مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 788

(84)
جلسة 25 من مارس سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 664 لسنة 11 القضائية

( أ ) - عامل. "عمال مجالس". إدارة محلية. القانون رقم 124 لسنة 1960 بنظام الإدارة المحلية ولائحته التنفيذية - اختصاص لجنة شئون العمال بمجلس المدينة بالنظر في شئون العمال بما في ذلك فصلهم - اعتماد قرارها من رئيس المدنية ثم من المحافظ إذا كان القرار في أمر يجاوز اختصاصه - أساس ذلك.
(ب) - موظف. "نهاية الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي". نيابة إدارية. الرخصة المخولة لمدير عام النيابة الإدارية في اقتراح فصل الموظف بغير الطريق التأديبي - مناطها - ليس من شأنها أن تحد من اختصاص الجهة الإدارية التي ناط بها القانون إصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي.
(جـ) - موظف. "نهاية الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي". إدارة محلية "مجالس المدن".
جهة الاختصاص بإصدار قرار الفصل بغير الطريق التأديبي يرجع في تحديدها إلى أحكام القوانين المنظمة لشئون الموظفين والعمال - مثال. بالنسبة إلى عمال المجالس المحلية.
(د) - موظف. "نهاية الخدمة. فصل بغير الطريق التأديبي".
لا يلزم في مجاله أن يواجه العامل بما نسب إليه - يكفي أن يقوم السبب المبرر للفصل وأن يكون مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق.
1 - نص قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 في الفقرة الأولى من المادة 90 منه على أنه "فيما عدا الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون وفي لائحته التنفيذية تسري على مستخدمي وعمال مجالس المحافظات ومجالس المدن والمجالس القروية الأحكام الخاصة بمستخدمي الحكومة وعمالها" وتنص اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار من رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1960 في المادة 74 منها على أن "تشكل في كل مجلس لجنة لشئون العمال بقرار من رئيس المجلس وتختص بالنظر في ( أ ) التعيين. (ب) تحديد الدرجة والأجر. (جـ) الترقية. (د) الفصل. وتعتمد قرارات اللجنة من رئيس المجلس" كما تنص في المادة 76 منها على أن: "يكون للمحافظ بالنسبة إلى شئون العمال الاختصاصات الممنوحة في القوانين واللوائح للوزراء ووكلاء الوزارات وله أن يفوض في بعض هذه الاختصاصات ممثلي الوزارات في دائرة المحافظة ويكون لرئيس مجلس المدينة ورئيس المجلس القروي الاختصاصات الممنوحة لرؤساء المصالح" ووفقاً لهذه الأحكام تختص لجنة شئون العمال بمجلس المدينة بالنظر في شئون عمال المجلس بما في ذلك فصلهم على أن تعتمد قراراتها من رئيس المجلس ثم من المحافظ إذا كان القرار صادراً في أمر يجاوز اختصاص رئيس المجلس.
2 - أنه لا يحد من اختصاص الجهة الإدارية التي ناط بها القانون إصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي ولا يخل بحقها في ذلك ما نصت عليه المادة 16 من القانون رقم 117 لسنة 1958 من رخصة لمدير عام النيابة الإدارية في اقتراح فصل الموظف بغير الطريق التأديبي - ذلك أن نطاق تطبيق هذا النص مقصور على الأحوال التي يتكشف فيها للنيابة الإدارية بمناسبة تحقيق تجريه وجود شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة.
3 - أن حق الجهة الإدارية المختصة في الفصل بغير الطريق التأديبي مرده إلى أصل طبعي ثابت هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام وحريتها في اختيار من ترى صلاحيته لهذا الغرض وإقصاء من تراه غير صالح لذلك والأصل في تحديد المختص بإصدار قرار الفصل بغير الطريق التأديبي أن يرجع في شأنه إلى أحكام القوانين المنظمة لشئون الموظفين والعمال - ومن بينها بالنسبة إلى عمال المجالس المحلية - القانون رقم 120 لسنة 1960 وقرار رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1960.
