مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثانى (من أول مارس سنة 1986 الى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1825

(249)
جلسة 14 من يونيو سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار د. أحمد يسرى عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدى مليحى وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر ود. محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعن رقم 2377 لسنة 30 القضائية

( أ ) حيازة - قاضى الحيازة - سلطاته.
المادة (373) مكررا من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 29 لسنة 1982.
انشأ المشرع نظام قاضى الحيازة الذى يملك حق الرقابة القضائية على ما تأمر به النيابة العامة فى منازعات الحيازة - تتمثل هذه الرقابة فى سلطات ثلاث هى تأييد أمر النيابة العامة أو تعديله أو الغائه - اذا استظهر قاضى الحيازة توافر شرطى تدخل النيابة العامة وهما: - 1 - أن تكون هناك جريمة من جرائم الحيازة. 2 - أن تكون هناك دلائل كافية على جدية الاتهام مع مراعاة الميعاد القانونى لعرض الأمر خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره ففى هذه الحالة ينتقل القاضى الى تقدير ملاءمة الاجراء التحفظى الصادر من النيابة العامة لحماية الحيازة فاما أن يؤيده أو يعدله - اذا لم يستظهر القاضى توافر شرطى تدخل النيابة العامة تعين عليه الغاء أمر النيابة العامة على أساس انتفاء الجريمة وأن النزاع حول الحيازة هو فى حقيقته نزاع مدنى لا يكون جريمة يعاقب عليها القانون - تطبيق.
(ب) حيازة - قاضى الحيازة - قراراته - تكييفها.
العبرة فى تحديد الطبيعة القانونية للقرار الذى يصدره قاضى الحيازة لا تكون بالوقوف عند ظاهر اللفظ الوارد بنص المادة (373) سالفة البيان وانما بالرجوع الى حقيقة القرار ومقوماته - التصرف الذى يصدر من قاضى الحيازة يصدر منه بوصفه القاضى المدنى المختص بالمحكمة الجزئية وهو تصرف يدخل فى نطاق وظيفته القضائية فى مسألة مدنية هى الرقابة على أمر النيابة العامة باتخاذ اجراء تحفظى لحماية الحيازة - هذا التصرف يحسم الخصومة حول الحيازة بصفة مؤقته ولا ينشئ مركزا قانونيا جديدا ويحمى الحيازة الظاهرة قبل ميلاد النزاع بغرض فض الاشتباك بين الطرفين المتنازعين على الحيازة حتى يصدر من المحكمة المختصة حكم قضائى يفصل فى أصل الحق ويحوز حجية الشئ المحكوم فيه - مؤدى ذلك: - أن القرار الذى يصدره قاضى الحيازة هو حكم وقتى يحوز حجية مؤقته تقيد أطراف النزاع على الحيازة حتى تفصل المحكمة فى الموضوع - تطبيق.


اجراءات الطعن

فى يوم 23 من يونيو سنة 1984 أودع الأستاذ محمود يوسف الشريف المحامى بالنقض نائبا عن الأستاذ أبو القاسم ثابت الشريف المحامى بصفته وكيلا عن السيد/ اسماعيل عبد الرازق على قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقريرا بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 10 من مايو سنة 1984 فى الدعوى رقم 4919 لسنة 37 ق القاضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزام المدعى بالمصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم أولا: بقبول الطعن شكلا وبصفة عاجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بالطلبات الأصلية مع الزام المدعى عليهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه أولا: الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثانيا: الحكم بقبول الطعن شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه والحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا الحكم