مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 721

(78)
جلسة 4 من مارس سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضيتان رقما 1141 لسنة 11 و297 لسنة 12 القضائية

( أ ) دعوى. "دعوى الإلغاء. وقف التنفيذ واستمرار صرف المرتب". الطعن في الحكم الصادر باستمرار المرتب - طلب الحكم بسقوط الطعن فيه استناداً إلى صدور الحكم الموضوعي بإلغاء قرار الفصل - على غير أساس ما دام الحكم الأخير لم يصبح نهائياً [(1)].
(ب) - دعوى. "دعوى الإلغاء. وقف التنفيذ واستمرار صرف المرتب". موظف. "مرتب".
طلب صرف مرتب بصفة مستعجلة - ركناه - الأول قيام الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار الصادر بوقف الموظف أو فصله نتائج يتعذر تداركها - الركن الثاني يتصل بالمشروعية بأن يكون الطلب قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية - مثال.
(جـ) موقف. "تأديب. جزاء تأديبي".
سلطة جهة التأديب في تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها - مناط مشروعية هذه السلطة - ألا يشوب استعمالها غلو.
1 - أن طلب الحكم بسقوط الطعن في الحكم الصادر في طلب استمرار صرف المرتبات استناداً إلى صدور الحكم الموضوعي بإلغاء قرار الفصل - هذا الطلب لا يقوم على أساس سليم إذ أنه ما دام الحكم بالإلغاء لم يصبح نهائياً بعد لقيام الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا فإنه يظل غير قابل للتنفيذ حتى يفصل في الطعن المذكور وذلك وفقاً لأحكام المادة 15 من قانون ملس الدولة رقم 55 لسنة 1959 التي تنص على أنه (لا يجوز تنفيذ الحكم قبل فوات ميعاد الطعن ويترتب على رفعه وقف تنفيذ الحكم وذلك فيما عدا أحكام المحاكم التأديبية أو الأحكام الصادرة بالتطبيق للمادة 21 فتكون واجبة التنفيذ إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء بغير ذلك) ومن ثم فالحكم الصادر وفقاً لأحكام المادة المشار إليها باستمرار صرف مرتب المدعي يظل قائماً ونافذاً ومنتجاً لأثره حتى تأمر حتى دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذه أو حتى يفصل في الطعن في الحكم الصادر بالإلغاء - وبناء على ذلك فإن مجرد حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار الصادر بإنهاء عمل المدعي لا يترتب عليه سقوط طعن الجهة الإدارية في الحكم الصادر باستمرار صرف مرتبه.
2 - إنه وفقاً لأحكام المادة 21 من القانون رقم 55 لسنة 1959 يتعين أن يقوم طلب استمرار صرف المرتب على ركنين:
الأول: قيام الاستعجال ومقتضاه أن يترتب على تنفيذ القرار الصادر بوقف الموظف أو فصله نتائج يتعذر تداركها وقد عالج القانون الاستعجال في هذه الحالة لا بوقف تنفيذ القرار ذاته ولكن بعلاج استحدثه قدر فيه الضرورة بقدرها وذلك بإجازة القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه حتى لا ينقطع عن الموظف مورد الرزق الذي يقيم الأود إن كان المرتب هو هذا المورد - والواقع من الأمر أن القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه لا يعدو أن يكون وقفاً لتنفيذ كل أو بعض الآثار المالية المترتبة على القرار الصادر بالفصل أو بالوقف بالقدر الذي تقتضيه إقامة أود الموظفون ومواجهة حالة الفاقة التي يتعرض لها نتيجة لحرمانه من مرتبه وذلك بصفة مؤقتة حتى يقضي في دعوى الإلغاء.
أما الركن الثاني: فيتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية وكلا الركنين هي الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
3 - أنه ولئن كان للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك - إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره - فتقدير الجزاء المشوب بالغلو يخرج من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة القضاء الإداري.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 8 من مارس سنة 1964 أقام السيد/ إبراهيم حجاج الدعوى رقم 483 لسنة 18 القضائية ضد وزارة الإرشاد القومي والمؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى طلب فيها الحكم:
أولاً: وبصفة مستعجلة باستمرار صرف مرتبه كله ابتداء من تاريخ فصله في 16 من أكتوبر سنة 1963 وشهراً بشهر حتى صدور الحكم بإلغاء قرار الفصل وإعادته للعمل.
وثانياً: بإلغاء القرار الصادر من المؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد القومي في 16 من أكتوبر سنة 1963 فيما تضمنه من إنهاء عمله لدى الفرقة القومية للفنون الشعبية التابعة للمؤسسة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال بياناً لدعواه أنه فوجئ بكتاب موصى عليه بعلم الوصول مؤرخ في 16 من أكتوبر سنة 1963 من رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى يتضمن أنه بناء على التحقيق الذي تم بالمؤسسة قد تقرر إنهاء عمله لدى الفرقة القومية للفنون الشعبية - فتظلم من هذا القرار بتظلم مؤرخ في 11 من ديسمبر سنة 1963 ولكنه لم يتلق رداً عليه - وذكر أن أسباب طعنه على القرار هي:
أولاً: أن التحقيق قد جرى من جهة محايدة فيكون الإجراء الذي ترتب عليه باطلاً لبطلان التحقيق الذي بنت عليه المؤسسة قرارها.
وثانياً: أن القرار مشوب بإساءة استعمال السلطة إذ أنه بعد أن بذل جهوداً مضنية في المهرجان الدولي للفنون الشعبية الذي عقد في تونس ابتداء من 17 حتى 24 من أغسطس سنة 1963 وبعد أن نجحت فرقته العربية وكانت أولى الفرق الشعبية وحصلت على الجائزة كان جزاؤه بعد العودة إلى الوطن هو صدور قرار بفصله.