4 - أنه لا وجه للنعي على القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعي بأنه لم يسبقه تحقيق ذلك أنه لا يلزم في مجال الفصل بغير الطريق التأديبي أن يواجه العامل بما نسب إليه وأن يحقق معه ويسمع دفاعه وإنما يكفي أن يقوم به السبب المبرر للفصل وأن يكون مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما تبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحية أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والإسكان والمرافق والإدارة المحلية والأزهر في 16 من يوليو سنة 1964 أقام السيد/ محمد محمد الحنش الدعوى رقم 478 لسنة 11 القضائية ضد وزير الإدارة المحلية ومحافظ البحيرة طالباً الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار الفصل المطعون فيه وما يترتب عليه من آثار وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات وقال شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 20 من إبريل سنة 1964 أصدرت لجنة شئون العمال بمجلس مدينة أبي حمص قراراً بفصله تأسيساً على القول بعدم صلاحيته ولسبق توقيع جزاءات عليه بخصم عدة أيام من مرتبه فتظلم من هذا القرار في 26 من إبريل سنة 1964 وفي 23 من مايو سنة 1964 أصدر محافظ البحيرة قراراً برفض التظلم أعلن هو به في 25 من مايو سنة 1964 وذكر المدعي أن قرار فصله جاء عاطلاً عن المبرر متسماً بمخالفة القانون لأن استناد الجهة الإدارية إلى القول بعد صلاحيته أمر لا يسوغ على إطلاقه إذ لم يجر معه تحقيق ولم ينسب إليه إهمال خلال مدة عمله منذ سنة 1961 كما أن الجهة الإدارية إذ استندت إلى أنه قد سبق توقيع جزاءات عليه لفصله تكون قد وقعت عقوبتين عن فعل واحد وهو ما لا يجوز وذلك بالإضافة إلى أن ما وقع عليه من جزاءات كان بسبب غيابه ستة عشر يوماً متفرقة على مدار ثلاث سنوات كان يحق له خلالها المطالبة بإجازات اعتيادية.
وبتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1964 أصدر السيد رئيس المحكمة الإدارية المذكورة قراراً بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية للاختصاص طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 2199 لسنة 1964.
وأجابت وزارة الإدارة المحلية على الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي من موظفي محافظة البحيرة ودفعت بعدم قبول الدعوى ضدها لرفعها على غير ذي صفة لأن المدعي ليس من موظفيها.
كما تقدمت محافظة البحيرة بمذكرة قالت فيها أن الثابت بملف خدمة المدعي أن إنهاء خدمته لم يكن بسبب تأديبي أو لذنب إداري محدد وإنما هو فصل بغير الطريق التأديبي مرجعه عدم صلاحية المدعي للخدمة ولا يغير من ذلك عرض أمره على لجنة شئون العمال كما أنها لم تكن ملزمة بإجراء تحقيق معه لإصدار القرار المطعون فيه لأنه ليست هناك واقعة محددة بالذات يجب أن يقوم عليها قرار الفصل لعدم الصلاحية كما هو الحال في الفصل التأديبي وأضافت أن الثابت من ملف خدمته أنه في 8 من مارس سنة 1964 تقدم رئيس مجلس المدينة بتقرير إلى لجنة شئون العمال بالمجلس عدد فيه الجزاءات التي وقعت عليه خلال مدة خدمته وسبب كل منها وانتهى في هذا التقرير إلى أنه يعتبر متمرداً وخارجاً على حدود الوظيفة ويجب إقصاؤه عن العمل حتى لا يفسد غيره ولما عرض أمره على اللجنة في 17 من مارس سنة 1964 انتهت إلى أنه أصبح عضواً غير صالح للعمل وقررت