بقبول الطعن شكلا وبالغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى، وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5/ 11/ 1984 وتدوول الطعن بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة بجلسة 17/ 6/ 1985 احالة الطعن الى المحكمة الادارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) لنظره بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1985، ونظرته المحكمة فى هذه الجلسة وفقا لما هو ثابت بمحضر الجلسة وقررت اصدار الحكم بجلسة 7/ 12/ 1985، وفى هذه الجلسة قررت المحكمة اعادة الطعن الى المرافعة وتأجيل نظره لجلسة 18/ 1/ 1986 لارتباطه بموضوع معروض على الهيئة المشكلة طبقا للمادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة، وفى هذه الجلسة الأخيرة قررت المحكمة احالة الطعن الى الهيئة سالفة البيان لارتباطه بطعون معروضة عليها. وأحيل الطعن الى الهيئة المذكورة فنظرته على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حتى قضت بجلسة 27 من ابريل سنة 1986 بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل فى الدعاوى المحالة اليها من جهة قضائية أخرى طبقا لنص المادة 110 من قانون المرافعات اذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة. أما فى الدعاوى المرفوعة ابتداء أمامها فلها أن تحيلها الى المحكمة المختصة اذا تبين لها عدم اختصاصها بنظرها، وأمرت باحالة الطعن الى هذه الدائرة لتفصل فيه فى ضوء ذلك. قد ورد الطعن وحددت الدائرة لنظره جلسة 24/ 5/ 1986 حيث نظر على النحو الثابت بمحضر الجلسة وقررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تخلص على ما يبين من الأوراق فى أنه بتاريخ 16/ 10/ 1982 صدر لصالح المطعون ضده الأول قرار من نيابة المنشأة الجزئية فى الشكوى رقم 2245 لسنة 1982 ادارى المنشأة بحماية وضع يده على عقار النزاع ومنع تعرض الطاعن له، وقد بادر الأخير باقامة دعواه بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة المنشأة الجزئية بتاريخ 9/ 11/ 1982 مستشكلا من قرار النيابة العامة سالف البيان وطالبا الحكم بوقف تنفيذه، وقيدت الدعوى بجدول تلك المحكمة برقم 688 لسنة 1982 جزئى مستعجل المنشأة. وبجلسة 24/ 5/ 1983 قضت المحكمة المذكورة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وباحالتها الى محكمة القضاء الادارى. وقام الطاعن باختصام السيد وزير العدل وتعديل طلباته باضافة طلب الغاء القرار المطعون فيه، ونعى الطاعن على القرار المطعون فيه أنه جاء مجحفا بحقوقه لأن الثابت من التحقيقات التى جرت فى الشكوى سالفة الذكر أن عين النزاع كانت فى وضع يد الطرفين، ومن ثم كان على النيابة العامة تمكينهما معا ابقاء الوضع القائم على ما كان عليه. هذا فضلا عما هو ثابت من أن الطاعن يملك عين النزاع بموجب عقد بيع مؤرخ 12/ 9/ 1982 صادر له من المالكة السيدة/ حميدة خلف الله حسين سلطان التى كانت تضع اليد فعلا على العين عند تحرير العقد. وقد أقام الطاعن دعوى بصحة ونفاذ ذلك العقد كما قدم طلبا للشهر العقارى فى هذا الصدد برقم 1671 لسنة 1982، أما المطعون ضده الأول فلم يتخذ أى اجراءات فى شأن عقد البيع الذى يدعى صدوره اليه من السيد/ ابراهيم السيد حسين سلطان بتاريخ 10/ 9/ 1982. وبذلك يكون الطاعن فى وضع قانونى أفضل من المطعون ضده الأول مما كان ينبغى معه على النيابة العامة تمكينه هو دون المذكور، خاصة وأن النيابة العامة لم تكن لها ولاية فى اصدار القرار المطعون فيه مادام الأمر كان مطروحا على القضاء بموجب دعوى صحة ونفاذ عقد البيع المشار اليها فيما تقدم.
