مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة النقض والإبرام فى المواد المدنية - وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الخامس (عن المدة من 22 نوفمبر سنة 1945 لغاية 9 يونيه سنة 1949) - صـ 441

جلسة 22 من مايو سنة 1947

برياسة حضرة جندى عبد الملك بك وكيل المحكمة وحضور حضرات: محمد المفتى الجزايرلى بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك ومحمد صادق فهمى بك المستشارين.

(205)
القضية رقم 52 سنة 16 القضائية

أ - وكالة. أجرها. حق المحكمة فى تعديله بالزيادة. (المادة 514 مدنى)
ب - نقض. سبب جديد للطعن. لا يقبل الاحتجاج بعدم قبول طلب جديد أمام محكمة الاستئناف. لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض لأول مرة.
1 - إن المادة 514 من القانون المدنى [(1)] قد أتت بنص مطلق من أى قيد شامل بحكم عمومه لطرفى الاتفاق كليهما ولكل تعديل فى الأجر المتفق عليه سواء بالحط منه أو برفعه. فهى تحمى الموكل من الأجر الباهظ كى تحمى الوكيل من الأجر الواكس.
وليس يحد من عموم هذه المادة ما جاء بالمادة 44 من قانون المحاماة رقم 98 لسنة 1944 التى لا تجعل مجلس النقابة مختصاً بتقدير الأتعاب إلا فى حالة عدم الاتفاق عليها، فإن محل تطبيق المادة 44 هذه أن تكون الأتعاب غير متفق عليها، أما المادة 514 فمحلها الاتفاق على الأتعاب. ومتى كان مجال تطبيق كل من المادتين مختلفاً فلا يستقيم القول بأن أولاهما تخصص عموم الثانية.
2 - لا يقبل من أسباب الطعن بالنقض ما يثير به الطاعن دفاعاً متعلقاً بأمر موضوعى لم يثبت أنه أبداه أمام محكمة الموضوع. وعلى ذلك فإذا لم يثبت الطاعن أنه احتج أمام محكمة الاستئناف بعدم قبول طلب جديد أبداه خصمه أمامها، وهو جعل المدينين متضامنين فى الدين المطلوب، فلا يجوز له الطعن فى حكمها بمقولة إنه قضى فى طلب لم يسبق عرضه على محكمة الدرجة الأولى [(2)].


الوقائع

رفع المطعون ضده الدعوى رقم 3533 سنة 1944 كلى لدى محكمة مصر الابتدائية على الطاعنين وقال بورقة افتتاحها المعلنة فى 18 و21 و22 من يونيه سنة 1944 إن الطاعن الأول عن نفسه وعن باقى الطاعنين وكله فى ثلاثة استئنافات بمحكمة استئناف مصر، وإنه لما التمس الطاعن من مجلس نقابة المحامين تقدير أتعابه فيها دفع الطاعنون بعدم اختصاص المجلس بزعم أن هناك اتفاقاً كتابياً على الأتعاب، ولذلك فهو يطلب الحكم على الطاعن الأول فى مواجهة الباقين بإلزامه بأن يدفع إليه مبلغ 5000 ج قيمة أتعابه مع الفوائد والمصاريف. وفى جلسة 12 من أبريل سنة 1945 طلب أن يقضى له بطلباته على الطاعن الأول وحده أو على الطاعنين جميعاً وأسند دعواه إلى المادة 514 من القانون المدنى. وفى 12 من يونيه سنة 1945 قضت المحكمة بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا إلى المطعون ضده مبلغ 300 ج والمصاريف المناسبة و500 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وفى 9 و12 من أغسطس سنة 1945 رفع المطعون ضده استئنافاً عن هذا الحكم لدى محكمة استئناف مصر قيد برقم 977 سنة 62 القضائية طالباً تعديله وإلزام الطاعنين متضامنين بأن يدفعوا إليه مبلغ 5000 ج وفوائده والمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين وفى 20 من أغسطس سنة 1945 رفع الطاعنون استئنافاً عن الحكم كذلك قيد برقم 1106 سنة 62 القضائية طالبين إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وفى جلسة التحضير المنعقدة فى 20 من أكتوبر سنة 1945 تقرر ضم الاستئنافين أحدهما إلى الآخر وأحيلا على المرافعة. وفى جلسة المرافعة الأخيرة أصر كل طرف على الطلبات الواردة فى ورقة استئنافه مع رفض استئناف الطرف الآخر. وفى 14 من يناير سنة 1946 قضت المحكمة فى موضوع الاستئناف رقم 1106 سنة 62 القضائية برفضه وإلزام رافعيه بمصاريفه وفى موضوع الاستئناف رقم 977 سنة 62 القضائية بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام الطاعنين بأن يدفعوا إلى المطعون ضده مبلغ 700 ج والمصاريف المناسبة لذلك عن الدرجتين و1000 قرش أتعاب محاماة عنهما على أن يكون الطاعن الأول متضامناً مع باقى الطاعنين فى دفع ما حكم به ورفضت ما غاير ذلك من الطلبات.
وفى 15 من أبريل سنة 1946 طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض طالبين نقضه وأصلياً رفض دعوى المطعون ضده واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد الخ الخ.