وثالثاً: أنه ما تخلف عن إحدى الحفلات الإضافية إلا لمرضه إذ دهمته نوبة شديدة نتيجة لمشاق الرحلة والإرهاق اليومي ومرضه بالكبد وقد دلل على حسن نيته بالاشتراك في الحفلتين التاليتين بعد أن استرد بعض صحته تنفيذاً لرغبة إدارة الفرقة في إقامة تلك الحفلات التي لا يعلم عنها شيئاً والتي سخرت فيها الفرقة الرسمية للدولة في إقامة حفلات تجارية لحساب متعهد تونسي وحققت أرباحاً طائلة لا يعرف حسابها ومصيرها.
ورابعاً: أنه يدل على التعسف ما سبق قرار الفصل من تصرفات هي الامتناع عن صرف ما يستحقه عن بعض مؤلفاته الموسيقية ورفض إدراج اسمه في إعلانات الفرقة كما يدل عليه أيضاً أن اثنين آخرين من العازفين قد تخلفا عن ذات الحفلة واقتصر جزاؤهما على خصم أيام قليلة من المرتب - وأنه بعد فصله حرم من العمل في الإذاعة والتليفزيون - وبذلك يكون قرار الفصل في غير محله ومخالفاً للقانون ومشوباً بإساءة استعمال السلطة فيحق له طلب إلغائه وطلب الحكم بصفة مستعجلة بصرف مرتبه نظراً لظروفه ولتوافر عنصر الاستعجال.
وبجلسة 30 من يونيو سنة 1965 قضت محكمة القضاء الإداري باستمرار صرف مرتب المدعي وإلزام الجهة الإدارية بمصروفات هذا الطلب وذلك تأسيساً على أن ركن الاستعجال متوافر ما دام الراتب هو الذي يقيم أود المدعي وهو أساس معيشته ولا يمنع من توافر هذا الركن حصول المدعي أحياناً على بعض المال عن أعمال عرضية يقوم بها خارج عمله بالفرقة كما أن ادعاءه يقوم بحسب الظاهر على أسباب جدية تحمل على ترجيح إلغاء القرار ذلك أن المخالفة التي نسبت إليه وصدر القرار بإنهاء خدمته بسببها هي تغييبه عن قيادة الاوركستر في حلقة أقيمت بمدينة قرطاجة بتونس في 25 من أغسطس سنة 1963 بعد ختام المهرجان وقد برر تخلفه عن هذه الحفلة بسبب الإرهاق الشديد الذي انتابه عقب سهرة مع الفرقة ليلة اختتام المهرجان وسفره لمدة خمس ساعات متوالية في ظروف قاسية فتعذر عليه حضور هذه الحفلة لاستغراقه في النوم حتى صباح اليوم التالي - وقد حضر المدعي جميع حفلات المهرجان وبذل جهداً مضنياً رغم نقص العازفين بالفرقة حتى حصلت على الجائزة بالمهرجان وحضر الحفلات التالية للحفلة التي تغيب فيها والتي أقيمت لحساب أحد المتعهدين التونسيين - وقد أقيمت تلك الحفلة بعد ختام المهرجان وبعد سهر عدة ليال متواصلة أعقبه سفر طويل مرهق للوصول إلى مدينة قرطاجة التي أقيمت فيها وكان المدعي يشكو صحياً لإصابته بمرض المرارة والكبد كما هو ثابت من الشهادة الطبية المقدمة منه - أما الفضائح والمخازي التي نسبت إلى بعض أفراد الفرقة والتي جرى عنها تحقيق فلا شأن للمدعي بها ولم ينسب إليه شيء منها وكان من الواجب مساءلة إداري ومشرفي الفرقة لتهاويهم في مراقبة سلوك أفراد الفرقة مما يدل على أن إقامة حفلاتها لم تكن تسير وفقاً لنظام محكم سليم وقد اكتفت الجهة الإدارية بتوقيع جزاء بخصم خمسة أيام من مرتب العازفين اللذين تغيبا مع المدعي عن حضور حفلة 25 من أغسطس سنة 1963 واعتبرت ذلك جزاء كافياً لهذه المخالفة وكون المدعي رئيساً للاوركستر لا يدعو للمفارقة الجسيمة وتوقيع جزاء الفصل فيتضح من حيث الظاهر أن هناك غلواً من الجهة الإدارية في إصدار القرار المطعون فيه الذي لا يتناسب البتة ودرجة خطورة الذنب الإداري الذي وقع من المدعي في تلك الظروف والملابسات التي صاحبته مما يرجح معه إلغاء القرار فيحق إجابة المدعي إلى طلبه استمرار صرف مرتبه ولا محل لما جاء بمذكرة الجهة الإدارية من أنه كان يمكنها إنهاء عقد عمل المدعي في أي وقت بمقتضى إعلان كتابي قبل إنهاء العقد بشهر ذلك لأن إنهاء خدمة المدعي كان للمخالفة التي نسبت إليه.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في موضوع الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة المدعى عليها بالمصروفات.
وبعد أن قدم كل من الطرفين مذكرة بدفاعه قضت المحكمة بجلسة 17 من نوفمبر سنة 1965 بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وذلك تأسيساً على أسباب مماثلة للأسباب التي قضت على أساسها باستمرار صرف مرتب المدعى.
