مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 299

جلسة 16 من يناير سنة 1947

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

(139)
القضية رقم 15 سنة 16 القضائية

مسئولية مدنية. البضاعة التى تنقلها مصلحة السكك الحديدية. ضمانها. شرط تحديده. متى يكون أساسه أجرة النقل؟ بضاعة لها سعر رسمى. الضمان يكون على أساس هذا السعر. مثال. سكر.
إن النص فى المادة الخامسة من تذكرة النقل (بوليصة الشحن) على اعتبار أجرة النقل هى المقياس الذى تقاس به القيمة التى تضمنها مصلحة السكك الحديدية عند نقل البضائع قد قصد به تفادى الخلاف على تعرف القيمة الفعلية للبضاعة فى الأحوال التى يمكن أن يكون ذلك مثاراً للخلاف. فإذا كانت البضاعة لها سعر رسمى - كالسكر - فإن حكمها يكون حكم الأقطان والغلال ومثلها، مما نصت المادة السادسة على استثنائه من القاعدة العامة المتقدمة الذكر، ويكون الضمان على أساس ذلك السعر.


الوقائع

فى 24 من فبراير سنة 1943 تعاقدت شركة السكر مع المطعون ضدهما الثانى والثالث على أن ترسل إليهما على دفعات ماية وستين طناً من السكر ليبيعاها لتجار التجزئة بمدينة ملوى بالسعر الذى تحدده الحكومة. وفى 7 من يوليه سنة 1943 وتنفيذاً لهذا العقد عهدت شركة السكر إلى مصلحة السكك الحديدية فى نقل عشرة آلاف كيلو من السكر من محطة الفاوريقات إلى محطة أتليدم التى اتفق على أن يتسلم فيها المطعون ضدهما الثانى والثالث ما يرسل لهما من السكر بعد دفع قيمته مقدماً فى فرع الشركة بأبى قرقاص. وبينما كان القطار الذى به السكر فى محطة المنيا فى طريقه إلى محطة أتليدم شبت نار فى العربة التى كان السكر فيها فاحترق. ولما كان المطعون ضدهما الثانى والثالث قد دفعا إلى فرع شركة السكر بأبى قرقاص مبلغ 462 ج و190 م ثمناً للسكر، فقد أقاما أمام محكمة المنيا الكلية دعوى تقيدت بجدولها تحت رقم 2 سنة 1944 على وزارة المواصلات وعلى الطاعن بصفته مديراً لشركة السكر طلبا فيها إلزامهما متضامنين بأن يدفعا لهما مبلغ 462 ج و190 م قيمة ثمن السكر ومبلغ ماية جنيه تعويضاً مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
دفعت وزارة المواصلات هذه الدعوى بأنه لا علاقة لها بالمدعيين وإنما علاقتها بشركة السكر على اعتبار أن الشركة قد أرسلت السكر منها إليهما فكانت هى وحدها التى تملك الرجوع على الوزارة، وهى فى هذا الرجوع مقيدة بالشروط المدونة بتذكرة النقل (بوليصة الشحن) ومقتضى هذه الشروط أن يكون التعويض الواجب دفعه إذا تلفت البضاعة أثناء النقل مبلغ 250 ج و660 م فقط.
وحال نظر الدعوى وجه الطاعن دعوى ضمان إلى وزارة المواصلات طلب فيها الحكم بإلزامها بما قد يحكم به عليه للمطعون ضدهما الثانى والثالث.
وفى 23 من يناير سنة 1944 قضت محكمة المنيا أولا بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهما الثانى والثالث مبلغ 500 ج والمصاريف المناسبة وخمسماية قرش مقابل أتعاب محاماة وشملت الحكم بالنفاذ بالنسبة إلى 462 ج و190 م. ثانياً بإلزام المطعون ضدها الأولى بأن تدفع للطاعن مبلغ 462 ج و190 م والمصاريف المناسبة وثلاثماية قرش مقابل أتعاب محاماة. ثالثاً برفض ما خالف ذلك من الطلبات. وقد استأنفت وزارة المواصلات هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر وطلبت قبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف ورفض دعوى المدعيين فيما زاد على مبلغ 250 ج و740 م مع إلزام الطاعن بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. وبعد أن حضر الاستئناف وأحيل على المرافعة رفع الطاعن فى جلسة 13/ 3/ 1945 استئنافاً فرعياً ضد وزارة المواصلات طلب فيه إلزامها بأن تدفع له مبلغ 37 ج و810 م قيمة ما لم تحكم له به محكمة أول درجة مع إلزام الوزارة بالمصاريف والأتعاب. وفى 31 من أكتوبر سنة 1945 قضت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئنافين الأصلى والفرعى شكلاً وفى موضوع الاستئناف الأصلى بتعديل الحكم المستأنف وإلزام وزارة المواصلات بأن تدفع للطاعن مبلغ 250ج و740 م مع إلزامه بجميع المصاريف عن الدرجتين، وفى موضوع الاستئناف الفرعى برفضه وإلزام رافعه بالمصاريف وستماية قرش مقابل أتعاب محاماة.
وأعلن هذا الحكم للطاعن فى 26 من ديسمبر سنة 1945 فطعن فيه بالنقض الخ الخ.


