعها، وليس لأن أحد أطرافها شخصا من أشخاص القانون العام. ومن ثم تكون المنازعة موضوع الطعن من اختصاص المحاكم العادية وليس قضاء مجلس الدولة.
ومن حيث أن القانون رقم 80 لسنة 1971 بانشاء هيئة الأوقاف المصرية ينص فى مادته الأولى على أن "تنشأ هيئة عامة تسمى هيئة الأوقاف المصرية تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع وزير الأوقاف" وينص فى مادته الثانية على أن "تختص وحدها بادارة واستثمار أموال الأوقاف الآتية: - أولا: الأوقاف المنصوص عليها فى المادة (1) من القانون رقم 522 لسنة 1959 المشار اليه"، وينص فى مادته الخامسة على أن "تتولى الهيئة نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظرا على الأوقاف الخيرية ادارة هذه الأوقاف واستثمارها فيها على أسس اقتصادية" ومفاد ما تقدم أنه بعد أن قصر القانون رقم 252 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف ادارة الأوقاف الخيرية على الوزارة، أنشأ المشرع هيئة الأوقاف بالقاهرة رقم 80 لسنة 1971 وخولها وحدها اختصاص ادارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية. باعتبارها نائبا عن وزير الأوقاف فى ادارة أموال هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها.
ومن حيث أن وزير الأوقاف انما يتولى ادارة أموال الأوقاف باعتباره ناظر وقف، والوقف من أشخاص القانون الخاص فلا يعد ناظره هو ونائبه القانونى بهذا الوصف ولو ثبتت له هذه النيابة بنص فى القانون بحكم شغله منصبا عاما محددا. فولاية هذا المنصب وان كانت سند النظر الا أنها لا تصبح بذلك جزءا من الولاية العامة للمنصب اذ يظل النظر على وضعه القانونى مجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص، ولا يقوم نائب الناظر هنا وهو هيئة الأوقاف بأعمال تقع فى نطاق القانون الخاص. ويصدر عنها لا بوصفها سلطة عامة وانما باعتبارها نائبا عن الناظر على الوقف، وكل من الناظر ونائبه انما يمارس هذه الادارة واعمالها كأى ناظر من أشخاص القانون الخاص يقوم بالنظارة على وقف خيرى، وليس من شأن هذه الادارة أن تخلع على أموال الأوقاف صفة المال العام، ولا تجعل من القرارات والاجراءات التى تتخذها الهيئة فى ادارة هذه الأموال واستثمارها أو التصرف فيما قرارات ادارية. كما أن ما يثور فى شأنها من منازعات لا يدخل فى عموم المنازعات الادارية، ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى بالفصل فى هذه الدعاوى والمنازعات.
ومن حيث أن الهيئة المنصوص عليها فى المادة (54) مكررا من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلا بالقانون رقم 136 لسنة 1984 قد قضت بجلستها المنعقدة فى 27/ 4/ 1986 بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل فى الدعاوى المحالة اليها من جهة قضائية أخرى طبقا لنص المادة 110 من قانون المرافعات اذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة، أما فى الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فلها أن تحيلها الى المحكمة المختصة اذا تبين لها عدم اختصاصها بنظرها.
ومن حيث أن المطعون ضده أقام دعواه ابتداء أمام محكمة القضاء الادارى منازعا هيئة الأوقاف فى صحة ما قامت به من استبعاد من القرعة التى أجرتها الهيئة على النحو السابق بيانه الأمر الذى ترتب عليه حرمانه من فرصة الحصول على احدى الشقق التى أعلن عن تأجيرها، واذ قضى الحكم المطعون فيه باختصاص محكمة القضاء الادارى بنظرها وتصدى للفصل فى موضوعها فيكون قد أخطأ فى تطبيق صحيح حكم القانون مما يتعين معه القضاء بالغائه والحكم بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة مع الزام المطعون ضده بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.


[(1)] تراجع الفتوى الصادرة من الجمعية العمومية فى 7/ 1/ 1987 ملف رقم 32/ 2/ 1084 باعتبار وزير الأوقاف فى ادارته للأموال الموقوفة ناظرا للوقف.