إنهاء خدمته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة واستندت اللجنة في قرارها إلى أنه قد وقعت على المدعي جزاءات قدرها تسعة وعشرون يوماً خلال عام ونصف وأنه كان كثير الغياب دون إذن ووقعت عليه لهذا السبب جزاءات متعددة كما أخذت عليه تجاهله لرئيسه المباشر وتعمده تسفيهه رسمياً في التحقيق وعدم سكنه بمقر عمله - وقد اعتمد قرار اللجنة من رئيس المجلس ومن المحافظ وانتهت المحافظة إلى القول بأن القرار المطعون فيه قد قام على سبب صحيح مستمد من أصول ثابتة في الأوراق وطلبت الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاؤه بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي على أنه في حقيقته قرار بإنهاء خدمة المدعي بسبب غير تأديبي يستند إلى حق الإدارة في إقصاء من تراه من عمالها غير صالح للخدمة العامة - ولئن كانت أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة قد جعلت من أسباب انتهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة الفصل بأمر جمهوري إلا أن تلك الأحكام لم تجعل هذا الفصل غير التأديبي سبباً لانتهاء خدمة المستخدمين الخارجين عن الهيئة - كما أن أحكام كادر العمال لم تتعرض لتنظيم فصل العامل الدائم من الخدمة بسبب غير تأديبي وإنما تعرضت لفصله بسبب تأديبي وجعلت المناط فيه موافقة وكيل الوزارة بعد أخذ رأي اللجنة الفنية المشار إليها فيه - ولم تتعرض أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 634 لسنة 1960 بشأن قواعد تأديب عمال اليومية الحكوميين للفصل بغير الطريق التأديبي وللسلطة المختصة بإصدار القرار به - ولئن كان المشرع لم ينظم في الأحكام المتقدمة الفصل غير التأديبي كسبب من أسباب انتهاء خدمة العمال الدائمين والمستخدمين الخارجين عن الهيئة قبل نقلهم إلى درجات عمال وفقاً للقانون رقم 111 لسنة 1961 إلا أن ذلك لا يجعل هذا السبب غير قائم في حقهم إذ مرده إلى أصل طبعي هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام بما يستتبع حريتها في الإبقاء على من تراه صالحاً من موظفيها وعمالها وإقصاء من تراه غير صالح دون أن يقتصر حقها في هذا الشأن على الموظفين - على أن أداة هذا الفصل ولئن لم تكن قد حددت في ظل العمل بكادر العمال قبل إلغائه إلا أن القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية قد نص في المادة الثالثة منه على اختصاصها بالنسبة إلى الموظفين والعمال بإجراء الرقابة والتحريات اللازمة للكشف عن المخالفات المالية والإدارية وبفحص الشكاوى التي تحال إليها من الرؤساء المختصين وبإجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية ثم نص في المادة 16 منه على أنه إذا أسفر التحقيق عن وجود شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة جاز لمدير عام النيابة الإدارية اقتراح فصل الموظف بغير الطريق التأديبي ويكون الفصل في هذه الحالة بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير أو الرئيس المختص ويسري هذا النص على العمال بدليل أن المشرع لم يخرجهم عن نطاق تطبيقه مثلما فعل في المادة 15 من ذات القانون حيث نص على أن لا تسري أحكام المواد 11، 12، 13، 14 على العمال ولئن كان نص المادة 16 أورد لفظ الموظف دون تحديده بالداخل في الهيئة أو الخارج عنها دون ذكر العامل فإنه قصد بالموظف في هذا الشأن كل من تختص النيابة الإدارية بالتحقيق معه وفقاً لحكم المادة 3 سالفة الذكر وبذلك يدخل في نطاقه الموظف الداخل في الهيئة والخارج عنها والعامل فيكون الاختصاص بفصل العامل بغير الطريق التأديبي لرئيس الجمهورية وقد تأكد ذلك بصدور القانون رقم 46 لسنة 1964 الذي ألغى كادر العمال ونقل وعمال اليومية على اختلاف منهم ودرجاتهم على الدرجات المعادلة بالجدول المرافق له وسرت عليهم كافة أحكام هذا القانون ومنها المادة 77 منه التي جعلت من أسباب انتهاء الخدمة الفصل بغير الطريق التأديبي بقرار يصدر من رئيس الجمهورية ولما كان فصل المدعي (وهو عامل دائم) بغير الطريق التأديبي قد صدر به قرار من المحافظ فإنه يكون قد صدر ممن لا يملك إصداره قانوناً مما يجعله مشوباً بعيب عدم الاختصاص حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه للأسباب الآتية:
أولاً: أنه لم يراع اختصام ذي الصفة الحقيقية في الدعوى إذ اختصم المدعي وزير الإدارة المحلية ومحافظ البحيرة في حين أنه يعمل بمجلس مدينة أبي حمص وهو من الشخصيات الاعتبارية المستقلة طبقاً للمواد 1، 2، 3 من قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 وهذا المجلس هو الذي استصدر قرار فصله بعد أن اتخذ كافة الإجراءات اللازمة لذلك وبهذه المثابة يكون هو صاحب الصفة الحقيقي والمسئول في هذه الدعوى أما وزارة الإدارة المحلية فهي منقطعة الصلة تماماً بموضوعها وكذلك الحال بالنسبة إلى محافظ البحيرة الذي خوله المشرع سلطات الوزير أو وكيل الوزارة بالنسبة إلى مجالس المدن فهذا التدرج الإداري لا يسلب مجلس المدينة المذكور شخصيته القانونية المستقلة كما لا يمنع من اعتبار هذا المجلس هو الجهة الإدارية المتصلة بموضوع الدعوى ومن ثم كان تصديق المحافظ على القرار محل الدعوى أو حتى إصداره إياه لا يعني أنه قانوناً هو صاحب الصفة في الاختصاص في الدعوى.
ثانياً: أن الحكم انتهى إلى بطلان قرار الفصل تأسيساً على صدوره من غير مختص هو محافظ البحيرة وكان يتعين صدوره من رئيس الجمهورية وقد صدر في قضائه عن تطبيق قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958 وفي ذلك مخالفة للقواعد القانونية نصاً وروحاً إذ أن تلك القواعد كانت تفصل فصلاً تاماً بين تنظيمات العمال وتنظيمات الموظفين إلى ما قبل العمل بقانون العاملين الجديد رقم 46 لسنة 1964 الذي كان أول عمل تشريعي يعمد إلى إدماج كافة العاملين بالدولة في كادر واحد وإخضاعهم لقانون واحد وإذ تمت وقائع الدعوى في ظل القوانين السابقة على هذا القانون فإنه لا مندوحة عن تطبيق النظم السابقة عليه - واستقلال كل من الطائفتين بتشريعاتها يستلزم عدم استعارة أية قاعدة من قواعد الموظفين لتطبيقها في مجال كادر العمال إلا أن تكون تلك القاعدة من القواعد العامة التي تطبق بغير نص وليست من هذه القواعد قاعدة الفصل غير التأديبي في خصوص الأداة التي تملكها بالنسبة للعامل ومن هنا يبين خطأ الحكم حين طبق المادة 16 من قانون النيابة الإدارية على المدعي وهو من عمال اليومية إذ أن في ذلك معارضة صريحة للأنظمة العامة المعمول بها قبل صدور القانون رقم 46 لسنة 1964 كما أن فيه مخالفة للقواعد الكلية الرئيسية التي قصد إليها المشرع في تلك الأنظمة أما ما جاء بالحكم من أن المادة 15 من القانون رقم 117 لسنة 1958 قد نصت على عدم سريان أحكام المواد 11، 12، 13، 14 على المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال وأن مقتضى ذلك إثبات سريان المادة 16 بالنسبة لهؤلاء ما دام لم يستبعدها المشرع في المادة 15 فمردود بأنه لا يجوز الأخذ بهذه الطريقة الضعيفة للتفسير وهي طريقة مفهوم المخالفة ما دامت تتعارض مع القواعد الرئيسية الكلية كما أن هذا القصد ليس هو الذي رمى إليه المشرع في تلك المادة بل حقيقة المقصود هو منح النيابة الإدارية اختصاصاً مجرداً بالنسبة إلى العمال هو الاختصاص بالتحقيق دون عرض نتائج التحقيق أو اقتراح الجزاءات أو الفصل لأن القانون رقم 117 لسنة 1958 صدر خصيصاً ليطبق على الموظفين دون العمال ولكن المشرع أراد أن يستبقى بعض الاختصاص بالنسبة إلى العمال وهو إجراء التحقيق معهم على اعتبار أن النيابة الإدارية هي الهيئة التي تختص على وجه العموم بالتحقيق مع جميع العاملين بالدولة - أما السلطة التي تختص بفصل العمال بغير الطريق التأديبي فإن القياس على الأحكام الخاصة بتوقيع الجزاءات التأديبية عليهم بالسلطات المختصة بتوقيع هذه الجزاءات يدل على أن الذي يختص به هو وكيل الوزارة أو الوزير على الأكثر وإذ صدر القرار المطعون فيه من محافظ البحيرة وهو يجمع بين سلطات الوزير ووكيل الوزارة بالنسبة إلى المدعي فإنه يكون قد صدر في حدود النصاب القانوني مبرءاً من كل عيب.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد أودعت تقريراً برأيها في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى ملف خدمة المدعي يبين أنه عين في أول يونيو سنة 1961 عاملاً بمجلس مدينة أبي حمص (أسطى كهربائي باليومية في الدرجة 300/ 500 مليم) وأجريت معه أثناء مدة خدمته عدة تحقيقات في مخالفات نسبت إليه ووقعت عليه جزاءات عديدة بالخصم من مرتبه - وفي 8 مارس سنة 1964 تقدم رئيس مجلس المدينة بتقرير عنه إلى لجنة شئون العمال بالمجلس ذكر فيه أنه قد مضت عليه في الخدمة سنتان وتسعة أشهر كان فيها معوجاً وغير مخلص في عمله وخارجاً على حدود الأدب وعلى مقتضيات الوظيفة وأنه خلال هذه المدة وقعت عليه الجزاءات الآتية:
( أ ) في 16 من سبتمبر سنة 1962 جوزي بخصم يومين لتعديه على كاتب أول محكمة أبي حمص بألفاظ غير لائقة وحاول قطع التيار الكهربائي عن المحكمة بدون مبرر.
(ب) وفي أول يناير سنة 1963 جوزي بخصم يومين لإهانته العامل عباس عبد الكريم بألفاظ خارجة أمام الجمهوري حسب الوارد في التحقيق.
(جـ) وفي 2 من يناير سنة 1963 جوزي بخصم يوم مع خصم أجر يوم 25 من ديسمبر سنة 1962 لتغيبه بدون إذن.
(د) وفي 19 من يناير سنة 1963 جوزي بخصم يوم لامتناعه عن توصيل النور إلى إسطبلات المجلس وخروجه على سكرتير خاص رئيس المجلس.
(هـ) وفي 25 من مارس سنة 1963 جوزي بخصم خمسة أيام لعدم إقامته بمقر عمله وادعائه كذباً أنه مقيم فيه.
(و) وفي 4 من مارس سنة 1963 جوزي بخصم خمسة أيام وخصم أجر أيام الغياب من 9 إلى 14 من فبراير سنة 1963 لغيابه رغم عدم موافقة القومسيون على منحه أجازات.
(ز) وفي 16 من نوفمبر سنة 1963 جوزي بخصم ثلاثة أيام وخصم أجر يوم 7 من نوفمبر سنة 1963 لغيابه بدون إذن وامتناعه عن الإجابة.
(ح) وفي 2 من ديسمبر سنة 1963 جوزي بخصم ثلاثة أيام وخصم أجر أيام الغياب من 12 من أكتوبر سنة 1963 لادعائه المرض حسبما قرر القومسيون.
(ط) وفي 8 من مارس سنة 1964 جوزي بخصم خمسة أيام وأجر نصف يوم 2 من مارس سنة 1964 لما نسب إليه في التحقيق الذي شمل عدة مخالفات.
وذكر رئيس مجلس المدينة في تقريره أنه يتضح من ذلك أنه قد وقعت على المذكور جزاءات مقدارها ثمانية وعشرون يوماً خلال سنة ونصف علاوة على خصم أجر أيام الغياب وأنه لذلك فإنه يعتبر متمرداً وخارجاً على حدود الوظيفة ويجب إقصاؤه عن العمل حتى لا يفسد غيره.
وعرض هذا التقرير على لجنة شئون العمال بمجلس المدينة بجلستها التي انعقدت في 17 من مارس سنة 1964 فأثبتت في محضر انعقادها أنه قد تبين لها من الاطلاع على تقرير رئيس المجلس وملف خدمة العامل محمد محمد الحنش والجزاءات التي وقعت عليه والتحقيقات التي أجريت معه أنه قد أصبح عضواً غير صالح للعمال للأسباب الآتية:
(1) أنه وقعت عليه جزاءات قدرها تسعة وعشرون يوماً خلال عام ونصف.
(2) كثرة غيابه دون إذن وخصم أيام الغياب من أجرته.
(3) كثرة ادعائه المرض وقرارات القومسيون بتمارضه.
(4) التعدي على الموظفين.
(5) مخالفة الأوامر.
(6) تجاهله رئيسه وتعمده تسفيهه أثناء التحقيق.
(7) عدم إقامته بمقر عمله الأمر الذي يقتضيه المرفق الذي يعمل به.
وقررت اللجنة إنهاء خدمته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة ووافق ورئيس مجلس المدينة على هذا القرار وأشر عليه بأن (يرفع إلى السيد المحافظ للاعتماد) - وفي 20 من إبريل سنة 1964 أصدر محافظ البحيرة القرار رقم 195 بإنهاء خدمة السيد/ محمد محمد الحنش اعتباراً من تاريخ صدور القرار مع حفظ حقه في المعاش والمكافأة مستنداً في إصداره إلى قرار لجنة شئون العمال المعتمد من رئيس مجلس المدينة - وأعلن المدعي بهذا القرار في تاريخ صدوره فتظلم منه في 26 من إبريل سنة 1964 وتقرر رفض هذا التظلم في 20 من مايو سنة 1964 فأقام دعواه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية في 16 من يوليو سنة 1964 ضد كل من السيد وزير الإدارة المحلية والسيد محافظ البحيرة.
ومن حيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الدعوى الذي تضمنه السبب الأول من أسباب الطعن هو أن المدعي كان يعمل بمجلس مدينة أبي حمص فكان يتعين أن تقام الدعوى ضد هذا المجلس - وهذا الدفع مردود بأن قرار إنهاء خدمة المدعي المطلوب الحكم بإلغائه قد صدر من محافظ البحيرة وإذ أقيمت الدعوى ضد المحافظ المذكور فإنها تكون قد أقيمت على من له صفة في أن توجه إليه المخاصمة الأمر الذي يتعين معه رفض هذا الدفع لعدم قيامه على أساس سليم.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء ذلك القرار على أنه قرار فصل بغير الطريق التأديبي صدر ممن لا يملك إصداره إذا كان يتعين أن يصدر بهذا الفصل قرار من رئيس الجمهورية واستند الحكم في هذا الشأن إلى المادة 16 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
ومن حيث إن المدعي كان يعمل بأحد المجالس المحلية هو مجلس مدينة أبي حمص وينص قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 في الفقرة الأولى من المادة 90 منه على أنه (فيما عدا الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون وفي لائحته التنفيذية تسري على مستخدمي وعمال مجالس المحافظات ومجالس المدن والمجالس القروية الأحكام الخاصة بمستخدمي الحكومة وعمالها) وتنص اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1960 في المادة 74 منها على أن (تشكل في كل مجلس لجنة لشئون العمال بقرار من رئيس المجلس وتختص بالنظر في ( أ ) التعيين. (ب) تحديد الدرجة والأجر. (جـ) الترقية (د) الفصل - وتعتمد قرارات اللجنة من رئيس المجلس) كما تنص في المادة 76 منها على أن (يكون للمحافظ بالنسبة إلى شئون العمال الاختصاصات الممنوحة في القوانين واللوائح للوزراء ووكلاء الوزارات وله أن يفوض في بعض هذه الاختصاصات ممثل الوزارات في الدائرة المحافظة ويكون لرئيس مجلس المدنية ورئيس المجلس القروي الاختصاصات الممنوحة لرؤساء لمصالح) ووفقاً لهذه الأحكام تختص لجنة شئون العمال بمجلس المدينة بالنظر في شئون عمال المجلس بما في ذلك فصلهم على أن تعتمد قراراتها من رئيس المجلس ثم من المحافظ إذا كان القرار صادراً في أمر يجاوز اختصاص رئيس المجلس.
ومن حيث إنه لذلك وإذ صدر القرار بإنهاء خدمة المدعي من المحافظ بناء على قرار لجنة شئون العمال بمدينة أبي حمص المعتمد من رئيس هذا المجلس فإنه يكون قد صدر من مختص مستوفياً أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه لا يحد من اختصاص الجهة الإدارية التي ناط بها القانون إصدار قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي ولا يخل بحقها في ذلك مما نصت عليه المادة 16 من القانون رقم 117 لسنة 1958 من رخصة لمدير عام النيابة الإدارية إلى اقتراح فصل الموظف بغير الطريق التأديبي - ذلك أن نطاق تطبيق هذا النص مقصور على الأحوال التي يتكشف فيها للنيابة الإدارية بمناسبة تحقيق تجريه وجود شبهات قوية تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة - أما حق الجهة الإدارية المختصة في الفصل بغير الطريق التأديبي فمرده إلى أصل طبعي ثابت هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام وحريتها في اختيار من ترى صلاحيته لهذا الغرض وإقصاء من تراه غير صالح لذلك والأصل في تحديد المختص بإصدار قرار الفصل بغير الطريق التأديبي أن يرجع في شأنه إلى أحكام القوانين المنظمة لشئون الموظفين والعمال - ومن بينها بالنسبة إلى عمال المجالس المحلية - القانون رقم 120 لسنة 1960 وقرار رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1960.
ومن حيث إنه لا وجه للنعي على القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعي بأنه لم يسبقه تحقيق ذلك أنه لا يلزم في مجال الفصل بغير الطريق التأديبي أن يواجه العامل بما ينسب إليه وأن يحقق معه أو يسمع دفاعه وإنما يكفي أن يقوم به السبب المبرر للفصل وأن يكون مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة مستمدة من أصول لها وجود ثابت في الأوراق.
ومن حيث إن الثابت من ملف خدمة المدعي أنه قد حفل بالتحقيقات التي أجريت معه والتي أسفرت عن ثبوت ارتكابه للعديد من المخالفات خلال مدة خدمته القصيرة وهي مخالفات تنم على إهماله وعدم اكتراثه بعمله وعدم تقديره للمسئولية وعدم تنفيذه لأوامر رؤسائه وشذوذ مسلكه وفي ذلك ما يكفي لأن يستفاد منه عدم صلاحيته للبقاء في عمله ومجرد سابقة توقيع جزاءات على المدعي عن المخالفات المشار إليها ليس من شأنه اعتبار فصله بغير الطريق التأديبي ازدواجاً في الجزاء ذلك أن الجهة الإدارية لا تمارس بهذا الفصل سلطتها في التأديب بل سلطة أخرى لا يحدها سوى إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه وقد صدر القرار بإنهاء خدمة المدعي من مختص يملك سلطة إصداره قانوناً واستوفى أوضاعه وشرائطه الشكلية وقام على سببه الذي يبرره وهو سبب مستند إلى وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق - فإن طلب إلغائه يكون غير قائم على أساس سليم مما كان يتعين معه القضاء برفضه - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء برفض دعوى المدعي وإلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.