مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 209

جلسة 17 من أكتوبر سنة 1946

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(99)
القضية رقم 100 سنة 15 القضائية

أ - وقف خيرى. وزارة الأوقاف. حقها فى حبس الفائض مع الريع عن الناظر عند الخشية عليه منه. حكم. تسبيبه. قصور.
ب - وقف خيرى. مال المدين. حكمه يختلف عن حكم الفائض. لا حق للوزارة فى حبسه.
(المادة 19 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف)
1 - إن الحكم المنصوص عليه فى المادة 39 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف (الصادر بها الأمر العالى المؤرخ فى 13 يوليه سنة 1895) الذى قرر حق وزارة الأوقاف فى مطالبة ناظر الوقف الخيرى بما فى يده من فائض الريع إذا خشى عليه منه - هذا الحكم علته إنما هى حماية هذا الفائض من خطر خيانة الناظر أو عبثه أو إهماله. وإذا كان الشارع قد تصور هذا الخطر والفائض موجود فعلا فى يد الناظر فاحتاط له بما خول الوزارة من حق المطالبة به، فإن داعى الاحتياط يكون أقوى والفائض تحت يد الوزارة ولم تجرب بعد يد الناظر عليه، ولهذا كان لها، من باب أولى، أن تحبس الفائض عنه بشرط الخشية التى هى قيد على حقها فى حبس الفائض كما هى قيد على حقها فى المطالبة به، لأن علة الحقين إنما هى دفع الخطر.
وعلى ذلك فإنه إذا كانت وزارة الأوقاف قد أدلت أمام محكمة الموضوع بوجوه عدة اعتمدت عليها فى تبرير ما ادعته من الخشية من ناظر الوقف على فائض الريع، ولكن المحكمة أهملت تلك الوجوه كلها وأغفلت الرد عليها، وقضت بإلزام الوزارة بدفع الفائض قائلة إنها لم تدل بسبب يكفى لتبرير خشيتها غير مجرد قولها إن الناظر غير ملئ، فإنها بذلك تكون قد فاتها استعراض دفاع الوزارة على حقيقته، ويكون حكمها قاصر التسبيب متعيناً نقضه.
2 - إن المادة 39 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف إنما تسلط وزارة الأوقاف على فائض ريع الأوقاف الخيرية. أما مال البدل فلا يتناوله نص المادة المذكورة.
وعلى ذلك فالحكم الذى لم يأخذ بما ادعته وزارة الأوقاف لنفسها من حق استبقاء مال البدل وألزمها بإيداعه خزانة المحكمة الشرعية على ذمة جهة الوقف، لا يكون قد خالف القانون.


الوقائع

أقام المطعون ضدهما بصفتهما ناظرى وقفى المرحوم شهاب الدين أبى العباس أحمد النوبى الأهلى والخيرى الدعوى رقم 1314 سنة 1940 كلى مصر على وزارة الأوراق، وقالا فى صحيفتها إن الوقفين المذكورين كانا فى نظر الوزارة من 18 ديسمبر سنة 1927 إلى 22 من أبريل سنة 1939 وقد توفر لهما لدى الوزارة مبلغان أحدهما قدره 1167 ج و261 م قيمة بدل وقع على بعض أعيان الوقفين والآخر قدره 8527 ج و569 م قيمة ما تجمد من فائض الريع. ولما كان النظر قد انتقل من الوزارة إلى المطعون ضدهما قد طلبا فى دعواهما إلزام الوزارة بأن تودع المبلغ الأول مقابل البدل خزانة محكمة مصر الشرعية وبأن تسلمهما المبلغ الثانى وهو قيمة المتجمد من فائض الريع مع إلزامهما بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ودفعت وزارة الأوقاف الدعوى بالنسبة إلى شقها الخاص بمال البدل بعدم قبولها لعدم المصلحة ولرفعها قبل أوانها. وقالت فى بيان هذا الدفع إنه لا وجه لطلب نقل مال البدل من خزانتها إلى خزانة المحكمة الشرعية وكلا الخزانتين فى مقام واحد من حيث إنهما حكوميتان، وإن المادة 19 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف الصادر بها الأمر العالى المؤرخ فى 13 من يوليو سنة 1895 يقضى بأن مال البدل يحفظ بخزينة وزارة الأوقاف حتى تدفعه فى ثمن عين تشترى به لتلحق بجهة الوقف بعد تمام الإجراءات اللازمة لإبداله، وإلى أن تتم هذه الإجراءات تكون الدعوى سابقة لأوانها.
