مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 267

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1946

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(117)
القضية رقم 109 سنة 15 القضائية

أ - اختصاص. عمل إدارى. ترخيص وزير المالية بتصدير سلعة تنفيذاً للقانون رقم 98 لسنة 1939. إلغاء هذا الترخيص للاخلال بشرطه. كلاهما عمل إدارى. خضوعهما لرقابة القضاء.
ب - اختصاص. إجراءات إدارية مخالفة للقانون. اختصاص المحاكم بدعاوى المسئولية المدنية المترتبة على ذلك. العبرة فيه بمجرد الادعاء بوقوع المخالفة. وقوع المخالفة بالفعل. شرط للمسئولية. (الفقرة العاشرة من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم)
1 - إن كل إجراء يتخذه أحد رجال السلطة التنفيذية بمقتضى السلطة المخولة له قبل فرد من الأفراد تنفيذاً لقانون من قوانين الدولة هو عمل من أعمال الإدارة التى تخضع لرقابة القضاء فى حدود ما نصت عليه الفقرة العاشرة من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم. فالترخيص الذى يصدره وزير المالية بتصدير سلعة مما حرم القانون رقم 98 لسنة 1939 تصديره إلا بإذن من وزارة المالية، والأمر الصادر بإلغاء هذا الترخيص للاخلال بالشرط الذى صدر بناءً عليه - كلاهما عمل من أعمال الإدارة، وليسا من أعمال السيادة، لأنهما قد أصدرا فى صدد تنفيذ القانون رقم 98 لسنة 1939 السابق الذكر.
2 - إن الفقرة العاشرة من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم قد خولت المحاكم الاختصاص بدعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح. وهذا النص يجعل العبرة فى الاختصاص بمجرد الادعاء بالمخالفة، أما وقوعها فعلا فإنما هو شرط للمسئولية لا للاختصاص [(1)].


