مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 664

(69)
جلسة 18 من فبراير سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى، عبد الستار عبد الباقي آدم، محمد طاهر عبد الحميد، يوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 1309 لسنة 12 القضائية

استيلاء. الاستيلاء على العقارات. قرار إداري. عيب الانحراف بالسلطة. ثبوت أن الباعث على إصدار قرار الاستيلاء على العقار بطريق التنفيذ المباشر هو الرغبة في تعطيل تنفيذ حكم صادر بإخلاء العقار المطلوب الاستيلاء عليه - تصالح المحكوم لصالحه مع جهة الإدارة على النزول عن حكم الإخلاء وصدور قرار الاستيلاء رغم ذلك - مؤدى ذلك أن قرار الاستيلاء كان مقصوداً به تمكين الإدارة من التحلل من الأجرة الباهظة التي اضطرت إلى قبولها في الظروف التي تم التعاقد فيها - بطلان قرار الاستيلاء.
إن الباعث الذي حفز محافظة الشرقية بادي الرأي على السعي في استصدار القرار المطعون فيه هو الحكم الصادر بإخلائها من المبنى المطلوب الاستيلاء عليه وقصدها من ذلك هو تعطيل تنفيذ هذا الحكم إلا أنه بعد تمام الصلح بينها وبين المدعي تحول هذا القصد إلى مجرد الرغبة في التنصل من شروط عقد إيجار رأتها مجحفة بها لما انطوى عليه من مغالاة في الأجرة التي التزمت بها وهذا الذي استهدفته محافظة الشرقية أولاً وأخيراً لا جدال في أنه لم يكن قصداً مشروعاً للقرار الإداري بعامة - وهو لا يتغيا إلا المصلحة العامة - ولا لقرار الاستيلاء بخاصة، وهو لا يتخذ إلا لتحقيق الأغراض المحددة المبينة في القانون رقم 577 لسنة 1954 المنظم للاستيلاء المؤقت على العقارات، وليس من بينها ما قصدت المحافظة إلى إصابته من وراء قرار الاستيلاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 784 لسنة 20 ق أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت سكرتيرية تلك المحكمة في 6/ 2/ 1966 طلب فيها أولاً: وبصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر في 10/ 11/ 1965 من السيد رئيس الوزراء بالاستيلاء على العقار رقم 15 شارع أحمد حلمي بشبرا. ثانياً: بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وذلك تأسيساً على أنه لم يصدر بباعث من المصلحة العامة إنما صدر في الحقيقة.. انتقاماً من المدعي لأنه لجأ إلى القضاء المستعجل وحصل على حكم منه بجلسة 10/ 6/ 1965 بإخلاء محافظة الشرقية التي صدر قرار الاستيلاء لصالحها من العين المستولى عليها والتي كانت تستأجر جزءاً منها، ويقول المدعي أنه رغم تصالحه مع المحافظة وتنازله عن هذا الحكم فقد استصدرت القرار المطعون فيه دون ما سبب يبرره أو يتطلب استصداره وقد ردت الإدارة على الدعوى بأن القرار صدر للأسباب الواردة بالمذكرة الإيضاحية المرافقة له وهي تقدم سبباً قانونياً مبرراً لاستصداره ومن ثم لا وجه للطعن عليه وطلبت من أجل ذلك رفض الدعوى بشقيها. وبجلسة 7/ 6/ 1966 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى قاضياً "برفض طلب وقف تنفيذ القرار الصادر من رئيس الوزراء رقم 4451 لسنة 1965 بتاريخ 10 نوفمبر سنة 1965 بالاستيلاء على العقار رقم 15 شارع أحمد حلمي وإلزام المدعي مصروفات هذا الطلب. ثانياً: بإلغاء القرار سالف الذكر وإلزام الحكومة مصروفات هذا الطلب.. وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يبين من صورة المذكرة الإيضاحية للقرار المطعون فيه أن القرار استند إلى أن