ومن حيث أن المطعون ضده الأول دفع بعدم قبول الدعوى لعدم نهائية القرار المطعون فيه، كما طلب احتياطيا برفض طلب وقف التنفيذ. وقال شرحا لطلباته أن النزاع يدور حول حيازة عقار فى ظل العمل بالقانون رقم 29 لسنة 1982 الذى استحدث نظام قاضى الحيازة، وعهد اليه باصداره أوامر ولائية فى هذه المنازعات على التفصيل المبين فى المادة 373 مكرر التى أضيفت الى قانون العقوبات. ولذلك فقد قامت النيابة العامة اثر اصدارها القرار المطعون فيه بتمكينه من عين النزاع بتاريخ 16/ 10/ 1982، بعرض هذا القرار على قاضى الحيازة الذى أصدر بتاريخ 19/ 10/ 1982 قراره بتأييد قرار النيابة العامة المشار اليه، ومتى كان ذلك فان قرار تمكينه من عين النزاع يكون صادرا من قاضى الحيازة وليس من النيابة العامة التى لا يعدو قرارها أن يكون مجرد اجراء يسبق صدور القرار النهائى من السلطة المختصة. ومن ثم فلا تتوافر لقرار النيابة العامة مقومات القرار الادارى ولا تتحقق له النهائية التى تجيز الطعن فيه بالالغاء، وانما يكون القرار محل الاعتداد فى هذا الصدد هو ذلك الصادر من قاضى الحيازة. ولما كان من المسلم به أن هذا القرار الأخير لا يعتبر من قبيل القرارات الادارية التى يختص القضاء الادارى بنظر الطعون المرفوعة بشأنها، اذ أنه يصدر فى نطاق السلطة الولائية للقاضى الجزئى، فهو قرار قضائى تسرى فى شأن التظلم منه الأحكام المقررة للتظلم من الأوامر الولائية المقررة فى قانون المرافعات المدنية. ومتى كان ذلك، وكان الطاعن وجه طعنه الى قرار النيابة العامة فمن ثم يتعين الحكم بعدم قبوله لانتفاء القرار الادارى النهائى. وعن الطلب الاحتياطى برفض وقف تنفيذ القرار المطعون فيه تخلف فيه ركنا الجدية والاستعجال، اذ أن أقوال الشهود فى التحقيق، وما أثبتته المعاينة جاءت قاطعة فى أن حيازته للعقار كانت ثابتة وأن وضع يده عليه استمر بصورة ظاهرة وهادئة قبل منازعة الطاعن له والاعتداء على حيازته ومحاولة اغتصابها وهو ما عوقب عليه الطاعن بالحبس، مما ينتفى معه ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ، فضلا عن أن القرار المطعون فيه قد تم تنفيذه فعلا فلا يكون ثمة محل لطلب وقف التنفيذ.
ومن حيث أن الطاعن عقب على دفاع المطعون ضده بمذكرة أوضح فيها أن التحقيقات التى أجريت جاءت قاصرة لأنها اعتمدت على أقوال شهود ينتمون بصلات مختلفة للمطعون ضده. فضلا عن قيام خصومات قضائية بينهم وبين الطاعن على التفصيل الذى أوده فى مذكرة دفاعه التى انتهى فيها الى طلب الحكم بما أقام به دعواه.
ومن حيث أنه بجلسة 10 من مايو سنة 1984 حكمت المحكمة فى الشق المستعجل من الدعوى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الطاعن بالمصروفات، وأقامت قضاءها برفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط النهائية فى القرار المطعون فيه، ولأن هذا القرار لا يعدو أن يكون مجرد اجراء سابق على صدور القرار النهائى من قاضى الحيازة الذى يصدر قرارا قضائيا فى هذا الشأن، على أن هذا الدفع غير صائب: لأن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه لم يصدر من النيابة العامة فى نطاق وظيفتها القضائية ولم يتم فى دائرة التجريم، وانما صدر منها بوصفها جهة ادارية بهدف معاونة رجال الضبط على حفظ النظام وبقصد تسكين الحال وعدم استفحال النزاع حتى يتم الفصل فيه من المحكمة المختصة، يؤكد ذلك أن المحكمة المدنية قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاص القضاء الادارى بنظرها، وقام قضاؤها على أن القرار المطعون فيه صدر من النيابة العامة بوصفها هيئة ادارية وفى غير نطاق وظيفتها القضائية، ومن ثم فان هذا القرار تستقل النيابة العامة باصداره دون أن يتوقف ذلك على اعتماد من قاضى الحيازة، فهو قرار نهائى ومن ثم يتعين الالتفات عن هذا الدفع. وعن طلب وقف تنفيذ القرار فقد انتهت المحكمة الى أنه يفتقر الى ركن الجدية: لأن الثابت من التحقيق الذى أجرى فى الشكوى رقم 2245 ادارى لسنة 1982 ومن أقوال