مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 284

جلسة 2 من يناير سنة 1947

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(129)
القضية رقم 99 سنة 15 القضائية

أ - استبدال الدين. أمر موضوعى.
ب - الشيك. ماهيته. الأوراق المشتبهة بالكمبيالة. حكمها. ورقة مستحقة الدفع فى تاريخ معين بالذات. خلوها من ذكر وصول القيمة. لا تعد شيكا، ولا كمبيالة، ولا سنداً إذنياً تجارياً. لا يسرى عليها حكم ضمان الوفاء بالتضامن.
(المواد 191 و198 تجارى و337 ع)
1 - إن وقوع استبدال الدين أمر موضوعى يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيه. فمتى كانت الأسباب التى أقامت المحكمة عليها حكمها بحصول انقضاء الدين القديم وإبداله بدين جديد على شخص آخر من شأنها أن تؤدى إلى القول بذلك فلا تجوز إثارة الجدل حوله أمام محكمة النقض.
2 - الشيك هو أداة وفاء يقوم فيه الورق مقام النقد. ومن ثم وجب أن يكون مستحق الدفع لدى الاطلاع. وهو هو المعبر عنه فى المادة 191 من قانون التجارة بالحوالة المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع عليها، والذى جاءت المادة 337 من قانون العقوبات حماية لصاحب الحق فيه. فإن كانت الورقة الموصوفة بأنها شيك غير واجبة الدفع لدى الاطلاع فهى لا تعد شيكاً ولا يسرى عليها حكم الشيك فى القانون.
والأوراق المشتبهة بالكمبيالة - ولكن لا تعد كمبيالة لعيب فيها - حكمها أنها إن كانت مستوفية العناصر اللازمة لذلك كانت سندات عادية خاضعة لأحكام القانون المدنى، إلا أن تكون صادرة بين تجار أو لأعمال تجارية فإنها حينئذ تعتبر أوراقاً تجارية طبقاً للمادة 198 من قانون التجارة، أى تجرى عليها أحكام القواعد العامة للأوراق التجارية، مثل سريان التقادم الخمسى والتداول بطريق التظهير وعدم الاحتجاج على حاملها بالدفوع التى للمدين على المظهرين السابقين، دون الأحكام الأخرى للكمبيالة مثل عمل البروتستو وضمان الوفاء بطريق التضامن فى حق ساحبها والمسحوب عليه والمحيل وما لحاملها من الحقوق وما عليه من الواجبات... إلخ فهذه كلها خاصة بالكمبيالة الصحيحة.
فإذا كانت الورقة محل الدعوى - الموصوفة بأنها شيك - مستحقة الدفع لا عند الاطلاع بل فى يوم معين بالذات، وكانت كذلك خالية من ذكر وصول القيمة، فإنها لا تعد شيكاً فى حكم القانون، كما لا يمكن عدها كمبيالة ولا سنداً إذنياً تجارياً، ولذلك فلا يسرى عليها حكم ضمان الوفاء بالتضامن بين الساحب والمحيل.