ومن حيث إن الطعن في الحكم الصادر باستمرار صرف مرتب المدعي يقوم على أن هذا الحكم قد أخطأ إذا اعتبر راتب المدعي هو مورد رزقه الوحيد وإذ وصف ما يقوم به من أعمال منذ فصله بأنها أعمال عارضة لا تقيم أوده وذلك بالمخالفة لما قرره هو في صحيفة دعواه وفي مذكراته من أنه حين وافق على تعيينه لقيادة أوركسترا الفرقة لدى إنشائها ضحى بما كان يدره عليه نشاطه الفني في شتى المجالات من مال وفير مما يقطع بأنه ليس في حاجة ماسة إلى مرتبه وأن هذا المرتب ليس مورد رزقه الوحيد - يؤكد ذلك حصوله بالفعل على ثمانمائة جنيه خلال عام 1964 من الإدارة العامة للتليفزيون مقابل توزيع موسيقي بعض التمثيليات وهو يعادل ثلثي مرتبه السنوي الذي كان يتقاضاه من الفرقة والبالغ مائة جنيه شهرياً وذلك يلقي الضوء على مدى ما يدره عليه نشاطه بعد فصله - كما يقوم الطعن في هذا الحكم وفي الحكم الصادر بإلغاء قرار الفصل على أن المحكمة قد تجاوزت حدود الرقابة المقررة للقضاء الإداري على القرارات التأديبية والتي تجد حدها الطبيعي في مراقبة صحة قيام الوقائع وصحة تكييفها القانوني والتحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها - إذ بسطت المحكمة رقابتها على تقدير جهة الإدارة لمدى أهمية الذنب الإداري والخطورة الناجمة عنه وتناسب ذلك مع الجزاء الموقع عليه والمخالفة المنسوبة إلى المدعي والتي انتهت بقرار فصله هي تخلفه وامتناعه عن قيادة أوركستر الفرقة يوم 25 من أغسطس سنة 1963 أثناء قيام الفرقة بإحياء إحدى حفلتين بناء على طلب وزير الثقافة التونسي وموافقة هيئة الإذاعة والمسرح على إقامتها خارج برنامج المهرجان وهي مخالفة عمدية ثابتة في حقه من التحقيق الذي أجرى معه بل ومن أقواله هو فلم يثبت أن تخلفه عن العمل في هذه الحفلة كان راجعاً إلى مرضه وإرهاقه إذ ثبت من التحقيق عدم صحة ذلك وإنه لم يعثر على المدعي في الفندق وقت الحفلة واستعان مدير الفرقة بالبوليس التونسي الذي بحث عنه ولم يعثر عليه إذ كان قد بيت النية على الامتناع عن العمل وتخريب الحفلة فترك الفندق ولم يخبر أحداً بمكانه حتى لا يستطيع أحد العثور عليه - أما ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري من أن الجزاء الموقع لا يتناسب مع الذنب الإداري المنسوب إليه بمقولة أن الجهة الإدارية أوقعت جزاء بالخصم خمسة أيام من مرتب اثنين من العازفين تغيباً أيضاً عن ذات الحفلة فلذلك يعتبر تدخلاً في سلطة الإدارة التقديرية فضلاً عن أنه لا يتفق مع الواقع إذ الأمر يختلف بين وضع المدعي وبين وضع هذين العازفين فهو قائد الاوركستر وامتناعه عن العمل يؤدي إلى عجز الفرقة كلها عن العمل وهو ما حدث إذ ظلت الفرقة عاجزة عن القيام بدورها في الحفل وظل المسئولون يؤجلون موعد عرضها على أمل العثور على المدعي وفي اللحظة الأخيرة حل محله أحد العازفين وقدمت الفرقة عرضاً سيئاً وهذا لم يكن ليترتب على تغيب العازفين الآخرين اللذين لم يثبت أن تغيبهما كان عمدياً.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها في الطعنين انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم في الطعن رقم 1141 لسنة 11 القضائية بسقوطه واعتباره كأن لم يكن وفي الطعن رقم 297 لسنة 12 القضائية بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة المصاريف وذلك تأسيساً على أن الحكم الصادر في طلب استمرار صرف مرتب المدعي قد سقط بصدور الحكم الموضوعي بإلغاء قرار الفصل وقيام الطعن في هذا الحكم الأخير أمام المحكمة الإدارية العليا وأن الحكم بإلغاء قرار الفصل صحيح للأسباب التي قام عليها.
ومن حيث إن الطاعنين قد تقدما بمذكرة طلبا فيها إلغاء الحكمين المطعون فيهما والحكم:
أولاً: وأصلياً ببطلان صحيفة الدعوى.