المحكمة

ومن حيث إنه (الطعن) بنى على ثلاثة أسباب:
ومن حيث إن السبب الأول يتلخص فى أن الحكم أخطأ فى تطبيق المادة 514 من القانون المدنى إذ قال بأن الموكل والوكيل كليهما يستفيدان من حكمها فى حين أنها لم توضع إلا لفائدة الموكل وحده كما هو مستفاد من الرجوع إلى مصدرها. ذلك أن هذه المادة لا مقابل لها فى القانون الفرنسى فكان مصدرها الفقه والقضاء فى فرنسا وهما مستقران على حق المحاكم فى تعديل أتعاب الوكيل بالنقص لمصلحة الموكل وحده. ويؤيد هذا النظر أن المادة 44 من قانون المحاماة لا تجعل مجلس النقابة مختصاً بتقدير الأتعاب إلا فى حالة عدم الاتفاق عليها ومقتضى ذلك احترام مقدار الأتعاب المتفق عليها، فهذه المادة يجب اعتبارها مفسرة للمادة 514 المذكورة أو معدلة لها فى حق المحامى.
وحيث إنه بالرغم من أن القانون المدنى الفرنسى لم ينص على حق القاضى فى تعديل الأجر المتفق عليه فى عقد الوكالة فان المحاكم هناك جرت دائماً على أن الأجر الباهظ يجوز لها إنقاصه، وكانت فيما قبل تعلل ذلك الخروج على أصل أن العقد قانون العاقدين بمجانية التوكيل إلا أن هذا التعليل كان مردوداً بأن القانون لا يعتبر التوكيل بلا مقابل إلا إذا لم يوجد شرط مخالف فعدلت المحاكم عن تعليل قضائها مكتفية باعتباره مبدأ مقرراً. وقد اختلف الفقهاء فيه فانتقدته كثرتهم وحبذه بعضهم بمقولة إنه وإن لم يكن له أساس من القانون فهو مستند إلى العدالة فوكلاء الأعمال كثيراً ما يستغلون عدم دراية المتعاملين معهم أو ضيقاً واقعاً بهم لاشتراط أتعاب باهظة لهم. وإذ كان الحال كذلك فى فرنسا من قضاء المحاكم واختلاف الفقه إذا بالشارع المصرى يقرر وجهة نظره فى المسألة فى المادة 514 من القانون المدنى بنص مطلق من أى قيد شامل بحكم عمومه لطرفى الاتفاق كليهما ولكل تعديل فى الأجر المتفق عليه سواء بالحط منه أو برفعه، مما يفيد أن الشارع المصرى لم يكتف بالأخذ بقضاء المحاكم الفرنسية بل تمشى مع منطق هذا القضاء إلى غايته الطبيعية، فحمى الموكل من الأجر الباهظ وكذلك حمى الوكيل من الأجر الواكس، فهذا الأجر قد يبين فيما بعد أنه لا يناسب أهمية العمل الذى قام به فعلا ولا مقدار المجهود الذى بذله فيه، وإن صلح الغبن سببا لتعديل الأجر المتفق عليه فى حالة وقوعه للموكل فلا وجه لعدم صلاحيته لذلك فى حالة وقوعه للوكيل، بل الطبيعى أنه متى اعتبر فى إحدى الحالتين اعتبر أيضاً فى الأخرى. بذلك كان القانون المصرى منصفاً لكلا الطرفين عادلاً حق الوكيل بحق الموكل.