المدعي يؤجر لمحافظة الشرقية من الباطن 22 غرفة مفروشة من العقار المستولى عليه بإيجار باهظ مبلغ 132 جنيهاً لا يتناسب مع القيمة الإيجارية للمبنى الذي يستأجره المدعي من البطريركية مبلغ 50 جنيهاً، كما استند القرار أيضاً إلى أن المدعي استصدر حكماً من محكمة الأمور المستعجلة بطرد المحافظة من العقار وتسليمه إليه وأن هذا الحكم واجب النفاذ وأنه من غير المتيسر في الوقت الحاضر تدبير سكن للطالبات المغتربات من أبناء المحافظة اللائي يقمن بالعقار.. ولما كان الثابت من الأوراق أن المحافظة كانت تستأجر من المدعي جزءاً من المبنى المستولى عليه لسكن طالبات محافظة الشرقية المغتربات اللائي يدرسن بجامعات القاهرة ومعاهدها العليا. وأنه قام نزاع بين المدعي والمحافظة لجأ يسببه المدعي إلى القضاء واستصدر حكماً في الدعوى رقم 1712 لسنة 1965 مستعجل القاهرة بطرد المستأجرة وتسليم العين إليه وقد تصالح الطرفان بعد ذلك بموجب محضر صلح مؤرخ 8 أغسطس سنة 1965 تنازل فيه المدعي عن الحكم الصادر لصالحه.. ودفعت المحافظة إليه مبلغ 574 جنيهاً و300 مليم، فإنه يتضح من ذلك أن خطر طرد الطالبات من المبنى المستولى عليه قد زال واستقر لمحافظة الشرقية الحق في البقاء بالعين ومن ثم يكون هذا الشق من أسباب القرار المطعون فيه غير قائم، ولا يبقى من أسبابه سوى ارتفاع القيمة الإيجارية للمبنى وهذا السبب لا يصلح بدوره مبرراً للاستيلاء لأن محافظة الشرقية سبق أن ارتضتها ولذلك يكون القرار غير قائم على سبب صحيح ويقع بذلك مخالفاً للقانون مستوجب الإلغاء، على أنها بالنسبة لطلب وقف التنفيذ فقد جاء بأسباب الحكم أن المحكمة وإن انتهت إلى القضاء بإلغاء القرار إلا أنه لن يترتب على تنفيذه حتى يصبح الحكم جائز النفاذ بفوات مواعيد الطعن عليه دون طعن أو بصدور حكم المحكمة العليا برفض الطعن أن طعن فيه، أية أضرار غير متعذر تداركها وتنتفي لذلك حالة الاستعجال المبررة لوقف تنفيذه مؤقتاً مما يتعين معه رفض طلب وقف التنفيذ وانتهت المحكمة بالبناء على ما تقدم إلى الحكم برفض طلب وقف التنفيذ وثانياً بإلغاء القرار المطعون فيه. وقد طعنت الحكومة في الشق الثاني من الحكم فيما قضى به من إلغاء القرار وطلبت الحكم بإلغاء هذا الشق من الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب المدعي إلغاء القرار المطعون فيه وإلزامه بالمصروفات وأقامت طعنها على أن المحكمة لم تضع في اعتبارها حينما تناولت بعض ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقرار أن المحافظة حين ارتضت التعاقد مع المدعي على استئجار بعض غرف العقار المستولى عليه بإيجار باهظ كانت أمام ظروف ملحة وعاجلة نظراً لقرب مواعيد الدراسة ولعدم وجود مساكن خالية واضطرارها لتهيئة سكن للطالبات المغتربات من المحافظات اللائي يدرسن في جامعات القاهرة ومعاهدها العليا، أنها لم تراع الظروف التي أملت عليها إجراء الصلح، ولم تستشف المحكمة من هذه المذكرة مقدار ما لاقته من متاعب من جانب المطعون ضده. ويكون الحكم إذ أغفل كل ذلك قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه بتقصي المراحل التي مرت بها هذه المنازعة حتى صدر القرار المطعون فيه بالاستيلاء على العقار الذي يستأجره المدعي يتبين أنها حسبما استظهرته المذكرة الإيضاحية للقرار المذكور تتلخص في أن المدعي السيد/ لبيب توفيق تاوضروس استأجر المبنى رقم 15 بشارع أنسى بشبرا بالقاهرة بإيجار شهري قدره