الوقائع

تتحصل وقائع الطعن فى أن الطاعن رفع الدعوى رقم 1381 سنة 1943 كلى أمام محكمة مصر الابتدائية وقال فى صحيفتها المعلنة فى 23 من يناير و3 من فبراير سنة 1943 إنه بعقد رسمى محرر فى 30 من مارس سنة 1939 باع للمدعى عليه الأول فى الطعن أطياناً زراعية بثمن دفع أغلبه نقداً وبعضه تعهد المشترى بدفعه إلى البنك المرتهن والباقى وقدره 455 جنيهاً مضموناً بحق امتياز البائع يستحق الدفع فى 31 من ديسمبر سنة 1949 مع فوائده بسعر 7% وحررت به كمبيالة بمبلغ 479 ج و418 م. ونص فى العقد على أنه إذا دفع المشترى 239 ج و418 م فى ميعاد الاستحقاق المذكور يؤجل الباقى إلى 30 من يونيه سنة 1940 وتحرر كمبيالة أخرى وترد الأولى إلى المشترى، كما نص على اعتبار الكمبيالتين جزءاً من الثمن - وقد دفع المشترى مبلغ 239 ج و418 م بموجب شيكين صادرين من الشيخ حسن محمد نصار لأمر الطاعن، واسترد المشترى الكمبيالة بعد أن كتب على نفسه كمبيالة أخرى بمبلغ 248 ج و400 م مستحقة فى 30 من يونيه سنة 1940 - وفى 15 من أغسطس سنة 1940 عملت محاسبة بين البائع والمشترى أثبت فى ورقتها أن الباقى من الثمن وفوائده هو 266 ج و841 م دفع منه نقداً 46 ج و841 م يوم تحرير ورقة المحاسبة وأن الباقى وقدره 320 جنيهاً حررت به خمسة شيكات مستحقة الدفع فى مواعيد معينة متتابعة صادرة من الشيخ حسن محمد نصار لأمر محمد بحيرى حلاوة أفندى الذى حولها إلى حسن بك نافع فحولها إلى الطاعن. وكتب الشيخ حسن محمد نصار على ظهر ورقة المحاسبة بعلمه بتحويل الشيكات إلى الطاعن وقبوله دفع قيمتها إليه فى مواعيدها، وقد سلم الطاعن لمحمد بحيرى حلاوة أفندى الكمبيالة التى مبلغها 239 ج و418 م مؤشراً عليها بالدفع وتعهد له بشطب امتياز البائع على الأطيان المبيعة وتم ذلك كله يوم 15 من أغسطس سنة 1940 وقال الطاعن إن الشيخ حسن محمد نصار لم يدفع بعد ذلك إلا مبلغ الشيك الأول المستحق فى 25 من سبتمبر سنة 1940 وقدره 50 جنيهاً وامتنع عن دفع باقى الشيكات محتجاً بخلاف بينه وبين محمد بحيرى حلاوة أفندى. ولما كانت قيمة الشيكات الباقية بلا دفع هى 277 ج و542 م فهو يطلب إلزام المدعى عليهما فى الطعن متضامنين بالمبلغ المذكور وبفوائده من يوم المطالبة الرسمية حتى الوفاء مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وفى جلسة 15 من ديسمبر سنة 1943 وجه الشيخ حسن محمد نصار دعوى ضمان إلى محمد بحيرى حلاوة أفندى طالباً الحكم عليه بما عساه أن يحكم عليه هو للطاعن. وفى 10 من مايو سنة 1944 قضت المحكمة أولاً بإلزام الشيخ حسن محمد نصار المدعى عليه الثانى بأن يدفع إلى الطاعن مبلغ 277 ج و 542 م مع الفوائد بسعر 5% من تاريخ المطالبة الرسمية الحاصلة فى 7 من فبراير سنة 1943 حتى الوفاء مع المصاريف و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة، ثانياً برفض دعوى الطاعن قبل محمد بحيرى حلاوة أفندى المدعى عليه الأول، ثالثاً بعدم قبول دعوى الضمان الموجهة من الشيخ حسن محمد نصار إلى محمد بحيرى حلاوة أفندى.
وفى 21 من نوفمبر سنة 1944 رفع الطاعن استئنافاً عن هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر وطلب إلزام محمد بحيرى حلاوة بالتضامن مع حسن محمد نصار بأن يدفعا إليه مبلغ 277 ج و542 م مع فوائده بسعر 7% من يوم رفع الدعوى فى 23 من يناير سنة 1943 حتى تمام الوفاء والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وفى 15 من أبريل سنة 1945 قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من سعر الفائدة وجعله 7% سنوياً وبتأييد الحكم المذكور فيما عدا ذلك وألزمت الطاعن بالمصاريف الخ. الخ.
وفى 11 من يوليو سنة 1945 طعن محامى الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض الخ. الخ.


المحكمة

ومن حيث إن السبب الأول يتحصل فى أن المحكمة إذ قضت برفض دعوى الطاعن قبل المدعى عليه الأول فى الطعن أخطأت فى تطبيق القانون على الاتفاق الحاصل بينهما فى 15 من أغسطس سنة 1940 الذى حررت بموجبه الشيكات موضوع الدعوى فقد اعتبرته استبدالاً للدين فى حين أنه ليس كذلك.
وحيث إن، الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قال فى صدد ما يثيره الطاعن: "إن المدعى لما استكتب المدعى عليه الأول كمبيالتين بباقى الثمن المستحق له ذكر فى ذات العقد أن الكمبيالتين المذكورتين ليستا ديناً مستقلاً عن العقد بل إنهما جزء من ثمن الأطيان المبيعة وبذا ظهرت النية فى ذلك الحين بنفى التجديد، ولكن عند المحاسبة التى حصلت بينهما فى 15 من أغسطس سنة 1940 قبل المدعى شخصاً آخر هو حسن محمد نصار مكان المدين فى أداء المتأخر من الأقساط، وحرر هذا الشخص الآخر شيكات على نفسه برصيد الدين، واقترن ذلك كله بإقرار المدعى بأنه سلم الكمبيالة للمدعى عليه الأول مؤشراً عليها بالسداد، وقد سلمها له فعلاً فى نفس اليوم، وإقراره بأن قسط الرهن أصبح مسدداً وجميع ذلك فى مقابل المبلغ الذى دفع نقداً مضافاً إليه الشيكات المذكورة، كما اقترن كذلك بتعهد من جانب المدعى فى نفس اليوم بأن يشطب امتياز البائع المحفوظ بمقتضى العقد الرسمى بما يقابل المبلغ الذى تم سداده على الوجه الموضح آنفاً. وكل هذا يدل بوضوح لا لبس فيه على نية التجديد بإنهاء الدين القديم وإبداله بدين جديد على مدين آخر". ولما كان استبدال الدين أمراً موضوعياً يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيه، ولما كانت تلك الأسباب التى أقامت عليها المحكمة قضاءها بحصول الاستبدال من شأنها أن تؤدى إلى القول به فلا محل للمجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض.
ومن حيث إن السبب الآخر يتحصل فى أن المحكمة أخطأت كذلك فى تطبيق أحكام المواد 117 و137 و134 و135 من القانون التجارى على الشيكات موضوع الدعوى والتى هى بمثابة كمبيالات تسرى عليها أحكام الكمبيالة ومنها التضامن فى الوفاء فى حق ساحبها ومحيلها، فقالت المحكمة بأنها ليست كمبيالات بل سندات إذنية تعتبر تجارية فى حق الساحب ومدنية فى حق المحيل، وبناءً على هذا التكييف الخاطئ طبقت فى دعوى الطاعن على المحيل قواعد الحوالة المدنية ورفضتها.
ومن حيث إن الشيك هو فى عرف القانون أداة وفاء يقوم فيه الورق مقام النقد. ومن ثم وجب أن يكون مستحق الدفع لدى الاطلاع، وهو المعبر عنه فى المادة 191 من قانون التجارة بالحوالة المستحقة الدفع بمجرد الاطلاع عليها، وجاءت المادة 337 من قانون العقوبات حماية لصاحب الحق فيه. فإن كانت الورقة الموصوفة بأنها شيك غير واجبة الدفع لدى الاطلاع فلا تعد شيكاً ولا يسرى عليها حكم الشيك فى القانون.
ومن حيث إن الأوراق - المشتبهة بالكمبيالة ولكن لا تعد كمبيالة لعوار فيها - حكمها أنها إن كانت مستوفية العناصر اللازمة لذلك تكون سندات عادية خاضعة لأحكام القانون المدنى إلا أن تكون صادرة بين تجار أو لأعمال تجارية فإنها حينئذ تعتبر أوراقاً تجارية طبقاً للمادة 108 من قانون التجارة، أى تجرى عليها أحكام القواعد العامة للأوراق التجارية مثل سريان التقادم الخمسى والتداول بطريق التظهير وعدم الاحتجاج على حاملها بالدفوع التى للمدين على المظهرين السابقين، دون الأحكام الأخرى للكمبيالة مثل عمل البروتستو وضمان الوفاء بطريق التضامن فى حق ساحبها والمسحوب عليه والمحيل وما لحاملها من الحقوق وما عليه من الواجبات... الخ فإنها خاصة بالكمبيالة الصحيحة، ولا يمكن بداهة أن تسرى على تلك الأوراق التى ليست كمبيالات فى عرف القانون.
ومن حيث إن الشيكات موضوع الدعوى كلها مستحق الدفع، لا عند الاطلاع، بل فى يوم معين بالذات، فهى ليست شيكات فى حكم القانون. ثم إنها وإن كانت مشتبهة بالكمبيالة فإنها لخلوها من ذكر وصول القيمة لا يمكن عدها كمبيالات، خلافاً لزعم الطاعن، ولا سندات إذنية تجارية، كما قالت المحكمة، ومن ثم لا يسرى عليها حكم ضمان الوفاء بالتضامن، ولا أى حكم آخر من أحكام الكمبيالة الصحيحة.
وحيث إنه متى كان ذلك كذلك فإن المحكمة إذ قالت بأن الشيكات موضوع الدعوى ليست كمبيالات، ولم تجر عليها أحكام الكمبيالة، ورفضت دعوى ضمان التضامن المرفوعة من الطاعن، تكون لم تخالف القانون. ولا عبرة بما استطردت إليه وأخطأت فيه من القول باعتبار تلك الشيكات سندات إذنية، فإن هذا الخطأ غير مؤثر فى سلامة الحكم.