ودفعت الوزارة الشق الثانى من الدعوى وهو الخاص بفائض الريع بأن ما تجمد منه تحت يدها هو 7960 ج و475 م فقط لا 8527 ج و569 م وبأن المطعون ضدهما لا حق لهما فى طلب إلزامهما بتسليم هذا المبلغ لأنه متجمد من فائض ريع الوقف الخيرى دون الأهلى وريع هذا الوقف أصبح يزيد على مصروفاته زيادة مستمرة تجعله فى غير حاجة له، وأن المواد من 36 إلى 43 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف التى سلفت الإشارة إليها تخولها حق محاسبة نظار الأوقاف الخيرية عن إدارتهم لها وتكليفهم بإيداع فائض ريعها فى خزانتها إذا خشى عليه منهم، وهذا الحق مانع للمطعون ضدهما بصفتهما ناظرين على وقف خيرى من طلب إلزامها بتسليم هذا الفائض لهما لأنها تخشى عليه منهما.
وفى 29 من مايو سنة 1943 حكمت محكمة مصر: أولا - بإلزام وزارة الأوقاف بأن تودع خزانة محكمة مصر الشرعية مبلغ 1167 ج و261 م لشراء عين به تلحق بالوقف الأهلى المشمول بنظر المطعون ضدهما بدلا من الأعيان التى بيعت بهذا المبلغ. ثانياً - إلزام وزارة الأوقاف بأن تودع خزانة محكمة مصر الشرعية أيضاً مبلغ 7960 ج و475 م على ذمة الوقف الخيرى المشمول بنظر المطعون ضدهما للتصرف فيه طبقاً لما تأذن به المحكمة الشرعية، وألزمت وزارة الأوقاف بالمصاريف.
استأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر باستئناف طلبت فيه إلغاء الحكم المستأنف والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لعدم الصفة والمصلحة فى رفعها واحتياطياً رفضها لعدم الحق فيها. واستأنف المطعون ضدهما الحكم نفسه أمام محكمة استئناف مصر أيضاً وطلبا فيه تعديل الحكم المستأنف وإلزام الوزارة بأن تسلمهما متجمد الريع البالغ 7960 ج و475 م مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وضم الاستئنافان أحدهما للآخر. وفى 15 من أبريل سنة 1943 قضت محكمة الاستئناف بقبولهما شكلا وفى موضوعهما: أولا - بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة إلى مال البدل المقضى بإيداعه على أن يكون الإيداع على ذمة وقفى شهاب الدين أبى العباس النوبى الأهلى والخيرى. ثانياً - بإلغائه بالنسبة إلى ما قضى به من إيداع فاضل ريع الوقف الخيرى خزانة المحكمة الشرعية وإلزام الوزارة بأن تسلم هذا الفاضل ومقداره 7960 ج و475 م لناظرى الوقف مع مصاريف الدرجتين الخ.
وأعلن هذا الحكم لوزارة الأوقاف فى 13 من يونيه سنة 1945 فطعنت فيه بالنقض الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بشق الدعوى المنصب على طلب فائض الريع أن الحكم المذكور قد أخطأ فى تطبيق القانون وخالف نصوصه فضلاً عن أنه معيب بقصور فى التسبيب. ووجه الخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة نصوصه أن الطاعنة دفعت دعوى المطعون ضدهما بحقها فى أن تستبقى تحت يدها فائض الريع المطالب به، معتمدة فى هذا الحق على أن المادة 39 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف الصادر بها الأمر العالى المؤرخ فى 13 من يوليو سنة 1895 قد نصت على أن لديوان الأوقاف الحق فى أن يطالب ناظر الوقف الخيرى بما يكون قد تجمد تحت يده من فائض الريع إذا خشى عليه منه.