وثانياً: واحتياطياً برفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
- وأقاما الدفع ببطلان صحيفة الدعوى على أنها قد وجهت إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي والمؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى دون أن يذكر المدعي فيها الممثل القانوني للشخص العام الذي يقوم بإعلانه ومن ثم فإنه يكون قد أغفل ذكر بيان جوهري يترتب عليه بطلان صحيفة الدعوى وبالتالي بطلان الحكم الذي بني عليها - وردد الطاعنان ما تضمنه تقرير الطعن في شأن حدود الرقابة المقررة للقضاء الإداري على القرارات التأديبية وفي شأن ثبوت ارتكاب المدعي عمداً للمخالفة المسندة إليه وأشارا إلى أقوال الشهود الذين سمعوا في التحقيق في هذا الشأن وإلى أقوال نفس المدعي وأضافا أن الشهادة الطبية التي تقدم بها لا تفيد أنه كان مريضاً في اليوم الذي تخلف فيه عن الاشتراك في إحياء الحفلة.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على الطعن وعلى مذكرة الطاعنين بمذكرة قال فيها أنه لم يسبق لهما إبداء الدفع ببطلان صحيفة الدعوى خلال ثلاث سنوات أمام محكمة القضاء الإداري ولا في صحيفة الطعن الأمر الذي يسقط معه الحق في إبداء هذا الدفع بعد التعرض للموضوع وذلك فضلاً عن أنه حدد في الصحيفة لوزارة المطعون ضدها الأولى والمؤسسة المطعون ضدها الثانية مما ينتفي معه أي تجهيل أو بطلان جوهري كما أن مصلحتهما في الدفع منعدمة إذ أن ممثلهما حضر في الدعوى وأبدى دفاعه فيها - وأشار المدعي إلى المبدأ الذي استقر عليه القضاء الإداري في شأن مراقبة القرارات التأديبية من حيث الملاءمة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره - وذكر أنه هو وحده الذي نأى عن كل ما هو منسوب إلى أفراد الفرقة من الانحلال والفساد وأنه الذي انتهى الأمر بفصله وأن تقرير نائب مدير الشئون القانونية في 29 من سبتمبر سنة 1963 قد كشف عن انصراف الإداريين والمشرفين عن مقتضيات واجباتهم وانعدام الانسجام والتوافق الاجتماعي بينهم وبين أعضاء الفرقة فضلاً عن تصرفات أفراد الفريق الفاضحة في الوقت الذي انتهى عليه التقرير إلى أن تخلف المدعي وقد وقع في حفلة واحدة فلم يكن وليد العمد أو سوء النية بل كانت تحيط به الملابسات وتبرره أسباب اقتنعت الإدارة بوجاهتها فيما جاء في تقرير المحقق والتي تنحصر في إصابته بنوبة شديدة من الإعياء استحال معها عليه العمل فقد قام بأعباء عمله على خير وجه طيلة حفلات المهرجان التي استمرت من 17 إلى 24 من أغسطس سنة 1963 حتى إذا ما أتم عمله في هذا اليوم الأخير وحقق لبلاده النصر بفوز الفرقة بالجائزة الثالثة حتى فوجئ بإضافة حفلة خارجة عن البرنامج المقرر للمهرجان في اليوم التالي وفي بلدة أخرى تبعد خمس ساعات سفر بالسيارة وقد صدع بالأمر فاستيقظ مبكراً بعد سهر طويل امتد حتى الساعة الثالثة صباحاً وظل مع أفراد الفرقة في انتظار السيارات التي تأخرت عن موعدها مما أدى إلى وصولهم في ساعة متأخرة لم يتسن له معها الحصول على حاجته من الراحة والنوم وعند وصوله إلى الفندق سقط من الإعياء والإرهاق مريضاً متعباً وأصابته بنوبة مرضية لأنه يشكو من مرض مزمن بالمرارة والكبد - وذلك فضلاً عن أن لتخلفه في مثل هذه الظروف ما يبرره لأن عمله كقائد أوركستر يتطلب الوقوف المستمر والتركيز العصبي وما كان ليتوانى عن القيام بواجبات عمله لو استطاع إليه سبيلاً لو أن إدارة الفرقة عنيت بأمره فأوفدت من لدنها إلى الفندق من يقوم على إسعافه بالعلاج غير أن الثابت من التحقيقات أن أياً من الإداريين لم يكلف نفسه مشقة التوجه إلى الفندق وهو لا يبعد سوى دقائق عن مقر عمل الفرقة أما ما جاء في التحقيقات من الاتصال بالفندق تليفونياً فهو تجهيل لا يعول عليه ولم يقم دليل على هذا الاتصال كما أنه ثابت من أقوال الشهود أن أمر إقامة الحفلة لم يكن مقطوعاً وقد قام شقيقه بقيادة الفرقة ونجحت الحفلة وحققت إيراداً طيباً كما اشترك هو في الحفلتين التاليتين مما تنتفي معه فكرة التخلف العمد أو التمرد ولم تسأله إدارة الفرقة في حينه أو توجه إليه إنذاراً مما يكشف عن أن عذره كان معروفاً لها مقبولاً لديها - وأضاف أن عمل قائد الاوركستر عمل فني دقيق وهو مدير فني يملك التقدير بالنسبة لملاءمات هذا العمل بحيث لا يسوغ التعسف في إجباره على الاضطلاع بأعباء عمله في الوقت الذي يستشعر في نفسه أنه عاجز صحياً أو نفسياً لأسباب طارئة عن أداء هذا العمل بحيث لا يطمئن إلى القيام به على النحو اللائق فنياً وإلا اختل العمل الفني بين يديه فتخلفه الاضطراري لا يمكن أن يصور بأنه عمل تخريبي وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بسقوط الطعن رقم 1141 لسنة 11 القضائية وبرفض الطعن رقم 279 لسنة 12 القضائية وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن دفع وزارة الثقافة والمؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى ببطلان صحيفة الدعوى يقوم على أن المدعي قد وجه دعواه إلى الوزارة والمؤسسة دون أن يذكر في صيغتها الممثل القانوني لكل منهما فيكون قد أغفل ذكر بيان جوهري يترتب عليه بطلان الصحيفة وبطلان الحكم لأنه بني على إجراءات باطلة وذلك وفقاً لأحكام المواد 10، 14، 24 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الدعوى قد وجهت إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي وإلى المؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى دون أن يبين فيها الممثل القانوني لكل منهما - وقد مثلت هاتان الجهتان في الدعوى وأودعتا مستنداتهما وأبدتا دفاعهما فيما تقدمتا به من مذكرات ولم تدفع أي منهما ببطلان صحيفة الدعوى حتى صدر الحكمان المطعون فيهما كما لم يتضمن تقرير الطعن في كل من هذين الحكمين أي دفع ببطلان صحيفة الدعوى إنما أبدى هذا الدفع لأول مرة في المذكرة المقدمة منهما لدائرة فحص الطعون بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1966.