وحيث إن ما يزعمه الطاعنون من أثر المادة 44 من قانون المحاماة فى الحد من عموم المادة 514 مردود بأن محل تطبيق المادة 44 المذكورة أن تكون الأتعاب غير متفق عليها أما المادة 514 فحملها الاتفاق على الأتعاب ومتى كان مجال المادتين مختلفاً فلا يستقيم القول بأن أولاهما تخصص عموم الأخرى، ومن ثم كان هذا السبب من الطعن مرفوضاً.
وحيث إن السبب الثانى يتلخص فى أن الحكم إذ قال بأن ورقة 5 من يونيو سنة 1942 تفيد تسلم المطعون ضده مبلغاً تحت حساب أتعابه كما يدعى المطعون ضده وليست اتفاقاً على كل الأتعاب كما يدعى الطاعنون جاء مشوباً بالقصور فى التسبيب وماسخاً لمدلول عبارة الورقة ومخالفاً لقواعد الإثبات ومتناقض الأسباب.
وحيث إن هذا السبب عقيم لا جدوى فيه للطاعنين إذ أن الحكم مقام على أساس سليم هو حق المحكمة فى تعديل الأتعاب المتفق عليها طبقاً للمادة 514 من القانون المدنى، فلا يضير الحكم بعد ذلك أن يكون قد أخطأ فى حكمه على ورقة 5 من يونيو سنة 1942 متى كان للمحكمة دائماً الحق فى تقدير الأتعاب حسبما تراه حتى لو أن تلك الورقة كانت على ما يرى الطاعنون اتفاقاً على كامل مبلغها.
وحيث إن السبب الثالث يتلخص فى أن الحكم أثبت أن الدعوى رفعت بطلب الحكم على الطاعن الأول فى مواجهة باقى الطاعنين، ثم فى غيبة من عدا الطاعن الأول عدلت الطلبات إلى الحكم على جميع الطاعنين وصدر الحكم الابتدائى عليهم جميعاً، ثم فى الاستئناف وجه المطعون ضده طلباته إلى جميع الطاعنين متضامنين وصدر الحكم المطعون فيه بإلزامهم جميعاً بالمبلغ المحكوم به على أن يكون الطاعن الأول متضامناً مع الباقين فى دفعه. والحكم إذ قضى بذلك التضامن قد أخطأ لأن التضامن لم يطلب أمام محكمة أول درجة.
وحيث إن هذا السبب مردود بأن الطاعنين لم يقدموا ما يثبت أن ما يثيرونه به وهو أمر موضوعى كانوا قد أثاروه أمام محكمة الموضوع.


[(1)] تقابلها فى القانون الجديد الفقرة الثانية من المادة 709 وهى تنص على أنه "إذا اتفق على أجر للوكالة كان هذا الأجر خاضعاً لتقدير القاضى" ثم تستثنى حالة ما يكون الأجر قد "دفع طوعاً بعد تنفيذ الوكالة".
[(2)] يؤكد هذا الحكم ما جرى عليه القضاء من أن القاعدة فى عدم جواز إبداء الطلبات الجديدة أمام محكمة الدرجة الثانية لا تتعلق بالنظام العام، فان لم يتمسك بها الخصم الذى وجه إليه الطلب فلا تقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها.