مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 743

(80)
جلسة 11 من مارس سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 1081 لسنة 12 القضائية

( أ ) اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري".
سلك دبلوماسي وقنصلي.
القرار الصادر بنقل أحد أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي إلى وظيفة بالكادر العالي استناداً إلى المادة السابعة من قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954 - قرار إداري نهائي صادر بالتعيين في إحدى الوظائف العامة مما يدخل طلب إلغائه في اختصاص القضاء الإداري.
(ب) اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. أعمال السيادة".
سلك دبلوماسي وقنصلي. موظف. "انتهاء الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي".
تكييف القرار الصادر بالنقل من وظائف السلكين السياسي والقنصلي إلى وظيفة بالكادر العالي بأنه فصل بغير الطريق التأديبي من وزارة الخارجية وتعيين في وظيفة أخرى - الدفع ترتيباً على ذلك بخروج القرار في شقه الخاص بالفصل عن ولاية القضاء الإداري - غير سديد أساس ذلك.
(جـ) سلك دبلوماسي وقنصلي. "أعضاؤه. نقلهم".
اختصاص المجلس الدائم لأعضاء السلكين - مقصور على المسائل التي تدخل أصلاً في اختصاص وزير الخارجية وله أن يصدر في شأنها قراراً نهائياً دون غيرها من المسائل التي تدخل في اختصاص سلطة أعلى - يخرج من اختصاص هذا المجلس تعيين أعضاء السلكين في وظائف أخرى استناداً إلى المادة السابعة من القانون رقم 166 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 548 لسنة 1954 - أساس ذلك - أن هذا التعيين يكون بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الخارجية.
(د) سلك دبلوماسي وقنصلي. "أعضاؤه. نقلهم" قرار إداري "رقابة القضاء عليه". تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي في وظائف أخرى - من الملاءمات المتروكة لتقدير جهة الإدارة - حدود رقابة القضاء الإداري.
(هـ) موظف. "معادلة الوظائف. موظف". "نقل". "بدل تمثيل".
سلك دبلوماسي وقنصلي. وظيفة مستشار بالسلك الدبلوماسي تعادل وظيفة من الدرجة الأولى "القانون رقم 210 لسنة 1951" بالكادر العام - لا وزن لاستحقاق شاغلي الوظيفة الأولى بدل تمثيل في إجراء هذه المعادلة.
(و) قرار إداري "مشروعيته". موظف. "معادلة الوظائف".
مشروعية القرار تبحث على أساس الأحكام المعمول بها عند صدوره - مثال.
1 - أن القرار المطعون فيه صدر استناداً إلى المادة السابعة من قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر به القانون رقم 166 لسنة 1954 التي تجيز تعيين رجال السلكين الدبلوماسي والقنصلي في وظائف الكادرين الفني العالي والإداري وبعض الوظائف الأخرى، ولذلك فلا يجوز تكييف القرار المطعون فيه على أنه قرار نقل مكاني أو نقل نوعي وإنما هو في حقيقة الأمر قرار إداري نهائي صادر بالتعيين في إحدى الوظائف العامة ومن ثم يدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة الثانية من قانون مجلس الدولة.
2 - أن الشق الثاني من الدفع الذي تبنيه إدارة قضايا الحكومة على أن القرار المطعون فيه تضمن فصل المطعون عليه من وظيفته بوزارة الخارجية بغير الطريق التأديبي وتعيينه في وظيفة أخرى، مما يترتب عليه خروج القرار في شقه الخاص بالفصل عن ولاية مجلس الدولة عملاً بنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة فإنه على غير أساس أيضاً، ذلك لأن القرارات التي تعتبر من أعمال السيادة وفقاً لنص المادة سالفة الذكر حسب مفهومها الصحيح وأخذاً بما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون 31 لسنة 1963 بتعديل المادة 12 من قانون مجلس الدولة، هي القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية التي تتضمن إسقاط ولاية الوظيفة عن الأشخاص الذين تتبين الحكومة أنهم غير صالحين لأداء الخدمة العامة سواء بإحالتهم إلى الاستيداع أو المعاش أو بفصلهم، فلا يدخل في ضمنها القرارات التي لا تستهدف تحقيق هذا الأثر، وهو تنحية الموظف عن الخدمة العامة، كالقرارات الصادرة بتعيين موظفي وزارة في وزارة أخرى إذا أجاز القانون ذلك، والقرارات الصادرة بالنقل من وظيفة إلى أخرى، ولذلك فلا تشملها الحصانة التي أراد المشرع إضفاءها على القرارات المشار إليها في المادة 12 سالفة الذكر، ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس.
3 - أنه نظراً لطبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي وحساسيته وتأثيره المباشر على مصلحة البلاد العليا أجاز المشرع تعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في الوظائف التي أوردتها الفقرة "ب" من ثانياً من المادة السابعة (وظائف الكادرين الفني العالي والإداري ووظائف رجال القضاء والنيابة والوظائف الفنية بمجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة ووظائف أعضاء هيئات التدريس بالجامعات وضباط الجيش من خريجي كلية أركان الحرب) من القانون الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي إذا اقتضى صالح العمل ذلك على أن يصدر بالتعيين قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الخارجية، أما المادة الثانية عشرة فإنها وإن كانت قد أنشأت مجلساً دائماً ناطت به النظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي عدا من كان منهم في درجة سفير أو وزير مفوض، إلا أن هذا الاختصاص مقصور بطبيعة الحال على المسائل التي تدخل أصلاً في اختصاص وزير الخارجية والتي يملك أن يصدر قراراً نهائياً في شأنها، وتنحصر في التعيين في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وفي الترقية إلى هذه الوظائف وفي التنقلات الداخلية، أما غير ذلك من المسائل التي تخرج عن اختصاص الوزير وتدخل في اختصاص سلطة أعلى كمجلس الوزراء (رئيس الجمهورية في الوضع الحالي) ومنها تلك التي تتعلق بتعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في وظائف عامة من الوظائف المنصوص عليها في الفقرة ب من المادة السابعة، فليس من شك في أنها تخرج عن اختصاص المجلس الدائم لأعضاء السلكين، فلا يجوز قانوناً عرضها عليه ولا يحق له أن يصدر قراراً في شأنها، يؤكد ذلك ويعززه ما نصت عليه المادة 12 سالفة الذكر من أن المجلس يرفع قراراته إلى وزير الخارجية في ميعاد معين فإذا لم يعترض عليها الوزير في خلال المدة التي حددها القانون أصبحت تلك القرارات معتمدة ونافذة، أما إذا اعترض عليها فإنه يعاد عرضها على المجلس ليعيد النظر في قراره ثم يصدر الوزير بعد ذلك القرار النهائي. فالتنظيم الذي أوردته المادة 12 يفترض بطبيعته أن يكون الوزير هو المختص بإصدار القرار النهائي في المسألة التي يبدي المجلس الدائم لأعضاء السلكين اقتراحه في شأنها، وليس الأمر كذلك بالنسبة لتعيين أحد موظفي السلكين في الوظائف المشار إليها إذ المختص بإصدار قرار التعيين في هذه الحالة هو رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية.
4 - أن المادة السابعة المشار إليها خولت جهة الإدارة إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك رخصة تعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في الوظائف المقابلة لوظائفهم في الجهات والكادرات المنصوص عليها في الفقرة "ب" وهذه الرخصة من الملاءمات المتروكة لتقدير جهة الإدارة تمارسها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بما لا معقب عليها من القضاء إذا كانت الوظيفة التي يعين فيها الموظف هي المقابلة لوظيفته وما دام القرار خلا من إساءة استعمال السلطة.
5 - أن المطعون عليه كان يشغل وظيفة مستشار بوزارة الخارجية بمرتب قدره 80 جنيهاً شهرياً في الدرجة من 780 جنيهاً إلى 1140 جنيهاً بعلاوة مقدارها 60 جنيهاً كل سنتين وأنه عين في وظيفة من الدرجة الأولى بالكادر الإداري بوزارة الشئون الاجتماعية ذات المربوط من 960 جنيهاً إلى 1140 جنيهاً سنوياً بعلاوة مقدارها 60 جنيهاً كل سنتين، ومن ثم يكون التعيين قد تم في وظيفة تتساوى مع الوظيفة التي كان يشغلها المطعون عليه من حيث الربط المالي ومقدار العلاوة، وتزيد عليها في بداية المربوط، مما لا يستساغ معه القول بأن التعيين كان في وظيفة أدنى، أما بالنسبة إلى بدل التمثيل الذي كان يمنح للمطعون عليه في وزارة الخارجية والذي فقده بتعيينه في وظيفة غير مقرر لها مثل هذا البدل، فليس من شأن ذلك أن يخل بالتماثل بين الوظيفتين، ذلك لأنه من الأمور المسلمة أن بدل التمثيل يقصد به مواجهة ما تتطلبه الوظيفة بحسب وضعها وواجباتها من نفقات تقتضيها ضرورة ظهور من يشغلها بالمظهر الاجتماعي اللائق بها، ومتى كان الأمر كذلك وكانت هذه هي الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير بدل التمثيل فمن ثم فلا يمكن أن يعتبر حقاً مكتسباً لمن يحصل عليه، ولا يدخل ضمن مرتبه مهما طال زمن منحه إياه، ويجوز إلغاؤه في أي وقت، ويفقد الموظف حقه فيه إذا ما نقل إلى وظيفة أخرى غير مقرر لها هذا البدل ولذلك فلا يكون له من وزن عند معادلة الوظائف المقرر لها البدل بغيرها من الوظائف.
6 - أن القول بأن فرص الترقي كانت متاحة أمام المطعون عليه في وزارة الخارجية وأن بعض زملائه الذين يلونه في ترتيب الأقدمية قد رقوا بعد صدور قرار تعيينه أو حصلوا على زيادات في مرتبهم نتيجة لتسوية حالتهم طبقاً للكادر الجديد الذي طبق على موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي اعتباراً من أول يوليو سنة 1964 فإنه ليس من شأن ذلك كله أن ينال من صحة القرار المطعون فيه أو يؤثر على سلامته لأن مشروعية ذلك القرار إنما تبحث على أساس الأحكام القانونية المعمول بها عند صدوره وعلى ضوء الظروف والملابسات التي كانت قائمة آنذاك دون أن يدخل في الاعتبار ما جد منها بعد ذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 1230 لسنة 18 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة الجزاءات.. والفصل بغير الطريق التأديبي بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في أول أغسطس سنة 1964 طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 544 الصادر من رئيس الجمهورية بتاريخ 12 من فبراير سنة 1964 بنقله من وزارة الخارجية إلى وزارة الشئون الاجتماعية مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وقال المدعي بياناً لدعواه في صحيفة الدعوى ومذكراته الشارحة أنه التحق بوزارة الخارجية سنة 1938 وظل يعمل في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي إلى أن رقى مستشاراً، وفي سنة 1962 حصل على إجازته السنوية وعاد إلى القاهرة فعلم أن سفير الجمهورية العربية المتحدة بمقديشيو أرسل تقريراً إلى الوزارة نسب إليه فيه عدة اتهامات، وطلب منعه من العودة للعمل بتلك السفارة. وقد قامت وزارة الخارجية بإجراء تحقيق انتهى إلى براءته من التهم التي نسبت إليه فصدر قرار من الجهات المختصة بحفظ الشكوى لعدم الصحة وأخطر بهذه النتيجة بكتاب أرسله إليه مدير عام شئون الأفراد بالوزارة. غير أن السفير لم يرق له ما انتهى إليه الأمر فعاد إلى القاهرة وسعى سعيه لدى المسئولين إلى أن أحيل الموضوع إلى التحقيق مرة ثانية، وفي هذه المرة انفردت المخابرات العامة بإجراء التحقيق. ورغم أنه لم يسفر عن إدانته فقد صدر قرار رئيس الجمهورية المشار إليه بنقله إلى وظيفة من الدرجة الأولى الإدارية بوزارة الشئون الاجتماعية. وقال المدعي أن قرار النقل مخالف للقانون ومشوب بعيب إساءة استعمال السلطة وقد انتهت إلى ذلك مذكرة مكتب التظلمات بالإدارة العامة للتفتيش الإداري بوزارة الخارجية وهي المذكرة التي أعدت بمناسبة بحث التظلم الذي قدمه المدعي إلى وزير الخارجية بتاريخ 5 من إبريل سنة 1964، وكذلك مذكرة تحقيق الوزارة التي ضمنها نتيجة بحثه لتظلم المدعي، فقد جاء في هاتين المذكرتين أن قرار النقل المطعون فيه باطل لأنه صدر نتيجة لتحقيقات باطلة أجرتها المخابرات العامة وهي جهة غير مختصة بالتحقيق مع رجال السلكين الدبلوماسي والقنصلي، ولأن الوزارة وقد اتجهت نيتها إلى تأديب المدعي وإبعاده عن وظيفته لم تسلك إزاءه الإجراءات والأوضاع التي استلزمها القانون رقم 166 لسنة 1954 وبذلك يكون قرار النقل قد تضمن عقوبة مقنعة لم ينص عليها القانون، وأضاف المدعي أنه نقل من كادر السلكين الدبلوماسي والقنصلي وهو كادر خاص إلى إحدى وظائف الكادر العام وقد ترتب على ذلك فقدانه لكثير من المزايا التي كان يتمتع بها في السلك الدبلوماسي كالبدلات ونظام الترقيات وغيرها من المزايا التي لا مثيل لها في الكادر العام، كما أنه ترتب على ذلك أيضاً حرمانه من مزايا الكادر الجديد الذي طبق على العاملين بالسلك الدبلوماسي اعتباراً من أول يوليه سنة 1964 وقد حصل زملاؤه نتيجة لتطبيقه على رفع في مرتباتهم فوصلت مرتبات زملائه إلى 95 جنيهاً شهرياً عدا غلاء المعيشة وبدل التمثيل في حين ظل مرتبه على ما هو عليه. ولما كانت المعادلة بين درجات الكادرات الخاصة وبين درجات الكادر العام لا ينبغي أن تقوم على ربط الوظيفة وحده دون الاعتداد بالمزايا الوظيفية الأخرى فمن ثم فإن قرار النقل فضلاً عن أنه انطوى على عقوبة تأديبية مقنعة فقد تضمن تنزيلاً للمدعي لأنه نقل إلى وظيفة درجتها أقل من درجة وظيفته المنقول منها.
وقد دفعت إدارة قضايا الحكومة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار المطعون فيه إن هو إلا قرار نقل مكاني قصد به تنظيم العمل وتحقيق الصالح العام، ولو صح اعتباره بمثابة نقل نوعي فإنه يكون قد تضمن في حقيقته إنهاء لخدمة المدعي بوزارة الخارجية بغير الطريق التأديبي وتعيينه في الوظيفة الجديدة، ولما كانت القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي هي من أعمال السيادة طبقاً لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة فمن ثم فلا يختص مجلس الدولة بالنظر في طلب إلغاء القرار المطعون فيه إذا كان نقلاً نوعياً. وأما بالنسبة إلى موضوع الدعوى فقالت إدارة قضايا الحكومة أن القرار المطعون فيه صدر بنقل المدعي من وزارة الخارجية إلى وزارة الشئون الاجتماعية طبقاً لما اقتضته المصلحة العامة، وقد روعي أن يتم النقل إلى وظيفة تعادل الوظيفة التي كان يشغلها، ولم يترتب عليه إلحاق أي ضرر بالمدعي كما أنه لم يقدم ما يدل على أن القرار شابه أي انحراف بالسلطة ومن ثم فهو مطابق للقانون وتكون الدعوى على غير أساس حقيقة بالرفض.
ثم عقب المدعي على ذلك بأن النقل كان بسبب التحقيقات التي أجرتها المخابرات العامة وأن الوزارة قصدت إلى تأديبه بغير اتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون وأن محامي الحكومة أقر بوجود تلك التحقيقات بمحضر جلسة 23 من فبراير سنة 1966 وإن كانت الوزارة قد امتنعت عن تقديمها.
وبجلسة 20 من إبريل سنة 1961 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وباختصاصها وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الحكومة بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص على أنه وإن كانت قرارات نقل الموظفين ليست من القرارات التي تدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري إلا أن مناط ذلك ألا تحمل هذه القرارات في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما يختص بها القضاء الإداري، كالنقل إلى وظيفة أخرى تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها، أو النقل كجزاء تأديبي، ذلك لأن المعول عليه عندئذ هو القرار الحقيقي لا الظاهري، وإذ نقل المدعي من وظيفة مستشار بوزارة الخارجية إلى وظيفة من الدرجة الأولى بالكادر الإداري بوزارة الشئون الاجتماعية، وكل من الوظيفتين تغاير الأخرى في طبيعتها، سواء من حيث شرائط التعيين أو من ناحية الاختصاصات كما أن الوظيفة المنقول منها ينتظمها كادر خاص بخلاف الوظيفة المنقول إليها فهي في الكادر العام، وكلاهما يختلف عن الآخر فمن ثم يعتبر النقل بمثابة تعيين للمدعي في الوظيفة المنقول إليها مما يدخل في اختصاص المحكمة المحدد في المادة 8 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 ويكون الدفع بعدم الاختصاص على غير أساس.
وأما بالنسبة إلى الموضوع فقد أقامت المحكمة قضاءها على أن القانون رقم 166 لسنة 1954 ناط في المادة 12 منه بلجنة شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ولاية النظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي لغاية وظيفة مستشار من الدرجة الأولى، وذلك لحكمة ظاهرة وهي ألا تكون القرارات الخاصة بهذه الشئون صادرة عن بواعث شخصية بعيدة عن المصلحة العامة، وعلى ذلك فإذا لم تبد اللجنة اقتراحاتها في شأن من هذه الشئون فإن القرار الذي يصدر دون مراعاة هذا الإجراء الجوهري يكون باطلاً، وإذ كان الثابت أن القرار المطعون فيه لم يعرض على تلك اللجنة ولم يصدر بتوجيه منها فإنه يكون مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء دون حاجة لبحث أوجه البطلان الأخرى التي أثارها المدعي.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه من وجهين: -
أولهما: أن المحكمة أخطأت حين قضت باختصاصها بنظر الدعوى ذلك لأن القرار المطعون فيه لا يخرج في تكييفه عن أحد أمرين، فهو إما أن يكون نقلاً مكانياً، وإما أن يكون تعييناً جديداً. فإذا كان نقلاً مكانياً فإنه يخرج عن ولاية مجلس الدولة، وإذا كان تعييناً جديداً فإن هذا يقتضي التسليم بأن القرار في حقيقة الأمر يتضمن فصل المطعون عليه من العمل بوزارة الخارجية بقرار من رئيس الجمهورية وبغير الطريق التأديبي ثم تعيينه في وظيفة جديدة. ووفقاً لهذا التكييف فإن القرار فيما يتعلق بالفصل يعتبر من قبيل أعمال السيادة التي تخرج عن اختصاص مجلس الدولة طبقاً لنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة.
والثاني: أن المحكمة أخطأت حين قضت بإلغاء القرار المطعون فيه، ذلك لأن الأصل في القرار الإداري أن يكون سليماً ما لم يقم الدليل على أنه مخالف للقانون، وكل ما ساقه الحكم المطعون عليه في هذا الشأن لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم، إذ مما لا شك فيه أن لجهة الإدارة أن تنقل موظفي السلك الدبلوماسي إلى أية وظيفة أخرى معادلة، ولا يوجد ما يمنعها من ذلك، خاصة وأن هؤلاء الموظفين لا يتمتعون بأية حصانة تمنع من نقلهم كما هو الشأن بالنسبة لرجال القضاء. وأما بالنسبة إلى ما جاء في الحكم من أن عدم عرض موضوع النقل على لجنة شئون السلكين الدبلوماسي والقنصلي من شأنه أن يؤدي إلى بطلان القرار فإنه قول على غير أساس لأن النقل تم بقرار جمهوري فلا يشترط لصحته أن يعرض على تلك اللجنة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى. ثم عقب المطعون عليه هذا التقرير بمذكرة ردد فيها دفاعه وانتهى إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، أما إدارة قضايا الحكومة فقدمت مذكرة رددت فيها ما جاء في تقرير هيئة مفوضي الدولة وأضافت إلى ذلك أن المصلحة العامة هي التي اقتضت نقل المطعون عليه من وزارة الخارجية إلى وزارة الشئون الاجتماعية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الشق الأول من الوجه الأول من الطعن المتعلق بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى استناداً إلى أن نقل المطعون عليه كان نقلاً مكانياً، فإنه مردود:
1 - بأن القرار المطعون فيه صدر استناداً إلى المادة السابعة من قانون نظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر به القانون رقم 166 لسنة 1954 التي تجيز تعين رجال السكلين الدبلوماسي والقنصلي في وظائف الكادرين الفني العالي والإداري وبعض الوظائف الأخرى، ولذلك فلا يجوز تكييف القرار المطعون فيه على أنه قرار نقل مكاني أو نقل نوعي وإنما هو في حقيقة الأمر قرار إداري نهائي صادر بالتعيين في إحدى الوظائف العامة ومن ثم يدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة الثانية من قانون مجلس الدولة.
2 - أما بالنسبة إلى أن الشق الثاني من الدفع الذي تبنيه إدارة قضايا الحكومة على أن القرار المطعون فيه تضمن فصل المطعون عليه من وظيفته بوزارة الخارجية بغير الطريق التأديبي وتعيينه في وظيفة أخرى، مما يترتب عليه خروج القرار في شقه الخاص بالفصل عن ولاية مجلس الدولة عملاً بنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة التي تنص على ما يأتي "لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي..." فإنه على غير أساس أيضاً، ذلك لأن القرارات التي تعتبر من أعمال السيادة وفقاً لنص المادة سالفة الذكر حسب مفهومها الصحيح وأخذاً بما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون 31 لسنة 1963 بتعديل المادة 12 من قانون مجلس الدولة، هي القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية التي تتضمن إسقاط ولاية الوظيفة عن الأشخاص الذين تتبين الحكومة أنهم غير صالحين لأداء الخدمة العامة سواء بإحالتهم إلى الاستيداع أو المعاش أو بفصلهم، فلا يدخل في ضمنها القرارات التي لا تستهدف تحقيق هذا الأثر وهو تنحية الموظف عن الخدمة العامة، كالقرارات الصادرة بتعيين موظفي وزارة.. في وزارة أخرى إذا أجاز القانون ذلك، والقرارات الصادرة بالنقل من وظيفة إلى أخرى، ولذلك فلا تشملها الحصانة التي أراد المشرع إضفاءها على القرارات المشار إليها في المادة 12 سالفة الذكر، ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثاني من الطعن المتعلق بالموضوع فإن المادة السابعة من القانون الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر به القانون رقم 166 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 548 لسنة 1954 تنص على ما يأتي "يكون التعيين في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي بطريق الترقية من الوظيفة التي تسبقها مباشرة بحسب الجدول الملحق بهذا القانون وذلك لغاية وظيفة وزير مفوض من الدرجة الثالثة على أنه يجوز متى توافرت الشروط المشار إليها في المادة (5) أن يعين رأساً... (ثانياً) في وظيفة مستشار من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية أو سكرتير أول أو ثان أو ثالث أو قنصل عام من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية أو قنصل أو نائب قنصل ( أ ).. (ب) موظفو الكادر الفني العالي والإداري ورجال القضاء والنيابة والموظفون الفنيون بمجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة وأعضاء هيئات التدريس بالجامعات وضباط الجيش من خريجي كلية أركان الحرب يكون تعيينهم في الوظائف المقابلة لوظائفهم، كما يجوز تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي رأساً في الوظائف المذكورة آنفاً حسبما يقتضيه صالح العمل وبناء على اقتراح وزير الخارجية وموافقة مجلس الوزراء وذلك دون الإخلال بالقوانين المنظمة للوظائف المشار إليها". وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون 548 لسنة 1954 المشار إليه ما يأتي "كما أضافت الفقرة "ب" من ثانياً من نفس المادة ضباط الجيش من خريجي كلية أركان الحرب، وسجلت المبدأ الذي يجيز تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي أو القنصلي رأساً في الوظائف التي أوردتها الفقرة "ب" نزولاً على ما يقتضيه صالح العمل دون الإخلال بالقوانين المنظمة للوظائف المشار إليها". وتنص المادة 12 من القانون على ما يأتي "ينشأ بوزارة الخارجية مجلس دائم يسمى (مجلس شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي) ويشكل على الوجه الآتي... ويختص المجلس بالنظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي من درجة مستشار فأقل... يرفع رئيس المجلس قرارات المجلس إلى وزير الخارجية لاعتمادها، فإذا لم يعتمدها الوزير ولم يبين اعتراضه عليها خلال شهرين من تاريخ رفعها إليه اعتبرت معتمدة وتنفذ، أما إذا اعترض الوزير على كل أو بعض من قرارات المجلس فعليه أن يبدي كتابة أسباب هذا الاعتراض ويعرضها على المجلس، ويجب على المجلس أن يبدي رأيه في اعتراض الوزير في بحر شهر على الأكثر من تاريخ عرضها عليه فإذا انقضت هذه المدة دون أن يبدي المجلس رأيه اعتبر رأي الوزير نهائياً، أما إذا تمسك المجلس برأيه فيرفع قراراته في هذا الشأن للوزير لاتخاذ ما يراه ويعتبر قراره في هذه الحالة نهائياً".
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أنه نظراً لطبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي وحساسيته وتأثيره المباشر على مصلحة البلاد العليا أجاز المشرع تعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في الوظائف التي أوردتها الفقرة "ب" من ثانياً من المادة السابعة من القانون الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي إذا اقتضى صالح العمل ذلك على أن يصدر بالتعيين قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الخارجية، أما المادة الثانية عشرة، فإنها وإن كانت قد أنشأت مجلساً دائماً ناطت به النظر في تعيين وترقية ونقل أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي عدا من كان منهم في درجة سفير أو وزير مفوض، إلا أن هذا الاختصاص مقصور بطبيعة الحال، على المسائل التي تدخل أصلاً في اختصاص وزير الخارجية والتي يملك أن يصدر قراراً نهائياً في شأنها، وتنحصر في التعيين في وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وفي الترقية إلى هذه الوظائف وفي التنقلات الداخلية، أما غير ذلك من المسائل التي تخرج عن اختصاص الوزير وتدخل في اختصاص سلطة أعلى كمجلس الوزراء (رئيس الجمهورية في الوضع الحالي) ومنها تلك التي تتعلق بتعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في وظائف عامة من الوظائف المنصوص عليها في الفقرة "ب" من المادة السابعة، فليس من شك في أنها تخرج عن اختصاص المجلس الدائم لأعضاء السلكين، فلا يجوز قانوناً عرضها عليه ولا يحق له أن يصدر قراراً في شأنها. ويؤكد ذلك ويعززه ما نصت عليه المادة 12 سالفة الذكر من أن المجلس يرفع قراراته إلى وزير الخارجية في ميعاد معين فإذا لم يعترض عليها الوزير في خلال المدة التي حددها القانون أصبحت تلك القرارات معتمدة ونافذة، أما إذا اعترض عليها فإنه يعاد عرضها على المجلس ليعيد النظر في قراره ثم يصدر الوزير بعد ذلك القرار النهائي. فالتظلم الذي أوردته المادة 12 يفترض بطبيعته أن يكون الوزير هو المختص بإصدار القرار النهائي في المسألة التي يبدي المجلس الدائم لأعضاء السلكين اقتراحه في شأنها، وليس الأمر كذلك بالنسبة لتعيين أحد موظفي السلكين في الوظائف المشار إليها إذ المختص بإصدار قرار التعيين في هذه الحالة هو رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية.
ومن حيث إنه لما كان قرار رئيس الجمهورية رقم 544 سنة 1964 قد صدر بتعيين المطعون عليه في وظيفة من الدرجة الأولى بوزارة الشئون الاجتماعية طبقاً لنص المادة السابعة من القانون 166 لسنة 1954 فمن ثم فلا يكون هناك ثمة محل لعرضه على مجلس شئون أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء القرار المطعون فيه بسبب عدم عرضه على ذلك المجلس ودون أن يتصدى لبحث مشروعيته من الناحية الموضوعية قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
ومن حيث إن المادة السابعة المشار إليها خولت جهة الإدارة إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك رخصة تعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في الوظائف المقابلة لوظائفهم في الجهات والكادرات المنصوص عليها في الفقرة "ب"، وهذه الرخصة من الملاءمات المتروكة لتقدير جهة الإدارة تمارسها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بما لا معقب عليها من القضاء إذا كانت الوظيفة التي يعين فيها الموظف هي المقابلة لوظيفته وما دام القرار خلا من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن المطعون عليه ينعى على قرار تعيينه في وزارة الشئون الاجتماعية مخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة استناداً إلى أن الوظيفة التي عين فيها تقل عن درجتها وفي مميزاتها عن الوظيفة التي كان يشغلها في وزارة الخارجية، وإلى أن هذه الوزارة قصدت بالقرار الطعون فيه تأديبه بإبعاده عن وظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي دون اتباع الإجراءات والأوضاع التي نص عليها القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الأول فإنه يبين من أوراق الطعن أن المطعون عليه كان يشغل وظيفة مستشار بوزارة الخارجية بمرتب قدره 80 جنيهاً شهرياً في الدرجة من 780 جنيهاً إلى 1140 جنيهاً بعلاوة مقدارها 60 جنيهاً كل سنتين وأنه عين في وظيفة من الدرجة الأولى بالكادر الإداري بوزارة الشئون الاجتماعية ذات المربوط من 960 جنيهاً إلى 1140 جنيهاً سنوياً وبعلاوة ومقدارها 60 جنيهاً كل سنتين، ومن ثم يكون التعيين قد تم في وظيفة تتساوى مع الوظيفة التي كان يشغلها المطعون عليه من حيث الربط المالي ومقدار العلاوة، وتزيد عليها في بداية المربوط، مما لا يستساغ معه القول بأن التعيين كان في وظيفة أدنى، أما بالنسبة إلى بدل التمثيل الذي كان يمنح للمطعون عليه في وزارة الخارجية والذي فقده بتعيينه في وظيفة غير مقرر لها مثل هذا البدل، فليس من شأن ذلك أن يخل بالتماثل بين الوظيفتين، ذلك لأنه من الأمور المسلمة أن بدل التمثيل يقصد به مواجهة ما تتطلبه الوظيفة بحسب وضعها وواجباتها من نفقات تقتضيها ضرورة ظهور من يشغلها بالمظهر الاجتماعي اللائق بها، ومتى كان الأمر كذلك وكانت هذه هي الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير بدل التمثيل فمن ثم فلا يمكن أن يعتبر حقاً مكتسباً لمن يحصل عليه، ولا يدخل ضمن مرتبه مهما طال زمن منحه إياه، ويجوز إلغاؤه في أي وقت، ويفقد الموظف حقه فيه إذا ما نقل إلى وظيفة أخرى غير مقرر لها هذا البدل ولذلك فلا يكون له من وزن عند معادلة الوظائف المقرر لها البدل بغيرها من الوظائف.
وأما القول بأن فرص الترقي كانت متاحة أمام المطعون عليه في وزارة الخارجية وأن بعض زملائه الذين يلونه في ترتيب الأقدمية قد رقوا بعد صدور قرار تعيينه أو حصلوا على زيادات في مرتبهم نتيجة لتسوية حالتهم طبقاً للكادر الجديد الذي طبق على موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي اعتباراً من أول يوليه سنة 1964 فإنه ليس من شأن ذلك كله أن ينال من صحة القرار المطعون فيه أو يؤثر على سلامته لأن مشروعية ذلك القرار إنما تبحث على أساس الأحكام القانونية المعمول بها عند صدوره وعلى ضوء الظروف والملابسات التي كانت قائمة آنذاك دون أن يدخل في الاعتبار ما جد منها بعد ذلك.
ومن حيث إنه لما كان المطعون عليه قد عين في وظيفة تتساوى مع الوظيفة التي كان يشغلها بوزارة الخارجية، وكانت هذه الوظيفة ضمن وظائف الكادر الإداري بوزارة الشئون الاجتماعية التي اعتبرها المشرع بالنص الصريح مماثلة لوظائف السلكين الدبلوماسي والقنصلي فمن ثم يكون دفاعه في هذا الشأن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى السبب الثاني الذي يثيره المطعون عليه ومحصلة أن القرار المطعون فيه هو في حقيقته جزاء مقنع أوقعته به وزارة الخارجية دون اتباع الإجراءات التي نص عليها القانون فإن المطعون عليه لم يقدم ما يفيد أن جهة الإدارة قد تغيت بإصدارها القرار المطعون فيه غاية أخرى غير تلك التي قصد المشرع إلى تحقيقها عندما خولها استعمال تلك الرخصة ولا يكفي في هذا الشأن القول بأن ثمة تحقيقات أجرتها المخابرات العامة وأنها كانت هي الباعث على إصدار ذلك القرار أو أن الوزارة قصدت إلى تأديبه، ذلك لأن الوزارة الطاعنة وإن كانت سلمت بوجود التحقيقات التي أجرتها المخابرات العامة في شأن ما نسبه أحد السفراء للمطعون عليه إلا أنها نفت في ردها على الدعوى وفي مذكراتها أنها كانت الدافع إلى إصدار القرار المطعون فيه. وأما بالنسبة إلى ما ورد بمذكرة رئيس مكتب التظلمات بوزارة الخارجية من أن القرار المطعون فيه تضمن في طياته عقوبة مقنعة فإنه بالإضافة إلى أن تلك المذكرة قد أخطأت في تكييف القرار المطعون فيه فاعتبرته قرار نقل قصد به توقيع عقوبة مقنعة على المطعون عليه مع أنه قرار تعيين صدر بالتطبيق لنص المادة السابعة من قانون السلكين الدبلوماسي والقنصلي على النحو السالف بيانه فإن هذه المذكرة ولا تعبر إلا عن رأي مقدمها ولا تمثل رأي وزارة الخارجية في شأن القرار المطعون فيه، كما أن القانون المشار إليه قد ناط برئيس الجمهورية وحده سلطة تعيين موظفي السلكين الدبلوماسي والقنصلي في الوظائف التي أوردتها الفقرة "ب" من ثانياً من المادة السابعة حسبما يقتضيه صالح العمل وبناء على اقتراح وزير الخارجية ومؤدى ذلك أن لهذه الجهات الإدارية وحدها تقدير ذلك المقتضى بسلطة تقديرية واسعة تنأى عن رقابة القضاء ما دام قرارها خلا من إساءة استعمال السلطة وهو ما لم يقدم المطعون عليه الدليل على توافره.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن القرار المطعون فيه صدر من الجهة المختصة ووفقاً للأوضاع المنصوص عليها في القانون ولم يقدم المطعون عليه ما يثبت أن القرار قد شابه عيب إساءة استعمال السلطة فمن ثم فإنه يكون مطابقاً للقانون وبمنأى عن الطعن، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاؤه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات..

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.