مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1967 إلى آخر سبتمبر سنة 1967) - صـ 800

(85)
جلسة 25 من مارس سنة 1967

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضيتان رقم 744 ورقم 805 لسنة 11 القضائية

( أ ) إيجار الأماكن. "مجلس المراجعة". قانون. "دستورية القوانين". اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". القانون رقم 46 لسنة 1964 بتحديد إيجار الأماكن - إغلاق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة - قصد المشرع عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات - الحكم بعدم جواز سماع الدعوى بطلب إلغاء القرارات الصادرة من مجلس المراجعة أياً كانت طبيعة المخالفات - النعي بعدم دستورية هذا الحكم بدعوى مصادرته لحق التقاضي - على غير أساس إذ يجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء - القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويعين اختصاصها.
(ب) قرار إداري. "انعدامه". إيجار أماكن "مجلس المراجعة".
فقد القرار صفته الإدارية وصيرورته معدوماً - لا يكون إلا إذا كان مشوباً بمخالفة جسيمة - تصدي مجلس المراجعة لتقدير القيمة الإيجارية بالنسبة إلى باقي الوحدات السكنية التي لم يتظلم مستأجروها - مخالفة القانون في هذه الحالة لا تنحدر بقرار مجلس المراجعة إلى درجة الانعدام.
1 - أن المشرع أغلق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة التي تصدر بالتطبيق للقانون 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، لا فرق في ذلك بين من طبق القانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصل الواقع أو تطبيق القانون لأن القصد من المنع هو عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات استقراراً للوضع بالنسبة إلى تحديد القيمة الإيجارية للأماكن، فكلما تعلقت المنازعة بقرار صادر من مجلس المراجعة بتحديد القيمة الإيجارية للأماكن فإنه لا يجوز سماع الدعوى بطلب إلغائه أياً كانت طبيعة المخالفات التي ينعاها صاحب الشأن على القرار ما دامت لا تنحدر به إلى درجة الانعدام ولا وجه للنعي بعدم دستورية نص المادة الخامسة المشار إليها بدعوى مصادرتها لحق التقاضي ذلك أنه يجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً، وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء، وإذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء إلى القضاء للانتصاف لأن في ذلك مصادرة لحق التقاضي وهو حق كفل الدستور أصله إذ تكون مثل هذه المصادرة المطلقة بمثابة تعطيل وظيفة السلطة القضائية وهي سلطة أنشأها الدستور لتمارس وظيفتها في أداء العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو بالتضييق لأن النصوص الدستورية تقضي بأن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويعين اختصاصاتها وينبني على ذلك أن كل ما يخرجه القانون من ولاية القضاء يصبح معزولاً من نظره.
2 - إن تصدي مجلس المراجعة لقرارات لجنة التقدير فيما يتعلق بالوحدات التي لم يتظلم شاغلوها من قرارات تلك اللجنة، ليس من العيوب التي من شأنها أن تنحدر بالقرار إلى درجة الانعدام، فمن الأمور المسلمة أن العمل الإداري لا يفقد صفته الإدارية ولا يكون معدوماً إلا إذا كان مشوباً بمخالفة جسيمة، ومن صورها أن يصدر القرار من فرد عادي أو أن يصدر من سلطة في شأن اختصاص سلطة أخرى، كأن تتولى السلطة التنفيذية عملاً من أعمال السلطة القضائية أو التشريعية، أما غير ذلك من العيوب التي تعتور القرار الإداري فإنها تجعله مشوباً بعيب مخالفة القانون بمعناها الواسع ولا تنحدر به إلى درجة الانعدام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1413 لسنة 17 القضائية لدى محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 18 من مايو سنة 1963 طالباً الحكم بإلغاء قرار لجنة المراجعة الصادر بجلسة 28 من فبراير سنة 1963 والمؤرخ 5 من مارس سنة 1963 مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال بياناً لدعواه أنه أنشأ عمارة سكنية بشارع الجيش رقم 80 الزقازيق وطبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 قامت لجنة التقدير المختصة بتقدير القيمة الإيجارية للمساكن الموجودة بها وخفضتها عن القيمة العقدية فتظلم إلى لجنة المراجعة التي خفضت القيمة الإيجارية التي قدرتها اللجنة الأولى. وقد جاء القرار مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة والانحراف في التقدير إذ أن لجنة المراجعة لم تلتزم قواعد التقدير التي نص عليها القانون، فبالرغم من أن تكاليف الأرض والبناء بلغت 534241 جنيهاً ومؤدى ذلك طبقاً للمادة الأولى من القانون المشار إليه ألا يقل الريع السنوي عن 2539 جنيهاً و700 مليم فقد صدر قرار مجلس المراجعة المشار إليه بأن القيمة الإيجارية للمكان كله بمبلغ 1710 جنيهاً و504 مليمات وبذلك تكون لجنة المراجعة قد خفضت القيمة الإيجارية عن القيمة الواجب تقديرها قانوناً بمبلغ 969 جنيهاً و196 مليماً بغير مقتض، كما أن بعض السكان لم يتظلموا من التقدير ورغم ذلك قامت لجنة المراجعة بتخفيض القيمة الإيجارية بالنسبة إليهم أيضاً.
وقد دفعت الجهة الإدارية بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن المادة الخامسة من القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن نصت على أن قرار مجلس المراجعة غير قابل لأي طريق من طرق الطعن وبذلك يكون المشرع قد سلب القضاء ولايته في إلغاء القرارات الصادرة من مجالس المراجعة، أما بالنسبة للموضوع فقالت الجهة الإدارية أن لجنة المراجعة التزمت في تقدير الأجرة الضوابط التي نص عليها القانون، وأما بالنسبة إلى ما يزعمه المدعي من أن لجنة المراجعة قد أنقصت من تقدير إيجار بعض المساكن بالرغم من عدم تظلم مستأجريها، فإن اللجنة مع تسليمها بالأصل القائل بأن الطاعن لا يضار بطعنه إلا أنها رأت مع ذلك لدواعي العدالة وحكمة التشريع أن تقدر جميع المساكن سواء تلك التي تظلم مستأجروها أو تلك التي لم يتظلم مستأجروها حتى تضع أساساً ثابتاً للوحدة السكنية يجرى عليه التعامل مع من سيحل محل الساكن الذي لم يتظلم، أما الساكن الذي لم يتظلم فلا يسري بالنسبة إليه تقدير الوحدة السكنية المخفض.
وبجلسة 11 من مايو سنة 1965 حكمت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس المراجعة المطعون فيه فيما تضمنه من تخفيض القيمة الإيجارية بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي تظلم مستأجروها من قرار لجنة التقدير، وبإلغاء قرار المجلس المذكور فيما تضمنه من تخفيض لهذه القيمة بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي لم يتظلم مستأجروها من قرار هذه اللجنة وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن قرارات مجلس المراجعة في التظلمات التي تقدم إليه من أصحاب الشأن، من قرارات لجان التقدير، هي قرارات نهائية غير قابلة للطعن فيها أمام القضاء، طبقاً لنص المادة الخامسة من القانون 46 سنة 1962، أياً كانت طبيعة المخالفة القانونية التي تؤخذ على هذه القرارات، لأن المشرع قصد بذلك النص عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات استقراراً للوضع بالنسبة إلى تحديد القيمة الإيجارية للأماكن، غير أنه يشترط حتى يتمتع القرار الصادر من مجلس المراجعة بتلك الحصانة أن تكون له مقومات القرار الإداري ولو كان مخالفاً للقانون أو مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، أما إذا انطوى على مخالفة جسيمة تنحدر به إلى درجة الانعدام فلا يتمتع بأية حصانة، ويعتبر كالعدم، ولا تتقيد الدعوى بطلب إلغائه بالمواعيد المقررة. وولاية مجلس المراجعة لا تمتد إلى قرارات لجان التقدير إلا بالتظلم منها، فإذا لم يتظلم أصحاب الشأن فلا يسوغ لهذا المجلس أن ينال من تقدير اللجنة الأولى، وإذا تصدى مجلس المراجعة لتقدير القيمة الإيجارية لهذه الوحدات فإنه يكون قد خرج على حكم القانون وشاب قراره عيب جسيم ينحدر به إلى درجة الانعدام. وعلى ذلك فإنه لا يجوز نظر الدعوى بطلب إلغاء قرار لجنة المراجعة المطعون فيه بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي تظلم مستأجروها من قرار لجنة التقدير أما بالنسبة إلى الوحدات الأخرى التي تصدى لها مجلس المراجعة وقرر تخفيض قيمتها الإيجارية بالرغم من أن مستأجريها لم يتظلموا من قرار لجنة التقدير، فإن قراره في هذا الشأن يكون منعدماً متعيناً إلغاءه في هذا الشق من الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن رقم 744 سنة 11 القضائية المقدم من الحكومة، أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي لم يتظلم أصحابها من قرار لجنة التقدير من وجهين:
أولهما: أن نص المادة الخامسة من القانون رقم 46 سنة 1962 صريح في أن قرارات مجلس المراجعة فيما يتعلق بتحديد القيمة الإيجارية هي قرارات غير قابلة للطعن فيها أمام القضاء أياً كانت طبيعة العيب الذي يلحق بها، ومن ثم فإن التفرقة التي أقامها الحكم بين القرارات التي تصدر وفقاً للقانون وتلك التي تصدر بالمخالفة لأحكامه تكون تفرقة لا أساس لها من القانون، كما أنها تتعارض مع المحكمة التي استهدفها المشرع بمنع الطعن، وهي سد باب المنازعة واستقرار النشاط الإداري وهذا هو ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا في شأن تفسير نص مماثل لنص المادة الخامسة المشار إليه ورد في المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 الخاص بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي.
والثاني: أن ولاية مجلس المراجعة تمتد إلى قرارات لجان التقدير سواء تظلم منها أصحاب الشأن أو لم يتظلموا ذلك لأن دعوى الإلغاء هي دعوى عينية يقصد بها حماية مبدأ المشروعية فهي ليست خصومة بين طرفين وإنما هي اختصام للقرار الإداري ذاته ويحوز الحكم فيها حجية مطلقة، ولذلك فإن اختصاص مجلس المراجعة ينصب على قرار لجنة التقدير برمته سواء فيما يتعلق بالوحدات السكنية التي تظلم مستأجروها أو بغيرها من الوحدات التي لم يتظلم أصحابها، تحقيقاً للعدالة، ونتيجة لذلك فإن قرار لجنة المراجعة المطعون فيه يكون سليماً مبرءاً من عيوب المشروعية وتكون الدعوى بطلب إلغائه جديرة بالرفض حتى ولو فرض جدلاً أن القضاء الإداري يختص بنظر الطعن.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعي حسبما جاء في تقرير الطعن رقم 805 سنة 11 ومذكرة المدعي الختامية أن نص المادة الخامسة من القانون رقم 46 لسنة 1962 المشار إليه هو نص غير دستوري لأنه يحرم المواطن من حقه في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وأنه بفرض دستوريته فإن مجلس المراجعة خرج على حدود اختصاصه فيما يتعلق بالوحدات السكنية التي لم يتظلم شاغلوها، فيكون قراره معدوماً ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون عندما أبطل القرار في بعض أجزائه دون البعض الآخر لأن القرار كل لا يتجزأ، فوفقاً لأحكام القانون تحسب التكاليف الكلية للمبنى وتحدد على أساس ذلك القيمة الإيجارية ثم توزع على وحدات المبنى فإذا أبطل جزء من التقدير فإن مؤدى ذلك أن يقضي بإلغاء التوزيع من أساسه لأن التوازن المفروض عند التوزيع أصابه خلل نتيجة لتجاوز مجلس المراجعة لحدود سلطته، الأمر الذي يستوجب إلغاء القرار بأكمله وإحالته الموضوع إلى لجنة أخرى تقوم بإجراء التقدير وبإعادة التوزيع على أساس من العدالة بين الوحدات السكنية ويضاف إلى ذلك أن قرار مجلس المراجعة فيما يتعلق بالشق الذي لم يحكم بإلغائه قد خرج على القانون، فقد اتبع مجلس المراجعة طريقة ارتجالية في حساب القيمة الحقيقية للأرض والمباني وفي تقدير القيمة الإيجارية وأقام ذلك التقدير على أساس أن مساحة الأرض المقام عليها المباني هي 736 متراً مع أن مساحة الأرض هي 950 متراً مما ترتب عليه اختلال القيمة الإيجارية التي انتهى المجلس إلى تحديدها بالقرار المطعون فيه وتلك أخطاء جسيمة تنحدر بالقرار إلى درجة الانعدام.
ومن حيث إنه تقصى أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار المساكن أنه نص في المادة الرابعة منه على ما يأتي "تختص لجان تقدير القيمة الإيجارية المنصوص عليها في المادة 13 من القانون 56 لسنة 1954 المشار إليه بتحديد إيجار المباني الخاضعة لهذا القانون وتوزيعها على الوحدات" ونصت المادة الخامسة منه على أن يجوز للمالك أو المستأجر أن يتظلم من قرار لجنة التقدير أمام مجلس المراجعة المنصوص عليه في المادة 16 من القانون رقم 56 لسنة 1954 المشار إليه على أن يعدل تشكيله بحيث يكون برئاسة قاض يندبه رئيس المحكمة الابتدائية بدائرة المحافظة ويضم إلى عضوية المجلس اثنان من مهندسي الإدارات الهندسية المحلية بالمحافظة يصدر بتعيينهما قرار من المحافظ، ويجب تقديم التظلم إلى المجلس خلال ستين يوماً تسري بالنسبة للمالك من تاريخ إخطاره بقرار اللجنة بكتاب مسجل مصحوب بعلم وصول وبالنسبة للمستأجر من تاريخ إخطاره على النحو السابق أو من تاريخ إبرام عقد الإيجار بالنسبة للمستأجر الأول، ويكون قرار المجلس غير قابل لأي طريق من طرق الطعن، ولا يترتب على الطعن في قرارات اللجان وقف تنفيذها، ولا يجوز لأي مستأجر آخر المنازعة في أجرة الوحدة السكنية متى صار تحديدها نهائياً". وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون "كما تضمنت المادة الخامسة حق المالك والمستأجر في التظلم من قرار التقدير إلى مجلس المراجعة المنصوص عليه في المادة 16 من القانون 56 سنة 1954 على أن يكون المجلس برئاسة قاض مع ضم عضوين من المهندسين إليه وكل ذلك ضماناً لعدالة التقدير ودقته حيث إن قرار المجلس النهائي ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء".
ومن حيث إن مفاد ذلك أن المشرع أغلق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة التي تصدر بالتطبيق للقانون 46 سنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، لا فرق في ذلك بين من طبق القانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو تطبيق القانون لأن القصد من المنع هو عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات استقراراً للوضع بالنسبة إلى تحديد القيمة الإيجارية للأماكن، فكلما تعلقت المنازعة بقرار صادر من مجلس المراجعة بتحديد القيمة الإيجارية للأماكن فإنه لا يجوز سماع الدعوى بطلب إلغائه أياً كانت طبيعة المخالفات التي ينعاها صاحب الشأن على القرار ما دامت لا تنحدر به إلى درجة الانعدام، ولا وجه للنعي بعدم دستورية نص المادة الخامسة المشار إليها بدعوى مصادرتها لحق التقاضي ذلك لأنه يجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً، وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء، وإذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء إلى القضاء للانتصاف لأن في ذلك مصادرة لحق التقاضي وهو حق كفل الدستور أصله، إذ تكون مثل هذه المصادرة المطلقة بمثابة تعطيل وظيفة السلطة القضائية وهي سلطة أنشأها الدستور لتمارس وظيفتها في أداء العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق، لأن النصوص الدستورية تقضي بأن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويعين اختصاصها، وينبني على ذلك أن كل ما يخرجه القانون من ولاية القضاء يصبح معزولاً من نظره.
ومن حيث إنه لما كان ما ينعاه المدعي على قرار مجلس المراجعة المطعون فيه "موضوع الطعن رقم 805 لسنة 11 القضائية" يتحصل في أن مجلس المراجعة قد أخطأ في تقدير قيمة الأرض والمباني مما ترتب عليه وقوعه في الخطأ في تحديد القيمة الإيجارية للمبنى، وهي عيوب إن صحت، فلا تخرج عن أن تكون مخالفات للقانون ليس من شأنها أن تعدم القرار، ولذلك فإن الطعن المشار إليه يكون على غير أساس من القانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم جواز نظر الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس المراجعة فيما تضمنه من تخفيض القيمة الإيجارية بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي تظلم مستأجروها من قرار لجنة التقدير قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي بني عليها مما يتعين لذلك تأييده في هذا الشق.
ومن حيث إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار مجلس المراجعة فيما يتعلق بالوحدات السكنية التي لم يتظلم مستأجروها من قرار لجنة التقدير، لا يتمتع بأية حصانة تعصمه من الإلغاء لأنه قرار منعدم، هو قول لا سند له من صحيح القانون، ذلك لأن تصدي مجلس المراجعة لقرارات لجنة التقدير فيما يتعلق بالوحدات التي لم يتظلم شاغلوها من قرارات تلك اللجنة، ليس من العيوب التي من شأنها أن تنحدر بالقرار إلى درجة الانعدام، فمن الأمور المسلمة أن العمل الإداري لا يفقد صفته الإدارية ولا يكون معدوماً إلا إذا كان مشوباً بمخالفة جسيمة، ومن صورها أن يصدر القرار من فرد عادي أو أن يصدر من سلطة في شأن من اختصاص سلطة أخرى، كأن تتولى السلطة التنفيذية عملاً من أعمال السلطة القضائية أو التشريعية، أما غير ذلك من العيوب التي تعتور القرار الإداري فإنها تجعله مشوباً بعيب مخالفة القانون بمعناها الواسع ولا تنحدر به إلى درجة الانعدام.
ومن حيث إن مجلس المراجعة يختص وفقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 المشار إليه بالتعقيب على القرارات الصادرة من لجان التقدير في شأن تحديد القيمة الإيجارية للوحدات السكنية إذا تظلم منها أصحاب الشأن، والحال أن المدعي بصفته مالكاً للمبنى، قد تظلم من قرار تلك اللجنة، كما تظلم منه أيضاً بعض شاغلي الوحدات السكنية بالمبنى، وإذا كان مجلس المراجعة قد تصدى لتقدير القيمة الإيجارية بالنسبة إلى باقي الوحدات السكنية التي يتظلم مستأجروها، بسبب ما ارتآه من أن تقدير القيمة الإيجارية للمبنى كله مترابط، وأن من شأن التعرض لبعض أجزاء القرار دون البعض الآخر ما قد يخل بسلامة توزيع القيمة الإيجارية الكلية للمبنى على الوحدات السكنية، وبالتوازن المفروض بين إيجار تلك الوحدات فإن المجلس لا يكون قد تعرض لمسألة لا ولاية له فيها، ومهما خالفت الطريقة التي اتبعها أحكام القانون، الذي خول أصحاب الشأن وحدهم الطعن في قرارات لجان التقدير إذا ما تراءى لهم أن ذلك محقق لمصلحتهم فإنه ليس من شأن هذه المخالفة أن تنحدر بالقرار إلى درجة الانعدام، وإنما هي مخالفة للقانون تجعل القرار قابلاً للإبطال فقط ولذلك فهو يتمتع بالحصانة التي أضفاها المشرع على قرارات مجلس المراجعة شأنه في ذلك شأن القرارات الصحيحة على النحو السالف البيان، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه بالنسبة إلى هذا الشق من الدعوى مذهباً مخالفاً وقضى بإلغاء قرار مجلس المراجعة بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي لم يتظلم شاغلوها من قرار لجنة التقدير فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً إلغاءه في هذا الشق والقضاء بعدم جواز نظر الدعوى وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك من إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار مجلس المراجعة فيما تضمنه من تخفيض القيمة الإيجارية بالنسبة إلى الوحدات السكنية التي لم يتظلم مستأجروها من قرار لجنة التقدير وبعدم جواز نظر الدعوى بالنسبة إلى هذا الشق وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك وألزمت المدعي بالمصروفات..