وقالت الطاعنة إنه إذا كان لها بموجب هذا النص أن تطالب الناظر بما فى يده من فائض الريع فإن لها من باب أولى أن تحبس عنه ما تحت يدها هى من هذا الفائض، وكان رد الحكم المطعون فيه على هذا الدفاع أن محل تطبيق المادة السالفة الذكر أن يكون الفائض من الريع تحت يد الناظر لا أن يكون تحت يد الوزارة. وهذا خطأ من الحكم فى فهم مدلول المادة، لأنها وإن لم تتناول الحالة المعروضة بلفظها وعبارتها فقد تناولتها بروحها وفحواها. ثم أضاف الحكم إلى ما تقدم رداً على دفاع الوزارة الطاعنة أنه على فرض انطباق المادة 39 على حالة الدعوى فإنه يشترط لجواز استبقاء الوزارة فائض الريع تحت يدها أن تتحقق الخشية على هذا الفائض إذا ما انتقل إلى يد الناظر، وفى هذا أخطأ الحكم أيضاً لأن الشارع إنما جعل الخشية قيداً على حق الوزارة فى مطالبة ناظر الوقف الخيرى بما تجمد تحت يده من فائض الريع ولم يجعلها قيداً على حقها فى استبقاء ما تحت يدها هى إذا طالبها به الناظر. أما القصور فوجهه أن الحكم المطعون فيه قد ذهب فى نفى الخشية من ناظرى الوقف على المال المطالب به إلى أن الوزارة لم تدل بسبب مقبول يدعو إلى الشك فى أمانة الناظرين المذكورين وإلى أنه لا يكفى لتبرير خشيتها قولها إنهما غير مليئين فى حين أن المحكمة الشرعية أولتهما النظر، وأن الوزارة حاسبتهما على ريع الوقف ولم تدع أنه ظهر من نتيجة الحساب سبب يدعو إلى الشك فى أمانتهما. وهذا الذى قاله الحكم قد قصر عن استعراض دفاع الوزارة والرد عليه.
وحيث إن المادة السادسة والثلاثين من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف التى صدر بها الأمر العالى المؤرخ فى 13 من يوليه سنة 1895 قد نصت على أن "نظار الأوقاف الخيرية المحضة يجرون تقديم حسابات عنها للديوان كل سنة مرة". ونصت المادة السابعة والثلاثون من اللائحة نفسها على أن "من يتأخر من هؤلاء النظار عن تقديم الحساب السنوى للديوان فى المواعيد التى يقررها ينذر إدارياً ويحدد له ميعاد أربعين يوماً، فإذا قدم الحساب المطلوب مرفقاً بالمستندات وثبتت صحته وخلو طرف الناظر يكتفى بذلك. أما إذا تأخر فى تقديم الحساب أو قدمه وتبين منه ما يوجب عزله فيحال ذلك بعد النظر فيه بالمجلس الأعلى على المحكمة الشرعية لإجراء المقتضى له شرعاً". ونصت المادة الثامنة والثلاثون على أنه "متى تقدمت الحسابات المذكورة يجرى تحقيق مبالغ الإيراد والصرف وتراجع تلك المحاسبات على وارد الوقفيات أو صورها الرسمية وبعد أخذ قول مفتى الديوان يتصدق على الحساب، وإن رأى المفتى عدم موافقة الحساب ولم يقتنع الناظر يحال على جهة الاختصاص بعد أخذ رأى المجلس الأعلى". ونصت المادة التاسعة والثلاثون على أنه "إذا تبين من الحسابات المذكورة بقاء شئ طرف النظار من فائض الخيرات فيبقى طرفهم أمانة ما لم يخش عليه منهم. وإلا فيوضع فى خزينة الديوان إدارياً بدون مقابل إلى أن يشترى به ما يستغل أو يحتاج وقفه إليه. وإذا امتنع الناظر عن توريد المتأخر من ذلك لخزينة الديوان ينذر بالدفع فى ظرف عشرة أيام، فإن امتنع أيضاً يحال ذلك بعد النظر فيه بالمجلس الأعلى على المحكمة المختصة لإجراء المقتضى".
وحيث إن ما فرضته هذه المواد من وجوه الرقابة لديوان الأوقاف على شئون الأوقاف الخيرية المحضة دون سواها إنما جاء من الشارع على تقدير أن الاستحقاق فى هذه الأوقاف إنما يجرى على جهات من البر قد لا تجد من يسهر على حقها تحت أيدى النظار كما يسهر المستحقون فى الأوقاف الأهلية على حقوقهم، وعلى تقدير أن ديوان الأوقاف بحكم تكوينه ووظيفته أهل لهذه الرقابة حرى بأن يوجهها إلى ما فيه الخير. وقد حلت وزارة الأوقاف محل الديوان المذكور منذ أنشئت بالأمر العالى المؤرخ فى 20 نوفمبر سنة 1913 فأصبح لها ما له وعليها ما عليه.