ومن حيث إنه بعد أن أجابت الوزارة والمؤسسة على الدعوى بما يدل على أنهما اعتبرتا صحيفتها صحيحة وبعد أن أبدتا دفاعهما في كل من الطلب المستعجل وطلب الإلغاء فإنه لا يقبل منهما الدفع ببطلان تلك الصحيفة وذلك بالإضافة إلى أن هذا الدفع كغيره من الدفوع المتعلقة بالإجراءات يسقط الحق فيه ما لم يبد قبل إبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى.
ومن حيث إن طلب الحكم بسقوط الطعن في الحكم الصادر في طلب استمرار صرف المرتب استناداً إلى صدور الحكم الموضوعي بإلغاء قرار الفصل - هذا الطلب لا يقوم على أساس سليم إذ أنه ما دام الحكم بالإلغاء لم يصبح نهائياً بعد لقيام الطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا فإن يظل غير قابل للتنفيذ حتى يفصل في الطعن المذكور وذلك وفقاً لأحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 التي تنص على أنه (لا يجوز تنفيذ الحكم قبل فوات ميعاد الطعن ويترتب على رفعه وقف تنفيذ الحكم وذلك فيما عدا أحكام المحاكم التأديبية أو الأحكام الصادرة بالتطبيق للمادة 21 فتكون واجبة التنفيذ إلا إذا أمرت دائرة فحص الطعون بإجماع لآراء بغير ذلك) ومن ثم فإن الحكم الصادر وفقاً لأحكام المادة 21 المشار إليها باستمرار صرف مرتب المدعي يظل قائماً ونافذاً ومنتجاً لأثره حتى تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذه أو حتى يفصل في الطعن في الحكم الصادر بالإلغاء - وبناء على ذلك فإن مجرد صدور حكم محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار الصادر بإنهاء عمل المدعي لا يترتب عليه سقوط طعن الجهة الإدارية في الحكم الصادر باستمرار صرف مرتبه.
ومن حيث إن طلب المدعي الحكم باستمرار صرف مرتبه يستند إلى حكم الفقرة الثانية من المادة 21 من القانون رقم 55 لسنة 1959 التي تنص على أنه (بالنسبة للقرارات التي لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها لا يجوز طلب وقف تنفيذها على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادراً بالفصل أو بالوقف إذا حكم له بهذا الطلب ثم رفض تظلمه ولم يرفع دعوى الإلغاء في الميعاد اعتبر الحكم كأن لم يكن واسترد منه ما قبضه) وقد استحدث هذا الحكم لأول مرة في القانون رقم 165 لسنة 1955 "مادة 18" وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون تبياناً له أنه (لما كانت تلك القرارات خاصة بالتعيين والترقية ومنح العلاوات وبالتأديب وبالإحالة إلى المعاش أو الاستيداع أو الفصل من غير الطريق التأديبي - وهي على الجملة لا يترتب على تنفيذها نتائج يتعذر تداركها فقد نصت المادة 18 فقرة 2 على أنه لا يجوز طلب وقف تنفيذها على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار الصادر بالفصل أو بالوقف حتى لا ينقطع عن الموظف مورد الرزق الذي يقيم الأود إن كان المرتب هذا المورد فإذا قضى للمتظلم بطلباته ثم رفض تظلمه ولم يرفع دعوى الإلغاء في الميعاد اعتبر الحكم كأن لم يكن).
ومن حيث إنه وفقاً لأحكام المادة المشار إليها يتعين أن يقوم طلب استمرار صرف المرتب على ركنين:
الأول: قيام الاستعجال ومقتضاه أن يترتب على تنفيذ القرار الصادر بوقف الموظف أو فصله نتائج يتعذر تداركها وقد عالج القانون الاستعجال في هذه الحالة لا يوقف تنفيذ القرار ذاته ولكن بعلاج استحدثه قدر فيه الضرورة بقدرها وذلك بإجازة القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه حتى لا ينقطع عن الموظف مورد الرزق الذي يقيم الأود إن كان المرتب هو هذا المورد - والواقع من الأمر أن القضاء باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه لا يعدو أن يكون وقفاً لتنفيذ كل أو بعض الآثار المالية المترتبة على القرار الصادر بالفصل أو بالوقف بالقدر الذي تقتضيه إقامة أود الموظف ومواجهة حالة الفاقة التي يتعرض لها نتيجة لحرمانه من مرتبه وذلك بصفة مؤقتة حتى يقضي في دعوى الإلغاء.
أما الركن الثاني: فيتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية وكلا الركنين هي الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإنه إذا ثبت أن مرتب الموظف المفصول لم يكن وحده المقيم لأوده المعول عليه في سد حاجته وحاجة عائلته بأن كان له مورد آخر أو تمكن بعد فصله وعن طريق الانخراط في عمل آخر من تدبير ما يكفي لمواجهة احتياجاته. تعين رفض طلب استمرار صرف المرتب - كما أنه إذا ما ثبت أن هذا الموظف قد تمكن عن طريق عمله من كسب مبالغ وإن كانت لا تكفي لمواجهة احتياجاته الضرورية ومدافعة الضرر المترتب على حرمانه من مرتبه إلا أنه كان من شأنها أن تسهم في إقامة أوده تعين أن يكون ذلك محل اعتبار عند تحديد ما يقضي باستمرار صرفه من المرتب بحيث لا يجاوز - بالإضافة إلى الموارد الأخرى القدر اللازم لمواجهة ضرورة إقامة الأود ودفع الضرر المترتب على الحرمان من المرتب - فإذا قضت المحكمة باستمرار صرف المرتب بأكمله دون أن تكون هناك ضرورة تقتضي ذلك - أو كانت ضرورة إقامة الأود لا تقتضي إلا استمرار صرف جزء منه كان حكمها مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه أو تعديله على الوجه الذي يتلائم مع حالة الضرورة التي استهدف القانون علاجها بإجازة الحكم بوقف تنفيذ الآثار المالية المترتبة على القرار كلها أو بعضها.
ومن حيث إن محكمة القضاء الإداري قد أقامت قضاءها باستمرار صرف مرتب المدعي على أساس ما استظهرته من توافر الركنين السابق الإشارة إليهما إذ جاء بأسباب حكمها أن حالة الاستعجال متوافرة بالنسبة إليه ما دام راتبه هو الذي يقيم أوده وهو أساس معيشته وأنه لا يحول دون توفر هذه الحالة حصوله على بعض المال من أعمال عرضيه يقوم بها خارج عمله بالفرقة كما أن ادعاءه يقوم بحسب الظاهر على أسباب جدية تحمل على ترجيح إلغاء قرار فصله.
ومن حيث إن الطعن على هذا الحكم يقوم على أساس عدم توافر الركنين المشار إليهما فبالنسبة إلى ركن الاستعجال تنعى الجهة الإدارية على الحكم أنه أخطأ إذ اعتبر مرتب المدعي هو مورد رزقه الوحيد رغم أنه لم يكن في حاجة ماسة إليه لقيامه منذ فصله بأعمال تدر عليه مالاً وفيراً وقدمت دليلاً على ذلك كتاباً من مراقبة العقود بالتليفزيون مؤرخاً 27 من يوليه سنة 1965 تضمن أنه قد صرف للمدعي خلال عام 1964 مبالغ بلغ مجموعها ثمانمائة جنيه عن تأليف وتوزيع موسيقى بعض الحلقات والتمثيليات وأنه لم يتعامل مع التليفزيون خلال عام 1965.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان قبل التحاقه بالعمل بالمؤسسة يعمل في مجال الموسيقى والتأليف الموسيقى وقد أشار في صحيفة دعواه وفيما تقدم به من مذكرات إلى ما كان يتمتع به من شهره ويقوم به من نشاط في هذا الميدان وإلى ما كان يدره عليه ذلك من إيراد كبير ضحى به في سبيل العمل بالمؤسسة - ولا شك في أنه بعد فصله من وظيفته قد عاد إلى ممارسة نشاطه في مجال تخصصه الأمر الذي عاد عليه بالفائدة المالية من جهة الانتفاع ببعض ما يقيم أوده وقد أكد ذلك ما قدمته المؤسسة أخيراً من مستندات تفيد أنه حصل خلال عام 1964 على مبالغ تساوي ثلثي مرتبه السنوي مقابل بعض الأعمال التي أداها للتليفزيون - وهي مستندات وإن لم تكن مقدمة إلى محكمة القضاء الإداري قبل إصدار حكمها المطعون فيه في الجانب المستعجل من الدعوى إلا أنها تناولت بالفعل حقيقة ما أفاءت عليه هذه الموارد فعلاً في الفترة السابقة على هذا الحكم ولو قد اتجهت المحكمة التي تقصي هذه الموارد يتحرى ذلك من الجهة الإدارية قبل أن تصدر حكمها لتبينت لها فعلاً حقيقة هذه الموارد.
ومن حيث إنه رغم أن الحكم الصادر باستمرار صرف مرتب المدعي قد أشار إلى حصوله على بعض المال من أعمال يقوم بها خارج عمله بالمؤسسة إلا أنه أغفل أن يدخل هذا المورد في اعتباره عند تحديد القدر اللازم استمرار صرفه من مرتبه لاستكمال إقامة أوده وقضى باستمرار صرف هذا المرتب بأكمله البالغ قدره مائة جنيه شهرياً دون اعتداد بموارده الأخرى الناتجة عن عمله بعد فصله والتي كان من شأنها أن تعينه على إقامة بعض أوده وأن تدرأ عائلة الضرر الناجم عن حرمانه من مرتبه.
ومن حيث إنه لذلك فإن الحكم المذكور ولئن كان قد استظهر على وجه سليم توافر ركني الاستعجال وقيام طلب المدعي بحسب الظاهر على أسباب جدية - حسبما سيأتي بيانه - إلا أنه لم يقدر مدى الضرر المترتب على حرمانه من مرتبه من حيث جسامته إذ قضى باستمرار صرف المرتب بأكمله رغم أن بعضه بالإضافة إلى ما يحصل عليه المدعي من عمله بعد فصله كأن يكفي لاستكمال إقامة أوده الأمر الذي يتعين معه القضاء بتعديله وقصر استمرار الصرف على جزء من المرتب يكفي لتحقيق هذا الغرض وتقدر المحكمة هذا الجزء بنصف المرتب المذكور - وهذا الذي تقدره هذه المحكمة يتفق تماماً مع قاصد التشريع من حيث إجازته الحكم باستمرار صرف كل أو بعض الراتب.