الشهود من رجال الادارة والجيران أن المطعون ضدة يجوز عين النزاع منذ شرائها من السيد/ ابراهيم السيد حسن سلطان الذى تملكها بدوره بالميراث عن والده، وأن الشاكى (المطعون ضده) يضع فيها مواشى يمتلكها، كما أوصل اليها التيار الكهربى من منزل أسرته المجاور لتلك العين، متى كان ذلك فلا يجدى الطاعن الاستناد الى أن مستنداته أفضل مما لدى المطعون ضده الأول مما كان يتعين معه تمكينه هو دون المذكور عن حيازة العين، ذلك أن المقرر أن دور النيابة العامة فى منازعات الحيازة يقتصر على تمكين الحائز الظاهر ريثما تفصل المحكمة المختصة فى النزاع، فهى لا تملك أن تعدل من المراكز القانونية الظاهرة للخصوم أيا كانت المستندات التى فى حوزتهم، ومن ثم يكون قرارها المطعون فيه وافق صحيح حكم القانون، ويضحى لذلك طلب وقف التنفيذ بحسب الظاهر من الأوراق مفتقرا لركن الجدية مما يتعين معه الحكم برفضه دون ما حاجة للتصدى لشرط الاستعجال لعدم جدواه، وانتهت المحكمة الى الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث أن الطعن فى الحكم المشار اليه يقوم على عدة أسباب أوردها الطاعن فى صحيفة الطعن حاصلها أن الطاعن لديه ما يثبت أنه جائز للعين محل النزاع بموجب عقد بيع صادر له من المالكة التى كانت تضع يدها فعلا على العين عند تحرير عقد البيع، وقام الطاعن فورا باتخاذ اجراءات صحة ونفاذ هذا العقد، أما المطعون ضده فقد افتعل عقد بيع صادر له من غير مالك ولم يبادر الى اتخاذ أى اجراء قانونى، وعلى الرغم من ذلك ومع أن النزاع كان مطروحا ومتداولا أمام القضاء فان مدير نيابة المنشأة أصدر قرارا بحماية وضع يد المطعون ضده، وبذلك يكون القرار المطعون فيه باطلا لصدوره من غير ذى صفة وينحدر الى حد الانعدام لبطلانه قانونا. وعرض الطاعن لشهادة الشهود الذى سمعت أقوالهم فى المحضر وذكر أن بعضهم تربطهم صلة قربى بالمطعون ضده الأول وبعضهم الآخر تقوم بينه وبينهم خصومات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أشار الى أنه لم ينازع فى شهادة الشهود أمام المحكمة المدنية فيرجع ذلك الى أن المحكمة المذكورة لم تحكم فى القضية وانها احالتها الى محكمة القضاء الادارى للاختصاص، وعلى ذلك فلا غبار عليه اذ قام بتجريح الشهود لأول مرة أمام هذه المحكمة الأخيرة التى تكون بذلك قد أهدرت دفاعه المؤيد بالمستندات. واستطرد الطاعن الى القول بأن المحكمة رفضت الدفع المبدئى من المطعون ضده الأول بعدم قبول الدعوى لعدم نهائية القرار المطعون فيه مؤسسة هذا الرفض على أن القرار المذكور نهائى تستقل به النيابة العامة دون عرضه على قاضى الحيازة، ولما كان الثابت أن النيابة العامة غير مختصة باصدار هذا القرار، لاسيما وأن هناك نزاعا بصدده معروض على القضاء، وتأكيدا لذلك فقد صححت النيابة العامة قرارها محاولة اضفاء الشرعية عليه وذلك بأن استصدارت قرارا نهائيا من قاضى الحيازة فى 19/ 10/ 1982، فاذا كان الحكم المطعون فيه قد ناقش اختصاص النيابة العامة فى هذا الصدد وانتهى الى أن قرارها لا يعدو أن يكون قرارا اداريا مستقلا، فيكون هناك تناقض فى الأسباب يؤدى الى بطلان الحكم المطعون فيه. ولقد أهدر هذا الحكم حق الدفاع بعد أن استبعدت المحكمة مستندات الطاعن واكتفت بسردها فى الحكم دون مناقشتها على الرغم من أن الطاعن طعن فى أقوال الشهود بمذكرته المقدمتين فى الشكوى قبل صدور القرار، كما أنه تقدم بطلب مؤرخ 20/ 11/ 182 بطلب سماع أقوال شهود أن أعضاء المجلس المحلى بالبلدة، وفعلا سمعت أقوالهم، وقد أجمعوا على عدم وضع يد المطعون ضده على عين النزاع، الا أن المحكمة لم تلتفت الى أقوال هؤلاء الشهود بدليل أنها لم تشر اليها فى أسباب حكمها. وانتهى الطاعن الى القول بأنه كان يتعين على النيابة طالما أن الأمر معروض على القضاء أن تصدر قرارها ببقاء الحال على ما هو عليه لحين الفصل فى النزاع من القضاء، ومن ثم يكون قرارها غير صحيح ويتعين القضاء بالغائه. واذ ذهب الحكم المطعون فيه الى غير ذلك فيكون مستوجب الالغاء.
ومن حيث أن المطعون ضده الأول قد أودع بتاريخ 7/ 11/ 1985 مذكرة ختامية بدفاعه لم يخرج فيها عما سبق أن أبداه من أقوال، وانتهى فيها الى أنه يرى أن الدعوى غير مقبولة أصلا، وأنها على سبيل الاحتياط مرفوضة موضوعا. كما أودع الطاعن بدوره مذكرة بتاريخ 10/ 11/ 1985 عقب فيها على الدفع المبدئى بعدم القبول بدفاع حاصله أن المحكمة وقد أحيلت اليها الدعوى بالحكم الصادر من المحكمة المدنية تكون ملزمه وفقا لصريح نص المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية بنظرها حتى ولو تبينت عدم اختصاصها بنظرها، وكان عدم الاختصاص متعلقا بالولاية. ومن جهة أخرى فان القول بعدم القبول لانتفاء القرار الادارى وعدم اختصاص قضاء مجلس الدولة بنظر الطعن هو قول يطرح التساؤل عما سينتهى اليه الحال بعد أن قضت المحكمة المدنية بدورها من قبل بعدم اختصاصها واحالة الدعوى الى مجلس الدولة.
ومن حيث أن الثابت من أوراق أن الطاعن أقام دعواه ابتداء ضد المطعون ضدهم أمام محكمة المنشأة الجزئية بعريضة أودعها قلم كتابها بتاريخ 9/ 11/ 1982 استشكالا فى قرار النيابة العامة الصادر بتاريخ 16/ 10/ 1982 بحماية حيازة المطعون ضده الأول لعقار النزاع، فقضت تلك المحكمة بجلسة 24/ 5/ 1983 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وباحالتها الى محكمة القضاء الادارى عملا بحكم المادة 110 من قانون المرافعات وذلك تأسيسا على أن القرار المستشكل فى تنفيذه لم يصدر من النيابة العامة فى نطاق وظيفتها القضائية، ومن ثم فهو ليس قرارا قضائيا وانما هو قرار ادارى، وتكون المنازعة بشأن تنفيذه خارجة عن اختصاص القضاء المدنى، وينعقد الاختصاص بنظرها للقضاء الادارى.
ومن حيث أنه بتاريخ 22 من ابريل سنة 1982 أصدر المشرع القانون رقم 29 لسنة 1982 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات العام رقم 58 لسنة 1937 وتضمن اضافة المادة 373 مكررا الى الباب الرابع عشر من الكتاب الثالث من قانون العقوبات الذى يتضمن صور الاعتداء الجنائى على الحيازة التى تجمعها فكرة واحدة هى "انتهاك حرمة ملك الغير" والتى جعلها المشرع عنوانا للباب المذكور (المواد من 369 - 373 مكررا عقوبات). وتنص المادة المستحدثة رقم 373 مكررا على أنه: "يجوز للنيابة العامة متى قامت دلائل كافية على جدية الاتهام فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد السابقة فى هذا الباب، أن تأمر باتخاذ اجراء تحفظى لحماية الحيازة، على أن يعرض هذا الأمر خلال ثلاثة أيام على القاضى الجزئى المختص لاصدار قرار مسبب خلال ثلاثة أيام بتأييده أو بتعديله أو بالغائه. ويجب رفع الدعوى الجنائية خلال ستين يوما من تاريخ صدور هذا القرار، وعلى المحكمة عند نظر الدعوى الجنائية أن تفصل فى النزاع بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدنية أو المتهم بحسب الأحوال وبعد سماع أقوال ذوى الشأن بتأييد القرار أو بالغائه وذلك كله دون المساس بأصل الحق، ويعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن عند مخالفة المواعيد المشار اليها، وكذلك اذا صدر أمر بالحفظ أو بأن لا وجه لاقامة الدعوى". ويبين من صريح عبارة النص ومما أوردته المذكرة الايضاحية أن الاجراء التحفظى أو التدبير الذى تتخذه النيابة العامة فى هذا الصدد انما هو اجراء أو تدبير مؤقت، ويجب عليها عرضه خلال أمد وجيز على القاضى الجزئى المختص لاصدار قرار بتأييده أو تعديله أو بالغائه خلال ثلاثة أيام على الأكثر. وبهذا تضاف هذه الصلاحية الى مهمة القاضى الجزئى فى أمور التعرض للحيازة المكونة للجرائم المنصوص عليها بالمواد 369 عقوبات وما بعدها.