المحكمة

وحيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه مع تقريره مسئولية وزارة المواصلات عن احتراق السكر الذى عهد فى نقله إلى مصلحة السكك الحديدية فإنه لم يلزمها إلا ببعض قيمته اعتماداً على أن تذكرة النقل (بوليصة الشحن) التى هى أساس التعاقد بين الطاعن وبين مصلحة السكك الحديدية لا تجعل هذه المصلحة ضامنة للقيمة الحقيقية للبضاعة المنقولة بل لقيمة تراعى فى تقديرها الدرجة التى على أساسها حددت أجرة النقل. ويقول الطاعن إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب هذا المذهب قد خالف نصوص تذكرة النقل ذاتها، لأن هذه النصوص أخرجت من حكم تلك القاعدة التى طبقها الحكم ما كان من البضائع ذا سعر رسمى فى بورصة مينا البصل بالإسكندرية مثل الأقطان والغلال. ولما كان سعر السكر محدداً بأوامر تصدرها وزارة التموين فإنه يكون مستثنى هو أيضاً من أحكام هذه القاعدة، ومن ثم كان تطبيقها عليه - على خلاف ما يقضى به عقد النقل - مخالفاً حكم القانون.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قصر ضمان وزارة المواصلات على ما هو دون القيمة الحقيقية للسكر الذى تلف استند إلى المادة الخامسة من تذكرة النقل وهى تنص على أن "مصلحة سكة الحديد لا تسأل إلا عن قيمة البضاعة الحقيقية بشرط أن التعويض الذى يدفع لا يتجاوز فى أى حال من الأحوال الحدود القصوى المبينة بعد وهى المقررة على أساس وزن البضائع والدرجة التى قدرت عليها الأجرة فعلا".
وحيث إن المادة السادسة تنص على أنه "يستثنى من القاعدة أعلاه البضائع التى لها أسعار رسمية فى بورصة مينا البصل بالإسكندرية مثل الأقطان وبذرة الأقطان والغلال.. إلخ فالتعويض المستحق عن هذه البضائع لا يتجاوز متوسط سعر الصنف المماثل لمرتبة ذات البضاعة ويؤخذ هذا المتوسط عن مدة الأسبوع الذى يحصل فيه النقل، وإذا تعذر إثبات مرتبة هذا الصنف يؤخذ متوسط أسعار جميع مراتب ذات الصنف حسبما كانت هذه الأسعار فى البورصة". ونصت المادة السابعة على أنه "فى جميع الأحوال لا يدفع أكثر من قيمة البضاعة الحقيقية".
وحيث إنه مع عدم التعرض للبحث فى صحة أو بطلان شرط تحديد المسئولية إذ لا يقتضيه الفصل فى الدعوى فإن المستفاد من مجموع النصوص التى سلف إيرادها أن مصلحة السكك الحديدية مع تقديرها لمسئوليتها عن قيمة التالف مما تنقله رأت أن تعرف القيمة الفعلية قد يكون مثاراً لخلاف بينها وبين عملائها فجعلت أجرة النقل مقياساً تقاس به القيمة التى تضمنها تفادياً لهذا الخلاف، ولما كانت البضائع التى لها سعر رسمى لا تحتمل خلافاً فى تقويمها فقد قبلت المصلحة أن يكون ضمانها على أساس هذا السعر. ولما كان السكر فى الوقت الذى وقع فيه الحادث موضوع هذه الدعوى ذا سعر رسمى كان حكمه حكم الأقطان والغلال المنصوص عليهما فى المادة السادسة، وكان متعيناً على المحكمة أن تجرى عليه حكم هذه المادة. أما إذ هى لم تفعل فإن حكمها يكون قد خالف القانون.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم فيها.
وحيث إن الحكم المستأنف قد أصاب إذ اعتمد على المادة السادسة من تعريفة النقل وألزم وزارة المواصلات بقيمة السكر التالف على أساس سعره الرسمى ومن ثم فقد وجب تأييده.