خمسون جنيهاً من بطريركية الأقباط الكاثوليك بالقاهرة مالكة المبنى ورغبة من محافظة الشرقية في تهيئة سكن لطالبات المحافظة المغتربات اللائي يدرسن بجامعات القاهرة ومعاهدها العليا استأجرت جناحاً مفروشاً من هذا المبنى من باطن المستأجر السيد/ لبيب توفيق تاوضرورس ويتكون هذا الجناح من اثنين وعشرين غرفة وذلك بإيجار شهري باهظ قدره 132 جنيهاً اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1964 وهو إيجار لا يتناسب مع القيمة الإيجارية للمبنى ولا مع المفروشات التي وضعها المؤجر من الباطن السيد/ لبيب توفيق.. أما باقي المبنى فيشغل السيد/ لبيب جزءاً منه ويؤجر جزءاً آخر مفروشاً لطالبات أخريات، ونظراً إلى أن المبنى عندما تسلمته المحافظة لم يكن مهيئاً للانتفاع به وكان يفتقر إلى إصلاحات وترميمات حتى يصبح صالحاً للانتفاع به، وبناء على طلب المؤجر من الباطن السيد/ لبيب توفيق وبعد موافقته بعد أن تعذر عليه إعداد المبنى للانتفاع به.. قامت محافظة الشرقية بوساطة مديرية الإسكان والمرافق بإجراء الترميمات والإصلاحات اللازمة ليصبح المبنى صالحاً للغرض الذي استؤجر من أجله وقدرت هذه التكاليف بمبلغ 620 جنيهاً و400 مليم أخطر بها المؤجر وقامت المحافظة بصرف باقي الأجرة المستحقة بعد خصم هذه التكاليف إلا أن المؤجر لم يوافق على ذلك ورفض تحمل هذه المصاريف وأقام دعوى الطرد رقم 1713 لسنة 1965 مستعجل القاهرة ضد محافظة الشرقية وبجلسة 30/ 6/ 1965 قضت المحكمة حضورياً بطرد المحافظة وتسليم العين بمفروشاتها إلى المدعي مع إلزام المحافظة بالمصروفات وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وذلك تأسيساً على أن المحافظة قصرت في الوفاء بالأجرة، وكان أن استشكلت المحافظة في تنفيذ الحكم وطعنت فيه بالاستئناف ولما كان هذا الحكم واجب النفاذ لصدوره في مادة مستعجلة وقد يصعب على المحافظة تدبير سكن عاجل لطالبات المحافظة وضماناً لنجاح مشروع إسكان الطالبات المغتربات الذي تتبناه المحافظة، وبعد موافقة بطريركية الأقباط الكاثوليك بالقاهرة المالكة للمبنى طلبت المحافظة الاستيلاء على المبنى على أن يحتفظ للبطريركية بالمدخل والغرف التابعة له وعلى أن تقوم المحافظة بإسكان الطالبات الأخريات من غير محافظة الشرقية اللائي تقمن في الغرف التي يستأجرنها من السيد/ لبيب توفيق بذات شروط الإيجار المتفق عليها بينهن وبين المؤجر من الباطن السيد/ لبيب توفيق، وكان بعد أن وافق السيد محافظ القاهرة - باعتبار أن العقار المطلوب الاستيلاء عليه لصالح محافظة الشرقية يقع بدائرة محافظة القاهرة وبناء على التفويض الصادر إلى السيد رئيس الوزراء في مباشرة الاختصاصات المخولة للسيد رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون رقم 252 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض الأحكام الخاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة والاستيلاء على العقارات أصدر السيد رئيس الوزراء في 10 نوفمبر سنة 1965 القرار رقم 4452 لسنة 1965 ناصاً في مادته الأولى على أن يستولى.. بطريق التنفيذ المباشر ومؤقتاً لصالح محافظة الشرقية على المبنى رقم 15 بشارع أحمد حلمي (أنيس سابقاً) والمملوك لبطريركية الأقباط الكاثوليك.. بالقاهرة فيما عدا المدخل والغرف التي تشغلها البطريركية ليكون سكناً لطالبات محافظة الشرقية المغتربات الدارسات بجامعة القاهرة ومعاهدها العليا وذلك لمدة ثلاث سنوات.