ومن حيث أنه يبين مما تقدم أن المشرع قد أنشأ لأول مرة نظام قاضى الحيازة الذى يملك حق الرقابة القضائيه على أمر النيابة العامة، وتتمثل هذه الرقابة فى سلطات ثلاث، فيصدر القاضى قراره أما بتأييد أمر النيابة العامة أو بتعديله أو بالغائه، وعلى ذلك فاذا استظهر قاضى الحيازة توافر شرطى تدخل النيابة العامة وهما: "أن تكون هناك جريمة من جرائم الحيازة، وأن تكون الدلائل كافية على جدية الاتهام، وأن النيابة العامة قد راعت الميعاد القانونى لعرض الأمر خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، ففى هذه الحالة ينتقل القاضى الى تقدير ملائمة الاجراء التحفظى الصادر من النيابة العامة لحماية الحيازة. وهو حينئذ بين أمرين، تأييد أمر النيابة أو تعديله". فاذا لم يستظهر قاضى الحيازة توافر شرطى تدخل النيابة العامة فيتعين عليه حينئذ أن يقرر الغاء أمر النيابة على أساس انتفاء الجريمة وأن النزاع حول الحيازة هو فى حقيقته نزاع مدنى لا يكون جريمة يعاقب عليها قانونا.
ومن حيث أنه ولئن كان نص المادة المستحدثة 373 مكررا عقوبات قد نص على أن يصدر قاضى الحيازة قرارا فى هذا الشأن، الا أن ذلك لا يحول دون التصدى لتحديد الطبيعة القانونية لهذا القرار، والعبرة فى هذا لا تكون بالوقوف عند ظاهر اللفظ الوارد بالنص، وانما بالرجوع الى حقيقته ومقوماته. ولما كان التصرف الذى يصدر من قاضى الحيازة انما يصدر منه بوصفه القاضى المدنى المختص بالمحكمة الجزئية، وهو تصرف يصدر منه بمقتضى وظيفته القضائية فى مسألة مدنية على الرقابة القضائية على أمر النيابة باتخاذ اجراء تحفظى لحماية الحيازة، وهذا تصرف يحسم الخصومة القائمة حول الحيازة بصفة مؤقتة بحيث لا ينشئ القرار المسبب الصادر منه مركزا قانونيا جديد، وانما هو يحمى الحيازة الظاهرة قبل ميلاد النزاع بهدف فضى الاشتباك بين الطرفين المتنازعين على الحيازة حتى يصدر من المحكمة المختصة حكم قضائى يحوز حجية الشئ المحكوم فيه يفصل فى أصل الحق. وبذلك تتوافر لهذا القرار كل مقومات الحكم الوقتى الذى يصدر مسببا بناء على ما يحتمل من ظاهر الأوراق أن يكون هو وجه الصواب فى النزاع على الحيازة المعروض على قاضى الحيازة، وهو حكم له حجيته الوقتية التى تقيد الطرفين المتنازعين على الحيازة مالم يحدث تغيير أو تعديل فى الوقائع المادية أو فى المراكز القانونية للطرفين أو لاحدهما.