الموضوع: ومن حيث إنه لا جدال في أن الحكم الصادر في الجانب المستعجل من الدعوى يسقط بصدور حكم هذه المحكمة النهائي في الموضوع.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر بإنهاء عمل المدعي لدى الفرقة القومية للفنون الشعبية قد بني على التحقيق الذي أجرى في شأن ما نسب إلى بعض أفراد تلك الفرقة من تصرفات أثناء رحلتها إلى تونس في شهر أغسطس سنة 1963 - إذ عقب عودة الفرقة تقدم مديرها بتقرير عن سلوك بعض أفرادها خلال الرحلة - وأحيل هذا التقرير إلى إدارة الشئون القانونية بالمؤسسة للتحقيق فيما تضمنه من وقائع - وبعد أن قام نائب مدير تلك الإدارة بأجراء التحقيق ذكر في تقرير نتيجة هذا التحقيق أنه قد استقر عن ملاحظات عامة هي:
أولاً - أن أفراد الفريق بصفة عامة يغلب عليهم التمرد والفوضى والاستهتار.
ثانياً - أن الانحلال الخلقي الشديد قد بلغ مبلغاً رهيباً ونزل بالبعض منهم إلى حد ارتكاب الأفعال الفاضحة علانية بدون مبالاة.
وثالثاً - أن الانسجام والتوافق الاجتماعي بين بعضهم البعض من جهة وبينهم وبين الإداريين والمشرفين من الجهة الأخرى يكاد يكون مفقوداً وتضمن التقرير أن ما نسب الموسيقيين إبراهيم حجاج ومحمود رمزي ومصطفى أحمد علي هو تخلفهم عن العمل في الحفلة الأولى التي أقيمت في قرطاجة يوم 25 من أغسطس سنة 1963 وبعد أن أشار المحقق إلى الأسباب التي برروا بها تأخرهم ذكر أن هذه الأسباب وأن يكن فيها بعض الوجاهة إلا أنها لا تكفي لتبرير تخلفهم عن عملهم مع شدة أهميته وتعريض سمعة الفرقة كلها في بلد أجنبي.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى التحقيق المذكور يبين أنه قد سمعت فيه أقوال المدعي التي أشار فيها إلى ما شاب رحلة الفرقة إلى تونس من نقص عدد العازفين والمعدات ومن عدم اهتمام مديرها والمشرفين عليها بأداء واجباتهم من حيث أحكام الإشراف عليها وتنظيم تنقلاتها ومواعيد عملها واستكمال ما ينقصها من عازفين وأدوات - وذكر أنه بعد أن انتهت الفرقة من حضور حفلات المهرجان الذي عقد في بلده المانستير في 24 من أغسطس سنة 1963 أصدر مدير الفرقة أمره بأن يكون السفر إلى قرطاجة في الساعة السادسة من صباح اليوم التالي فاستعد للسفر قبل هذا الموعد بربع ساعة ولكنه فوجئ بأن السفر سيكون في الساعة العاشرة ولم تتحرك السيارات إلا أن الساعة الثانية عشرة والنصف بعد الظهر وكان هذا عقب الحفلة الختامية للمهرجان التي سهرت فيها الفرقة إلى قبيل الساعة الثالثة صباحاً - وعندما وصل إلى قرطاجة شعر بانهيار نتيجة للسفر والمجهود المضني الذي بذله في الليالي السابقة لا سيما وأن المبيت كان غير مريح ولذلك لم يكن مدير الفرقة يبيت معها بل كان يبيت في تونس - وعقب الوصول وجد أن مكان المبيت أسوأ مما كان في المانستير ونظراً إلى تعبه وحالة الإعياء التي كان عليها أفراد الفرقة طلب من مديرها إرجاء اشتراكها في الحفلة التي كانت ستقام في ذات الليلة ولكنه رفض فأخبره بأنه سيذهب للنوم فإذا وجد نفسه مهيئاً للعمل فسيحضر وإلا فإنه لا يستطيع تحمل المسئولية وذهب إلى فندق حيث نام من التاسعة مساء حتى الثامنة صباحاً دون أن يدري ولم يكن يستطيع النوم أو الراحة في مكان نوم الفرقة لأن أعضاءها من الراقصين كانوا يسهرون حتى ساعات متأخرة وكانوا دائمي الشغب - وذكر أنه يعتقد أن معظم ما وقع من أفراد الفريق كان سببه الأساسي غياب مدير الفرقة وإهماله - كما سمعت أقوال العازفين اللذين تخلفا عن ذات الحفلة فذكر السيد/ محمود أحمد رمزي أنه عندما انتهى المهرجان في بلدة المانستير ركب أفراد الفرقة السيارات إلى قرطاجة وعلم في الطريق أن المبيت سيكون في الليسه ولما كان يعلم من قبل بسبب سفره إلى تونس عدة مرات أن الليسيه أسوأ مكان للمبيت ولما كان متعباً من عمل اليوم السابق الذي سهر فيه إلى الصباح ومن السفر الطويل فضل لراحة أعصابه أن يبيت على حسابه في أحد فنادق تونس وأخبر المشرفين على الفرقة بذلك وقال أن إقامة الحفلة في ليلة الوصول كان أمراً مشكوكاً فيه فاعتمد على الإداريين لإبلاغه تليفونياً بما يستقر عليه الرأي وذكر أن الإشراف كانت تسوده الفوضى ولم يكن هناك تنظيم دقيق أو طريقة كافية لإبلاغ التعليمات أو ضبط الوقت أو حتى الإشراف الأدبي على أفراد الفريق وتصرفاتهم المخجلة - وأدلى العازف مصطفى أحمد علي بأقوال مماثلة وذكر أنه حدثت فضائح مخجلة وأن سبب ذلك في الحقيقة أنه لم يكن هناك إداريين يشرفون على الفرقة وأن المبيت في الفندق كان بإذن الإداريين وبعلمهم لأنهم هم الذين أوصلوهم إلى الفندق وهو على طريقهم إلى قرطاجة وأن المسافة بين الفندق وبين مكان عمل الفرقة عشر دقائق بالسيارة - وشهد سكرتير الفرقة علي محمد علي جمعة بأنه قابل المدعي في اليوم التالي للحفلة وسأله عن سبب عدم اشتراكه فيها فأخبره بأنه كان نائماً ولم يوقظه أحد - كما شهد محمد عبد الله أحد الإداريين المرافقين للفرقة بأن المدعي قابلة في اليوم التالي وأخبره أنه كان مريضاً.
ومن حيث إنه ولئن كان المدعي قد أخطأ بتخلفه عن الاشتراك في حفلة 25 من أغسطس سنة 1963 دون الحصول على إذن سابق من مدير الفرقة إلا أن المستفاد من التحقيق أنه قد لابست هذا التخلف ظروف من شأنها أن تخفف مسئوليته - فقد أقيمت تلك الحفلة بمدينة قرطاجة في اليوم التالي لاختتام حفلات المهرجان الذي أقيم في بلدة المانستير - وقد حضر المدعي جميع هذه الحفلات وبذل جهداً كبيراً رغم نقص عدد العازفين ونقص المعدات وفازت الفرقة بإحدى جوائز المهرجان - وعقب انتهاء هذه الحفلات وما اقتضته من سهر وجهد لعدة ليالي متوالية كان السفر الطويل إلى قرطاج في اليوم التالي حافزاً إذا شكا المدعي بعد هذا السهر والجهد والسفر من التعب والإرهاق - لا سيما وهو مصاب بمرض مزمن في الكبد والمرارة حسبما هو ثابت من الشهادة الطبية المقدمة منه - فإنه لا يكون متعنتا أو سيء النية - ويكون كل ما وقع منه من خطأ هو تخلفه بسبب هذا الإرهاق والتعب عن حفلة 25 من أغسطس المشار إليها دون إذن سابق من مدير الفرقة - وهو خطأ ليس على درجة من الجسامة بحيث يستأهل الجزاء الذي وقع عليه وهو إنهاء عمله بالفرقة.
ومن حيث إنه لذلك فإن الحكم الصادر بإلغاء القرار الصادر بهذا الجزاء يكون قد أصاب الحق إذ بنى قضاءه على أساس أن هناك غلواً من الجهة الإدارية في تقدير الجزاء الذي لا يتناسب البتة ودرجة خطورة الذنب الإداري الذي ارتكبه المدعي في الظروف والملابسات التي صاحبته إذ أقام اقتناعه بذلك على عناصر سائغة ولها أصل من الأوراق - ولا ينال من سلامة ما استخلصه الحكم في هذا الشأن ما ذهبت إليه الجهة الإدارية من أن تخلف المدعي وامتناعه عن الاشتراك في حفلة 25 من أغسطس سنة 1963 كان قصديا بنية الهدم والتخريب إذ ليس في التحقيق ما يساند هذا الادعاء أما ما جاء على لسان بعض إداري الفرقة من أن المدعي لم يكن نائماً في الفندق وقت إقامة تلك الحفلة بل كان قد تركه دون أن يخبر أحداً بمكانه واستنادهم في ذلك إلى أنهم سألوا عنه تليفونياً واستعانوا بالشرطة في البحث عنه - فمردود بأنه ليس في التحقيق ما يفيد أن أحداً قد توجه إلى غرفة المدعي بالفندق ولم يجده وكان التحقق من ذلك عن طريق إبقاء أحد إداري الفرقة للسؤال عنه إذ لم يكن مكان عمل الفرقة بعيداً عن الفندق بأكثر من عشر دقائق بالسيارة حسبما هو مستفاد من التحقيق - ومما يؤكد حسن نية المدعي ويؤيد أن تخلفه عن حضور الحفلة المذكرة كان راجعاً إلى إرهاقه وتعبه أنه لم يتخلف عن حضور الحفلتين اللتين أقيمتا بعدها وأنه لم ينسب إليه أي تصرف من التصرفات المشينة التي نسبت إلى بعض أعضاء الفرقة والتي تناولها التحقيق.
ومن حيث إن النعي على الحكمين المطعون فيهما بأن المحكمة قد جاوزت فيهما حدود الرقابة المقررة للقضاء الإداري على القرارات التأديبية إذ بسطت رقابتها على تقدير جهة الإدارة لمدى أهمية الذنب الإداري والخطورة الناجمة عنه وتناسب ذلك من الجزاء الموقع - هذا النعي مردود بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه ولئن كان للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك - إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى ألا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره - فتقدير الجزاء المشوب بالغلو يخرج من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية ومن ثم يخضع لرقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه على ما تقدم يتعين الحكم:
أولاً: في الطعن في الحكم الصادر باستمرار صرف مرتب المدعي بتعديل هذا الحكم والاكتفاء باستمرار صرف نصف مرتبه.
وثانياً: وفي الطعن في الحكم الصادر بإلغاء قرار إنهاء عمله برفض هذا الطعن - وذلك مع إلزام المؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى بكامل المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعهما:
(أولاً) بالنسبة إلى الطعن رقم 1114 لسنة 11 القضائية بتعديل الحكم المطعون فيه والاكتفاء باستمرار صرف نصف مرتب المدعي.
و(ثانياً) بالنسبة إلى الطعن رقم 297 لسنة 12 القضائية برفضه. وألزمت المؤسسة المصرية العامة لفنون المسرح والموسيقى بكامل المصروفات.


[(1)] - راجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 767 لسنة 5 ق بجلسة 24/ 12/ 1960 والمنشور بمجموعة السنة السادسة المبدأ 51 ص 357.