ومن حيث إنه يبين واضحاً مما تقدم أن الباعث الذي حفز محافظة الشرقية بادي الرأي على السعي في استصدار القرار المطعون فيه هو الحكم الصادر بإخلائها من المبنى المطلوب الاستيلاء عليه وقصدها من ذلك هو تعطيل تنفيذ هذا الحكم إلا أنه بعد تمام الصلح بينها وبين المدعي تحول هذا القصد إلى مجرد الرغبة في التنصل من شروط عقد إيجار رأتها مجحفة بها لما انطوت عليه من مغالاة في الأجرة التي التزمت بها وهذا الذي استهدفته محافظة الشرقية أولاً وأخيراً لا جدال في أنه لم يكن قصداً مشروعاً للقرار الإداري بعامة - وهو لا يتغيا إلا المصلحة العامة - ولا لقرار الاستيلاء بخاصة، وهو لا يتخذ إلا لتحقيق الأغراض المحددة المبينة في القانون رقم 577 لسنة 1954 المنظم للاستيلاء المؤقت على العقارات وليس من بينها ما قصدت المحافظة إلى إصابته من وراء قرار الاستيلاء.
ومن حيث إن المدعي فضلاً عن أنه لم يفكر إطلاقاً في طرد الطالبات اللائي يقمن بالعقار.. قد بادر وقبل أن ينقضي أسبوع على طلب المحافظة استصدار القرار المطعون فيه بالتصالح على النزول عن الحكم الصادر لصالحه في مقابل تحمل المحافظة بعض نفقات الإصلاح يبد أن المحافظة بدلاً من أن تعدل عما انعقد عليه عزمها مضت في السير بالإجراءات التي بدأتها إلى غايتها، الأمر الذي ينبئ حسبما يستشف من المذكرة التي رفعتها في هذا الشأن بأنها إنما كانت تقصد في الحقيقة من وراء قرار الاستيلاء إلى التنصل من بعض شروط عقد الإيجار المبرم بينها وبين المدعي وبالذات وعلى وجه التحديد التحقق من التزامها بدفع القيمة الإيجارية المتفق عليها فيما بينها وتلك غاية تنأى بها عن الأغراض التي استهدفها قانون نزع الملكية والاستيلاء على العقارات، ذلك أن سلطة الاستيلاء المؤقت على العقارات إنما شرعت طبقاً لنص المادة 17 من القانون رقم 577 لسنة 1954 - الذي صدر القرار المطعون فيه بالاستناد إليه - لمواجهة حالة الاستعجال أو حالة الطوارئ أو إذا كان العقار لازماً لخدمة مشروع ذي نفع عام، وليس كذلك الحال إذا كان المقصود.. بالاستيلاء هو مجرد تحقيق مصلحة مالية بحتة وتنحصر في التوصل إلى خفض القيمة الإيجارية المتفق عليها في عقد الإيجار بين المحافظة والمدعي وهذا القصد يمكن استخلاصه باطمئنان من الملابسات التي سلف بيانها عند استعراض المراحل التي سبقت استصدار القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن ملابسات صدور القرار المطعون فيه لم يكن القصد منها توفير الاستقرار للطالبات وتجنبهن التشريد المترتب على إخلاء العقار المستولى عليه، ذلك لأن قرار الاستيلاء إنما صدر بعد إتمام الصلح بين المؤجر من الباطن والمحافظة وكان مقصوداً به تمكين محافظة الشرقية ورفع ظلم مالي ظنته حائقاً بها من جراء الأجرة الباهظة التي اضطرت إلى قبولها في الظروف الدقيقة التي تم فيها تعاقدها على استئجار المبنى موضوع القرار المطعون فيه. وهذا القصد السافر المستفاد من ملابسات الدعوى - وبعد أن زالت أسباب التهديد لراحة الطالبات اللائي يسكن العقار المستولى عليه - لا شبهة في أنه يصم قرار الاستيلاء بعيب الانحراف بالسلطة ويفضى من ثم إلى بطلانه وترتب على ذلك أن قرار الاستيلاء الصادر بقصد تحقيق هذه الغاية المالية المحددة - وهي حماية موارد المحافظة - يكون باطلاً حقيقاً بالإلغاء وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة، فإنه يكون قد صادف الحق فيما انتهى إليه في الموضوع ويتعين من أجل ذلك رفض الطعن مع إلزام الحكومة بالمصروفات وغنى عن البيان أن الحكم المطعون فيه في شقه المستعجل يسقط بصدور الحكم النهائي في الموضوع.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.