ومن حيث أن الثابت من أوراق الطعن أن القرار المطعون فيه قد صدر من النيابة العامة بتاريخ 16/ 10/ 1982 وتم عرضه على قاضى الحيازة بتاريخ 19/ 10/ 1982 الذى أصدر فيه قرار بتأييد القرار المذكور لذات الأسباب التى قام عليها قرار النيابة العامة. ولما كان قرار قاضى الحيازة الصادر فى هذا النزاع هو فى حقيقته على ما سلف القول حكما وقتيا له حجيته بين أطرافه فتخرج الطعن عليه أو المنازعة بشأنه من نطاق الاختصاص الولائى لمحاكم مجلس الدولة. ولا يغير من ذلك أن يكون الطاعن قد أودع بتاريخ 18/ 2/ 1985 حافظة مستندات انطوت على شهادة من جدول الشكاوى فى نيابة المنشأة الجزئية صادرة بتاريخ 13/ 12/ 1984 تفيد أن الشكوى رقم 2245 لسنة 1982 ادارى المنشأة مقيدة برقم 16 لسنة 1982 منازعات حيازة، وانها قد حفظت اداريا بتاريخ 14/ 11/ 1982. وأنه بناء على ذلك لم يقدم لجلسة جنائية ليتأكد ما اذا كان غاصبا للعين من عدمه، وهو الأمر الذى يعتبر معه قرار النيابة العامة كأن لم يكن وكذلك قرار قاضى الحيازة وذلك عملا بنص المادة 373/ 3 مكررا عقوبات التى تنص على أن "يعتبر الأمر أو القرار الصادر كأن لم يكن عند مخالفة القواعد المشار اليها، وكذلك اذا صدر أمر بالحفظ أو بأن لا وجه لاقامة الدعوى"، ذلك لأن التحقيق من مراعاة المواعيد التى تطلبها النص سواء بالنسبة لعرض الأمر على قاضى الحيازة أو اقامة الدعوى الجنائية خلال الستين يوما من تاريخ صدور هذا القرار وترتيب الأثر على الاخلال بهذه المواعيد المتمثل فى اعتبار أمر النيابة أو قرار قاضى الحيازة كأن لم يكن وبالتالى انعدام الاجراءات التى تكون قد صدرت بعدها هى أمور يتعين على صاحب الشأن أن يلجأ فيها الى النيابة المختصة أو المحكمة المدنية لتجرى شأنها فى خصوص قيام الأمر أو زواله، وذلك كله وفقا للقواعد المقررة فى شأن التظلم من قرارات النيابة العامة أو الطعن فى قرار قاضى الحيازة لاستصدار حكم بالغائه أو التقرير القضائى باعتباره كأن لم يكن، وفى كلا الحالين يخرج الأمر عن الاختصاص الولائى المقرر لمحاكم مجلس الدولة.
ومن حيث أن الهيئة المشكلة وفقا لحكم المادة (54) مكررا من قانون مجلس الدولة قد قضت بعدم التزام محاكم مجلس الدولة بالفصل فى الدعاوى المحالة اليها من جهة قضائية أخرى طبقا لنص المادة 110 من قانون المرافعات اذا كانت هذه الدعاوى تخرج عن الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمحاكم مجلس الدولة، ولما كان الثابت أن الطاعن كان قد أقام دعواه ابتداء أمام محكمة المنشأة الجزئية بتاريخ 9/ 11/ 1982 مستشكلا فى قرار النيابة العامة المطعون فيه وطالبا وقف تنفيذه وأن هذه المحكمة قضت بجلسة 24/ 5/ 1983 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى واحالتها الى محكمة القضاء الادارى التى حكمت بجلسة 10/ 5/ 1984 باختصاصها بنظر الدعوى وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. واذ كان الثابت مما تقدم أن الاختصاص بنظر هذه المنازعة يخرج عن نطاق الاختصاص الولائى المحدد قانونا لمجلس الدولة فان الحكم المطعون فيه يكون قد جانبه الصواب اذ تصدى للفصل فى موضوع الدعوى ويتعين بناء على ذلك الحكم بالغائه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وبالزام الطاعن بالمصروفات..

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى وألزمت الطاعن بالمصروفات.