الوقائع

فى 26 من ديسمبر سنة 1942 كتب وكيل وزارة المالية إلى الطاعن بأن وزيرها رخص له فى تصدير 150 طناً من بذرة المكانس إلى فلسطين مقابل استيراد كمية من بذور الخضر بضعف القيمة أو مثلها على أن يتم الاستيراد مقدماً. وبعد أن تم استيراد بذور الخضر أخذ الطاعن يصدر بذور المكانس على دفع، وفى الأثناء كان وزير المالية قد اعتمد فى 10 من أغسطس سنة 1943 قراراً من اللجنة التى شكلت لتنظيم التصدير يقضى بأن تراخيص التصدير إنما تعتمد لمدة ثلاثة شهور غير قابلة للتجديد إلا مرة واحدة بمثل المدة. وفى 26 من فبراير سنة 1944 كتب مدير مصلحة الجمارك إلى مدير مكتب تراخيص الإصدار بأنه وقف تصدير عشرة أطنان من بذرة المكانس شحنها الطاعن فى إحدى عربات السكك الحديدية بجمرك القنطرة طالباً رأى المكتب فى السماح بتصديرها. ولما رفع هذا الكتاب إلى وكيل وزارة المالية أصدر أمره فى 9 من مارس سنة 1944 بالترخيص فى تصدير عشرة الأطنان الموقوفة إذا كانت قيمتها مع ما سبق تصديره تساوى قيمة ما استورده من بذور الخضر وبإلغاء الترخيص بتصدير باقى الكمية بعد أن فات وقته منذ صدوره فى سنة 1942. وبسبب تنفيذ هذا الأمر أقام الطاعن على المطعون ضدها الدعوى 2165 سنة 1944 كلى بمحكمة مصر الابتدائية طالباً الحكم أولاً بصفة مستعجلة بندب خبير لإثبات حالة بذرة المكانس المعدة للتصدير وثانياً بإلزام المطعون ضدها بمبلغ 7184 جنيهاً و440 مليماً على سبيل التعويض، ودفعت المطعون ضدها بعدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر هذه الدعوى. وفى 3 من يونيو سنة 1944 أصدرت المحكمة حكماً برفض الدفع وبالاختصاص وبندب أحد الخبراء لإثبات الحالة وعينت للنظر فى الموضوع جلسة 11 من نوفمبر سنة 1944.
استأنفت المطعون ضدها الحكم بالاختصاص طالبة من محكمة استئناف مصر إلغاءه والقضاء بعدم اختصاص المحاكم الوطنية بنظر الدعوى. وفى 28 من مايو سنة 1945 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم الاختصاص.
أعلن الطاعن بهذا الحكم فى 10 من يوليو سنة 1945 فقرر فى 29 منه الطعن فيه الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن الطعن بنى على أربعة أسباب محصل الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ قرر أن شئوون التصدير وإن كانت من أعمال الإدارة فى الأحوال العادية فإنها تعد من أعمال السيادة فى الأحوال الاستثنائية عندما يتعرض أمن الدولة الداخلى وسلامتها للأخطار، فى حين أن العمل الإدارى لا تتغير طبيعته بتغير الظروف. والثانى أنه جاء قاصر الأسباب لأنه لم يبين ما هدد أمن الدولة وسلامتها من أخطار أدت إلى انقلاب الأمر الإدارى إلى عمل من أعمال السيادة. والثالث أن الحكم خالف القانون أيضاً: أولاً - بقوله بأن اختصاص القضاء بدعاوى التعويض المرفوعة على الحكومة بسبب إجراءات إدارية مخالفة للقوانين منوط بتحقيق وقوع المخالفة بحيث يكون الحكم بعدم الاختصاص بمثابة حكم بانتفاء المسئولية فى حين أن المعول عليه عند النظر فى الاختصاص هو تكييف الدعوى دون الخوض فى موضوعها. وثانياًً - بتعرضه للفصل فى موضوع الدعوى فى حين أنه لم يكن مطروحاً على محكمة الاستئناف. والسبب الرابع أن المحكمة أخطأت فى التكييف القانونى للعلاقة التى أنشأها كتاب المالية إلى الطاعن فى 26 من ديسمبر سنة 1942 إذ اعتبرت الترخيص له بالتصدير ومنعه منه عملاً من أعمال السيادة أو الإدارة مع أن الأمر لا يعدو كونه رابطة عقدية نشأت من تعاقد ذى التزامات متبادلة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقيم على أن منع الطاعن من تصدير بقية الكمية من بذرة المكانس التى كان مرخصاً له فى تصديرها - فى الظروف الاستثنائية التى كانت فيها شئون التموين وقت المنع - هو عمل من أعمال السيادة، وأنه على تقدير أن المنع من أعمال الإدارة فإن الترخيص بالتصدير قد فات أوانه، وبذلك يكون المنع غير مخالف للقانون. وشرط اختصاص المحاكم الوطنية بدعاوى التعويض عن أعمال الإدارة هو ثبوت مخالفتها للقانون بحيث يكون الحكم بعدم الاختصاص حكماً بانتفاء المسئولية.
وحيث إن القانون رقم 98 لسنة 1939 حرم تصدير بعض الحاصلات والبضائع ومن بينها بذرة المكانس إلا بترخيص من وزير المالية. وعملاً بهذا القانون رخص الوزير للطاعن فى تصدير 150 طناً من بذرة المكانس على شريطة أن يستورد قبل التصدير كمية من بذور الخضر بضعف قيمة الكمية المرخص فى تصديرها أو بمثلها. ويستفاد من الأمر الصادر من وكيل وزارة المالية بإلغاء الترخيص فيما زاد على ما سبق تصديره مضافاً إليه عشرة الأطنان التى كانت مشحونة فعلاً أن العلة الأساسية للمنع هى أن الترخيص بالتصدير كان مشروطاً بسابقة استيراد قدر من بذور الخضر لا تقل قيمته عما يراد تصديره، وأنه متى بلغت قيمة ما صدر من بذرة المكانس مع العشرة الأطنان التى كانت معدة للتصدير يومئذ قيمة المستورد من بذور الخضر، فإنه يكون من المتعين تنفيذاً لشرط الترخيص منع تصدير ما زاد على هاتين الكميتين. ومن ذلك يبيذن أن الترخيص والمنع إما كانا من وزير المالية ووكيلها وهما بسبيل تنفيذ القانون رقم 98 لسنة 1939، وكل إجراء يتخذه أحد رجال السلطة التنفيذية بمقتضى السلطة المخولة له قبل فرد من الأفراد تنفيذاً لقانون من قوانين الدولة هو عمل من أعمال الإدارة التى تخضع لرقابة القضاء فى حدود ما نصت عليه الفقرة العاشرة من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم. ومن ثم فتكييف الطاعن للترخيص بأنه تعاقد، وتكييف محكمة الموضوع للمنع بأنه عمل من أعمال السيادة، كلاهما خاطئ. وقد ترتب على خطأ المحكمة فى التكييف أنها أخطأت إذ طبقت الفقرة التاسعة من المادة 15.
وحيث إن الفقرة العاشرة من تلك المادة قد خولت المحاكم الاختصاص بدعاوى المسئولية المدنية المرفوعة على الحكومة بسب إجراءات إدارية وقعت مخالفة للقوانين واللوائح، وهذا النص يجعل العبرة فى الاختصاص بمجرد الادعاء بالمخالفة أما وقوعها فعلاً فإنما هو شرط للمسئولية لا للاختصاص. والقول بغير ذلك يؤدى إلى أن المحكمة تفصل فى موضوع الدعوى توسلاً إلى تعرف اختصاصها، مما تنكره البديهة ولا يمكن أن يكون مقصود الشارع.
وحيث إنه لما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه لخطئه فى تطبيق القانون وفى تفسيره. ولما كانت الدعوى بالنسبة إلى الاختصاص صالحة للحكم، وكان الطاعن قد رفعها على الحكومة بتعويض عن إجراء إدارى يدعى مخالفته للقانون، فإن استئناف المطعون ضدها يكون على غير أساس ومن ثم يتعين تأييد الحكم الابتدائى.


[(1)] يراجع أيضاً مع هذا الحكم الصادر فى هذا المعنى المنشور فيما بعد تحت رقم 214.