مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الحادية والثلاثون - العدد الثانى (من أول مارس سنة 1986 الى آخر سبتمبر سنة 1986) - صـ 1847

(252)
جلسة 17 من يونيو سنة 1986

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيونى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة شفيق محمد سليم مصطفى وفاروق على عبد القادر وكمال زكى عبد الرحمن اللمعى وعطيه الله رسلان أحمد فرج المستشارين.

الطعن رقم 2495 لسنة 30 القضائية

دعوى جنائية - الاثبات فى الدعوى.
القضاء الجنائى هو المختص باثبات أو نفى المسئولة الجنائية عن الأفعال التى تكون جرائم جنائية - متى قضى فى هذه الأفعال بحكم نهائى حائز لقوة الأمر المقضى به فلا يجوز للمحكمة التأديبية وهى بصدد التعرض للجانب التأديبى من هذه الأفعال أن تعاود البحث فى ثبوتها أو عدم ثبوتها - تتقيد المحكمة التأديبية بما ورد بشأن هذه الأفعال فى الحكم الجنائى - أساس ذلك: - احترام حجية الحكم الجنائى فيما فصل فيه - تطبيق.


اجراءات الطعن

بتاريخ 7/ 7/ 1984 أودع الأستاذ على محمد توفيق المستشار بادارة قضايا الحكومة تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة نيابة عن السيد المستشار مدير عام النيابة الادارية ضد...... فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالاسكندرية بجلسة 6/ 5/ 1984 فى الدعوى رقم 79 لسنة 26 ق المقامة من النيابة الادارية ضد المطعون ضده والذى قضى ببراءته مما أسند اليه. وطلب فى تقرير طعنه الحكم بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجددا بما ورد بتقرير الاتهام.
وأعلن تقرير الطعن للمطعون ضده بتاريخ 17/ 7/ 1984، وأحيل الطعن الى هيئة مفوضى الدولة التى قامت بتحضيره وتهيئته للمرافعة وأودعت فيه تقريرا بالرأى القانونى اقترحت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجددا بمجازاة الطاعن بالجزاء المناسب.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون (الدائرة الثالثة) بالمحكمة الادارية العليا بجلسة 16/ 4/ 1986 وفيها قررت الدائرة احالة الطعن للمرافعة أمام المحكمة الادارية العليا (الدائرة الثالثة) وحددت لنظره جلسة 6/ 5/ 1986 وبهذه الجلسة ارجأت المحكمة النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها أودعت مسودة الحكم المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل - كما هو ثابت من الأوراق - فى أن النيابة الادارية قد أقامت الدعوى التأديبية رقم 79 لسنة 26 ق بايداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالاسكندرية بتاريخ 11/ 12/ 1983 متضمنة تقريرا باتهام...... العامل بشركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار درجة ثالثة لأنه فى يوم 5/ 2/ 1983 بالشركة المذكورة بانه لم يحافظ على كرامة الوظيفة وسلك مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب بأنه:
1 - اعتدى بالضرب بآلة حادة على كل من..... و..... و...... محدثا بهم الاصابات على النحو المبين بالأوراق.
2 - اعتدى بالسب على زملائه فى العمل وتسبب فى كسر ثلاثة ألواح زجاجية بمكاتب ادارة الأفراد على النحو المبين بالأوراق. وارتأت النيابة الادارية أنه بذلك يكون قد ارتكب المخالفة الادارية المنصوص عليها فى المادتين 78/ 5، 80/ 1 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 وطلبت لذلك محاكمته تأديبيا بمواد الاتهام.
ونظرت المحكمة الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 6/ 5/ 1984 حكمت المحكمة ببراءته مما نسب اليه.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنها تستظهر من الأوراق أن المتهم كان مصابا بأمراض عصبية ونفسية على النحو المتقدم بيانه وأن ارتكابه للمخالفات المنسوبة اليه كان فى خلال فترة مرضه الأمر المستفاد مما تضمنه قرار اللجنة الطبية بالهيئة العامة للتأمين الصحى السالف الاشارة اليه وخلو الأوراق من دليل يؤكد شفاء المتهم من مرضه الأمر الذى تنعدم معه مسئوليته التأديبية عن المخالفات المسندة اليه.
ومن حيث أن الطعن فى هذا الحكم يقوم على أنه أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
أولا: أن الثابت من الأوراق أن شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار كانت قد أبلغت النيابة العامة بالواقعة المنسوبة للمطعون ضده، وقد قدم للمحاكمة الجنائية وصدر ضد الحكم بجلسه 11/ 5/ 1983 غيابيا بالحبس لمدة أسبوع وكفالة عشرة جنيهات وقد عارض فى الحكم فقضى غيابيا بتأييده وعارض فيه مرة أخرى فقضى بجلسة 27/ 10/ 1983 بتأييد الحكم المستأنف مع ايقاف التنفيذ ولما كان هذا الحكم قد أصبح نهائيا وحائزا لقوة الأمر المقضى به واكتسب حجية فيما فصل فيه من حيث اثبات الواقعة، ولا يجوز للمحكمة التأديبية أن تعود للمجادلة فى واقعة سبق أن فصل فيها الحكم الجنائى ويتعين عليها أن تلتزم بما ورد فى الحكم الجنائى واذ قضت ببراءة المطعون ضده استنادا الى عدم مسئوليته عن الواقعة فان حكمها يكون مخالفا للقانون ويتعين لذلك القضاء بالغائه.