وحيث إن علة الحكم المنصوص عليه فى المادة 39 الذى قرر حق وزارة الأوقاف فى مطالبة ناظر الوقف الخيرى بما فى يده من فائض الريع إذا خشى عليه منه، هذه العلة إنما هى حماية هذا الفائض من خطر خيانة الناظر أو عبثه أو إهماله، وإذا كان الشارع قد تصور هذا الخطر والفائض موجود فعلا فى يد الناظر فاحتاط له بما خول الوزارة من حق المطالبة به، فإن داعى الاحتياط يكون أقوى والفائض تحت يد الوزارة ولم تجرب بعد يد الناظر فيه. ولهذا كان لها، من باب أولى، أن تحبس الفائض عنه بشرط الخشية التى هى قيد على حقها فى حبس الفائض كما هى قيد على حقها فى المطالبة به، لأن علة الحقين إنما هى دفع الخطر، ولا خطر إذا لم تتحقق الخشية.
وحيث إنه متى فسرت المادة 39 على هذا النحو تعين القول بأنها إن كانت دالة بلفظها وعبارتها على حق الوزارة فى مطالبة ناظر الوقف الخيرى بالفائض بشرط الخشية فإنها دالة بحكمتها وفحواها على حق الوزارة فى أن تحبس ما تحت يدها هى من هذا الفائض بشرط الخشية أيضاً. ولا يعترض بحق الناظر فى أن يحوز كل ما كان مالا للوقف لأن هذا الحق قد قيده الشارع بالنسبة إلى الأوقاف الخيرية المحضة بما جعل للوزارة على فائض هذه الأوقاف من رعاية مستمدة من نص المادة 39.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بدأ فنفى حق الوزارة فى الاعتراض على تسليم ما فى يدها من فائض الريع للمطعون ضدهما بناءً على ما رآه من عدم انطباق المادة 39 على واقعة الدعوى، وهذا منه - على ما بان مما تقدم - خطأ فى تطبيق القانون ومخالفة لأحكامه - ثم إن الحكم ما لبث حتى قال إنه على فرض تطبيق المادة 39 على حالة الدعوى فإن الوزارة "لم تدل بسبب مقبول يدعو للشك فى أمانة الناظرين. ولا يكفى لتبرير خشيتها من تسليم الفائض لهما مجرد قولها إنهما غير مليئين. فى حين أن المحكمة الشرعية قد أولتهما النظر على أعيان الوقفين الأهلى والخيرى بقرار استأنفته الوزارة طاعنة فى أمانتهما فقضت المحكمة الشرعية العليا برفض استئنافها. واستمرت الوزارة تحاسبهما على ريع الوقف الخيرى بعد ذلك دون أن تبين للمحكمة أنه قد ظهر لها من نتيجة محاسبتهما سبب يدعو للشك فى أمانتهما".
وحيث إنه قد تبين من الاطلاع على مذكرتى الوزارة المقدمتين لمحكمتى الموضوع أنها أدلت بوجوه عدة اعتمدت عليها فى تبرير الخشية التى ادعتها. منها أن حجة الوقف لم تبين مصرفاً معيناً لفائض الريع، وأعيان الوقف ليست فى حاجة إلى تعمير يستنفد المبلغ الضخم المطالب به، بل لم يقم دليل على أنها فى حاجة إلى أى تعمير. ولم يعمل المطعون ضدهما على إبدال هذا المبلغ بعين تلحق بالوقف بل رفضا ما عرضته الوزارة عليهما من شراء ما يستغل. ومنها أن ناظرى الوقف نازعا فى صفة الخيرية المحضة إذ زعما فى مذكرتهما المقدمة إلى محكمة الاستئناف أن الوقف مشترك، وأشارا فى هذه المذكرة ذاتها إلى أن فائض الريع من حق المستحقين فى حين أن الاستحقاق فى الوقف محصور فى مسجد، وأن حجة الوقف خلت من النص على مصرف لفائض الريع، ولا غنى للناظرين فى توجيه هذا الفائض عن الاستعانة برأى من ولاهما النظر. ومع أن الوزارة قد أدلت بهذه الوجوه بياناً لدواعى الخشية التى تساورها فإن المحكمة لم تلق بالاً لأى وجه منها، بل أهملتها كلها وأغفلت الرد عليها، وأقامت حكمها على أن الوزارة لم تدل بسبب يكفى لتبرير خشيتها غير مجرد قولها إن الناظرين غير مليئين. وبذلك يكون قد فات المحكمة أن تستعرض دفاع الوزارة على حقيقته، وأن ترد عليه، فجاء حكمها قاصراً قصوراً يوجب نقضه.