ثانيا: أن ما ساقه الحكم المطعون فيه من أن ارتكاب المطعون ضده للمخالفات المنسوبة اليه كان فى فترة مرضه الأمر الذى تنعدم معه مسئوليته التأديبية، لا يقوم عليه دليل من الأوراق وأن التقارير الطبية المقدمة من المخالف لا تتضمن اصابته بمرض عقلى بعدم ادراكه لأن التفاعل الهستيرى الذى تضمنه التقرير لا يعدم الادراك كلية وبذلك تكون الأسباب التى استندت اليها المحكمة التأديبية فى براءة المطعون ضده لا تقوم على أساس من القانون ويتعين لذلك الغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن ما نسب الى المطعون ضده هو تعديه بالضرب بآلة حادة على كل من...... و...... و...... العاملين بالشركة وأحدث بهم الاصابات الموضحة بالتقارير الطبية حيث أحدث بالأول جرحا عرضيا بالرأس وأحدث بالثانى جرحا بيده اليمنى، وأحدث بالثالث جرحا بوجهه وتعديه بالسب على زملاء له فى العمل كما تسبب فى كسر ثلاثة ألواح زجاجية بمكاتب ادارة الأفراد. وهاتان المخالفتان ثابتتان فى حق المطعون ضده من واقع أقوال الشهود واعترافه شخصيا ولما كان ما فرط من المطعون ضده يكون فى حقه خروجا على مقتضى واجبات وظيفته وسلوكه مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة الذى تؤثمه المادة 78/ 4، 5 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 وفضلا عن ذلك فانه يشكل فى ذات الوقت جريمة جنائية من جرائم القانون العام، وقد قدمته النيابة العامة للمحاكمة الجنائية التى انتهت الى ادانته عنها جنائيا بحكم نهائى قضى بحبسه لمدة أسبوع مع ايقاف التنفيذ ولما كان هذا الحكم قد أصبح نهائيا وحاز قوة الأمر المقضى به واكتسب الحجية فيما قضى به فى منطوقه وفى الأسباب التى قام عليها وهى ثبوت مسئولية المطعون ضده عما بدر منه وأهليته لتوقيع العقاب.
ومن حيث أن القضاء الجنائى هو المختص باثبات أو نفى المسئولية الجنائية عما وقع من المطعون ضده من أفعال تكون الجريمة الجنائية وقد قضى فيها بحكم نهائى حائز لقوة الأمر المقضى به فلا يسوغ للمحكمة التأديبية وهى بصدد محاكمته تأديبيا عن ذات الأفعال فى شقها التأديبى أن تعاود البحث فى ثبوت أو عدم ثبوت هذه الوقائع فى حق المطعون ضده أو مدى مسئوليته عنها رغم وقوعها منه لأن ذلك يتناقض مع حجية الحكم الجنائى الذى فصل فى هذه المسألة بصفة نهائية وكان يتعين على المحكمة التأديبية أن تتقيد بما ورد بشأنها فى الحكم الجنائى واذ خلصت المحكمة التأديبية الى براءة المطعون ضده تأسيسا على عدم مسئوليته عن هذه الأفعال استنادا الى أنه مصاب بأمراض عصبية ونفسية وأن ارتكابه للمخالفات كان فى فترة مرضه فانها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون ويتعين لذلك الغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث أن المخالفة المنسوبة للمطعون ضده والتى ثبتت فى حقه على النحو المشار اليه قد وردت فى لائحة الجزاءات الخاصة بالشركة تحت البند (10) ومقرر لها جزاء الخصم من المرتب لمدة ثلاثة أيام فى حالة ارتكابها لأول مرة ثم خمسة أيام فى المرة الثانية وسبعة أيام فى المرة الثالثة وعشرة أيام فى المرة الرابعة، وأنه وان كانت هذه اللائحة تقيد الشركة الا انها لا تقيد المحكمة التأديبية التى لها انتقاء الجزاء الملائم من بين الجزاءات المنصوص عليها فى المادة 82 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة.
ومن حيث أن ملف المطعون ضده زاخر بالمخالفات وغالبيتها من نوع المخالفتين المنسوبتين اليه وهى التعدى بالضرب والسباب والألفاظ البذيئة على الزملاء والرؤساء والأطباء واحداث الشغب فى دوائر العمل. منها مجازاته بخصم ثلاثة أيام من راتبه لتعديه بالألفاظ البذيئة على الدكتورة...... يوم 27/ 1/ 1982، ومجازاته بخصم ثلاثة أيام لتعديه بالألفاظ البذيئة على رئيس أقسام الأجور....... يوم 3/ 2/ 1982، وخصم يوم من مرتبه لتعديه على...... يوم 20/ 3/ 1982 وخصم يومين لاخلاله بواجباته الوظيفية يوم 22/ 3/ 1982 وخصم يوم من راتبه لتعديه بالضرب على الحارس...... يوم 19/ 5/ 1982، ومجازاته بخصم سبعة أيام من راتبه لتعديه على العامل...... يوم 5/ 6/ 1982 ومجازاته بالوقف عن العمل لمدة شهر لاحداثه الشغب والفوضى بمستشفى الشركة والتعدى على العاملين فيها بالألفاظ البذيئة وسب الدين وتهديد الممرض....... بالضرب خارج المصانع وذلك يوم 14/ 12/ 1982.
ومن حيث أن ما نسب الى المطعون ضده قد ثبت فى حقه ويشكل خروجا منه على مقتضى واجبات الوظيفة وسلوكه مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب الأمر الذى يسوغ مساءلته تأديبيا والمحكمة تأخذ فى اعتبارها تكرار المخالفات منه واعتياده عليها ومن ثم تأخذه بشئ من الشدة حتى يكون ذلك رادعا له لسلوك الطريق المستقيم ومن ثم تجازيه بخصم شهر واحد من راتبه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة المطعون ضده بخصم شهر من راتبه.