وحيث إن الطعن فيما يتعلق بالشق الثانى من الدعوى المنصب على مال البدل قد انبنى على أن الوزارة دفعت طلب إلزامها بإيداع هذا المبلغ خزانة المحكمة الشرعية بعدم قبوله من حيث الشكل لعدم المصلحة بناءً على أنه لا معنى لنقل المبلغ من خزانة حكومية هى خزانة الوزارة إلى خزانة حكومية أخرى هى خزانة المحكمة الشرعية. ومن حيث الموضوع دفعت الوزارة هذا الطلب بأن أموال البدل بنص المادتين 19 و39 من اللائحة حكمها حكم فائض الريع. ورد الحكم المطعون فيه على ذلك بأن حق الوزارة فى استبقاء مال البدل قد زال عنها بزوال نظرها على الوقف. ولا يفيدها تمسكها بالمادة 19 لأن حكم هذه المادة لا يسرى إلا على الأوقاف التى فى إدارتها، ولا مراء فى مصلحة الناظرين فى طلب إيداع مبلغ البدل خزانة المحكمة الشرعية بعد أن أصبحت الوزارة لا تملك التحدث عن الوقفين. والحكم بهذا (أولا) لم يناقش حق الوزارة فى حفظ مال البدل واستبقائه تأسيساً على المادة 39 باعتبار أن حكمه وحكم فائض الريع سواء. (ثانياً) لم يرد على الدفع بعدم المصلحة إلا بقوله إنه لا مراء فى تحقق هذه المصلحة بعد أن أصبحت الوزارة لا تملك التحدث عن الوقف. وهذا ليس برد إذ هو خلط بين الحق فى الدعوى والمصلحة فى رفعها بينما هما متغايران. وعلى فرض الحقيقة يبقى عدم المصلحة قائماً، بما أن كلتا الخزانتين حكومية، والحكم لم يبين وجه المصلحة فى نقل المبلغ من هنا إلى هناك. ولهذا يكون قد جاء مخالفاً للقانون قاصراً فى التسبيب.
وحيث إنه عن الوجه الأول من هذين الوجهين فإن المادة 39 من لائحة إجراءات ديوان الأوقاف إنما تسلط وزارة الأوقاف على فائض ريع الأوقاف الخيرية المحضة متى تحققت شروط هذا التسلط. أما مال البدل فلا يتناوله نص المادة المذكورة. هذا فضلا عن أن مال البدل موضوع الدعوى ليس حقاً خالصاً للوقف الخيرى، كما يبين من الحكم المطعون فيه الذى قضى بإيداعه خزانة المحكمة الشرعية على ذمة الوقفين الأهلى والخيرى. ولهذا فلا تثريب على محكمة الاستئناف إذ هى لم تناقش ما ادعته الوزارة لنفسها من حق استبقاء هذا المال تحت يدها تأسيساً على المادة 39.
وحيث إنه عن الوجه الثانى فإن الحكم الابتدائى الذى أيد الحكم المطعون فيه قضاءه بالنسبة إلى شق الدعوى المنصب على مال البدل واعتمد أسبابه قد أشار إلى وجه مصلحة المطعون ضدهما فى نقل هذا المال من خزانة وزارة الأوقاف إلى خزانة المحكمة الشرعية إذ قال إن هذه المحكمة هى المختصة بشئون الاستبدال، وإن إيداع المال لديها يسهل للناظرين اتخاذ إجراءات الاستبدال. وفى هذا رد كاف على دفع الدعوى بعدم المصلحة. ولهذا يكون الطعن فى الحكم بالنسبة إلى ما قضى به فى خصوص مال البدل على غير أساس متعين الرفض.